إِلَيْكَ تَنَاهَى كُلُّ فَخْرٍ وَسُودَدِ

Wave Image
إِلَــيْــكَ تَــنَــاهَـى كُـلُّ فَـخْـرٍ وَسُـودَدِ
فَـــأَبْـــلِ اللَّـــيَــالِــي وَالْأَنَــامَ وَجَــدِّدِ
لِــجَــدِّكَ كَــانَ الْــمَـجْـدُ ثُـمَّ حَـوَيْـتَـهُ
وَلِابْـنِـكَ يُـبْـنَـى مِـنْـهُ أَشْـرَفُ مَـقْـعَـدِ
ثَـــلَاثَـــةُ أَيَّـــامٍ هِــيَ الــدَّهْــرُ كُــلُّــهُ
وَمَـا هُـنَّ غَـيْـرُ الْأَمْـسِ وَالْـيَوْمِ وَالْغَدِ
وَمَـــا الْـــبَـــدْرُ إِلَّا وَاحِــدٌ غَــيْــرَ أَنَّــهُ
يَـغِـيـبُ وَيَـأْتِـي بِـالـضِّـيَـاءِ الْـمُـجِـدَّدِ
فَـلَا تَـحْـسَـبِ الْأَقْـمَـارَ خَـلْـقًـا كَـثِيرَةً
فَــجُــمْــلَــتُــهَــا مِــنْ نَــيِّــرٍ مُــتَــرَدِّدِ
وَلِلْـحَـسَـنِ الْـحُـسْـنَـى وَإِنْ جَادَ غَيْرُهُ
فَــذَلِــكَ جُــودٌ لَــيْــسَ بِــالْــمُـتَـعَـمَّـدِ
لَـهُ الْـجَـوْهَـرُ الـسَّـارِي يُـؤَمِّمُ شَخْصَهُ
يَـجُـوبُ إِلَـيْـهِ مَـحْـتِـدًا بَـعْـدَ مَـحْـتِـدِ
وَلَــوْ كَــتَــمُـوا أَنْـسَـابَـهُـمْ لَـعَـزَتْـهُـمُـو
وُجُــوهٌ وَفِــعْــلٌ شَـاهِـدٌ كُـلَّ مَـشْـهَـدِ
وَقَـدْ يُـجْـتَـدَى فَـضْـلُ الْـغَـمَـامِ وَإِنَّـمَا
مِـنَ الْـبَـحْرِ فِيمَا يَزْعُمُ النَّاسُ يَجْتَدِي
وَيَـهْـدِي الـدَّلِـيـلُ الْقَوْمَ وَاللَّيْلُ مُظْلِمٌ
وَلَــكِــنَّـهُ بِـالـنَّـجْـمِ يَـهْـدِي وَيَـهْـتَـدِي
فَـيَـا أَحْـلَـمَ الـسَّـادَاتِ مِـنْ غَـيْـرِ ذِلَّـةٍ
وَيَـا أَجْـوَدَ الْأَجْـوَادِ مِـنْ غَـيْـرِ مَـوْعِدِ
وَطِـئْـتَ صُـرُوفَ الـدَّهْـرِ وَطْـأَةَ ثَـائِـرٍ
فَـأَتْـلَـفْـتَ مِـنْـهَـا نَـفْـسَ مَـا لَـمْ تُصَفِّدِ
وَعَــلَّــمْـتَـهُ مِـنْـكَ الـتَّـأَنِّـيَ فَـانْـثَـنَـى
إِذَا رَامَ أَمْـــــرًا رَامَـــــهُ بِـــــتَــــأَيُّــــدِ
وَأَثْـــقَــلْــتَــهُ مِــنْ أَنْــعُــمٍ وَعَــوَارِفٍ
فَـسَـارَ بِـهَـا سَـيْـرَ الْـبَـطِـيءِ الْـمُـقَـيَّـدِ
وَدَانَـتْ لَـكَ الْأَيَّـامُ بِـالـرَّغْمِ وَانْضَوَتْ
إِلَـيْـكَ اللَّـيَـالِـي فَارْمِ مَنْ شِئْتَ تُقْصِدِ
بِــسَــبْــعِ إِمَــاءٍ مِــنْ زَغَــاوَةَ زُوِّجَــتْ
مِـنَ الـرُّومِ فِـي نُـعْـمَـاكَ سَـبْـعَـةَ أَعْبُدِ
وَلَــوْلَاكَ لَــمْ تَــسْـلَـمْ أَفَـامِـيَـةُ الـرَّدَى
وَقَـدْ أَبْـصَرَتْ مِنْ مِثْلِهَا مَصْرَعَ الرَّدِي
فَــأَنْــقَـذْتَ مِـنْـهَـا مَـعْـقِـلًا هَـضَـبَـاتُـهُ
تَـلَـفَّـعُ مِـنْ نَـسْـجِ الـسَّـحَـابِ وَتَرْتَدِي
وَحِــيــدًا بِــثَـغْـرِ الْـمُـسْـلِـمِـيـنَ كَـأَنَّـهُ
بِــفِــيــهِ مُــبَــقًّــى مِــنْ نَـوَاجِـذِ أَدْرَدِ
بِـأَخْـضَـرَ مِـثْـلِ الْبَحْرِ لَيْسَ اخْضِرَارُهُ
مِــنَ الْـمَـاءِ لَـكِـنْ مِـنْ حَـدِيـدٍ مُـسَـرَّدِ
كَــأَنَّ الْأُنُــوقَ الْـخُـرْسَ فَـوْقَ غُـبَـارِهِ
طَــوَالِــعُ شَــيْـبٍ فِـي مَـفَـارِقِ أَسْـوَدِ
وَلَـيْـسَ قَـضِـيـبُ الْـهِـنْـدِ إِلَّا كَـنَـابِـتٍ
مِـنَ الْـقَـضْـبِ فِـي كَفِّ الْهِدَانِ الْمُعَرِّدِ
مَــتَـى أَنَـا فِـي رَكْـبٍ يَـؤُمُّـونَ مَـنْـزِلًا
تَـوَحَّـدَ مِـنْ شَـخْـصِ الـشَّرِيفِ بِأَوْحَدِ
عَــلَــى شَــذْقَــمِــيَّـاتٍ كَـأَنَّ حُـدَاتَـهَـا
إِذَا عَــرَّسَ الــرُّكْــبَــانُ شُـرَّابُ مُـرْقِـدِ
تُـــلَاحِــظُ أَعْــلَامَ الْــفَــلَا بِــنَــوَاظِــرٍ
كُــحِــلْـنَ مِـنَ اللَّـيْـلِ الـتَّـمَـامِ بِـأَثْـمِـدِ
وَقَـدْ أَذْهَبَتْ أَخْفَافَهَا الْأَرْضُ وَالْوَجَى
دَمًـــا وَتَـــرَدَّى فِـــضَّـــةً كُــلُّ مُــزْبِــدِ
يُـخَـلْـنَ سَـمَـامًـا فِـي السَّمَاءِ إِذَا بَدَتْ
لَـــهُــنَّ عَــلَــى أَيْــنٍ سَــمَــاوَةُ مُــورِدِ
تَــظُــنُّ بِـهِ ذَوْبَ اللُّـجَـيْـنِ فَـإِنْ بَـدَتْ
لَهُ الشَّمْسُ أَجْرَتْ فَوْقَهُ ذَوْبَ عَسْجَدِ
تَـبِـيـتُ الـنُّـجُـومُ الـزُّهْـرُ فِي حُجُرَاتِهِ
شَــوَارِعَ مِــثْــلَ اللُّــؤْلُــؤِ الْــمُــتَــبَـدِّدِ
فَـأَطْـمَـعْـنَ فِـي أَشْـبَـاحِـهِـنَّ سَوَاقِطًا
عَـلَـى الْـمَـاءِ حَـتَّى كِدْنَ يُلْقَطْنَ بِالْيَدِ
فَــمَـدَّتْ إِلَـى مِـثْـلِ الـسَّـمَـاءِ رِقَـابَـهَـا
وَعَــبَّــتْ قَـلِـيـلًا بَـيْـنَ نَـسْـرٍ وَفَـرْقَـدِ
وَذُكِّــرْنَ مِـنْ نَـيْـلِ الـشَّـرِيـفِ مَـوَارِدًا
فَــمَـا نِـلْـنَ مِـنْـهُ غَـيْـرَ شِـرْبٍ مُـصَـرَّدِ
وَلَاحَــتْ لَــهَــا نَــارٌ يُــشَـبُّ وَقُـودُهَـا
لِأَضْــيَــافِــهِ فِــي كُــلِّ غَـوْرٍ وَفَـدْفَـدِ
بِـخَـرْقٍ يُـطِـيـلُ الْـجُـنْحُ فِيهِ سُجُودَهُ
وَلِلْأَرْضِ زِيُّ الــرَّاهِــبِ الْــمُــتَــعَــبِّــدِ
وَلَــوْ نَــشَــدَتْ نَــعْـشًـا هُـنَـاكَ بَـنَـاتُـهُ
لَـمَـاتَـتْ وَلَـمْ تَـسْـمَـعْ لَهُ صَوْتَ مُنْشِدِ
وَتَـكْـتُـمُ فِـيـهِ الْـعَـاصِـفَـاتُ نُـفُـوسَـهَا
فَــلَــوْ عَـصَـفَـتْ بِـالـنَّـبْـتِ لَـمْ يَـتَـأَوَّدِ
وَلَـمْ يَـثْـبُـتِ الْـقُـطْـبَـانِ فِـيـهِ تَـحَـيُّرًا
وَمَــا تِــلْــكَ إِلَّا وَقْــفَــةٌ عَــنْ تَــبَــلُّــدِ
فَـمَـرَّتْ إِذَا غَـنَّـى الـرَّدِيـفُ وَقَدْ وَنَتْ
بِــذِكْــرَاهُ زَفَّــتْ كَــالــنَّـعَـامِ الْـمُـطَـرَّدِ
يُـحَـاذِرْنَ وَطْءَ الْـبِـيـدِ حَـتَّـى كَـأَنَّـمَـا
يَـطَـأْنَ بِـرَأْسِ الْـحَـزْنِ هَـامَـةَ أَصْـيَـدِ
وَيَـنْـفِـرْنَ فِـي الظَّلْمَاءِ عَنْ كُلِّ جَدْوَلٍ
نِــفَــارَ جَــبَــانٍ عَــنْ حُــسَـامٍ مُـجَـرَّدِ
تَــطَــاوَلَ عَــهْــدُ الْــوَارِدِيــنَ بِــمَـائِـهِ
وَعُـطِّـلَ حَـتَّـى صَارَ كَالصَّارِمِ الصَّدِي
إِلَــى بَــرَدَى حَــتَّــى تَــظَــلَّ كَــأَنَّــهَــا
وَقَــدْ كَــرَعَــتْ فِــيــهِ لَــوَاثِـمُ مِـبْـرَدِ
أَرَى الْـمَـجْـدَ سَـيْـفًـا وَالْقَرِيضَ نِجَادَهُ
وَلَــوْلَا نِــجَــادُ الــسَّـيْـفِ لَـمْ يُـتَـقَـلَّـدِ
وَخَــيْـرُ حِـمَـالَاتِ الـسُّـيُـوفِ حِـمَـالَـةٌ
تَــحَــلَّــتْ بِــأَبْـكَـارِ الـثَّـنَـاءِ الْـمُـخَـلَّـدِ
وَأَعْــرَضَ مِــنْ دُونِ اللِّــقَــاءِ قَــبَـائِـلٌ
يَـعُـلُّـونَ خِـرْصَـانَ الْـوَشِـيـجِ الْمُقَصَّدِ
غُــوَاةٌ إِذَا الـنَّـكْـبَـاءُ حَـفَّـتْ بُـيُـوتَـهُـمْ
أَقَـامُـوا لَـهَـا الْـفُـرْسَانَ فِي كُلِّ مَرْصَدِ
يُــطِــيــعُــونَ أَمْــرًا مِــنْ غَـوِيٍّ كَـأَنَّـهُ
عَـلَـى الـدَّهْـرِ سُـلْطَانٌ يَجُورُ وَيَعْتَدِي
إِذَا نَــفَـرَتْ مِـنْ رَعْـدِ غَـيْـثٍ سَـوَامُـهُ
سَـعَـى نَـحْـوَهُ بِـالْـمَـشْـرَفِـيِّ الْـمُـهَـنَّدِ
وَقَـدْ عَـلِـمَـتْ هَـذِي الْـبَـسِـيـطَـةُ أَنَّـهَا
تُــرَاثُــكَ فَــلْــتَــشْــرُفْ بِــذَاكَ وَتَـزْدَدِ
وَإِنْ شِئْتَ فَازْعُمْ أَنَّ مَنْ فَوْقَ ظَهْرِهَا
عَــبِـيـدُكَ وَاسْـتَـشْـهِـدْ إِلَـهَـكَ يَـشْـهَـدِ
وَذِكْـرُكَ يُـذْكِـي الشَّوْقَ فِي كُلِّ خَاطِرٍ
وَلَــوْ أَنَّــهُ فِــي قَـلْـبِ صَـمَّـاءَ جَـلْـمَـدِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤