كَفَى بِشُحُوبِ أَوْجُهِنَا دَلِيلًا

Wave Image
كَـفَـى بِـشُـحُـوبِ أَوْجُـهِـنَـا دَلَـيلًا
عَـلَـى إِزْمَـاعِـنَـا عَـنْـكَ الـرَّحِـيـلَا
أَبَـتْ صِـنْـفَـا الـنَّـوَاعِـبِ مِنْ نِيَاقٍ
وَطَــيْــرٍ أَنْ نُــقِـيـمَ وَأَنْ نَـقِـيـلَا
تَــأَمَّــلْــنَـا الـزَّمَـانَ فَـمَـا وَجَـدْنَـا
إِلَـى طِـيـبِ الْـحَـيَـاةِ بِـهِ سَـبِـيـلَا
ذَرِ الــدُّنْـيَـا إِذَا لَـمْ تَـحْـظَ مِـنْـهَـا
وَكُــنْ فِــيـهَـا كَـثِـيـرًا أَوْ قَـلِـيـلَا
وَأَصْــبِـحْ وَاحِـدَ الـرَّجُـلَـيْـنِ إِمَّـا
مَـلِـيـكًـا فِـي الْـمَـعَـاشِـرِ أَوْ أَبِـيـلَا
وَلَـوْ جَـرَتِ الـنَّبَاهَةُ فِي طَرِيقِ الْـ
ـخُـمُـولِ إِلَـيَّ لَاخْـتَـرْتُ الْـخُـمُولَا
يُــصَـرَّدُ زَاجِـرُ الـصِّـرْدَانِ جُـبْـنًـا
وَيُـوصَـلُ حَبْلُ مَنْ وَصَلَ الْحُبُولَا
وَتَــقْــتُــلُ أُمَّ لَــيْــلَـى أَمُّ عَـمْـرٍو
لِــمَـنْ يَـغْـذُو سَـمِـيَّـتَـهَـا قَـتِـيـلَا
أَرَى الْـحَـيَـوَانَ مُـشْـتَـبِهَ السَّجَايَا
كَــأَنَّ جَــمِــيـعَـهُ عَـدِمَ الْـعُـقُـولَا
نَـسِـيـتُ أَبِـي كَـمَـا نَـسِيَتْ رِكَابِي
وَتِـلْـكَ الْـخَـيْـلُ أَعْـوَجَ وَالْـجَدِيلَا
كَـأَنَّ جِـيَـادَنَـا فِـي الـدَّارِ أَسْـرَى
سُـكُـوتًـا لَا وَجِـيـفَ وَلَا صَـهِـيـلَا
حُـجُـولُ قُـيُـونِـهَـا كَـحُجُولِ قَيْنٍ
أَجَــادَ مِـنَ الْـحَـدِيـدِ لَـهَـا كُـبُـولَا
فَــمَـا تَـدْرِي أَخَـلْـخَـالًا مَـشُـوفًـا
يُــقِــلُّ الـرُّسْـغُ أَمْ قَـيْـدًا ثَـقِـيـلَا
يُـفَـجِّـعُـنَـا ابْـنُ دَايَـةَ بِـابْـنِ أُنْـسٍ
نُــفَــارِقُــهُ فَــلَا تَــبِـعَ الْـحُـمُـولَا
وَقَـــلَّـــدَهُ الـــرُّمَــاةُ بِــأُرْجُــوَانٍ
وَعَــادَ شَـبَـابُـهُ رَحْـضًـا غَـسِـيـلَا
كَـلِـفْـنَـا بِـالْـعِـرَاقِ وَنَـحْـنُ شَـرْخٌ
فَـــلَــمْ نُــلْــمِــمْ بِــهِ إِلَّا كُــهُــولَا
وَشَــارَفَــنَــا فِــرَاقُ أَبِــي عَــلِـيٍّ
فَـــكَـــانَ أَعَـــزَّ دَاهِـــيَــةٍ نُــزُولَا
سَــقَــاهُ اللــهُ أَبْــلَــجَ فَــارِسِــيًّـا
أَبَـــتْ أَنْـــوَارُ سُـــودَدِهِ الْأُفُــولَا
يَــعُــدَّ الــثَّــوْبَ زَغْـفًـا سَـابِـرِيًّـا
وَيَـرْضَـى الْـخِـلَّ هِـنْـدِيًّـا صَـقِيلَا
كَــأَنَّ أَرَاقِــمًــا نَــفَـثَـتْ سِـمَـامًـا
عَــلَـيْـهِ فَـعَـادَ مُـبْـيَـضًّـا نَـحِـيـلَا
وَمَـنْ تَـعْـلَـقْ بِـهِ حُـمَـةُ الْأَفَـاعِـي
يَــعِــشْ إِنْ فَــاتَـهُ أَجَـلٌ عَـلِـيـلَا
كَــأَنَّ فِــرِنْــدَهُ وَالْــيَــوْمُ حَـمْـتٌ
أَفَـاضَ بِـصَـفْـحِـهِ سَـجْـلًا سَجِيلَا
تَـــرَدَّدَ مَـــاؤُهُ عُـــلْــوًا وَسُــفْــلًا
وَهَــمَّ فَــمَــا تَـمَـكَّـنَ أَنْ يَـسِـيـلَا
أَجَــادَ الْـهَـالِـكِـيُّ بِـهِ احْـتِـفَـاظًـا
فَـلَـمْ يُـطِـقِ الـسُّـرُوبَ وَلَا الْهُمُولَا
إِذَا مَــا كَــالِــئُ الْأَضْـغَـانِ يَـوْمًـا
رَآهُ رَعَــــى بِــــهِ كَـــلَأً وَبِـــيـــلَا
يَــكَـادُ سَـنَـاهُ يُـحْـرِقُ مَـنْ فَـرَاهُ
وَيُــغْــرِقُ مَـنْ نَـجَـا مِـنْـهُ كُـلُـولَا
فَـذَلِـكَ شِـبْـهُ عَـزْمِـكَ يَا ابْنَ حَمْدٍ
وَلَـــكِـــنْ لَا نُـــبُـــوَّ وَلَا فُـــلُــولَا
لَـشَـرَّفْـتَ الْـقَـوَافِـيَ وَالْـمَـعَـانِـي
بِــلَـفْـظِـكَ وَالْأَخِـلَّـةَ وَالْـخَـلِـيـلَا
إِذَا الْـمَـنْـهُـوكَ فُـهْـتَ بِـهِ انْـتِصَارًا
لَـهُ مِـنْ غَـيْـرِهِ فَـضَـلَ الـطَّـوِيـلَا
وَأَنْــتَ فَـكَـاكُ دَائِـرَتَـيْ قَـرِيـضٍ
وَهَـنْـدَسَـةٍ حَـلَلْـتَ بِـهَـا الـشُّـكُولَا
كَـمَـلْـتَ فَـزِدْ عَـلَـى الـنُّعْمَانِ مُلْكًا
مَـزِيـدَكَ عَـنْ أَخِـي ذُبْـيَـانَ قِـيـلَا
وَقَـدْ كَـافَـأْتُ عَـنْ شِـعْـرٍ بِـشِـعْـرٍ
وَلَــكِـنْ حَـازَ مَـنْ بَـدَأَ الْـجَـمِـيـلَا
بَـهَـرْتَ وَيَـوْمُ عُـمْـرِكَ فِـي شُرُوقٍ
فَـدَامَ ضُـحًـى وَلَا بَـلَـغَ الْأَصِـيـلَا
وَرَدْنَــا مَــاءَ دِجْــلَــةَ خَـيْـرَ مَـاءٍ
وَزُرْنَـا أَشْـرَفَ الـشَّـجَـرِ الـنَّـخِـيلَا
وَزُلْـنَـا بِـالْـغَـلِـيـلِ وَمَـا اشْـتَـفَـيْـنَا
وَغَــايَــةُ كُــلِّ شَــيْءٍ أَنْ يَــزُولَا
وَلَـوْ لَـمْ أَلْـقَ غَـيْـرَكَ فِي اغْتِرَابِي
لَــكَـانَ لِـقَـاؤُكَ الْـحَـظَّ الْـجَـزِيـلَا
سَـتَـحْـمِـلُ نَـاجِـيَاتُ الْعِيسِ مِنِّي
صَـدِيـقًـا عَـنْ وِدَادِكَ لَـنْ يَـحُـولَا
يُـؤَمِّـلُ فِـيـكَ إِسْـعَـافَ اللَّـيَـالِــي
وَيَـنْـتَـظِـرُ الْـعَـوَاقِـبَ أَنْ تُـدِيـلَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤