أَلَاحَ وَقَدْ رَأَى بَرْقًا مُلِيحَا

Wave Image
أَلَاحَ وَقَــدْ رَأَى بَــرْقًــا مُــلِـيـحَـا
سَـرَى فَأَتَى الْحِمَى نِضْوًا طَلِيحَا
كَـمَـا أَغْضَى الْفَتَى لِيَذُوقَ غُمْضًا
فَـصَـادَفَ جَـفْـنُـهُ جَـفْـنًـا قَرِيحَا
إِذَا مَـا اهْـتَـاجَ أَحْـمَـرَ مُـسْتَطِيرًا
حَـسِـبْـتَ اللَّـيْـلَ زَنْـجِـيًّـا جَرِيحَا
أَقُـولُ لِـصَـاحِـبِـي إِذْ هَـامَ وَجْـدًا
بِــبَــرْقٍ لَــيْــسَ يُـثْـبِـتُـهُ نُـزُوحَـا
وَهَـاجَـتْـهُ الْـجَـنُـوبُ لِوَصْلِ حَيٍّ
أَقَــامَ وَيَــمَّــمُــوا دَارًا طَــرُوحَــا
سِــفَــاهٌ لَــوْعَــةُ الــنَّــجْـدِيِّ لَـمَّـا
تَـنَـسَّـمَ مِـنْ حِـيَـالِ الـشَّأْمِ رِيحَا
وَغَـيٌّ لَـمْـحُ عَـيْـنِـكَ شَـطْـرَ نَجْدٍ
إِذَا مَــا آنَــسَــتْ بَــرْقًــا لَـمُـوحَـا
وَأَمْـرَاضُ الْـمَـوَاعِـدِ أَعْـلَـمَـتْـنِـي
بِــأَنَّ وَرَاءَهَـا سَـقَـمًـا صَـحِـيـحَـا
مَـتَـى نُـصْـبِـحْ وَقَدْ فُتْنَا الْأَعَادِي
نُـقِـمْ حَـتَّـى تَقُولَ الشَّمْسُ رُوحَا
بِــأَرْضٍ لِلْــحَــمَــامَــةِ أَنْ تُـغَـنِّـي
بِــهَــا وَلِـمَـنْ تَـأَسَّـفَ أَنْ يَـنُـوحَـا
أَعُـبَّـادَ الْـمَـسِـيحِ يَخَافُ صَحْبِي
وَنَـحْـنُ عَـبِيدُ مَنْ خَلَقَ الْمَسِيحَا
رَأَيْــتُــكَ وَاحِـدًا أَبْـرَحْـتَ عَـزْمًـا
وَمِـثْـلُـكَ مَـنْ رَأَى الرَّأْيَ النَّجِيحَا
فَـلَـمْ تُـؤْثِـرْ عَـلَـى مُـهْـرٍ فَـصِـيلًا
وَلَـمْ تَـخْـتَـرْ عَـلَـى حِـجْـرٍ لَقُوحَا
رَكِـبْـتَ اللَّـيْـلَ فِـي كَـيْدِ الْأَعَادِي
وَأَعْـدَدْتَ الـصَّـبَـاحَ لَـهُ صَـبُـوحَا
وَأَعْــظَــمُ حَــادِثٍ فَـرَسٌ كَـرِيـمٌ
يَـكُـونُ مَـلِـيـكُـهُ رَجُـلًا شَـحِـيحَا
تُــرِيــكَ لَــهُ سَــمَــاءً فَـوْقَ أَرْضٍ
فُــرُوجُ قَــوَائِــمٍ يُــعْـدَدْنَ لُـوحَـا
أَصِــيــلُ الْــجَــدِّ سَــابِــقُـهُ تَـرَاهُ
عَـلَـى الْأَيْـنِ الْـمُـكَـرَّرِ مُـسْتَرِيحَا
كَـــأَنَّ غَــبُــوقَــهُ مِــنْ فَــرْطِ رِيٍّ
أَبَــاهُ جِــسْـمُـهُ فَـغَـدَا مَـسِـيـحَـا
كَـأَنَّ الـرَّكْـضَ أَبْدَى الْمَحْضَ مِنْهُ
فَــمَــجَّ لَــبَــانُــهُ لَـبَـنًـا صَـرِيـحَـا
وَأَرْبَــابُ الْــجِــيَــادِ بَــنُــو عَـلِـيٍّ
مُـزِيـرُوهَـا الـذَّوَابِـلَ وَالـصَّـفِيحَا
وَخَـيْـرُ الْـخَـيْـلِ مَا رَكِبُوا فَجَنِّبْ
غُــرَابًـا وَالـنَّـعَـامَـةَ وَالْـجَـمُـوحَـا
وَأَحْـمَـى الْـعَـالَـمِـيـنَ ذِمَـارَ مَجْدٍ
بَـنُـو إِسْـحَـاقَ إِنْ مَـجْـدٌ أُبِـيـحَـا
وَمَـعْـرِفَـةُ ابْـنِ أَحْـمَـدَ أَمَّـنَـتْـنِـي
فَمَا أَخْشَى الْحَقِيبَ وَلَا النَّطِيحَا
إِذَا اسْـتَـبَقَتْ خُيُولُ الْمَجْدِ يَوْمًا
جَـرَيْـنَ بَـوَارِحًـا وَجَـرَى سَـنِيحَا
وَلَــوْ كَـتَـبَ اسْـمَـهُ مَـلِـكٌ هَـزِيـمٌ
عَــلَــى رَايَـاتِـهِ وَالَـى الْـفُـتُـوحَـا
فَـيَـا ابْـنَ مُـحَـمَّـدٍ وَالْـمَـجْدُ رِزْقٌ
بِــقَــدْرِكَ سُــدْتَ لَا قَـدَرٍ أُتِـيـحَـا
وَمَـا فَـقَـدَ الْـحُـسَـيْـنَ وَلَا عَـلِـيًّـا
وَلِــيُّ هُــدًى رَآكَ لَــهُ نَــصِــيـحَـا
إِلَـيْـكَ ابْـنَ الـرَّسُولِ حُثِثْنَ شَوْقًا
وَلَـمْ يُـحْـذَيْـنَ مِنْ عَجَلٍ سَرِيحَا
هَـمَـمْـنَ بِـدُلْـجَـةٍ وَخَشِينَ جُنْحَا
فَـبِـتْـنَـا فَـوْقَ أَرْحُـلِـهَـا جُـنُـوحَـا
أَشَـحْـنَ وَقَـدْ أَقَـمْـنَ عَـلَـى وَفَازٍ
ثَـلَاثَ حَـنَـادِسٍ يَـرْعَـيْـنَ شِـيحَا
دُجًــى تَـتَـشَـابَـهُ الْأَشْـبَـاحُ فِـيـهِ
فَـيُـجْـهَـلُ جِـنْـسُهَا حَتَّى يَصِيحَا
فَــمَـرَّ الْـعَـامُ لَـمْ تَـطْـرُقْ أَنِـيـسًـا
بِــدَارِهِــمِ وَلَــمْ تَـسْـمَـعْ نُـبُـوحَـا
وَلَا عَـبَـثَـتْ بِـعُـشْـبٍ فِـي رَبِـيـعٍ
وَلَا وَرَدَتْ عَـلَـى ظَـمَـأٍ نَـضِـيـحَا
فَـأُقْـسِـمُ مَـا طُـيُـورُ الْجَوِّ سُحْمًا
كَـــهُــنَّ وَلَا نَــعَــامُ الــدَّوِّ رُوحَــا
وَدُونَ لِـقَـائِـكَ الْـهَـضْـبَـاتُ شُـمًّـا
تَـفُـوتُ الـطَّـرْفَ وَالْـفَلَوَاتُ فِيحَا
فَــجَــاءَكَ كُــلُّــهَـا بِـالـرُّوحِ فَـرْدًا
وَقَــدْ سِــرْنَـا بِـهِ جَـسَـدًا وَرُوحَـا
تَـبُـوحُ بِـفَـضْـلِـكَ الـدُّنْيَا لِتَحْظَى
بِــذَاكَ وَأَنْــتَ تَــكْـرَهُ أَنْ تَـبُـوحَـا
وَمَـا لِلْـمِـسْـكِ فِـي أَنْ فَـاحَ حَظٌّ
وَلَــكِـنْ حَـظُّـنَـا فِـي أَنْ يَـفُـوحَـا
وَقَــدْ بَـلَـغَ الـضُّـرَاحَ وَسَـاكِـنِـيـهِ
ثَـنَـاكَ وَزَارَ مَـنْ سَـكَـنَ الـضَّرِيحَا
يُـفِـيـضُ إِلَـيْـكَ غَـوْرُ الْمَاءِ شَوْقًا
وَيُـظْـهِـرُ نَـفْـسَـهُ حَـتَّـى يَـسِيحَا
وَلَـوْ مَـرَّتْ بِـخَـيْـلِـكَ هُجْنُ خَيْلٍ
وَهَـبْـنَ لِـعُـجْـمِـهَـا نَـسَبًا فَصِيحَا
وَلَـوْ رُفِـعَـتْ سُـرُوجُكَ فِي ظَلَامٍ
عَـلَـى بُـهُـمٍ جَـعَـلْـنَ لَـهَا وُضُوحَا
وَلَـوْ سَـمِـعَـتْ كَـلَامَكَ بُزْلُ شَوْلٍ
لَــعَــادَ هَـدِيـرُ بَـازِلِـهَـا فَـحِـيـحَـا
وَقَـدْ شَـرَّفْـتَـنِـي وَرَفَـعْتَ إِسْمِي
بِـهِ وَأَنَـلْـتَـنِـي الْـحَـظَّ الـرَّبِـيـحَـا
أَجَـلْ وَلَـوَ انَّ عِـلْـمَ الْغَيْبِ عِنْدِي
لَـقُـلْـتُ أَفَـدْتَـنِـي أَجَـلًا فَـسِـيـحَا
وَكَـوْنُ جَـوَابِـهِ فِـي الْـوَزْنِ ذَنْـبٌ
وَلَـكِـنْ لَـمْ تَـزَلْ مَـوْلًـى صَـفُـوحَا
وَذَلِــكَ أَنَّ شِـعْـرَكَ طَـالَ شِـعْـرِي
فَـمَـا نِـلْـتُ الـنَّسِيبَ وَلَا الْمَدِيحَا
وَمَـنْ لَـمْ يَـسْـتَطِعْ أَعْلَامَ رَضْوَى
لِـيَـنْـزِلْ بَـعْـضَـهَـا نَـزَلَ الـسُّفُوحَا
شَـقَـقْـتَ الْـبَـحْـرَ مِنْ أَدَبٍ وَفَهْمٍ
وَغَـرَّقَ فِـكْـرُكَ الْـفِـكْـرَ الـطَّمُوحَا
لَـعِـبْـتَ بِـسِـحْـرِنَـا وَالشِّعْرُ سِحْرٌ
فَـتُـبْـنَـا مِـنْـهُ تَـوْبَـتَـنَـا الـنَّصُوحَا
فَـلَـوْ صَـحَّ التَّنَاسُخُ كُنْتَ مُوسَى
وَكَـانَ أَبُـوكَ إِسْـحَـاقَ الـذَّبِـيـحَـا
وَيُـوشَـعُ رَدَّ يُـوحَـى بَـعْـضَ يَوْمٍ
وَأَنْـتَ مَـتَى سَفَرْتَ رَدَدْتَ يُوحَا
فَــنَــالَ مُــحِـبُّـكَ الـدَّارَيْـنِ فَـوْزًا
وَذَاقَ عَـدُوُّكَ الْـمَـوْتَ الْـمُـرِيـحَـا
وَمَـنْ لَـمْ يَـأْتِ دَارَكَ مُـسْـتَـفِـيدًا
أَتَـاهَـا فِـي عُـفَـاتِـكَ مُـسْـتَـمِيحَا
فَـكُـنْ فِـي الْـمُـلْكِ يَا خَيْرَ الْبَرَايَا
سُـلَـيْـمَـانًـا وَكُـنْ فِي الْعُمْرِ نُوحَا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال أبو العلاء المعري هذه القصيدة يجيب الشريف أبا إبراهيم موسى بن إسحاق عن قصيدة مطلعها: بعادُك أسهر الجفنَ القريحَا ودارُك لا تَنِي إلا نُزوحَا.
  • غرض القصيدة: المدح
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤