أَهْدَتْ لِقَلْبِي الْأَسَى سِحْرِيَّةُ النَّغَمِ

Wave Image
أَهْـدَتْ لِـقَـلْـبِـي الْأَسَـى سِحْرِيَّةُ النَّغَمِ
لَـــمَّــا ثَــوَتْ وَأَرَاحَــتْ عَــازِبَ الْأَلَــمِ
يَـا مَـعْـشَـرَ الْـكَـرَوَانِ الـلـهُ يُـلْـهِـمُـكُـمْ
فِـيـهَـا الْـعَـزَاءَ وَيَـشْـفِـيكُمْ مِنَ السَّقَمِ
إِنِّــي أُشَـارِكُـكُـمْ فِـي رُزْئِـكُـمْ وَمَـتَـى
يَقْضِي حُقُوقَ الْأَسَى فِي مِثْلِهَا كَلِمِي
لَـوْ يَـقْـدِرُ الْـخَـطْـبَ فِـيـهَـا قَدْرَهُ قَلَمٌ
مَـجَّ الـنَّـجِـيـعَ عَـلَـى قِـرْطَـاسِهِ قَلَمِي
أَوْ يَـعْـرِفُ الْـكَـوْنُ فِـيـهَـا مَـا خَسَارَتُهُ
بَــكَــى عَــلَـيْـهَـا بِأَجْـفَـانٍ مِـنَ الـدِّيَـمِ
وَضَـاعَـفَ الْـحُـزْنَ أَنِّي كُنْتُ حَاضِرَهَا
لَـدَى الْـوَفَـاةِ وَمُـزْجِـيـهَـا إِلَـى الْـعَـدَمِ
جَـاءَتْ بِـهَـا طِـفْـلَـتِـي تَسْعَى لِوَالِدِهَا
فِـي الـنَّـزْعِ تُشْرِكُهُ فِي الْحَادِثِ الْعَمَمِ
وَضَــعْــتُــهَـا فَـوْقَ طَـاقَـاتٍ مُـعَـطَّـرَةٍ
مِــنَ الْأَزَاهِــرِ فِــي رِفْــقٍ وَفِــي نَــدَمِ
وَظَـلْـتُ أَرْقُـبُ فِـيـهَـا الـرُّوحَ خَـافِقَةً
مِـلْءَ الـسَّـقَـامِ لِـتَـلْـقَـى بَـارِئَ الـنَّـسَمِ
إِذَا تَــحَـرَّكَ مِـنْـهَـا الْـعُـضْـوُ حَـرَّكَـنِـي
إِلَـى الـسَّـمَـاعِ وَإِنْ يَـسْـكُـنْ فَـلِـلصَّمَمِ
حَــتَّــى إِذَا فَــتَــحَـتْ فَـاهَـا مُـوَدِّعَـةً
تَـمَـزَّقَ الـشَّـدْوُ وَانْـحَـلَّـتْ عُـرَى النَّغَمِ
يَـا شَـجْـوَ أَلْـحَـانِـهَـا فِـي الْجَوِّ طَائِرَةً
غِــرِّيــدَةً فِـي سَـمَـاءِ الـنِّـيـلِ وَالْـهَـرَمِ
كَـانَـتْ إِذَا الْـبَـدْرُ أَضْـفَـى مِـنْ أَشِـعَّتِهِ
تُـسَـبِّـحُ الـلـهَ مُـضْـفِـي وَارِفِ الـنِّـعَـمِ
وَتَــمْــلَأُ الْــجَــوَّ أَنْــغَــامًــا مُــرَوِّحَــةً
عَــنِ الْــقُــلُــوبِ عَـنَـاءَ الْـهَـمِّ وَالـسَّأَمِ
تَـقُـولُ رَبِّ لَـكَ الْـمُـلْـكُ الْـعَـظِـيـمُ وَلَا
شَــرِيــكَ لِــلــهِ فِــي فَــضْـلٍ وَلَا كَـرَمِ
لَـوْ يَـعْـرِفُ الْـبَـدْرُ فِـيـهَـا قَـدْرَ مِحْنَتِهِ
لَـمْ يُـشْـرِقِ الْـبَـدْرُ فِـي دَاجٍ مِنَ الظُّلَمِ
دَفَــنْـتُـهَـا فِـي ظِـلَالِ الْـوَرْدِ أُكْـرِمُـهَـا
مَــا بَــيْــنَ مُــنْـتَـثِـرٍ مِـنْـهُ وَمُـنْـتَـظِـمِ
مَـا عِـشْـتُ تَحْنُو ضُلُوعِي مِنْ تَذَكُّرِهَا
عَـلَـى خَـيَـالٍ لَـهَـا فِـي الْـقَلْبِ مُرْتَسِمِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: يرثي كروانة.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤