هُوَ الْهَجْرُ حَتَّى مَا يُلِمُّ خَيَالُ

Wave Image
هُــوَ الْـهَـجْـرُ حَـتَّـى مَـا يُـلِـمُّ خَـيَـالُ
وَبَــعْــضُ صُــدُودِ الـزَّائِـرِيـنَ وِصَـالُ
فَـتًـى تَـقْـصُـرُ الْأَبْـصَـارُ عَـنْ قَـسَمَاتِهِ
وَلَا سِــــتْـــرَ إِلَّا هَـــيْـــبَـــةٌ وَجَـــلَالُ
إِلَــى حَــارِمٍ قَـادَ الْـعِـتَـاقَ سَـوَاهِـمًـا
لَــهَــا مِــنْ نَــشَــاطٍ بِـالْـكُـمَـاةِ زِمَـالُ
فَـجَـاشَ عَـلَـيْـهَـا الْـبَـحْرُ وَهْوَ كَتَائِبٌ
وَخَـرَّتْ إِلَـيْـهَـا الـشُّـهْـبُ وَهْـيَ نِصَالُ
فَــوَارِسُ قَــوَّالُـونَ لِلْـخَـيْـلِ أَقْـدِمِـي
وَلَـيْـسَ عَـلَـى غَـيْـرِ الـرُّءُوسِ مَـجَالُ
لَـهُـمْ أَسَـفٌ يَـزْدَادُ إِثْـرَ الَّـذِي مَـضَـى
مِـنَ الـدَّهْـرِ سِـلْـمًـا لَـيْـسَ فِـيـهِ قِتَالُ
بِـأَيْـدِيـهِـمُ الـسُّـمْـرُ الْـعَـوَالِـي كَـأَنَّـمَـا
يُـــشَــبُّ عَــلَــى أَطْــرَافِــهِــنَّ ذُبَــالُ
وَمَـأْكُـولَـةُ الْأَغْـمَـادِ مُـرْهَـفَـةُ الـظُّـبَي
بَــــرَاهَـــا قِـــرَاعٌ دَائِـــمٌ وَصِـــقَـــالُ
حَـكَـتْ رَوْنَـقَ الْبِيضِ الْحِسَانِ وَفِعْلَهَا
وَلَــيْــسَ لَــهَــا إِلَّا الْــغُــمُـودَ حِـجَـالُ
وَجَـادَ عَـلَـيْهَا الضَّرْبُ وَالرَّكْضُ بَعْدَمَا
أَضَـــرَّ بِــهَــا مَــطْــلٌ وَطَــالَ سُــؤَالُ
فَــسَـيْـفٌ لَـهُ غِـمْـدٌ مِـنَ الـدَّمِ قَـانِـئٌ
وَطِـــرْفٌ لَــهُ مِــمَــا يُــثِــيــرُ جَــلَالُ
وَكَـيْـفَ لِـقَـاءُ ابْـنِ الْـحُـسَـيْنِ مُخَالِفٌ
يُـــحَــدَّثُ عَــنْ أَفْــعَــالِــهِ فَــيُــهَــالُ
بَـنِـي الْـغَـدْرِ هَـلْ أَلْـفَيْتُمُ الْحَرْبَ مُرَّةً
وَهَـلْ كُـفَّ طَـعْـنٌ عَـنْـكُـمُ وَنِـضَـالُ؟
وَهَـلْ أَظْـلَـمَـتْ سُـحْمُ اللَّيَالِي عَلَيْكُمُ
وَمَـا حَـانَ مِـنْ شَـمْـسِ الـنَّـهَارِ زَوَالُ؟
وَهَـلْ طَلَعَتْ شَعْثَ النَّوَاصِي عَوَابِسًا
رِعَـــالٌ تَــرَامَــى خَــلْــفَــهُــنَّ رِعَــالُ
لَـهَـا عَـدَدُ الـرَّمْـلِ الْـمُبِرِّ عَلَى الْحَصَى
وَلَـــكِــنَّــهَــا عِــنْــدَ اللِّــقَــاءِ جِــبَــالُ
فَـإِنْ تَـسْـلَـمُوا مِنْ سَوْرَةِ الْحَرْبِ مَرَّةً
وَتَــعْــصِــمْـكُـمُ شُـمُّ الْأُنُـوفِ طِـوَالُ
فَــفِــي كُــلِّ يَــوْمٍ غَـارَةٌ مُـشْـمَـعِـلَّـةٌ
وَفِــــي كُـــلِّ عَـــامٍ غَـــزْوَةٌ وَنِـــزَالُ
خُــذُوا الْآنَ مَـا يَـأْتِـيـكُـمُ بَـعْـدَ هَـذِهِ
وَلَا تَـحْـسُـبُـوا ذَا الْـعَـامَ فَـهْـوَ مِـثَـالُ
أَلَا رُبَّ أَعْــدَاءٍ غَــذَاهُــمْ فَــأَذْعَــنُـوا
فَــعَــادَ وَهُــمْ فِــيــمَــا لَـدَيْـهِ عِـيَـالُ
وَفِـي الْـخَـيْلِ عَنْ مَاءِ الْمَخَاضَةِ عِفَّةٌ
وَهُــنَّ إِلَــى مَــاءِ الــنُّــفُــوسِ نِــهَـالُ
وَقَــدْ فُــلَّ مِــنْ فُـرْسَـانِـهِـنَّ صَـوَارِمٌ
وَحُــــطِّـــمَ فِـــي لَـــبَّـــاتِـــهِـــنَّ إِلَالُ
يَــرِدْنَ دِمَـاءَ الـرُّومِ وَهْـيَ غَـرِيـضَـةٌ
وَيَـــتْــرُكْــنَ وِرْدَ الْــمَــاءِ وَهْــوَ زُلَالُ
تُـــجَــاوِزُهُ بِــالْــوَثْــبِ كُــلُّ طِــمِــرَّةٍ
تَـــمَـــازَجَ فِـــي فِـــيـــهَــا دَمٌ وَرُؤَالُ
تَـدَانَـتْ بِـهِ الْأَقْـرَانُ حَـتَّـى تَـجَـاثَـأَتْ
كَــأَنَّ قِــتَــالَ الْــفَــيْــلَــقَـيْـنِ جِـدَالُ
وَقَــدْ عَــلِــمَ الــرُّومِــيُّ أَنَّـكَ حَـتْـفُـهُ
عَـلَـى أَنَّ بَـعْـضَ الْـمُـوقِـنِـيـنَ يَـخَـالُ
فَـمَـا كَـبُـرُوا حَـتَّـى يَـكُـونُـوا فَـرِيسَةً
وَلَا بَــلَــغُــوا أَنْ يُـقْـصَـدُوا فَـيُـنَـالُـوا
فَــإِنَّ أَبَــا الْأَشْـبَـالِ يَـخْـشَـاهُ مِـثْـلُـهُ
وَيَــــأْمَــــنُ مِـــنْـــهُ آرِضٌ وَنِـــمَـــالُ
وَلَــمْ يَــصْــرِهِــنَّ الْــعِـزُّ مِـنْـهُ وَإِنَّـمَـا
صَـــرَاهُـــنَّ مِـــنْـــهُ أَنَّــهُــنَّ ضِــئَــالُ
فَــلَا زِلْـتَ بَـدْرًا كَـامِـلًا فِـي ضِـيَـائِـهِ
عَــلَــى أَنَّــهُ عِــنْــدَ الــتَّــمَــامِ هِـلَالُ
فَــمَــا لِــخَـمِـيـسٍ لَـمْ تَـقُـدْهُ عَـرَامَـةٌ
وَلَا لِــزَمَــانٍ لَــسْــتَ فِــيــهِ جَــمَــالُ
وَفِــيَّ لِــمَــنْ رَامَ الْــمَــعَـالِـي بَـقِـيَّـةٌ
وَعِــنْــدِي إِذَا عَــيَّ الْــبَــلِــيـغُ مَـقَـالُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤