الشَّيْبُ الْبَاكِرُ

Wave Image
مَـا أَقْـبَـلَ اللَّـيْـلُ حَـتَّـى طِـرْتَ بِـالْـقِـمَـمِ
يَـا صُـبْـحُ جُرْتَ عَلَى الظَّلْمَاءِ فِي الْقِسَمِ
وَمَـا انْـقَـضَـى شَـفَـقُ الْأَيَّـامِ عَـنْ عُـمُـرِي
فَــكَــيْـفَ لُـحْـتَ بِـفَـجْـرٍ مِـنْـكَ مُـتَّـهَـمِ؟
لَـوْ كُـنْـتَ تَـحْـسُـبُ أَيَّـامِـي لَـمَـا خَطَرَتْ
يَــدَاكَ يَــا شَــيْــبُ فِــي مُـسْـوَدَّةِ اللِّـمَـمِ
دُونَ الـثَّـلَاثِـيـنَ تَـعْـرُونِـي وَمَا انْصَرَمَتْ
إِلَّا كَـمَـا تَـنْـقَـضِـي الْأَعْـوَامُ فِـي الْـحُـلُمِ!
مَـــرَّتْ بِـــقَـــادِمَــتَــيْ نَــسْــرٍ مُــوَلِّــيَــةً
وَكُــنْــتُ أَعْــهَــدُ فِــيــهَـا ثُـقْـلَـةَ الـرَّخَـمِ
وَمَــا اعْــتِــدَادُكَ بِــالْأَيَّــامِ تَــحْــسُــبُــهَـا
وَإِنَّـــمَـــا أَنْــتَ خِــدْنُ الْــوَيْــلِ وَالْأَلَــمِ؟
إِذَا أَلَـــمَّـــا بِــإِنْــسَــانٍ صَــحِــبْــتَــهُــمَــا
فَـانْـزِلْ فَـقَـدْ نَـزَلَا فِـي أَعْـظُـمِـي وَدَمِـي
مَـــا أَنْـــتَ طَـــارِقُ دَارٍ لَا رَفِــيــقَ بِــهَــا
وَلَــسْــتَ مُــهْــرِمَ قَــلْـبٍ لَـيْـسَ بِـالْـهَـرِمِ
قَـدْ شِـبْـتُ وَالـشَّـعْـرُ مُـسْـوَدٌّ فَـمَا عَجَبِي
مِنْ وَاضِحِ الشَّيْبِ بَعْدَ الشَّيْبِ فِي الْقَتَمِ
مَـا كَـانَ مُـسْـوَدُّ شَـعْـرِي وَهْـوَ مُـشْـتَـمِلٌ
عَــلَــيْــكَ إِلَّا كَــجِــلْــبَــابٍ مِــنَ الْــكَـتَـمِ
قُـلْ لِابْـنِ تِـسْـعِـيـنَ لَا تَـحْـزَنْ فَـذَا رَجُـلٌ
دُونَ الــثَّـلَاثِـيـنَ قَـدْ سَـاوَاكَ فِـي الْـهَـرَمِ
إَذَا ادَّكَـرْتَ شَـبَـابًـا فِـي الـنَّـعِـيـمِ مَـضَى
لَــمْ يَــدَّكِــرْ مِــنْ شَــبَــابٍ كَــانَ أَوْ نِـعَـمِ
وَمَـا انْـتِـفـاعِـي وَقَـدْ شَـابَ الْفُؤَادُ سُدًى
إِنْ لَــمْ تَــشِــبْ أَبَــدًا كَــفِّـي وَلَا قَـدَمِـي
وَلَـيْـسَ مَـا يَـخْـدَعُ الْـفِـتْـيَـانَ يَـخْدَعُنِي
كَــلَّا وَلَا شِــيَــمُ الْـفِـتْـيَـانِ مِـنْ شِـيَـمِـي
يَـا شَـيْـبُ ضَـاقَـتْ بِـكَ الـدُّنْـيَـا بِأَجْمَعِهَا
فَــانْــزِلْ بِــلَا ضَــائِـقٍ بِـالـشَّـيْـبِ أَوْ بَـرِمِ
مَــنْ لَا يُــبَــالِــي أَفَــجْــرٌ أَنْــتَ تُــنْــذِرُهُ
بِـالـصُّـبْـحِ أَمْ أَنْتَ ضَوْءُ النَّجْمِ فِي الظُّلَمِ
يَــا مَــرْحَـبًـا بِـصَـبَـاحٍ لَـيْـسَ يَـسْـلُـبُـنِـي
صَــفْــوًا وَبُــعْــدًا لِلَــيْــلٍ فِــيــهِ لَــمْ أَنَـمِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عباس محمود العقاد: أَدِيبٌ كَبِير، وشاعِر، وفَيلَسُوف، وسِياسِي، ومُؤرِّخ، وصَحَفي، وراهِبُ مِحْرابِ الأدَب. ذاعَ صِيتُه فمَلَأَ الدُّنْيا بأَدبِه، ومثَّلَ حَالةً فَرِيدةً في الأدَبِ العَرَبيِّ الحَدِيث، ووصَلَ فِيهِ إِلى مَرْتَبةٍ فَرِيدَة.

وُلِدَ «عبَّاس محمود العقَّاد» بمُحافَظةِ أسوان عامَ ١٨٨٩م، وكانَ والِدُه مُوظَّفًا بَسِيطًا بإِدارَةِ السِّجِلَّات. اكتَفَى العَقَّادُ بحُصُولِه عَلى الشَّهادَةِ الابتِدائيَّة، غيْرَ أنَّهُ عَكَفَ عَلى القِراءَةِ وثقَّفَ نفْسَه بنفْسِه؛ حيثُ حَوَتْ مَكْتبتُه أَكثرَ مِن ثَلاثِينَ ألْفَ كِتاب. عمِلَ العقَّادُ بالعَديدِ مِنَ الوَظائفِ الحُكومِيَّة، ولكِنَّهُ كانَ يَبغُضُ العمَلَ الحُكوميَّ ويَراهُ سِجْنًا لأَدبِه؛ لِذا لمْ يَستمِرَّ طَوِيلًا فِي أيِّ وَظِيفةٍ الْتحَقَ بِها. اتَّجَهَ للعَملِ الصَّحَفي؛ فعَمِلَ بجَرِيدةِ «الدُّسْتُور»، كَما أَصْدَرَ جَرِيدةَ «الضِّياء»، وكتَبَ في أَشْهَرِ الصُّحفِ والمَجلَّاتِ آنَذَاك. وَهَبَ العقَّادُ حَياتَه للأَدَب؛ فلَمْ يَتزوَّج، ولكِنَّهُ عاشَ قِصَصَ حُبٍّ خلَّدَ اثنتَيْنِ مِنْها في رِوايَتِه «سارة».

كُرِّمَ العقَّادُ كَثيرًا؛ فنالَ عُضْويَّةَ «مَجْمَع اللُّغَةِ العَرَبيَّة» بالقاهِرة، وكانَ عُضْوًا مُراسِلًا ﻟ «مَجْمَع اللُّغَةِ العَرَبيَّة» بدمشق ومَثِيلِه ببَغداد، ومُنِحَ «جائِزةَ الدَّوْلةِ التَّقْدِيريَّةِ فِي الآدَاب»، غيْرَ أنَّهُ رفَضَ تَسلُّمَها، كَمَا رفَضَ «الدُّكْتُوراه الفَخْريَّةَ» مِن جامِعةِ القاهِرة.

كانَ العقَّادُ مِغْوارًا خاضَ العَدِيدَ مِنَ المَعارِك؛ ففِي الأَدَبِ اصْطدَمَ بكِبارِ الشُّعَراءِ والأُدَباء، ودارَتْ مَعْركةٌ حامِيةُ الوَطِيسِ بَيْنَه وبَيْنَ أَمِيرِ الشُّعَراءِ «أحمد شوقي» فِي كِتابِه «الدِّيوان فِي الأَدَبِ والنَّقْد». كَما أسَّسَ «مَدْرسةَ الدِّيوانِ» معَ «عبد القادر المازني» و«عبد الرحمن شكري»؛ حيثُ دَعا إِلى تَجْديدِ الخَيالِ والصُّورةِ الشِّعْريَّةِ والْتِزامِ الوَحْدَةِ العُضْويَّةِ فِي البِناءِ الشِّعْري. كَما هاجَمَ الكَثِيرَ مِنَ الأُدَباءِ والشُّعَراء، مِثلَ «مصطفى صادق الرافعي». وكانَتْ لَهُ كذلِكَ مَعارِكُ فِكْريَّةٌ معَ «طه حسين» و«زكي مبارك» و«مصطفى جواد» و«بِنْت الشَّاطِئ».

شارَكَ العقَّادُ بقوَّةٍ فِي مُعْترَكِ الحَياةِ السِّياسيَّة؛ فانْضَمَّ لحِزبِ الوَفْد، ودافَعَ ببَسَالةٍ عَنْ «سعد زغلول»، ولكِنَّه اسْتَقالَ مِنَ الحِزْبِ عامَ ١٩٣٣م إثْرَ خِلافٍ معَ «مصطفى النحَّاس». وهاجَمَ المَلِكَ أثْناءَ إِعْدادِ الدُّسْتُور؛ فسُجِنَ تِسْعةَ أَشْهُر، كَما اعْترَضَ عَلى مُعاهَدةِ ١٩٣٦م. حارَبَ كذلِكَ الاسْتِبدادَ والحُكْمَ المُطْلقَ والفاشِيَّةَ والنَّازيَّة.

تَعدَّدَتْ كُتُبُه حتَّى تَعَدَّتِ المِائة، ومِنْ أَشْهرِها العَبْقريَّات، بالإِضافةِ إِلى العَدِيدِ مِنَ المَقالاتِ الَّتي يَصعُبُ حَصْرُها، ولَه قِصَّةٌ وَحِيدَة، هيَ «سارة».

تُوفِّيَ عامَ ١٩٦٤م تارِكًا مِيراثًا ضَخْمًا، ومِنْبرًا شاغِرًا لمَنْ يَخْلُفُه.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤