الدُّكْتُور عَلِي إِبْرَاهِيم بَاشَا

Wave Image
ذُؤَابَــةُ مَــجْــدٍ مَـا أَجَـلَّ وَمَـا أَسْـمَـى
وَوَثْــبَـةُ شَأْوٍ كَـادَ يَـسْـتَـبِـقُ الـنَّـجْـمَـا
وَمَـاذَا يَـقُـولُ الـشِّـعْـرُ وَالْـوَهْمُ جُهْدُهُ
وَقَـدْرُ «عَـلِـيٍّ» يَـبْـهَرُ الشِّعْرَ وَالْوَهْمَا؟
وَأَنَّــى يَــمُـدُّ ابْـنُ الْـقَـوَافِـي جَـنَـاحَـهُ
إِلَـى رَقْـمَـةٍ شَـمَّـاءَ أَعْـجَـزَتِ الْعُصْمَا؟
يَــضِــيـقُ الْـبَـيَـانُ الْـعَـبْـقَـرِيُّ مَـهَـابَـةً
إِذَا لَـمَـحَ الْآثَـارَ وَالْـحَـسَـبَ الـضَّـخْـمَا
يَــهُـمُّ فَـيَـعْـرُوهُ الْـقُـصُـورُ فَـيَـنْـثَـنِـي
وَقَــدْ كَـانَ يَـقْـتَـادُ الـنُّـجُـومَ إِذَا هَـمَّـا
وَمَـنْ رَامَ تَـصْـوِيـرَ الْـمَـلَائِـكِ جَـاهِـدًا
فَـكَـيْفَ لَهُ أَنْ يُحْكِمَ النَّقْشَ وَالرَّسْمَا؟
رُوَيْـدَكَ قُـلْ يَـا شِـعْـرُ مَـا تَـسْـتَـطِـيعُهُ
وَغَــرِّدْ بِــمَـا لَا تَـسْـتَـطِـيـعُ لَـهُ كَـتْـمًـا
إِذَا الْـــيَـــمُّ أَعْــيَــا أَنْ تُــلِــمَّ بِــحَــدِّهِ
فَـيَـكْـفِـيـكَ عِنْدَ الشَّطِّ أَنْ تَصِفَ الْيَمَّا
وَيَـكْـفِـيـكَ أَنْ تَـدْعُو أَبَا الطِّبِّ بِاسْمِهِ
فَإِنَّ الْــعُــلَا صَـارَتْ لَـهُ لَـقَـبًـا وَاسْـمَـا
فَــقُــلْ وَانْـثُـرِ الْأَزْهَـارَ فَـوْقَ مَـنَـاقِـبٍ
تُــمَـاثِـلُـهَـا حُـسْـنًـا، وَتُـشْـبِـهُـهَـا شَـمَّـا
وَخُـذْ مِـنْ فَـمِ الـدُّنْـيَـا الـثَّـنَـاءَ فَطَالَمَا
أَشَــادَتْ بِـهِ نَـثْـرًا، وَغَـنَّـتْ بِـهِ نَـظْـمَـا
وَحَــدِّثْ بِــهِ الْآفَــاقَ إِنْ شِـئْـتَ، إِنَّـهَـا
وَقَــدْ عَــرَفَــتْـهُ، لَـنْ تَـزِيـدَ بِـهِ عِـلْـمَـا
•••
دَعُــونِــي أُوَفِّــي بِـالْـقَـرِيـضِ دُيُـونَـهُ
فَـقَـدْ عَـادَ غُـرْمًـا مَـا تَـوَهَّـمْـتُـهُ غُـنْـمَا
سَــمَــوْتُ إِلَــيْــهِ، وَالــظَّـلَامُ يَـلُـفُّـنِـي
فَــيَــمْــلَــؤُنِــي رُعْــبًـا، وَأَمْـلَـؤُهُ هَـمَّـا
أَسِـيـرُ وَفِـي قَـلْـبِـي مِـنَ الْحُزْنِ لَوْعَةٌ
تَـكَـادُ تُـذِيـبُ الـصُّـمَّ لَـوْ مَسَّتِ الصُّمَّا
تَـــرَكْــتُ بِــبَــيْــتِــي جُــثَّــةً آدَمِــيَّــةً
كَأَنَّ هِــلَالَ الــشَّـكِّ كَـانَ لَـهَـا جِـسْـمَـا
شَـكَـتْ سُـقْـمَـهَـا حَتَّى بَكَاهَا وِسَادُهَا
وَكَـادَ عَـلَـيْـهَـا يَشْتَكِي السُّهْدَ وَالسُّقْمَا
يُـمَـزِّقُـهَـا الْـمَـوْتُ الْـعَـنِـيـفُ صِـرَاعُـهُ
بِأَظْــفَــارِهِ حُــمْـرًا، وَأَنْـيَـابِـهِ سُـحْـمَـا
فَـفِـي الْـبَـطْـنِ قَـرْحٌ لَا يَـكُـفُّ لَـهِـيـبُـهُ
وَفِـي الـرَّأْسِ نَـارٌ لَا تَـبُوخُ مِنَ الْحُمَّى
إِذَا قَــلَــبَــتْـهَـا الْـعَـائِـدَاتُ حَـسِـبْـنَـهَـا
خَـيَـالًا، فَـلَا عَـظْـمًـا يَـرَيْـنَ وَلَا لَـحْـمَا
وَقَـدْ وَقَـفَ الـطِّـبُّ الْـحَـدِيـثُ حِيَالَهَا
عَــيِــيًّـا، يَـكَـادُ الْـعَـجْـزُ يَـقْـتُـلُـهُ غَـمَّـا
وَغَـــادَرَهَـــا جَــمْــعُ الْأُسَــاةِ كَأَنَّــهُــمْ
طُـيُـورٌ رَمَـى الـرَّامِـي بِـدَوْحَتِهَا سَهْمَا
فَـلَـمْ يَـبْـقَ إِلَّا الْـيَأْسُ، وَالْـيَأْسُ قَـاتِلٌ
وَأَقْــتَــلُ مِــنْـهُ نِـيَّـةٌ لَـمْ تَـجِـدْ عَـزْمَـا
فَـقُـلْـتُ: «عَـلِـيٌّ» لَـيْـسَ لِـلْأَمْـرِ غَـيْرُهُ
إِذَا مَـا أَدَارَ الـدَّهْـرُ صَـفْـحَـتَـهُ جَـهْـمَـا
أَبُــو الْــحَــسَـنِ الْـجَـرَّاحُ فَـخْـرُ بِـلَادِهِ
وَأَكْرَمُ مَنْ يُرْجَى، وَأَشْرَفُ مَنْ يُسْمَى
فَـــزُرْ دَارَهُ يَـــلْـــقَــاكَ قَــبْــلَ نِــدَائِــهِ
فَــثَــمَّ الَّــذِي تَــرْجُـوهُ مِـنْ أَمَـلٍ ثَـمَّـا
فَـمَـا سِـرْتُ نَـحْـوَ الْـبَـابِ حَـتَّى رَأَيْتُهُ
تَــقَــدَّمَ بَــسَّــامَ الْأَسَــارِيــرِ مُــهْـتَـمَّـا
وَقَــدْ فَــهِــمَــتْـنِـي عَـيْـنُـهُ وَفَـهِـمْـتُـهُ
وَكَــانَ بِــحَـمْـدِ الـلـهِ أَسْـرَعَـنَـا فَـهْـمَـا
وَجَــاءَ وَجِــبْــرِيــلُ الْأَمِــيــنُ أَمَــامَـهُ
يَـمُـدُّ جَـنَـاحًـا مِـنْ حَـنَانٍ وَمِنْ رُحْمَى
وَجَـــسَّ مَـــكَــانَ الــدَّاءِ أَوَّلَ نَــظْــرَةٍ
كَأَنَّ لَــهُ عِــلْــمًــا بِــمَــوْضِــعِـهِ قِـدْمَـا
فَــمَــا هُــوَ إِلَّا مِــبْــضَـعٌ فِـي يَـمِـيـنِـهِ
أَطَـاحَ بِـنَـابِ الْمَوْتِ، وَاسْتَأْصَلَ السُّمَّا
وَرَدَّ إِلَـــى أَهْـــلِـــي حَــيَــاةً عَــزِيــزَةً
وَبَـدَّلَـهُـمْ مِـنْ بُـؤْسِ أَيَّـامِـهِـمْ نُـعْـمَـى
مَــتَــى ذَكَـرُوهُ فِـي خُـشُـوعٍ تَـذَكَّـرُوا
مَآثِــرَهُ الْــجُــلَّــى، وَنَــائِــلَــهُ الْــجَـمَّـا
إِذَا مَــا امْــرُؤٌ أَهْـدَى الْـحَـيَـاةَ لِـمَـيِّـتٍ
فَـذَلِـكَ قَـدْ أَهْـدَى الْـوُجُـودَ وَمَـا ضَمَّا
•••
لَــهُ مِــبْـضَـعٌ تَـجْـرِي الْـحَـيَـاةُ بِـحَـدِّهِ
يُـصِـيـبُ حُـشَاشَاتِ الْمَنُونِ إِذَا أَدْمَى
أَحَـنُّ عَـلَـى الْـمَـجْـرُوحِ مِـنْ أُمِّ وَاحِـدٍ
وَأَرْفَــقُ مِــنْ طِــفْــلٍ إِذَا دَاعَـبَ الْأُمَّـا
تَــعَـلَّـمَ مِـنْـهُ الْـبَـرْقُ سُـرْعَـةَ خَـطْـفِـهِ
إِذَا مَـا جَـرَى يَسْتَأْصِلُ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا
تَـكَـادُ وَقَـدْ شَـاهَـدْتَ وَمْـضَ مَـضَـائِهِ
تَـظُـنُّ الَّـذِي شَـاهَدْتَ مِنْ عَجَبٍ حُلْمَا
كَأَنَّ بِــهِ نُــورًا مِــنَ الــلــهِ سَــاطِــعًــا
يُــضِــيءُ لَــهُ نَــهْـجَ الـطَّـرِيـقِ إِذَا أَمَّـا
أَصَــابِــعُ أَجْــدَى خِــبْــرَةً مِـنْ أَشِـعَّـةٍ
وَأَصْـدَقُ إِنْ مَـرَّتْ عَـلَـى جَـسَدٍ حُكْمَا
فَـكَـمْ مِـنْ حَـيَـاةٍ فِـي أَنَـامِـلِـهَـا الَّـتِي
تَــكَـادُ شِـفَـاهُ الـطِّـبِّ تَـلْـثِـمُـهَـا لَـثْـمَـا
وَكَـمْ مِـنْ يَدٍ أَسْدَتْ، إِذَا شِئْتَ وَصْفَهَا
ضَـلِـلْـتَ بِـهَـا كَـيْـفًـا، وَأَخْـطَأْتَـهَـا كَـمَّا
زَهَــا الــشَّــرْقُ إِعْـجَـابًـا بِـهِ وَبِـمِـثْـلِـهِ
وَقَـدْ عَـاشَ دَهْـرًا قَبْلَهُ يَشْتَكِي الْعُقْمَا
إِذَا قَـــسَـــمَ الـــلـــهُ الْــكَــرِيــمُ لِأُمَّــةٍ
بِــنَـابِـغَـةٍ فَـرْدٍ، فَـقَـدْ أَجْـزَلَ الْـقَـسْـمَـا
•••
هَــنِــيــئًـا لِـكَ الْـعُـمْـرُ الـسَّـعِـيـدُ فَإِنَّـهُ
عُـصَـارَةُ دَهْـرٍ ضَـمَّـتِ الْـعَزْمَ وَالْحَزْمَا
بَــلَــغْـتَ بِـهِ عُـلْـيَـا الـسِّـنِـيـنَ وَكُـلُّـهَـا
مَـدَارِجُ مَـجْـدٍ تَـفْـرَعُ الْـقِـمَـمَ الـشُّـمَّـا
كَأَنَّـــكَ مِـــنْـــهُ فَــوْقَ ذِرْوَةِ شَــامِــخٍ
تَـرَى مِـنْ أُمُـورِ الـدَّهْـرِ أَبْـعَدَهَا مَرْمَى
زَمَـانٌ مَـضَـى فِي الْجِدِّ مَا مَسَّ شُبْهَةً
وَلَا وَصَــلَــتْ كَــفُّ الــزَّمَــانِ بِــهِ ذَمَّـا
بَــنَــيْــتَ بِــهِ عِــزًّا لِــمِــصْــرَ فَأَيْـنَـمَـا
تَـلَـفَّـتَّ تَـلْـقَـى صَـرْحَـهُ سَـامِـقًا فَخْمَا
بَــذَلْــتَ لِــهَــا مِــنْ صِــحَّــةٍ وَرَفَـاهَـةٍ
فَأَوْلَــتْــكَ حُــبًّــا مَـا أَبَـرَّ وَمَـا أَسْـمَـى
وَأَلْــهَـمْـتَـهَـا مَـعْـنَـى الـثَّـنَـاءِ وَلَـفْـظَـهُ
كَـرِيـمًـا، فَـخُـذْهُ الْـيَـوْمَ مِنْ فَمِهَا نَغْمَا
إِذَا كَــانَ لِــلـرَّحْـمَـنِ فِـي الـنَّـاسِ آيَـةٌ
فَإِنَّــكَ بَـيْـنَ الـنَّـاسِ آيَـتُـهُ الْـعُـظْـمَـى
تَـلَأْلُـؤُ رَأْيٍ يَـسْـلُـبُ الـشَّـمْسَ ضَوْءَهَا
وَكَــامِــلُ خُــلْــقٍ عَـلَّـمَ الْـقَـمَـرَ الـتِّـمَّـا
فَإِنْ كَــرَّمَــتْــكَ الْــيَـوْمَ مِـصْـرُ فَإِنَّـمَـا
تُــكَــرِّمُ مِــنْ أَبْــنَــائِـهَـا رَجُـلًا شَـهْـمَـا
فَـقُـلْ لِـلَّـذِي يَـبْـغِـي لَـحَـاقَـكَ جَاهِدًا:
رُوَيْـدَكَ حَـتَّـى يَـدْخُـلَ الْـجَـمَلُ السَّمَّا
إِذَا مَــا رَأَى الـنَّـاسُ الْـمَـكَـارِمَ حِـلْـيَـةً
فَأَنْـتَ تَـرَاهَـا فِـي الْـعُـلَا وَاجِـبًـا حَتْمَا
فَــعِـشْ وَامْـلَأِ الـدُّنْـيَـا حَـيَـاةً وَذُكْـرَةً
فَـمِـثْـلُـكَ يُـعْـلِي ذِكْرَهُ الْعُرْبُ وَالْعُجْمَا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أنشد الشاعر هذه القصيدة في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في حفل تكريم الجرَّاح علي إبراهيم باشا بمناسبة بلوغه سن الستين عام ١٩٤١م، وكان وزيرًا للصحة حينئذٍ.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤