تَفَاخَرَ الْمَاءُ وَالْهَوَاءُ

Wave Image
تَــفَــاخَــرَ الْــمَــاءُ وَالْــهَــوَاءُ
وَقَــدْ بَــدَا مِــنْــهُــمَــا ادِّعَـاءُ
لِــسَــانُ حَـالٍ وَلَـيْـسَ نُـطْـقٌ
وَلَا حُــــرُوفٌ وَلَا هِــــجَــــاءُ
فَــابْــتَــدَأَ الْــمَـاءُ بِـافْـتِـخَـارٍ
وَقَــــالَ إِنِّـــي بِـــيَ ارْتِـــوَاءُ
وَبِـــي حَـــيَــاةٌ لِــكُــلِّ حَــيٍّ
أَيْـضًـا وَبِـي يَـحْـصُـلُ الـنَّمَاءُ
وَكَــانَ عَــرْشُ الْإِلَــهِ قِــدْمًـا
عَــلَــيَّ يَــبْــدُو لَــهُ ارْتِــقَــاءُ
وَطُــهْــرُ مَــيْــتٍ أَنَــا وَحَــيٍّ
لَــوْلَايَ لَــمْ يَــطْــهُـرِ الْـوِعَـاءُ
وَلَا وُضُـــوءٌ وَلَا اغْــتِــسَــالٌ
إِلَّا وَبِـــي مَـــا لَـــهُ خَـــفَـــاءُ
وَبِــالْــهَــوَاءِ اشْــتِــعَــالُ نَـارٍ
ضَـرَّتْ وَلِـلـنَّـارِ بِـي انْـطِـفَـاءُ
وَأَحْــمِـلُ الـنَّـاسَ فِـي بِـحَـارٍ
كَأَنَّــنِــي الْأَرْضُ وَالــسَّــمَــاءُ
وَعِـنْـدَ فَـقْـدِي يَـنُـوبُ عَـنِّـي
فِـي الـطُّـهْـرِ تُـرْبٌ بِـهِ اعْتِنَاءُ
وَأَهْــلَــكَ الــلــهُ قَــوْمَ نُــوحٍ
لَـمَّـا طَـغَـوْا بِـي لَـهُـمْ شَـقَـاءُ
وَلَــيْــسَ لِــي صُــورَةٌ وَلَـوْنٌ
لَـــوْنِـــي كَــمَــا لُــوِّنَ الْإِنَــاءُ
وَقَـالَ عَـنِّي الْإِلَهُ رِجْسُ الشَّـ
ـيْــطَــانِ بِــي ذَاهِــبٌ هَـبَـاءُ
وَالْـخَـلْـقُ يَـرْجُـونَـنِـي إِذَا مَا
مُـسِـكْـتُ عَـنْـهُـمْ لَـهُـمْ دُعَـاءُ
وَالْأَرْضُ تَــهْــتَـزُّ بِـي وَتَـرْبُـو
فَــيَــخْــرُجُ الـنَّـبْـتُ وَالـدَّوَاءُ
فَــقَـامَ يَـعْـلُـو الْـهَـوَاءُ جَـهْـرًا
وَقَـــالَ إِنِّـــي أَنَـــا الْـــهَــوَاءُ
فَإِنَّ أَنْــــفَــــاسَ كُـــلِّ حَـــيٍّ
تَـكُـونُ بِـي لِـلْـحَـيَـاةِ جَـاءُوا
وَإِنَّــنِــي حَــامِــلُ الْأَرَاضِــي
وَالْــمَــاءُ فِـيـهَـا لَـهُ اسْـتِـوَاءُ
وَأَهْـــلَــكَ الــلــهُ قَــوْمَ عَــادٍ
بِــشِــدَّتِــي مَــا لَــهُــمْ بَــقَـاءُ
أُرَوِّحُ الْــقَــلْــبَ بِــانْــتِـشَـاقٍ
فَـيَـحْـصُـلُ الـطِّيبُ وَالشِّفَاءُ
وَأَدْفَعُ الْخُبْثَ حَيْثُ هَبَّ النَّـ
ـسِـيـمُ يَـصْـفُـو بِـيَ الْـفَـضَاءُ
وَمَــا لِــحَــيٍّ مِــنَ الْــبَــرَايَــا
عَــنِّــي مَــدَى عُــمْـرِهِ غَـنَـاءُ
وَالـنُّـطْـقُ بِـي لَمْ يَكُنْ بِغَيْرِي
وَالـصَّوْتُ فِي الْخَلْقِ وَالنِّدَاءُ
وَلَـــيْـــسَ كُـــلُّ الْــكَــلَامِ إِلَّا
حُــرُوفُــهُ بِــي لَـهَـا انْـتِـشَـاءُ
وَبِـــي كَــلَامُ الْإِلَــهِ يُــتْــلَــى
فَــيَــهْـتَـدِي مَـنْ لَـهُ اهْـتِـدَاءُ
وَسُـنَّـةُ الْـمُـصْـطَـفَـى رَوَتْـهَـا
رُوَاتُـــهَــا بِــي أَيَــانَ شَــاءُوا
وَكُــلُّ مَــعْــنًــى لِــكُـلِّ لَـفْـظٍ
فَإِنَّـــهُ بِـــي لَـــهُ اقْــتِــضَــاءُ
لَــوْلَايَ مَــا بَــانَ عِــلْــمُ حَـقٍّ
وَعِــلْــمُ خَــلْــقٍ وَالَانْــبِــيَـاءُ
وَلَا يَــكُــونُ اسْــتِــمَــاعُ أُذْنٍ
إِلَّا وَبِــي الــنَّــوْحُ وَالْــغِــنَـاءُ
وَحَـــاصِـــلُ الْأَمْـــرِ أَنَّ كُـــلًّا
مِــنْ ذَا وَذَا لِــلــرَّدَى انْــدِرَاءُ
وَمَــا لِــذَا فَــضْــلٌ عَــلَــى ذَا
وَلَا لِـــذَا بَـــلْ هُـــمَــا سَــوَاءُ
وَكُــــلُّ مَــــاءٍ لَـــهُ مَـــزَايَـــا
يَــكُــونُ فِــيـهَـا لَـنَـا الْـهَـنَـاءُ
وَلَا هَـــــــوَا إِلَّا وَفِــــــيــــــهِ
نَـــفْــعٌ كَــمَــا رَبُّــنَــا يَــشَــاءُ
وَلَـــكِــنِ الْــمَــاءُ مَــعْ تُــرَابٍ
يَــصِـيـرُ طِـيـنًـا هُـوَ ابْـتِـدَاءُ
وَآدَمٌ كَــــانَ أَصْــــلُـــهُ مِـــنْ
طِـيـنٍ وَأَضْـحَـى لَهُ اصْطِفَاءُ
وَالْــمَــارِجُ الــنَّــارُ مَـعْ هَـوَاءٍ
سَــــمُــــومُ رِيــــحٍ وَذَاكَ دَاءُ
وَمِــنْـهُ إِبْـلِـيـسُ كَـانَ خَـلْـقًـا
لَـــهُ افْـــتِــخَــارٌ وَكِــبْــرِيَــاءُ
فَـكَـيْـفَ يَـعْـلُـو الْـهَـوَاءُ يَوْمًا
وَالْــمَــاءُ فِــيــنَــا لَـهُ الْـعَـلَاءُ
بِــهِ الــطَّــهَــارَاتُ وَالَّـذِي لَـمْ
يَــجِــدْهُ تُــرْبٌ بِــهِ اكْــتِـفَـاءُ
وَالـنَّـارُ فِـيـهَـا الْـعَذَابُ حَتَّى
لِـــكُـــلِّ شَــيْءٍ بِــهَــا فَــنَــاءُ
وَإِنَّــمَــا نُـورُهَـا اشْـتِـعَـالُ الْـ
ـهَــوَاءِ فِــيــهَــا لَــهُ ضِــيَــاءُ
وَالـتُّـرْبُ فِـيهِ الْجُسُومُ تَبْلَى
فَــيَــظْــهَــرُ الــذَّمُّ وَالــثَّـنَـاءُ
وَعَـــزَّ رَبِّـــي وَجَـــلَّ عَـــمَّـــا
نَـقُـولُ أَنْ يَـلْـحَـقَ الْـخَـطَـاءُ
بِـــخَــلْــقِــهِ رَبُّــنَــا عَــلِــيــمٌ
وَالْــعِــلْــمُ عَــنَّــا لَـهُ انْـتِـفَـاءُ
وَالْـفَـضْـلُ مِـنْـهُ يَكُونُ لَا مِنْ
سِـــوَاهُ حَـــقًّــا وَلَا امْــتِــرَاءُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: مخلع البسيط
  • عصر القصيدة: العثماني

عن الشاعر

عبد الغني النابلسي الدمشقي: شاعر، وفقيه، ورحَّالة، ومتصوِّف سوري، يرجع نسَبُه إلى «عمر بن الخطاب».

وُلد «عبد الغني النابلسي» في دمشق عام ١٦٤١م في بيتِ عِلم؛ فقد كان جدُّه مدرِّسًا لجامع «درويش باشا» وناظرًا لوَقْفه، وقد تَولى أبوه المهامَّ نفسَها بعد وفاة جدِّه. كان أبوه أولَ معلِّم له؛ فقد حفظ على يدَيه القرآنَ الكريم في سِن الخامسة، وحين بلَغ العاشرة حفظ كثيرًا من المقدِّمات والمنظومات مثل: «ألفية ابن مالك في النحو»، و«الشاطبية في القراءات»، و«الرحبانية في الفرائض»، و«الجَزرية في التجويد»، كما تابَع دروس «نجم الدين الغزي» في الحديث في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في الحديث.

عمل «النابلسي» مدرسًا في الجامع الأموي وهو في سِن العشرين من عمره، وحين بلغ الخامسةَ والعشرين ارتحل إلى أدرنة بالدولة العثمانية ثم زار إسطنبول، وبعد عودته عُيِّن قاضيًا في حي الميدان جنوب دمشق، لكنه استقال من منصبه ليتفرَّغ للتدريس والتأليف.

تَجاوَزت مُؤلَّفاته ثلاثمائة عمل مُوزَّعة بين الشِّعر وأدب الرحلات والفقه والتصوُّف والحديث والتفسير؛ ومن أبرزها: «إيضاح المقصود من وَحْدة الوجود»، و«الوجود الحق والخطاب الصدق»، و«التعبير في تفسير الأحلام»، و«ديوان الدواوين» وهو مجموعُ شِعره، و«أسرار الشريعة»، و«الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية»، و«ذخائر المواريث في الدلالة على مَواضع الحديث»، وغير ذلك من المصنَّفات الغنية التي تُعَد مصادرَ مهمة في مجالاتها.

اشتهر بالتصوُّف ومُجاهَدة النفس حتى وصل إلى مرتبة العارفين، وكان يَتبنى أفكارَ «محيي الدين بن عربي» ويُدافِع عنه ضدَّ مُنتقِديه، ودخَل في معركة حامية مع علماء وفقهاء عصره حول أفكاره الصوفية والقول بوَحْدة الوجود، وتَعرَّض على إثرها لأزمةٍ نفسية حادة في سن الأربعين، اضطرَّ على إثرها إلى الاعتزال في بيته لمدة سبع سنوات، قضاها في التأليف والتدريس، وأسدَل شَعره في أثنائها، وأرخى لحيتَه، وطلَّق زوجته، لكنه خرج بعدها إلى الناس الذين ازداد احترامُهم له بعدَ أن كانوا قد رمَوه بالحجارة قبل خلوته.

تُوفِّي «النابلسي» عام ١٧٣١م في دمشق، ودُفِن بالقبة التي بناها في بيته، والتي أُقيم عليها جامعٌ بعد ذلك.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤