إِذَا عَزَّ نَفْسِي عَنْ هَوَاكَ قُصُورُهَا

Wave Image
إِذَا عَـزَّ نَـفْـسِـي عَـنْ هَوَاكَ قُصُورُهُا
فَـمِـثْـلُ الـنَّـوَى يَقْضِي عَلَيَّ يَسِيرُهَا
وَهَـلْ غَـادَرَ الْـهِـجْـرَانُ إِلَّا حُـشَـاشَةً
لِـنَـفْـسٍ بِـأَدْنَـى لَـوْعَـةٍ يَـسْـتَـطِيرُهَا
هَـوًى وَنَـوًى يُـسْـتَقْبَحُ الصَّبْرُ فِيهِمَا
وَحَـسْـبُـكَ مِـنْ حَـالٍ يُـذَمُّ صَـبُورُهَا
وَقَـدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَمَاسَكَ مُهْجَتِي
وَأَنَّـكَ مِـنْ جَـوْرِ الْـفِـرَاقِ مُـجِـيـرُهَـا
فَـــمَــا كَــانَ إِلَّا غِــرَّةً مَــا رَجَــوْتُــهُ
أَلَا شَـرُّ مَـا أَرْدَى الـنُّـفُـوسَ غُـرُورُهَا
وَإِنِّـي لَـرَهْـنُ الـشَّوْقِ وَالشَّمْلُ جَامِعٌ
فَـكَـيْـفَ إِذَا حَـثَّ الْـحُـدَاةَ مَـسِيرُهَا
وَمَـا زِلْـتُ مِـنْ أَسْـرِ الْـقَـطِيعَةِ بَاكِيًا
فَـمَـنْ لِـي غَـدَاةَ الْـبَـيْنِ أَنِّي أَسِيرُهَا
وَكُــنْــتُ أَرَى أَنَّ الــصُّــدُودَ مَـنِـيَّـةٌ
يَـكُـونُ مَـعَ اللَّـيْـلِ الـتَّـمَامِ حُضُورُهَا
فَـلَـمَّـا قَـضَـى الـتَّـفْـرِيقُ بِالْبُعْدِ بَيْنَنَا
وَجَـدْتُ اللَّـيَـالِـي كَـانَ حُلْوًا مَرِيرُهَا
أَعُــدُّ سُــرُورِي أَنْ أَرَاكَ بِــغِــبْــطَــةٍ
وَأَنْـفَـسُ مَـا يُـهْـدَى لِـنَفْسٍ سُرُورُهَا
كَــفَــى حَــزَنًـا أَنِّـي أَبِـيـتُ مُـعَـذَّبًـا
بِـنَـارِ هُـمُـومٍ لَـيْـسَ يَـخْـبُو سَعِيرُهَا
وَأَنَّ عَــــدُوِّي لَا يُــــرَاعُ وَأَنَّــــنِـــي
أَبِـيـتُ سَـخِـيـنَ الْـعَيْنِ وَهْوَ قَرِيرُهَا
تَـعَـافُ النُّفُوسُ الْمُرَّ مِنْ وِرْدِ عَيْشِهَا
وَتَــكْـرَهُ حَـتَّـى يَـسْـتَـمِـرَّ مَـرِيـرُهَـا
وَلَا وَالْـقَـوَافِـي الـسَّـائِـرَاتِ إِذَا غَلَتْ
بِـحُـكْـمِ الـنَّـدَى عِـنْدَ الْكِرَامِ مُهُورُهَا
لَـئِـنْ أَنَـا لَـمْ يَـمْـنَـعْ حِمَايَ انْتِصَارُهَا
وَيَـثْـنِـي أَذَى الْـعَـادِيـنَ عَنِّي نَكِيرُهَا
فَـلَا ظَـلَّ يَـوْمًـا مُـصْـحِـبًـا لِـي أَبِيُّهَا
وَلَا بَــاتَ لَــيْـلًا آنِـسًـا بِـي نَـفُـورُهَـا
قَـطَـعْـتُ صُـدُورَ الْـعُـمْـرِ لَـمْ أَدْرِ لَذَّةً
وَغَـفْـلَـةَ عَـيْـشٍ كَـيْـفَ كَانَ مُرُورُهَا
وَلَـمَّـا رَمَـانِـي الـدَّهْـرُ عُـذْتُ بِـدَوْلَـةٍ
جَـلَا الْـحَـادِثَـاتِ الْـفَـادِحَاتِ مُنِيرُهَا
وَكَـيْـفَ يَـخَـافُ الـدَّهْـرَ رَبُّ مَحَامِدٍ
غَـدَا كَـرَمُ الْـمَـنْـصُـورِ وَهْـوَ نَصِيرُهَا
إِلَـى عَـضُـدِ الْـمُـلْـكِ امْتَطَيْتُ غَرَائِبًا
مُـــحَــرَّمَــةٌ إِلَّا عَــلَــيَّ ظُــهُــورُهَــا
إِلَـى مَـلِـكٍ تَـعْـنُـو الْـمُـلُـوكُ لِـبَـأْسِـهِ
وَيَـقْـصُـرُ يَـوْمَ الْـفَـخْرِ عَنْهُ فَخُورُهَا
أَعَــمُّــهُــمُ غَـيْـثًـا إِذَا بَـخِـلَ الْـحَـيَـا
وَأَطْـعَـنُـهُـمْ وَالْـخَيْلُ تَدْمَى نُحُورُهَا
إِلَـى حَـيْـثُ تَلْقَى الْجُودَ هَيْنًا مَرَامُهُ
لِـبَـاغِـيـهِ وَالْـحَاجَاتِ سَهْلًا عَسِيرُهَا
لَـدَى مَـلِـكٍ مَـا انْـفَـكَّ مِـنْ مَـكْرُمَاتِهِ
مَـوارِدُ يَـصْـفُـو عَـذْبُـهَـا وَنَـمِـيـرُهَـا
يَـزِيـدُ عَـلَـى غَـوْلِ الطُّرُوقِ صَفَاؤُهَا
وَيَـنْـمِـي عَـلَى طُولِ الْوُرُودِ غَزِيرُهَا
أَغَـرُّ لَـوَ انَّ الـشَّـمْسَ يَحْظَى جَبِينُهَا
بِـبَـهْـجَـتِـهِ مَـا كَـانَ يُـكْـسَـفُ نُـورُهَا
غَـنِـيُّ الْـعُـلَا مِـنْ كُـلِّ فَضْلٍ وَسُؤْدَدٍ
وَلَــكِــنَّــهُ مِـنْ كُـلِّ مِـثْـلٍ فَـقِـيـرُهَـا
يَـعُـدُّ الْـمَـنَـايَـا مُـسْـتَـسَـاغًـا كَـرِيهُهَا
وَبِـيـضَ الْـعَـطَـايَـا مُـسْـتَقَلًّا كَثِيرُهَا
سَـقَـى اللـهُ أَيَّـامَ الْـمُـؤَيَّـدِ مَـا سَقَتْ
حَــوَافِـلُ مُـزْنٍ لَا يُـغِـبُّ مَـطِـيـرُهَـا
فَــمَــا نَــقَـلَـتْ جَـرْدَاءُ سَـابِـحَـةٌ لَـهُ
شَـبِـيـهًـا وَلَا وَجْـنَـاءُ يَـقْـلَـقُ كُـورُهَا
سَـقَـى هَـذِهِ الـدُّنْـيَـا مِنَ الْعَدْلِ رَيَّهَا
فَـأَصْـبَـحَ لَا يَـخْشَى الذَّوَاءَ نَضِيرُهَا
وَهَــبَّ لَــهُ فِـيـهَـا نَـسِـيـمُ غَـضَـارَةٍ
مِـنَ الْـعَيْشِ حَتَّى عَادَ بَرْدًا هَجِيرُهَا
عَــفُــوٌّ فَــمَــا عَـايَـنْـتُ زَلَّـةَ مُـجْـرِمٍ
لَــدَى عَـفْـوِهِ إِلَّا صَـغِـيـرًا كَـبِـيـرُهَـا
لَــهُ الــرَّأْيُ وَالْـبَـأْسُ اللَّـذَانِ تَـكَـفَّـلَا
لِأَعْــدَائِــهِ أَوْحَـى حِـمَـامٍ يُـبِـيـرُهَـا
سُـيُـوفٌ مِنَ التَّدْبِيرِ وَالْفَتْكِ لَمْ يَزَلْ
وَمُــغْـمَـدُهَـا فِـي كَـفِّـهِ وَشَـهِـيـرُهَـا
رَأَى أَرْضَ صُــورٍ نُــهْــبَـةً لِـمُـغَـالِـبٍ
يُــنَــازِلُـهَـا يَـوْمًـا وَيَـوْمًـا يُـغِـيـرُهَـا
تَـدَارَكَـهَـا وَالـنَّـصْـرُ فِـي صَدْرِ سَيْفِهِ
أَخُــو عَـزَمَـاتٍ لَا يُـخَـافُ فُـتُـورُهَـا
هُــمَــامٌ إِذَا مَــا حَــلَّ يَـوْمًـا بِـبَـلْـدَةٍ
فَـخَـنْـدَقُـهَـا حَـدُّ الْـحُـسَامِ وَسُورُهَا
وَسُـمْـرٌ مِـنَ الْـخَـطِّـيِّ لَا تَـرِدُ الْوَغَى
فَـتُـحْـطَـمَ إِلَّا فِي الصُّدُورِ صُدُورُهَا
أَرَى أُمَــرَاءَ الْــمُـلْـكِ لِلْـفَـخْـرِ غَـايَـةً
وَأَنْــتَ إِذَا عُــدَّ الْــفَــخَـارُ أَمِـيـرُهَـا
وَمَــا زِلْــتَ تَــسْـمُـو لِلْـعَـلَاءِ بِـهِـمَّـةٍ
تَـقِـلُّ لَـكَ الـدُّنْـيَـا بِـهَـا كَيْفَ صُورُهَا
وَأُقْـسِـمُ لَـوْ حَـاوَلْتَ قَدْرَكَ فِي الْعُلَا
لَـمَـا آثَـرَتْ عَـنْـكَ الـسَّـمَـاءَ بُـدُورُهَـا
وَإِنَّ بِــلَادًا أَنْــتَ حَــائِــطُ ثَــغْـرِهَـا
بِـسَـيْـفِـكَ قَـدْ عَـزَّتْ وَعَـزَّ نَـظِـيـرُهَا
فَـسَـعْـدًا لِأَمْـلَاكٍ عَـلَـيْـكَ اعْـتِـمَادُهَا
وَفَــخْــرًا لِأَيَّــامٍ إِلَــيْـكَ مَـصِـيـرُهَـا
لَـقَـدْ عَـطَّـرَ الـدُّنْـيَـا ثَـنَـاؤُكَ فَـانْثَنَى
بِــهِ ذَا كَـسَـادٍ مِـسْـكُـهَـا وَعَـبِـيـرُهَـا
فَــتَـاهَـتْ بِـذِكْـرَاهُ الْـبِـلَادُ وَأَهْـلُـهَـا
وَهَــبَّــتْ بِــرَيَّـاهُ الـصَّـبَـا وَدَبُـورُهَـا
مَـلَأْتَ بِـهِ الْآفَـاقَ طِـيـبًـا مَـتَـى دَعَا
إِلَــى نَـشْـرِهِ الْآمَـالَ خَـفَّ وَقُـورُهَـا
فَـجِـئْـتُـكَ ذَا نَـفْـسٍ يُـقَيِّدُهَا الْجَوَى
وَقَـدْ كَـادَ حُـسْنُ الظَّنِّ فِيكَ يُطِيرُهَا
رَمِــيــمٍ أُزَجِّــيــهَــا إِلَــيْــكَ لَــعَــلَّـهُ
يَـكُـونُ بِـنُـعْـمَـى رَاحَـتَـيْـكَ نُشُورُهَا
وَلَـسْـتُ بِـشَـاكٍ مُـدَّةَ الْخَطْبِ بَعْدَهَا
وَأَوَّلُ إِفْــضَــائِــي إِلَــيْـكَ أَخِـيـرُهَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: يمدح ابن الخياط في هذه القصيدة منير الدولة والي صور، وقد وفد إليه وأنشده إياها في صور سنة أربع وثمانين وأربعمائة للهجرة.
  • غرض القصيدة: المدح
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

هو أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي، يُعَد أحد رُواد الأدب العربي، وأشهر شعراء الشام الذين ساهموا في النهضة الشعرية التي شهدها العصر العباسي الثاني، اتسم شِعره بحُسن البيان، وجزالة العبارة، وعُمق المعنى.

وُلد في دمشق سنة ٤٥٠ﻫ/ ١٠٥٨م، حين كانت تحت سيطرة الدولة الفاطمية، ونشأ وترعرع بها؛ فدرس علوم اللغة، والكتابة، ونَظَم فيها أُولى قصائده. وظل بها حتى سيطر عليها السلاجقة فهاجر منها إلى حماة، وكان عُمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، ومكث في حماة مدةً قاربت اثنتَي عشرة سنة، واتصل بأميرها «محمد بن مانك» وعمل عنده كاتبًا، ثم انتقل إلى شينيز ومدح أميرها «علي بن مقلد بن منقذ»، ومنها إلى حلب السورية، وهناك التقى ﺑ «ابن حيُّوس» أشهر شعراء زمانه، ولازَمه مدةً حتى صار امتدادًا لشِعره، ثم اتجه غربًا إلى طرابلس الليبية التي أقام فيها مدةً قاربت عشر سنوات، وفيها ذاع صِيتُه، ووصلت شُهرته الآفاق، ونَظَم أبدع قصائده وأشهرها، وتَقرَّب من حاكمها «جلال الدين بن عمار»، ثم عاد ثانيةً إلى دمشق وحط فيها رِحاله، وصاحَب وزيرها السلجوقي «هبة الله بن بديع الأصفهاني».

سُمي ﺑ «ابن الخياط» لاشتغال أبيه بحرفة الخياطة، وسُمي بالكاتب لاشتغاله بالكتابة؛ حيث عمل كاتبًا لدى أمراء الدولة العباسية، كما نَظَم الشعر بأغراضه المتنوعة، كالهِجاء، والرِّثاء، والغزَل، ولكنَّ النصيب الأوفر من قصائده كان في المديح، حتى اشتُهر بذلك؛ فذكَرَته كُتُب المؤرخين المعاصرين بأنه من الشعراء المُجيدين، امتَدح الناس، وطاف البلاد، ودخل بلاد العجم وامتَدح أهلها. وصل إلينا ديوانه الذي حوى أبهى قصائد الشعر العربي، وأعذب العبارات، وأبلغ المعاني.

تُوفِّي «ابن الخياط» بدمشق في ١١ رمضان ٥١٧ﻫ/١ نوفمبر ١١٢٣م، عن عُمرٍ يُناهز سبعًا وستين سنة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤