تَحِيَّةُ دَارِ الْإِذَاعَةِ

Wave Image
سَــارِي الْــهَــوَاءِ مَـلَـكْـتَ أَيَّ جَـنَـاحِ!
وَحَــلَــلْــتَ أَيَّ مَــشَــارِفٍ وَبِــطَــاحِ!
وَبِأَيِّ نَـــاحِـــيَــةٍ أَقَــمْــتَ؟ فَإِنَّــنِــي
أَلْـــقَـــاكَ بَـــيْــنَ تَــوَثُّــبٍ وَجِــمَــاحِ
فِـي كُـلِّ مَـغْـدًى مِنْ ذُيُولِكَ مَسْحَبٌ
وَخُـــطَـــاكَ مَــاثِــلَــةٌ بِــكُــلِّ مَــرَاحِ
تَـجْـرِي فَـتَـنْـتَـظِـمُ الْـمَـدَائِنَ وَالْقُرَى
وَتَـــفُـــوتُـــهُــنَّ إِلَــى مَــدًى فَــيَّــاحِ
لَا الْبَرْقُ يَسْرِي حَيْثُ سِرْتَ وَلَا رَمَى
نَـــسْــرٌ إِلَــى مَــا رُمْــتَــهُ بِــجَــنَــاحِ
يَـكْـبُـو الـظَّـلِـيـمُ وَأَيْنَ مِنْكَ عِدَاؤُهُ؟
وَيَــكِــلُّ جُــهْــدُ الْأَجْــرَدِ الــسَّــبَّــاحِ
تَـمْـضِـي فَـلَا تَـقِـفُ الْـعَـوَائِـقُ حَـائِلًا
وَتَــمُــرُّ بَــيْــنَ الــصَّــلْــدِ وَالـصُّـفَّـاحِ
دَانٍ وَمَـا عَـلِـقَـتْ بِـشَـخْـصِـكَ أَعْـيُنٌ
يَـــوْمًـــا وَلَا مُـــسَّـــتْ يَــدَاكَ بِــرَاحِ
تَــتَـمَـايَـلُ الْأَشْـبَـاحُ إِنْ تَـخْـطِـرْ بِـهَـا
وَمِــنَ الــسُّــرُورِ تَــمَــايُــلُ الْأَشْـبَـاحِ
وَتَــهُــزُّ أَدْوَاحَ الــرِّيَــاضِ فَـتَـنْـثَـنِـي
شَـــوْقًـــا إِلَـــيْــكَ بَــوَاسِــقُ الْأَدْوَاحِ
لَــوْلَاكَ مَــا صَــبَّ الْــغَـمَـامُ عُـيُـونَـهُ
تَــسْــقِــي الْــبِـطَـاحَ بِـوَابِـلٍ سَـحَّـاحِ
لَــوْلَاكَ مَــا زَهَــتِ الــرُّبَـى بِـمُـرَقَّـشٍ
مِـنْ نَـسْـجِ مَـنْـثُـورٍ وَوَشْـيِ أَقَـاحِـي
قَـدَحُ الْـحَـيَـاةِ، وَأَنْـتَ أَغْـلَـى مَشْرَبًا
مِــنْ صَــفْــوَةِ الْـمَـاذِيِّ فِـي الْأَقْـدَاحِ
•••
سِــرْ يَــا هَــوَاءُ فَأَنْــتَ أَوْطَأُ مَـرْكَـبٍ
وَاهْـتِـفْ بَـصَـوْتِ الـطَّـائِـرِ الـصَّـدَّاحِ
وَاحْـرِصْ عَـلَـى سِحْرِ الْبَيَانِ وَوَحْيِهِ
وَارْفُــقْ بِآيٍ فِــي الْـقَـرِيـضِ فِـصَـاحِ
جَـمَـعَـتْ مَـنَ الـزَّهْـرِ الـنَّـدِيِّ قَـوَافِيًا
تَـسْـبِـي الـنُّـهَـى بِـعَـبِـيـرِهَـا الْـفَـوَّاحِ
دُرَرٌ صِــحَــاحٌ لَـوْ تُـقَـاسُ بِـشِـبْـهِـهَـا
لَـبَـدَتْ دَرَارِي الـلَّـيْـلِ غَـيْـرَ صِـحَـاحِ
مَـا الـسَّـيْـفُ فِـي كَـفِّ الْـمُـفَزَّعِ قَلْبُهُ
كَـالـسَّـيْفِ فِي كَفِّ الْفَتَى الْجَحْجَاحِ
الـشِّـعْـرُ مِـنْ سِـرِّ الـسَّـمَـاءِ فَـهَـمْـسُـهُ
وَحْــيُ الــنُّــفُــوسِ وَرَاحَــةُ الْأَرْوَاحِ
كَـمُـلَـتْ صِـفَـاتُ الـرَّاحِ فِـي نَـشَوَاتِهِ
وَنَــجَــا فَــلَــمْ يُــوصَــمْ بِإِثْـمِ الـرَّاحِ
•••
سِـرْ يَـا قَـرِيـضُ إِلَـى الْعُرُوبَةِ مُسْرِعًا
وَانْـــزِلْ بِآفَـــاقٍ بِـــهَـــا وَنَـــوَاحِـــي
وَامْــزُجْ بِــمِــسْــكِـيِّ الْأَثِـيـرِ تَـحِـيَّـةً
لِـــعَــشَــائِــرٍ شُــمِّ الْأُنُــوفِ سِــمَــاحِ
شَـحُّـوا بِأَنْ تَـلِـدَ الْـمَـكَـارِمُ غَـيْـرَهُـمْ
وَهُـمُ عَـلَـى الـنَّـجَـدَاتِ غَـيْـرُ شِحَاحِ
جَـعَـلُـوا مِـنَ الْـفُـصْـحَـى وَمِنْ آيَاتِهَا
نَـسَـبًـا مُـضِـيـئًـا كَـالـنَّـهَـارِ الـضَّاحِي
الـضَّـادُ تَـجْـمَـعُـهُـمْ وَتَـرْأَبُ صَـدْعَهُمْ
سِـــيَّـــانِ فِـــي الْأَفْـــرَاحِ وَالْأَتَــرَاحِ
دَارَ الْإِذَاعَــــةِ لَا تَـــمَـــلِّـــي إِنَّـــنِـــي
أَطْـلَـقْـتُ لِـلْأَمَـلِ الْـبَـعِـيـدِ سَـرَاحِـي
حُـبُّ الْـعُـرُوبَـةِ قَـدْ جَـرَى بِـمَفَاصِلِي
بِـالـرَّغْـمِ مِـنْ هَـذِرِ الْـحَدِيثِ مُلَاحِي
•••
دَارَ الْإِذَاعَـــةِ أَنْـــتِ بِـــنْــتُ ثَــلَاثَــةٍ
مَــرَّتْ كَــوَمْــضِ الْــبَــارِقِ الــلَّــمَّـاحِ
كَـــمْ فِـــيــكِ لِــلْــقُــرْآنِ رَنَّــةُ قَــارِئٍ
تَــحْــلُــو لَــدَى الْإِمْـسَـاءِ وَالْإِصْـبَـاحِ
كَـشَـفَـتْ عَـنِ النَّفْسِ الْمَلُولِ حِجَابَهَا
فَــتَــوَجَّــهَــتْ لِــلْــخَــالِــقِ الْـفَـتَّـاحِ
الـدِّيـنُ سَـلْـوَى الـنَّـفْـسِ فِـي آلَامِـهَـا
وَطَـــبِــيــبُــهَــا مِــنْ أَدْمُــعٍ وَجِــرَاحِ
أوْدَعْــتُــهُ حُــزْنِـي فَـلَـمْ تَـعْـبَـثْ بِـهِ
شَــكْـوَى وَلَا صَـدَعَ الـدُّجَـى بِـنُـوَاحِ
دَارَ الْإِذَاعَــةِ كَــمْ نَــشَــرْتِ ثَــقَــافَـةً
جَـــلَّــتْ مَآثِــرُهَــا عَــنِ الْإِفْــصَــاحِ!
كَـمْ جَـازَ صَـوْتُـكِ مِـنْ بِـحَارٍ سُجِّرَتْ
وَفَــدَافِــدٍ شُـعْـثِ الْـفِـجَـاجِ فِـسَـاحِ!
أَصْـبَـحْـتِ أُسْتَاذَ الشُّعُوبِ وَكَافَحَتْ
نَــجْـوَاكِ جَـيْـشَ الْـجَـهْـلِ أَيَّ كِـفَـاحِ
وَمَــلَأْتِ بِــالْــعِــلْــمِ الْــبِـلَادَ فَـنُـورُهُ
فِــي كُــلِّ مُــنْــعَـطَـفٍ وَبُـهْـرَةِ سَـاحِ
تَـتَـلَـقَّـفُ الـدُّنْـيَـا حَـدِيـثَـكِ مِـثْـلَـمَـا
يَــتَــلَــقَّــفُ الْأَبْــرَارُ وَحْـيَ الْـوَاحِـي
•••
دَارَ الْإِذَاعَـــةِ أَنْـــتِ أَمْـــرَحُ أَيْـــكَــةٍ
صَــدَحَــتْ فَــكَـانَـتْ أَيْـكَـةَ الْأَفْـرَاحِ
صَـاحَـتْ بَـلَابِـلُـكِ الْـحِسَانُ فَأَخْمَلَتْ
فِـي الْـجَـوِّ صَـوْتَ الْـبُـلْـبُـلِ الـصَّيَّاحِ
مِــنْ كُــلِّ شَــادِيَــةٍ كَأَنَّ حَــنِــيــنَـهَـا
هَــمْــسُ الْـمُـنَـى لِـلْـيَـائِـسِ الْـكَـدَّاحِ
الــلَّــيْــلُ إِنْ نَــادَتْـهُ مَـاسَ بِـعِـطْـفِـهِ
فَـتَـرَاهُ بَـيْـنَ الْـمُـنْـتَـشِـي وَالـصَّاحِي
كَــمْ فِــيـكَ مِـنْ لَـهْـوٍ بِـهِ رِيُّ الـنُّـهَـى
وَفُـــكَـــاهَــةٍ مَــحْــبُــوبَــةٍ وَمُــزَاحِ!
الــنَّــفْــسُ تَـسْأَمُ إِنْ تَـطَـاوَلَ جِـدُّهَـا
فَــاكْــشِــفْ سَآمَــةَ جِــدِّهَــا بِـمُـبَـاحِ
•••
زُمَـرَ الـشَّـبَـابِ وَلِـي مَـلَامَـةُ نَـاصِـحٍ
لَـوْ تَـسْـمَـعُـونَ نَـصِـيـحَـةَ الـنُّـصَّـاحِ!
بِـالْـعِـلْـمِ «مَـرْكُـونِـي» تَـسَـلَّـقَ لِـلْـعُلَا
وَبِـــعَـــزْمَـــةِ الْــوَثَّــابَــةِ الــطَّــمَّــاحِ
رَجُــلٌ عِــصَــامِـيُّ الْأَرُومَـةِ لَـمْ يَـنَـلْ
مَـــجْــدًا ﺑِ «آمُــونٍ» وَلَا ﺑِ «فِــتَــاحِ»
تَــتَــطَــلَّـعُ الـدُّنْـيَـا إِلَـيْـهِ وَتَـمْـتَـطِـي
ذِكْــــرَى مَآثِــــرِهِ مُــــتُــــونَ رِيَـــاحِ
إِنَّ الــتَّــفَــاخُــرَ بِــالْــقَــدِيــمِ تَـعِـلَّـةٌ
وَالْـجَـهْـلُ لِـلْـمَـجْـدِ الْـمُـؤَثَّـلِ مَـاحِي
وَالْـعِـلْـمُ مِـصْـبَـاحُ الْـحَـيَـاةِ فَـنَـقِّـبُوا
مِـنْ قَـبْـلِ أَنْ تَـثِـبُـوا عَـنِ الْـمِـصْـبَاحِ
بَـلِـيَ الـسِّـلَاحُ مَـعَ الْـقَـدِيـمِ وَعَـهْـدِهِ
وَالْآنَ صَــارَ الْــعِــلْــمُ خَــيْــرَ سِـلَاحِ
الْــيَــوْمَ فِــكْــرَةُ عَـالِـمٍ فِـي مَـصْـنَـعٍ
تُــغْــنِــي عَــنِ الْأَسْــيَـافِ وَالْأَرْمَـاحِ
وَتَـــصُـــدُّ كُـــلَّ كَـــتِـــيــبَــةٍ مَــوَّارَةٍ
خَــضْــرَاءَ تَــقْــذِفُ بِــالْـكُـمَـاةِ رَدَاحِ
أَمْـضُـوا الْـجُـهُـودَ وَأَخْلِصُوا لِبِلَادِكُمْ
فِـي الْـجَـهْـدِ وَالْإِخْـلَاصِ كُـلُّ نَـجَاحِ
لَا يُــرْتَــجَــى مِــنْ أُمَّــةٍ مَــفْــتُــونَـةٍ
بِــالــلَّــهْــوِ وَالــتَّــسْــوِيـفِ أَيُّ فَـلَاحِ
خُـوضُـوا الـصِّـعَـابَ وَلَا تَـمَـلُّـوا إِنَّـمَا
نَــيْــلُ الْــمُـنَـى بِـالـصَّـبْـرِ وَالْإِلْـحَـاحِ
قَــدْ يُـنْـجِـدُ الـلُّـجُّ الْـغَـرِيـقَ بِـقَـذْفِـهِ
حَـيًّـا فَـيَـلْقَى الْمَوْتَ فِي الضَّحْضَاحِ
الْــعَــهْــدُ مِــثْــلُـكُـمُ جَـدِيـدٌ مُـشْـرِقٌ
فَـــهَـــلُـــمَّ لِـــلْإِنْـــتَـــاجِ وَالْإِصْــلَاحِ
وَمَـلِـيـكُـكُـمْ مَـثَـلُ الـشَّـبَـابِ مُـجَمَّلٌ
بِــخَــلَائِــقٍ غُــرِّ الْــوُجُــوهِ صِــبَــاحِ
يَــتَــفَــاءَلُ الــنِّـيـلُ الْـوَفِـيُّ بِـعَـهْـدِهِ
وَبِــيُــمْــنِ طَـلْـعَـةِ وَجْـهِـهِ الْـوَضَّـاحِ
سَــارَتْ مَـحَـامِـدُهُ وَسَـارَتْ خَـلْـفَـهَـا
تَــشْــدُو بِــسَـابِـغِ فَـضْـلِـهِ أَمْـدَاحِـي

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤