الْمُطَلَّقَةُ

Wave Image
بَدَتْ كَالشَّمْسِ يَحْضِنُهَا الْغُرُوبُ
فَـتَـاةٌ رَاعَ نَـضْـرَتَـهَـا الـشُّـحُوبُ
مُــنَــزَّهَـةٌ عَـنِ الْـفَـحْـشَـاءِ خَـوْدٌ
مِــنَ الْــخَــفِـرَاتِ آنِـسَـةٌ عَـرُوبُ
نَــوَارٌ تَــسْـتَـجِـدُّ بِـهَـا الْـمَـعَـالِـي
وَتَـبْـلَـى دُونَ عِـفَّـتِـهَـا الْـعُـيُـوبُ
صَـفَـا مَـاءُ الـشَّـبَـابِ بِـوَجْـنَتَيْهَا
فَـحَـامَـتْ حَـوْلَ رَوْنَـقِـهِ الْقُلُوبُ
وَلَـــكِــنَّ الــشَّــوَائِــبَ أَدْرَكَــتْــهُ
فَــعَــادَ وَصَــفْـوُهُ كَـدِرٌ مَـشُـوبُ
ذَوَى مِـنْـهَـا الْجَمَالُ الْغَضُّ وَجْدًا
وَكَـادَ يَـجِـفُّ نَـاعِـمُـهُ الـرَّطِـيـبُ
أَصَـابَـتْ مِـنْ شَـبِـيـبَـتِـهَا اللَّيَالِي
وَلَـمْ يُـدْرِكْ ذُؤَابَـتَـهَـا الْـمَـشِـيبُ
وَقَـدْ خَـلَـبَ الْـعُـقُـولَ لَـهَا جَبِينٌ
تَــلُــوحُ عَـلَـى أَسِـرَّتِـهِ الـنُّـكُـوبُ
أَلَا إِنَّ الْــــجَــــمَــــالَ إِذَا عَـــلَاهُ
نِـقَـابُ الْـحُـزْنِ مَـنْـظَـرُهُ عَجِيبُ
•••
حَــلِـيـلَـةُ طَـيِّـبِ الْأَعْـرَاقِ زَالَـتْ
بِـهِ عَـنْـهَـا، وَعَـنْـهُ بِـهَـا، الْـكُرُوبُ
رَعَـى وَرَعَـتْ، فَـلَـمْ تَـرَ قَـطُّ مِنْهُ
وَلَــمْ يَــرَ قَـطُّ مِـنْـهَـا مَـا يُـرِيـبُ
تَــوَثَّــقَ حَـبْـلُ وُدِّهِـمَـا حُـضُـورًا
وَلَـمْ يَـنْـكُـثْ تَـوَثُّـقَـهُ الْـمَـغِـيـبُ
فَـغَـاضَـبَ زَوْجَـهَا الْخُلَطَاءُ يَوْمًا
بِأَمْــرٍ لِــلْــخِــلَافِ بِــهِ نُــشُــوبُ
فَأَقْـسَـمَ بِـالـطَّـلَاقِ لَـهُـمْ يَـمِـيـنًا
وَتِـــلْـــكَ أَلِــيَّــةٌ خَــطَأٌ وَحُــوبُ
وَطَــلَّــقَــهَــا عَـلَـى جَـهْـلٍ ثَـلَاثًـا
كَـذَلِـكَ يَـجْـهَـلُ الرَّجُلُ الْغَضُوبُ
وَأَفْــتَــى بِـالـطَّـلَاقِ طَـلَاقَ بَـتٍّ
ذَوُو فُـتْـيَـا تَـعَـصُّـبُـهُـمْ عَـصِيبُ
فَـبَـانَـتْ عَـنْـهُ، لَـمْ تَأْتِ الـدَّنَـايَـا
وَلَـمْ يَـعْـلَـقْ بِـهَـا الـذَّامُ الْـمَعِيبُ
فَــظَــلَّـتْ وَهْـيَ بَـاكِـيَـةٌ تُـنَـادِي
بِـصَـوْتٍ مِـنْـهُ تَـرْتَـجِـفُ الْقُلُوبُ
•••
لِـمَـاذَا يَـا نَـجِـيبُ صَرَمْتَ حَبْلِي
وَهَـلْ أَذْنَـبْـتُ عِـنْـدَكَ يَـا نَـجِيبُ
وَمَـا لَـكَ قَـدْ جَـفَـوْتَ جَفَاءَ قَالٍ
وَصِـرْتَ إِذَا دَعَـوْتُـكَ لَا تُـجِـيـبُ
أَبِـنْ ذَنْـبِـي إِلَـيَّ، فَـدَتْـكَ نَفْسِي،
فَإِنِّـــي عَــنْــهُ بَــعْــدَئِــذٍ أَتُــوبُ
أَمَــا عَــاهَــدْتَــنِــي بِــالـلـهِ أَنْ لَا
يُـــفَــرِّقَ بَــيْــنَــنَــا إِلَّا شَــعُــوبُ
لَـئِـنْ فَـارَقْـتَـنِـي، وَصَدَدْتَ عَنِّي
فَــقَـلْـبِـي لَا يُـفَـارِقُـهُ الْـوَجِـيـبُ
وَمَــا أَدْمَــاءُ تَـرْتَـعُ حَـوْلَ رَوْضٍ
وَيَــرْتَــعُ خَــلْــفَــهَــا رَشَأٌ رَبِـيـبُ
فَـمَـا لَـفَـتَـتْ إِلَـيْـهِ الْـجِـيدَ حَتَّى
تَـــخَــطَّــفَــهُ بِآزِمَــتَــيْــهِ ذِيــبُ
فَــرَاحَـتْ مِـنْ تَـحَـرُّقِـهَـا عَـلَـيْـهِ
بِــدَاءٍ مَــا لَــهَــا فِــيــهِ طَـبِـيـبُ
تَـشُـمُّ الْأَرْضَ تَـطْـلُـبُ مِنْهُ رِيحًا
وَتَـنْـحَـبُ، وَالْـبُـغَامُ هُوَ النَّحِيبُ
وَتَـمْـزَعُ فِـي الْـفَـلَاةِ لِـغَـيْرِ وَجْهٍ
وَآوِنَـــةً لِـــمَـــصْــرَعِــهِ تَــئُــوبُ
بِأَجْـزَعَ مِـنْ فُـؤَادِي يَـوْمَ قَـالُـوا
بِـرَغْـمٍ مِـنْـكِ فَـارَقَـكِ الْـحَـبِـيبُ
فَأَطْـرَقَ رَأْسَـهُ خَـجَـلًا وَأَغْـضَى
وَقَــالَ وَدَمْـعُ عَـيْـنَـيْـهِ سَـكُـوبُ
«نَـجِـيـبَـةُ» أَقْـصِـرِي عَنِّي فَإِنِّي
كَـفَـانِـي مِـنْ لَـظَى النَّدَمِ اللَّهِيبُ
وَمَـا وَالـلـهِ هَـجْـرُكِ بِـاخْـتِـيَارِي
وَلَـكِـنْ هَـكَـذَا جَـرَتِ الْـخُـطُـوبُ
فَـلَـيْـسَ يَـزُولُ حُبُّكِ مِنْ فُؤَادِي
وَلَـيْـسَ الْعَيْشُ دُونَكِ لِي يَطِيبُ
وَلَا أَسْـلُـو هَـوَاكِ وَكَـيْـفَ أَسْـلُـو
هَــوًى كَــالـرُّوحِ فِـيَّ لَـهُ دَبِـيـبُ
سَلِي عَنِّي الْكَوَاكِبَ وَهْيَ تَسْرِي
بِـجُـنْـحِ الـلَّـيْـلِ تَـطْـلُـعُ أَوْ تَغِيبُ
فَــكَـمْ غَـالَـبْـتُـهَـا بِـهَـوَاكِ سُـهْـدًا
وَنَـجْـمُ الْـقُـطْـبِ مُـطَّـلِـعٌ رَقِـيبُ
خُـذِي مِـنْ نُـورِ «رَنْتَجْنٍ» شُعَاعًا
بِـهِ لِـلْـعَـيْـنِ تَـنْـكَـشِـفُ الْـغُـيُوبُ
وَأَلْــقِـيـهِ بِـصَـدْرِي وَانْـظُـرِيـنِـي
تَـرَيْ قَـلْـبِـي الْـجَـرِيـحَ بِهِ نُدُوبُ
وَمَـا الْـمَـكْـبُـولُ أُلْـقِيَ فِي خِضَمٍّ
بِـهِ الْأَمْـوَاجُ تَـصْـعَـدُ أَوْ تَـصُوبُ
فَــرَاحَ يَــغُــطُّــهُ الــتَّــيَّـارُ غَـطًّـا
إِلَــى أَنْ تَــمَّ فِـيـهِ لَـهُ الـرُّسُـوبُ
بِأَهْـلَـكَ يَـا ابْـنَـةَ الْأَمْـجَـادِ مِـنِّي
إِذَا أَنَـا لَـمْ يَـعُـدْ بِـكِ لِـي نَـصِيبُ
•••
أَلَا قُـلْ فِـي الـطَّـلَاقِ لِـمُـوقِـعِـيهِ
بِـمَـا فِـي الشَّرْعِ لَيْسَ لَهُ وُجُوبُ
غَــلَــوْتُـمْ فِـي دِيَـانَـتِـكُـمْ غُـلُـوًّا
يَـضِـيـقُ بِبَعْضِهِ الشَّرْعُ الرَّحِيبُ
أَرَادَ الــلــهُ تَــيْــسِــيــرًا وَأَنْــتُـمْ
مِـنَ الـتَّـعْـسِـيـرِ عِـنْدَكُمُ ضُرُوبُ
وَقَــدْ حَــلَّــتْ بِأُمَّــتِـكُـمْ كُـرُوبُ
لَــكُــمْ فِــيـهِـنَّ لَا لَـهُـمُ الـذُّنُـوبُ
وَهَـى حَـبْـلُ الـزَّوَاجِ وَرَقَّ حَـتَّى
يَــكَــادُ إِذَا نَــفَــخْـتَ لَـهُ يَـذُوبُ
كَـخَـيْطٍ مِنْ لُعَابِ الشَّمْسِ أَدْلَتْ
بِــهِ فِـي الْـجَـوِّ هَـاجِـرَةٌ حَـلُـوبُ
يُــمَــزِّقُــهُ مِــنَ الْأَفْــوَاهِ نَــفْــثٌ
وَيَـقْـطَـعُـهُ مِـنَ الـنَّـسَـمِ الْهُبُوبُ
فَـدَى ابْـنَ الْـقَـيِّمِ الْفُقَهَاءُ كَمْ قَدْ
دَعَـاهُـمْ لِـلـصَّـوَابِ فَـلَمْ يُجِيبُوا
فَـفِـي «إِعْـلَامِـهِ» لِـلـنَّـاسِ رُشْـدٌ
وَمُـزْدَجَـرٌ لِـمَـنْ هُـوَ مُـسْـتَـرِيـبُ
نَــحَــا فِـيـمَـا أَتَـاهُ طَـرِيـقَ عِـلْـمٍ
نَـحَـاهَـا شَـيْـخُـهُ الْـحَـبْرُ الْأَرِيبُ
وَبَــيَّــنَ حُــكْـمَ دِيـنِ الـلـهِ لَـكِـنْ
مِـنَ الْـغَـالِـيـنَ لَـمْ تَـعِـهِ الْـقُـلُوبُ
لَــعَــلَّ الــلـهَ يُـحْـدِثُ بَـعْـدُ أَمْـرًا
لَـنَـا فَـيَـخِـيـبَ مِنْهُمْ مَنْ يَخِيبُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤