الْفَقِيرُ

Wave Image
هَــــمٌّ أَلَــــمَّ بِـــهِ مَـــعَ الـــظَّـــلْـــمَـــاءِ
فَـــنَـــأَى بِــمُــقْــلَــتِــهِ عَــنِ الْإِغْــفَــاءِ
نَــفَــسٌ أَقَــامَ الْـحُـزْنَ بَـيْـنَ ضُـلُـوعِـهِ
وَالْـــحُـــزْنُ نَـــارٌ غَــيْــرُ ذَاتِ ضِــيَــاءِ
يَـرْعَـى نُـجُـومَ اللَّـيْـلِ لَـيْـسَ بِـهِ هَوًى
وَيَـــخَـــالُـــهُ كَــلِــفًــا بِــهِــنَّ الــرَّائِــي
فِــي قَــلْــبِــهِ نَــارُ «الْـخَـلِـيـلِ» وَإِنَّـمَـا
فِــي وَجْــنَــتَــيْـهِ أَدْمُـعُ «الْـخَـنْـسَـاءِ»
قَــدْ عَــضَّـهُ الْـيَـأْسُ الـشَّـدِيـدُ بِـنَـابِـهِ
فِــي نَـفْـسِـهِ وَالْـجُـوعُ فِـي الْأَحْـشَـاءِ
يَــبْــكِــي بُــكَــاءَ الــطِّـفْـلِ فَـارَقَ أُمَّـهُ
مَــا حِــيــلَــةُ الْــمَـحْـزُونِ غَـيْـرَ بُـكَـاءِ
فَــأَقَــامَ حِــلْــسَ الــدَّارِ وَهْــوَ كَــأَنَّــهُ
— لِـخُـلُـوِّ تِـلْـكَ الـدَّارٍ — فِـي بَـيْدَاءِ
حَــيْــرَانَ لَا يَــدْرِي أَيَــقْــتُــلُ نَـفْـسَـهُ
عَــمْــدًا فَـيْـخْـلُـصَ مِـنْ أَذَى الـدُّنْـيَـاءِ
أَمْ يَـسْـتَـمِـرُّ عَـلَـى الْـغَـضَاضَةِ وَالْقَذَى
وَالْــعَــيْــشُ لَا يَــحْــلُــو مَــعَ الـضَّـرَّاءِ
طَــرَدَ الْــكَــرَى وَأَقَــامَ يَـشْـكُـو لَـيْـلَـهُ
يَـا لَـيْـلُ طُـلْـتَ وَطَـالَ فِـيـكَ عَـنَـائِـي
يَـا لَـيْـلُ قَـدْ أَغْـرَيْـتَ جِـسْـمِـيَ بِالضَّنَا
حَــتَّــى لَــيُــؤْلِــمُ فَــقْــدُهُ أَعْــضَـائِـي
وَرَمَــيْــتَــنِــي يَــا لَــيْـلُ بِـالْـهَـمِّ الَّـذِي
يَــفْــرِي الْــحَــشَــا وَالْـهَـمُّ أَعْـسَـرُ دَاءِ
يَــا لَــيْــلُ مَــا لَــكَ لَا تَــرِقُّ لِـحَـالَـتِـي
أَتُــــرَاكَ وَالْأَيَــــامُ مِــــنْ أَعْـــدَائِـــي؟
يَـا لَـيْـلُ حَـسْـبِـي مَـا لَـقِيتُ مِنَ الشَّقَا
رُحْــمَــاكَ لَــسْــتُ بِــصَــخْــرَةٍ صَـمَّـاءِ
بِــنْ يَــا ظَــلَامُ عَــنِ الْـعُـيُـونِ فَـرُبَّـمَـا
طَــلَــعَ الــصَّـبَـاحُ وَكَـانَ فِـيـهِ عَـزَائِـي
وَا رَحْــمَــتَــا لِلْــبَــائِــسِــيــنَ فَــإِنَّـهُـمْ
مَــوْتَــى وَتَــحْــسَـبُـهُـمْ مِـنَ الْأَحْـيَـاءِ
إِنِّــي وَجَــدْتُ حُــظُــوظَـهُـمْ مُـسْـوَدَّةً
فَـــكَــأَنَّــمَــا قُــدَّتْ مِــنَ الــظَّــلْــمَــاءِ
أَبَــدًا يُــسَــرُّ بَــنُــو الـزَّمَـانِ وَمَـا لَـهُـمْ
حَـــظٌّ كَـــغَـــيْـــرِهِـــمُ مِــنَ الــسَّــرَّاءِ
مَــا فِــي أَكُــفِّــهِـمُ مِـنَ الـدُّنْـيَـا سِـوَى
أَنْ يُــكْــثِــرُوا الْأَحْــلَامَ بِــالــنَّــعْــمَـاءِ
تَــدْنُــو بِــهِــمْ آمَــالُــهُــمْ نَـحْـوَ الْـهَـنَـا
هَــيْــهَــاتَ يَــدْنُـو بِـالْـخَـيَـالِ الـنَّـائِـي
بَــطِــرَ الْأَنَـامُ مِـنَ الـسُّـرُورِ وَعِـنْـدَهُـمْ
أَنَّ الـــسُّـــرُورَ مُـــرَادِفُ الْـــعَـــنْــقَــاءِ
إِنِّــي لَأَحْــزَنُ أَنْ تَــكُــونَ نُــفُـوسُـهُـمْ
غَــرَضُ الْــخُــطُـوبِ وَعُـرْضَـةُ الْأَرْزَاءِ
أَنَـا مَـا وَقَـفْـتُ لِـكَـيْ أُشَـبِّـبَ بِـالـطِّـلَا
مَــا لِــي وَلِلــتَّــشْـبِـيـبِ بِـالـصَّـهْـبَـاءِ؟
لَا تَـسْـأَلُـونِـي الْـمَدْحَ أَوْ وَصْفَ الدُّمَى
إِنِّــي نَــبَــذْتُ سَــفَــاسِــفَ الــشُّـعَـرَاءِ
بَــاعُــوا لِأَجْــلِ الْـمَـالِ مَـاءَ حَـيَـاتِـهِـمْ
مَــدْحًــا وَبِــتُّ أَصُــونَ مَــاءَ حَـيَـائِـي
لَــمْ يَــفْــهَــمُــوا مَــا الــشِّــعْـرُ، إِلَّا أَنَّـهُ
قَـــدْ بَـــاتَ وَاسِـــطَـــةً إِلَـــى الْإِثْــرَاءِ
فَــلِــذَاكَ مَــا لَاقَــيْــتُ غَـيْـرَ مُـشَـبِّـبٍ
بِـــالْــغَــانِــيَــاتِ وَطَــالِــبٍ لِــعَــطَــاءِ
ضَـاقَـتْ بِـهِ الـدُّنْـيَـا الـرَّحِـيبَةُ فَانْثَنَى
بِــالــشِّــعْــرِ يَــسْـتَـجْـدِي بَـنِـي حَـوَّاءِ
شَـقِـيَ الْـقَـرِيـضُ بِـهِـمْ وَمَا سَعِدُوا بِهِ
لَــوْلَاهُــمُ أَضْــحَــى مِــنَ الــسُّــعْــدَاءِ
نَــادَوْا عَــلَــيْــنَـا بِـالْـمَـحَـبَّـةِ وَالْـهَـوَى
وَصُـدُورُهُـمْ طُـبِـعَـتْ عَـلَـى الْـبَـغْضَاءِ
أَلِــفُــوا الـرِّيَـاءَ فَـصَـارَ مِـنْ عَـادَاتِـهِـمْ
لَـعَـنَ الْـمُـهَـيْـمِـنُ شَـخْـصَ كُـلِّ مُرَائِي
إِنْ يَــغْــضَــبُــوا مِـمَّـا أَقُـولُ فَـطَـالَـمَـا
كَــرِهَ الْأَدِيــبَ جَــمَــاعَــةُ الْــغَــوْغَــاءِ
أَوْ يُــنْــكِــرُوا أَدَبِــي فَــلَا تَـتَـعَـجَّـبُـوا
فَــالــرُّمْــدُ يُــؤْلِــمُــهُــمْ طُـلُـوعُ ذَكَـاءِ
أَوَكُــلَّــمَــا نَــصَـرَ الْـحَـقِـيـقَـةَ فَـاضِـلٌ
قَــامَــتْ عَــلَــيْــهِ قِـيَـامَـةُ الـسُّـفَـهَـاءِ
أَنَـا مَـا وَقَـفْـتُ الْـيَـوْمَ فِـيـكُمْ مَوْقِفِي
إِلَّا لِأَنْــــدُبَ حَــــالَـــةَ الـــتُّـــعَـــسَـــاءِ
عَــلِّــي أُحَــرِّكَ بِــالْـقَـرِيـضِ قُـلُـوبَـكُـمْ
إِنَّ الْـــقُـــلُـــوبَ مَـــوَاطِـــنُ الْأَهْـــوَاءِ
لَـهَـفِـي عَـلَـى الْـمُـحْـتَاجِ بَيْنَ رُبُوعِكُمْ
يُـمْـسِـي وَيُـصْـبِـحُ وَهْـوَ قَـيْـدُ شَـقَـاءِ
أَمْــسَــى سَــوَاءً لَــيْــلُــهُ وَصَــبَــاحُــهُ
شَــتَّــانَ بَــيْــنَ الــصُّــبْــحِ وَالْإِمْـسَـاءِ
قَـطَـعَ الْـقُـنُـوطُ عَـلَـيْـهِ خَـيْـطَ رَجَـائِهِ
وَالْـــمَــرْءُ لَا يَــحْــيَــا بِــغَــيْــرِ رَجَــاءِ
لَـهَـفِـي! وَلَـوْ أَجْـدَى الـتَّـعِـيـسَ تَلَهُّفِي
لَــسَــفَــكْــتُ دَمْـعِـي عِـنْـدَهُ وَدِمَـائِـي
قُــلْ لِلْــغَــنِــيِّ الْــمُــسْــتَــعِــزِّ بِــمَـالِـهِ
مَــهْــلًا لَــقَـدْ أَسْـرَفْـتَ فِـي الْـخُـيَـلَاءِ
جُـبِـلَ الْـفَـقِـيـرُ أَخُـوكَ مِـنْ طِينٍ وَمِنْ
مَـــاءٍ وَمِــنْ طِــيــنٍ جُــبِــلْــتَ وَمَــاءِ
فَــمِــنَ الْــقَـسَـاوَةِ أَنْ تَـكُـونَ مُـنَـعَّـمًـا
وَيَـــكُـــونَ رَهْـــنَ مَــصَــائِــبٍ وَبَــلَاءِ
وَتَــظَــلَّ تَــرْفُــلُ بِــالْــحَــرِيـرِ أَمَـامَـهُ
فِــي حِـيـنِ قَـدْ أَمْـسَـى بِـغَـيْـرِ كِـسَـاءِ
أَتَــضِــنُّ بِــالــدِّيــنَــارِ فِــي إِسْــعَـافِـهِ
وَتَــجُــودُ بِــالْآلَافِ فِــي الْــفَــحْـشَـاءِ
انْــصُــرْ أَخَــاكَ فَـإِنْ فَـعَـلْـتَ كَـفَـيْـتَـهُ
ذُلَّ الـــسُّـــؤَالِ وَمِـــنَّـــةَ الْـــبُـــخَــلَاءِ
أَذَوِي الْــيَــسَـارِ وَمَـا الْـيَـسَـارُ بِـنَـافِـعٍ
إِنْ لَــمْ يَــكُــنْ أَهْــلُــوهُ أَهْــلَ سَــخَـاءِ
كَـمْ ذَا الْـجُـحُـودُ وَمَـالُـكُـمْ رَهْـنُ الْبَلَا
وَبِـــمَ الْـــغُــرُورُ وَكُــلُّــكُــمْ لِــفَــنَــاءِ؟
إِنَّ الــضَّــعِــيـفَ بِـحَـاجَـةٍ لِـنُـضَـارِكُـمْ
لَا تَــقْــعُــدُوا عَــنْ نُـصْـرَةِ الـضُّـعَـفَـاءِ
أَنَـــا لَا أُذَكِّــرُ مِــنْــكُــمُ أَهْــلَ الــنَّــدَى
لَــيْــسَ الــصَّــحِــيـحُ بِـحَـاجَـةٍ لِـدَوَاءِ
إِنْ كَــانَــتِ الْــفُــقَــرَاءُ لَا تَــجْــزِيـكُـمُ
فَــاللــهُ يَــجْــزِيــكُــمْ عَــنِ الْــفُــقَـرَاءِ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: النصح والإرشاد
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤