سَمِعْتُ نَعِيَّهَا صَمِّي صَمَامِ

Wave Image
سَـمِـعْـتُ نَـعِـيَّـهَـا صَـمِّـي صَـمَامِ
وَإِنْ قَـــالَ الْــعَــوَاذِلُ لَا هَــمَــامِ
وَأَمَّـــتْـــنِـــي إِلَــى الْأَجْــدَاثِ أُمٌّ
يَــعِــزُّ عَــلَـيَّ أَنْ سَـارَتْ أَمَـامِـي
وَأُكْــبِــرُ أَنْ يُــرَثِّــيَــهَــا لِـسَـانِـي
بِــلَــفْـظٍ سَـالِـكٍ طُـرُقَ الـطَّـعَـامِ
يُــقَــالُ فَـيَـهْـتِـمُ الْأَنْـيَـابَ قَـوْلٌ
يُــبَــاشِــرُهَــا بِــأَنْــبَــاءٍ عِــظَــامِ
كَــأَنَّ نَــوَاجِـذِي رُدِيَـتْ بِـصَـخْـرٍ
وَلَــمْ يَــمْــرُرْ بِــهِــنَّ سِـوَى كَـلَامِ
وَمَنْ لِي أَنْ أَصُوغَ الشُّهْبَ شِعْرًا
فَـأُلْـبِـسَ قَـبْـرَهَـا سِـمْـطَيْ نِظَامِ
مَـضَـتْ وَقَدِ اكْتَهَلْتُ فَخِلْتُ أَنِّي
رَضِـيـعٌ مَـا بَـلَـغْـتُ مَـدَى الْفِطَامِ
فَـيَـا رَكْـبَ الْـمَـنُـونِ أَمَـا رَسُـولٌ
يُــبَــلِّــغُ رُوحَــهَــا أَرَجَ الــسَّــلَامِ
ذَكِــيًّـا يُـصْـحَـبُ الْـكَـافُـورُ مِـنْـهُ
بِـمِـثْـلِ الْمِسْكِ مَفْضُوضَ الْخِتَامِ
أَلَا نَــبِّــهْــنَــنِــي قَــيْــنَــاتِ بَــثٍّ
بَـشِـمْـنَ غَـضًـى فَـمِلْنَ إِلَى بَشَامِ
وَحَـمَّـاءَ الْـعِـلَاطِ يَـضِـيـقُ فُـوهَا
بِـمَـا فِـي الصَّدْرِ مِنْ صِفَةِ الْغَرَامِ
تَـدَاعَـى مُصْعِدًا فِي الْجِيدِ وَجْدٌ
فَـغَـالَ الـطَّـوْقَ مِـنْـهَـا بِـانْـفِصَامِ
أَشَـاعَـتْ قِـيـلَـهَـا وَبَـكَـتْ أَخَـاهَا
فَـأَضْـحَـتْ وَهْيَ خَنْسَاءُ الْحَمَامِ
شَـجَـتْـكَ بِـظَـاهِـرٍ كَقَرِيضِ لَيْلَى
وَبَــاطِــنُــهُ عَـوِيـصُ أَبِـي حِـزَامِ
سَـأَلْـتُ مَـتَـى اللِّـقَاءُ فَقِيلَ حَتَّى
يَــقُـومَ الْـهَـامِـدُونَ مِـنَ الـرِّجَـامِ
وَلَـوْ حَـدُّوا الْـفِـرَاقَ بِـعُـمْـرِ نَـسْرٍ
طَــفِــقْـتُ أَعُـدُّ أَعْـمَـارَ الـسِّـمَـامِ
فَـلَـيْـتَ أَذِيـنَ يَـوْمِ الْـحَشْرِ نَادَى
فَـأَجْـهَـشَـتِ الـرِّمَـامُ إِلَـى الرِّمَامِ
وَنَـحْـنُ الـسَّـفْـرُ فِـي عُمْرٍ كَمَرْتٍ
تَــصَــافَـنَ أَهْـلُـهُ جُـرَعَ الْـحِـمَـامِ
فَــصَــرَّفَــنِــي فَــغَـيَّـرَنِـي زَمَـانٌ
سَــيُــعْـقِـبُـنِـي بِـحَـذْفٍ وَادِّغَـامِ
وَلَا يُـشْـوِي حِـسَـابَ الـدَّهْـرِ وَرْدٌ
لَـــهُ وِرْدٌ مِــنَ الــدَّمِ كَــالْــمُــدَامِ
يُــعَــنِّـيـهِ الْـبَـعُـوضُ بِـكُـلِّ غَـابٍ
فَــرِيــشٍ بِـالْـجَـمَـاجِـمِ وَاللِّـمَـامِ
بَــدَا فَـدَعَـا الْـفَـرَاشَ بِـنَـاظِـرَيْـهِ
كَــمَــا تَــدْعُــوهُ مُـوقِـدَتَـا ظَـلَامِ
بِــنَـارَيْ قَـادِحَـيْـنِ قَـدِ اسْـتَـظَـلَّا
إِلَـى صَـرْحَـيْـنِ أَوْ قَـدَحَـيْ مُدَامِ
كَـأَنَّ اللَّـحْـظَ يَـصْـدُرُ عَـنْ سُهَيْلٍ
وَآخَــرَ مِــثْــلِــهِ ذَاكِــي الـضِّـرَامِ
تَـطُـوفُ بِـأَرْضِـهِ الْأُسُـدُ الْعَوَادِي
طَـوَافَ الْـجَـيْـشِ بِـالْمَلِكِ الْهُمَامِ
وَقَــالَ لِــعِــرْسِــهِ بِــيـنِـي ثَـلَاثًـا
فَـمَـا لَـكِ فِـي الْـعَـرِينَةِ مِنْ مُقَامِ
وَقَـدْ وَطِـئَ الْـحَـصَى بِبَنِي بُدُورٍ
صِــغَــارٍ مَــا قَـرُبْـنَ مِـنَ الـتَّـمَـامِ
أَمُــحْــتَــذِيَ الْأَهِــلَّـةِ غَـيْـرَ زَهْـوٍ
سَـلَـبْـتَ مِـنَ الْـحُـلِـيِّ شُهُورَ عَامِ
وَلا مُــبْـقٍ إِذَا يَـسْـعَـى صُـدُوعًـا
غَــوَائِــرَ فِــي الـدَّكَـادِكِ وَالْإِكَـامِ
حُـبَـابٌ تَـحْـسَـبُ الـنَّـفَـيَـانَ مِنْهُ
حَـبَـابًـا طَـارَ عَـنْ جَـنَـبَـاتِ جَـامِ
تَـطَـلَّـعَ مِـنْ جِـدَارِ الْـكَـاسِ كَـيْمَا
يُـحَـيِّـيَ أَوْجُـهَ الـشَّـرْبِ الْـكِـرَامِ
يَـهُـمُّ شَـمَـامُ أَنْ يُـدْعَـى كَـثِـيـبًـا
إِذَا نَـفَـثَ الـسِّـمَـامَ عَـلَـى شَـمَامِ
مَـشَـى لِلْـوَجْـهِ مُـجْـتَـابًـا قَمِيصًا
كَــلَامَــةِ فَــارِسٍ يُــرْمَــى بِــلَامِ
كَـدِرْعِ أُحَـيْـحَـةَ الْأَوْسِـيِّ طَالَتْ
عَـلَـيْـهِ فَـهْـيَ تُسْحَبُ فِي الرَّغَامِ
نَـسِـيـبُ مَـعَـاشِـرٍ وُلِـدَتْ عَـلَيْهِمْ
دُرُوعُــهُــمُ فَــصَــارَتْ كَــاللِّــزَامِ
كَـدَعْـوَى مُـسْلِمٍ لِيَزِيدَ حَمْلَ السَّـ
ـوَابِــغِ فِــي الــتَّـغَـاوُرِ وَالـسِّـلَامِ
وَتُــلْــقَـى عَـنْـهُـمُ لِـكَـمَـالِ حَـوْلٍ
كَـثِـيـرَاتِ الْـخُـرُوقِ مِـنَ الـسِّمَامِ
عَــلَـى أَرْجَـائِـهَـا نُـقَـطُ الْـمَـنَـايَـا
مُــلَــمَّــعَــةً بِــهَــا تَــلْـمِـيـعَ شَـامِ
إِلَـى مَـنْ جُـبْـتُ وَالْـحِدْثَانُ طَاوٍ
قَــبَــائِــلَ عَــامِــرٍ لَا كُــنْـتَ عَـامِ
وَقَـدْ أَلِـفُـوا الْـقَـنَـا فَغَدَتْ عَلَيْهِمْ
رِمَــاحُــهُــمُ أَخَـفَّ مِـنَ الـسِّـهَـامِ
كَــأَنَّ بَــنَـانَـةً فِـي الْـكَـفِّ زِيـدَتْ
قَــنَــاةٌ غَــيْــرُ جَــاذِيَــةِ الْــقَـوَامِ
وَتَــبْــيَــضُّ الْــبِــلَادُ إِذَا أَرَاحُــوا
بِـمَـا نَـضَـحَـتْـهُ أَخْـلَافُ الـسَّوَامِ
وَلَــيْــلًا تُــلْــحِـقُ الْأَهْـوَالُ فِـيـهِ
بِـفَـوْدِ الـشَّـيْـخِ نَـاصِـيَـةَ الْـغُـلَامِ
إِذَا سَــئِـمُـوا الـرِّحَـالَ فَـكُـلُّ غِـرٍّ
يَـرَى صَـرَعَـاتِـهِ خُـلَـسَ اغْـتِـنَـامِ
كَـأَنَّ جُـفُـونَـهُ عُـقِـدَتْ بِـرَضْـوَى
فَـمَـا يُـرْفَـعْـنَ مِـنْ سُـكْـرِ الْـمَنَامِ
لَـوَ انَّ حَـصَى الْمُنَاخِ مُدًى حِدَادٌ
أَزَارَتْــهَــا الــنُّــحُـورَ مِـنَ الـسَّـآمِ
وَجَـــازَ إِلَـــيَّ أَبْــرَادِي مَــجِــيــرٌ
يَـجُـوزُ مِـنَ الْـقِرَابِ إِلَى الْحُسَامِ
يَـرُدُّ مَـعَـاطِـسَ الْـفِـتْـيَـانِ سُـفْعًا
وَإِنْ ثُــنِــيَ اللِّـثَـامُ عَـلَـى اللِّـثَـامِ
إِذَا الْـحِـرْبَـاءُ أَظْـهَـرَ دِيـنَ كِسْرَى
فَـصَـلَّـى وَالـنَّـهَـارُ أَخُـو الـصِّـيَامِ
وَأَذَّنَـتِ الْـجَـنَـادِبُ فِـي ضُـحَاهَا
أَذَانًــا غَــيْــرَ مُــنْــتَــظَــرِ الْإِمَـامِ
وَغَــاضَ مِــيَــاهُــنَــا إِلَّا فِــرِنْــدًا
إِذَا نَـكَـزَ الْـمَـوَارِدُ جَـاشَ طَـامِي
فَــأَفْــلَــتَ سَــالِــمًــا إِلَّا بَــقَــايَـا
عَــلَــى أَثْــرَيْـهِ مِـنْ أَثَـرِ الْـقَـتَـامِ
لَــهُ ثِــقَـلُ الْـحَـدَائِـدِ فَـهْـوَ رَاسٍ
وَإِصْــعَــادُ الــتَّــلَـهُّـبِ فَـهْـوَ نَـامِ
كَــأَنَّ الــضَّـبَّ كَـانَ لَـهُ سَـجِـيـرًا
فَــحَــالَــفَــهُ عَــلَـى فَـقْـدِ الْأُوَامِ
أَقَــلَّ عَــمُــودُهُ شَــهْــرَي رَبِــيــعٍ
وَقَــيْـظًـا لِلْـمَـنِـيَّـةِ فِـي احْـتِـدَامِ
خِــضَــمٌّ لُــجُّــهُ سِــيـفُ الـرَّزَايَـا
وَصَـفْـحَـتُـهُ مِـنَ الْـمَـوْتِ الزُّؤَامِ
وَشَــفْــرَتُــهُ حَـذَامِ فَـلَا ارْتِـيَـابٌ
بِــأَنَّ الْــقَــوْلَ مَــا قَـالَـتْ حَـذَامِ
تَــوَارَثَــهُ بَــنُــو سَــامِ بْــنِ نُــوحٍ
ثَــقِــيــلَ الْــغِـمْـدِ مِـنْ دُرٍّ وَسَـامِ
وَلَـوْ أَنَّ الـنَّـخِـيـلَ شَكِيرُ جِسْمِي
ثَــنَـاهُ حَـمْـلُ أَنْـعُـمِـكِ الْـجِـسَـامِ
كَـــفَـــانِــي رِيُّــهَــا مِــنْ كُــلِّ رِيٍّ
إِلَـى أَنْ كِـدْتُ أُحْسَبُ فِي النَّعَامِ
وَكَـمْ لَـكِ مِـنْ أَبٍ وَسَـمَ اللَّـيَالِي
عَــلَــى جَـبَـهَـاتِـهَـا سِـمَـةَ اللِّـئَـامِ
مَــضَــى وَتَـعَـرُّفُ الْأَعْـلَامِ فِـيـهِ
غَــنِــيَّ الْــوَسْــمِ عَــنْ أَلِـفٍ وَلَامِ
سَـقَـتْـكِ الْـغَـادِيَـاتُ فَـمَـا جَـهَامٌ
أَطَــلَّ عَـلَـى مَـحَـلِّـكِ بِـالْـجَـهَـامِ
وَقَـطْـرٌ كَـالْـبِـحَـارِ فَلَسْتُ أَرْضَى
بِـقَـطْـرٍ صَـابَ مِـنْ خَـلَلِ الْـغَـمَامِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤