أَفَوْقَ الْبَدْرِ يُوضَعُ لِي مِهَادُ

Wave Image
أَفَـوْقَ الْـبَـدْرِ يُـوضَـعُ لِـي مِـهَادُ
أَمِ الْـجَـوْزَاءُ تَـحْـتَ يَدِي وِسَادُ
قَـنِـعْـتُ فَخِلْتُ أَنَّ النَّجْمَ دُونِي
وَسِــيَّــانِ الــتَّــقَـنُّـعُ وَالْـجِـهَـادُ
وَأَطْـرَبَـنِـي الـشَّـبَابُ غَدَاةَ وَلَّى
فَـلَـيْـتَ سِـنِـيـهِ صَـوْتٌ يُسْتَعَادُ
وَلَـيْـسَ صِـبًـا يُـفَادُ وَرَاءَ شَيْبٍ
بِــأَعْــوَزَ مِـنْ أَخِـي ثِـقَـةٍ يُـفَـادُ
كَـأَنِّي حَيْثُ يَنْشَا الدَّجْنُ تَحْتِي
فَـــهَـــا أَنَـــا لَا أُطَــلُّ وَلَا أُجَــادُ
رُوَيْــدَكَ أَيُّــهَــا الْـعَـاوِي وَرَائِـي
لِـتُـخْـبِـرَنِـي مَـتَى نَطَقَ الْجَمَادُ
سَـفَـاهٌ ذَادَ عَـنْـكَ الـنَّـاسَ حِـلْمٌ
وَغَــيٌّ فِــيــهِ مَــنْــفَــعَـةٌ رَشَـادُ
أَأَخْــمُـلُ وَالـنَّـبَـاهَـةُ فِـيَّ لَـفْـظٌ
وَأُقْــتِــرُ وَالْـقَـنَـاعَـةُ لِـي عَـتَـادُ
وَأَلْـقَـى الْـمَوْتَ لَمْ تَخِدِ الْمَطَايَا
بِـحَـاجَـاتِـي وَلَـمْ تَـجِفِ الْجِيَادُ
وَلَـوْ قِـيـلَ اسْـأَلُـوا شَـرَفًـا لَقُلْنَا
يَــعِــيـشُ لَـنَـا الْأَمِـيـرُ وَلَا نُـزَادُ
شَـكَـا فـتَـشَـكَّـتِ الدُّنْيَا وَمَادَتْ
بِــأَهْــلِـيـهَـا الْـغَـوَائِـرُ وَالـنِّـجَـادُ
وَأُرْعِـدَتِ الْـقَـنَـا زَمَـعًـا وَخَـوْفًا
لِــذَلِــكَ وَالْــمُــهَــنَّــدَةُ الْـحِـدَادُ
وَكَـيْـفَ يَـقِـرُّ قَـلْـبٌ فِـي ضُلُوعٍ
وَقَــدْ رَجَــفَــتْ لِـعِـلَّـتِـهِ الْـبِـلَادُ
بَـنَـى مِـنْ جَـوْهَـرِ الْـعَـلْـيَاءِ بَيْتًا
كَـــأَنَّ الـــنَّـــيِّــرَاتِ لَــهُ عِــمَــادُ
إِذَا شَـمْـسُ الضُّحَى نَظَرَتْ إِلَيْهِ
أَقَـــرَّتْ أَنَّ حُـــلَّـــتَــهَــا حِــدَادُ
فَـلَـوْلَا اللـهُ قَالَ النَّاسُ أَضْحَتْ
ثَــمَــانِـيَـةً بِـهِ الـسَّـبْـعُ الـشِّـدَادُ
أَغَــرُّ نَــمَــتْــهُ مِــنْ غَـسَّـانَ غُـرٌّ
تَـــدِيـــنُ لِــعِــزِّهِــمْ إِرَمٌ وَعَــادُ
بَــنُــو أَمْـلَاكِ جَـفْـنَـةَ قَـرَّبَـتْـهُـمْ
إِلَـى الـرُّومِ اللَّـجَـاجَـةُ وَالْـعِـنَادُ
أَرَادَتْ أَنْ تُــقِــيــدَهُـمُ قُـرَيْـشٌ
وَكَــانُــوا لَا يُــنَــالُ لَـهُـمْ قِـيَـادُ
أَقَــائِـدَهَـا تُـغِـصُّ الْـجَـوَّ نَـقْـعًـا
وَفَـوْقَ الْأَرْضِ مِـنْ عَـلَقٍ جِسَادُ
وَقَـدْ أَدْمَـتْ هَـوَادِيـهَـا الْعَوَالِي
وَأَنْـضَـبَـهَـا الـتَّـطَـاوُلُ وَالـطِّرَادُ
مُــقَــلَّــدَةً بِــهَــامَــاتِ الْأَعَـادِي
كَــمَــا بِــالــدُّرِّ قُــلِّـدَتِ الْـخِـرَادُ
عَـلَـيْـهَـا اللَّابِـسُـونَ لِـكُـلِّ هَـيْجٍ
بُــرُودًا غُـمْـضُ لَابِـسِـهَـا سُـهَـادُ
كَــأَثْــوَابِ الْأَرَاقِــمِ مَــزَّقَــتْــهَـا
فَـخَـاطَـتْـهَـا بِـأَعْـيُـنِـهَـا الْـجَرَادُ
إِلَـيْـكَ طَـوَى الْـمَـفَاوِزَ كُلُّ رَكْبٍ
سَــمَـا بِـهِـمُ الـتَّـغَـرُّبُ وَالْـبِـعَـادُ
وَإِصْــبَـاحٍ فَـلَـيْـنَـا اللَّـيْـلَ عَـنْـهُ
كَـمَـا يُـفْـلَـى عَـنِ الـنَّـارِ الـرَّمَـادُ
أَبَـلَّ بِـهِ الـدُّجَـى مِـنْ كُـلِّ سُقْمٍ
وَكَــوْكَــبُــهُ مَــرِيـضٌ مَـا يُـعَـادُ
وَلَـوْ طَـلَـعَ الـصَّـبَـاحُ لَـفُـكَّ عَنْهُ
مِــنَ الــظَّـلْـمَـاءِ غِـلٌّ أَوْ صِـفَـادُ
تَـلُـوذُ بِـنَـا الْـقَـطَـا مُـسْتَجْدِيَاتٍ
لِـمَـا ضَـمِـنَـتْ مِـنَ الْـمَاءِ الْمَزَادُ
يَـكَـدْنَ يَرِدْنَ مِنْ حَدَقِ الْمَطَايَا
مَـــوَارِدَ مَـــاؤُهَــا أَبَــدًا ثِــمَــادُ
فَـكَـمْ جَـاوَزْنَ مِـنْ بَـلَـدٍ بَـعِـيـدٍ
وَسَــائِــرُ نُــطْـقِـنَـا هِـيـدٌ وَهَـادُ
وَمِـنْ غَـلَلٍ تَـحِـيـدُ الـرِّيـحُ عَنْهُ
مَــخَـافَـةَ أَنْ يُـمَـزِّقَـهَـا الْـقَـتَـادُ
وَكُــنَّ يَــرَيْــنَ نَــارَ الـزَّنْـدِ فِـيـهِ
فَــلَـمْ يُـبْـصِـرْنَ إِذْ وَرَتِ الـزِّنَـادُ
لَـوَ انَّ بَـيَـاضَ عَيْنِ الْمَرْءِ صُبْحٌ
هُــنَـالِـكَ مَـا أَضَـاءَ بِـهِ الـسَّـوَادُ
وَأَرْضٍ بِتُّ أَقْرِي الْوَحْشَ زَادِي
بِــهَــا لِــيَـثُـوبَ لِـي مِـنْـهُـنَّ زَادُ
فَـأُطْـعِـمُـهَـا لِأَجْـعَـلَـهَـا طَعَامِي
وَرُبَّ قَــطِــيـعَـةٍ جَـلَـبَ الْـوِدَادُ
تَـرَكْـتُ بِـهَـا الرُّقَادَ وَزُرْتُ أَرْضًا
يُــحَــاذِرُ أَنْ يُــلِــمَّ بِـهَـا الـرُّقَـادُ
رَأَيْـتُـكَ سَـاخِـطًـا مَـا جَاءَ عَفْوًا
وَلَـوْ جَـادَتْـكَ بِـالـذَّهَـبِ الْـعِهَادُ
فَــمَــا تَــعْــتَــدُّ مَـالًا غَـيْـرَ مَـالٍ
حَــبَــاكَ بِــهِ طِــعَــانٌ أَوْ جِــلَادُ
وَتُـنْـفِـدُ كُـلَّ وَفْـرٍ حُـزْتَ قَـسْرًا
لِـــعِـــلْـــمِــكَ أَنَّ آخِــرَهُ نَــفَــادُ
أَلِـفْـتَ الْـحَـرْبَ حَـتَّى قَالَ قَوْمٌ
أَمَــا لِــصَـلَاحِ بَـيْـنِـكُـمَـا فَـسَـادُ
تَـمُـوتُ الدِّرْعُ دُونَكَ حَتْفَ أَنْفٍ
وَيَـبْـلَـى فَـوْقَ عَـاتِـقِـكَ الـنِّجَادُ
رَكِـبْـتَ الْـعَـاصِـفَاتِ فَمَا تُجَارَى
وَسُـدْتَ الْـعَـالَـمِـيـنَ فَـمَـا تُسَادُ
مَـتَـى أَرْمِ الـسُّـهَـى لَـكَ أَنْتَظِمْهُ
كَـأَنَّ هَـوَاكَ فِـي سَـهْـمِـي سَدَادُ
تَــذَودُ عُــلَاكَ شُـرَّادَ الْـمَـعَـانِـي
إِلَـــيَّ فَـــمَــنْ زُهَــيْــرٌ أَوْ زِيَــادُ
إِذَا مَــا صِــدْتُـهَـا قَـالَـتْ رِجَـالٌ
أَلَــمْ تَـكُـنِ الْـكَـوَاكِـبُ لَا تُـصَـادُ
مِــنَ اللَّاتِــي أَمَــدَّ بِــهِـنَّ طَـبْـعٌ
وَهَــذَّبَــهُــنَّ فِــكْــرٌ وَانْــتِــقَــادُ
وَلَـوْلَا فَـرْطُ حُـبِّـكَ مَا ازْدَهَانِي
إِلَـى الْـمَـدْحِ الطَّرِيفُ وَلَا التِّلَادُ
تُــوَرِّي عَـنْـكَ أَلْـسِـنَـةُ اللَّـيَـالِـي
كَـأَنَّـكَ فِـي ضَـمَـائِـرِهَـا اعْـتِقَادُ
فَـإِنْ يَـكُـنِ الـزَّمَـانُ يُرِيدُ مَعْنًى
فَــإِنَّــكَ ذَلِـكَ الْـمَـعْـنَـى الْـمُـرَادُ
يَــكَـادُ مُـحَـيَّـنٌ لَاقَـى الْـمَـنَـايَـا
بِــسَــيْـفِـكَ لَا يَـكُـونُ لَـهُ مَـعَـادُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤