غُرُوبُ الشَّمْسِ

Wave Image
هَـبِـي لِـلـشِّـعْـرِ يَـا شَمْسَ الْمَغِيبِ
مَآزِرَ مِــنْ مُــذَهَّــبِــكِ الْـقَـشِـيـبِ
وَقُــدِّي مِــنْ ذُيُــولِـكِ لِـلْـمَـعَـانِـي
جَـنَـاحًـا كَـيْ تَـطِـيـرَ إِلَـى الْقُلُوبِ
وَيَا شَفَقُ اسْتَبَحْتَ الْحُسْنَ حَتَّى
قَـطَـفْـتَ الْـوَرْدَ مِنْ خَدَّيْ حَبِيبِي
كَأَنَّ بِــــلَادَ يَـــاقُـــوتٍ أَطَـــلَّـــتْ
فَـمِـنْ سَـهْـلٍ يُـضِـيءُ وَمِنْ كَثِيبِ
كَأَنَّ الـسُّـحْـبَ سُـمْـرًا حَـوْلَ حُمْرٍ
هُــنُــودٌ عَــاكِـفُـونَ عَـلَـى لَـهِـيـبِ
كَأَنَّ هَــوَادِجًــا حُــمْــرًا عَــلَــيْـهَـا
بَـنَـاتُ الْـعُـرْبِ تُـرْقِـلُ فِـي دُرُوبِ
كَأَنَّ الْــخَــيْــلَ مِـنْ حُـمْـرٍ وَشُـقْـرٍ
قَـدِ اجْـتَـمَـعَـتْ بِـمَـيْـدَانٍ رَحِـيبِ
كَأَنَّ الْـجَـوَّ يَـهْـوَى الـشَّـمْـسَ لَكِنْ
نَأَتْ عَــنْــهُ وَسَــارَتْ لِــلْـمَـغِـيـبِ
فَـجَـاءَ طُـلُـولَـهَـا يَـبْـكِـي عَـلَـيْـهَا
دَمًـا لَـهَـفًـا عَـلَـى الْـبَـاكِي الْكَئِيبِ
وَنَــادَاهَــا فَــلَــمْ تَــرْجِــعْ وَلَـكِـنْ
أَرَتْــهُ إِشَــارَةَ الْـكَـفِّ الْـخَـضِـيـبِ
كَأَنَّ الْــغَــرْبَ مِـنْ شَـفَـقٍ جَـرِيـحٌ
وَهَــاكَ الْـبَـدْرُ أَقْـبَـلَ كَـالـطَّـبِـيـبِ
فَـقُـلْ لِلشَّمْسِ جَيْشُكِ قَدْ تَلَاشَى
أَمَــامَ كَـتَـائِـبِ الْـبَـدْرِ الـنَّـجِـيـبِ
وَهَــذِى رَايَــةُ الــتَّـسْـلِـيـمِ نَـجْـمٌ
تَأَلَّــقَ حِــيــنَ مَــالَــتْ لِــلْـغُـرُوبِ
عَـلَـى الـشَّـفَـقِ الـنُّـجُومُ تَلُوحُ لَمَّا
تَـبَـدَّى الْـبَدْرُ ذُو الْحُسْنِ الْعَجِيبِ
كَــنِــسْــوَةِ يُــوسُـفٍ لَـمَّـا تَـجَـلَّـى
فَــقَــطَّــعْـنَ الْأَنَـامِـلَ مِـنْ كُـرُوبِ
وَقَـدْ بَـدَتِ الْـكَـوَاكِـبُ مُـشْـرِقَاتٍ
كَـحُـورِ الْـخُـلْدِ مِنْ شُرَفِ الْغُيُوبِ
وَبَـاتَتْ فِي الْغُصُونِ الطَّيْرُ تَحْكِي
حَـنِينَ «سَلَامَةَ» الشَّادِي الطَّرُوبِ
فَـخِـلْـتُ الـلَّـيْـلَ لِـلـتَّـمْـثِـيـلِ دَارًا
تُـجِـيـدُ رِوَايَـةَ الْـعِـشْـقِ الـرَّهِيبِ
وَخُــيِّــلَــتِ الْــكَــوَاكِــبُ زَائِـرَاتٍ
عَـلَـى «الْأَلْـوَاجِ» تَـعْـبَثُ بِالْقُلُوبِ
فَــلَــمَّـا مَـثَّـلُـوا فَـصْـلَ الـتَّـلَاقِـي
عَــلَـى رَغْـمِ الْـعَـوَاذِلِ وَالـرَّقِـيـبِ
جَـرَى نَـهْـرُ الْـمَـجَرَّةِ مِنْ عُيُونِ الْـ
ـكَـوَاكِبِ مِنْ جَوَى الْحُبِّ الْمُذِيبِ
•••
تَـبَـاعَـدَ عَـنْ رِيَـاضِ الـنَّوْمِ جَفْنِي
وَهَـامَ بِـمَـهْـمَـهِ الـسُّـهْـدِ الْجَدِيبِ
وَآبَ الْــهَــجْــرُ مِــمَّــنْ رَوَّعَـتْـنِـي
فَــيَــا زَفَــرَاتُ لِــلْأَضْــلَاعِ أُوبِــي
تَـصُـونُ الْـحُـسْـنَ أَنْ يُجْلَى عَلَيْنَا
وَمَـنْ بِـالْـحُـسْـنِ أَوْلَـى مِنْ أَدِيبِ
لَــقَــدْ طَـالَ الـدَّلَالُ فَـعَـانِـقِـيـنِـي
أَعُــمْ فِــي لُــجِّ دِيــبَــاجٍ وَطِـيـبِ
•••
وَزَادَ تَــلَــهُّــفِــي لِــلــصُّــبْـحِ أَنِّـي
ظَـنَـنْـتُ الـشُّهْبَ تَلْهَثُ مِنْ لُغُوبِ
رَمَـى فَـوْدَ الـدُّجَـى فَـجْـرٌ مُـنِـيـرٌ
يَـلُـوحُ بِهِ الْخِضَابُ عَلَى الْمَشِيبِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤