عَبَثُ الْمَشِيبِ

Wave Image
ظَـلَـمَ الـرِّجَـالُ نِـسَـاءَهُـمْ وَتَـعَـسَّفُوا
هَــلْ لِـلـنِّـسَـاءِ بِـمِـصْـرَ مِـنْ أَنْـصَـارِ؟
يَــا مَــعْــشَـرَ الْـكُـتَّـابِ أَيْـنَ بَـلَاؤُكُـمْ
أَيْــنَ الْــبَــيَــانُ وَصَــائِـبُ الْأَفْـكَـارِ؟
أَيُــهِــمُّـكُـمْ عَـبَـثٌ وَلَـيْـسَ يُـهِـمُّـكُـمْ
بُـــنْـــيَــانُ أَخْــلَاقٍ بِــغَــيْــرِ جِــدَارِ؟
عِـنْـدِي عَـلَـى ضَـيْـمِ الْـحَـرَائِرِ بَيْنَكُمْ
نَـــبَأٌ يُـــثِـــيـــرُ ضَـــمَــائِــرَ الْأَحْــرَارِ
مِــمَّــا رَأَيْـتُ وَمَـا عَـلِـمْـتُ مُـسَـافِـرًا
وَالْــعِــلْــمُ بَــعْــضُ فَـوَائِـدِ الْأَسْـفَـارِ
فِــيــهِ مَــجَــالٌ لِــلْــكَـلَامِ وَمَـذْهَـبٌ
لِــيَــرَاعِ «بَــاحِــثَـةٍ» وَ«سِـتِّ الـدَّارِ»
•••
كَــثُــرَتْ عَــلَـى دَارِ الـسَّـعَـادَةِ زُمْـرَةٌ
مِــنْ مِــصْــرَ أَهْــلُ مَــزَارِعٍ وَيَــسَـارِ
يَــتَــزَوَّجُـونَ عَـلَـى نِـسَـاءٍ تَـحْـتَـهُـمْ
لَا صَـــاحِــبَــاتِ بِــغًــى وَلَا بِــشِــرَارِ
شَـاطَـرْنَـهُـمْ نِـعَـمَ الـصِّـبَـا وَسَقَيْنَهُمْ
دَهْـــرًا بِـــكَأْسٍ لِـــلـــسُّــرُورِ عُــقَــارِ
الْــوَالِــدَاتُ بَــنِــيــهِــمُ وَبَــنَــاتِــهِــمْ
الْــحَــائِــطَــاتُ الْــعِــرْضَ كَـالْأَسْـوَارِ
الـــصَّـــابِـــرَاتُ لِـــضَـــرَّةٍ وَمَــضَــرَّةٍ
الْــمُــحْــيِــيَــاتُ الــلَّــيْــلَ بِــالْأَذْكَـارِ
•••
مِـنْ كُـلِّ ذِي سَـبْـعِـيـنَ يَـكْـتُـمُ شَيْبَهُ
وَالــشَّـيْـبُ فِـي فَـوْدَيْـهِ ضَـوْءُ نَـهَـارِ
يَأْبَـى لَـهُ فِـي الـشَّـيْـبِ غَـيْـرَ سَفَاهَةٍ
قَــلْــبٌ صَــغِــيــرُ الْــهَــمِّ وَالْأَوْطَــارِ
مَـــا حَـــلَّـــهُ عَـــطْــفٌ وَلَا رِفْــقٌ وَلَا
بِـــــرٌّ بِأَهْـــــلٍ أَوْ هَــــوًى لِــــدِيَــــارِ
كَـمْ نَـاهِـدٍ فِـي الـلَّاعِـبَـاتِ صَـغِـيـرَةٍ
أَلْــهَــتْــهُ عَــنْ حَـفَـدٍ بِـمِـصْـرَ صِـغَـارِ
مَــهْــمَــا غَــدَا أَوْ رَاحَ فِــي جَـوْلَاتِـهِ
دَفَــعَــتْــهُ خَــاطِــبَــةٌ إِلَـى سِـمْـسَـارِ
شُـغِـلَ الْـمَـشَـايِـخُ بِـالْـمَتَابِ، وَشُغْلُهُ
بِــــتَــــبَــــدُّلِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَصْــــهَـــارِ
فِــي كُــلِّ عَــامٍ هَــمُّــهُ فِــي طَـفْـلَـةٍ
كَـالـشَّـمْـسِ إِنْ خُـطِـبَـتْ فَـلِـلْأَقْـمَـارِ
يَــرْشُــو عَــلَــيْـهَـا الْـوَالِـدَيْـنِ ثَـلَاثَـةٌ
لَــمْ أَدْرِ أَيُّــهُــمُ الْــغَــلِـيـظُ الـضَّـارِي
الْــمَــالُ حَــلَّــلَ كُــلَّ غَــيْــرِ مُـحَـلَّـلٍ
حَــتَّــى زَوَاجَ الــشِّــيــبِ بِــالْأَبْــكَـارِ
سَــحَــرَ الْــقُــلُـوبَ فَـرُبَّ أُمٍّ قَـلْـبُـهَـا
مِــنْ سِــحْــرِهِ حَـجَـرٌ مِـنَ الْأَحْـجَـارِ
دَفَــعَــتْ بُــنَــيَّـتَـهَـا لِأَشْأَمِ مَـضْـجَـعٍ
وَرَمَـــتْ بِــهَــا فِــي غُــرْبَــةٍ وَإِسَــارِ
وَتَــعَــلَّـلَـتْ بِـالـشَّـرْعِ قُـلْـتُ كَـذَبْـتِـهِ
مَـــا كَـــانَ شَــرْعُ الــلــهِ بِــالْــجَــزَّارِ
مَــا زُوِّجَــتْ تِــلْــكَ الْــفَــتَـاةُ وَإِنَّـمَـا
بِــيــعَ الـصِّـبَـا وَالْـحُـسْـنُ بِـالـدِّيـنَـارِ
بَــعْـضُ الـزَّوَاجِ مُـذَمَّـمٌ، مَـا بِـالـزِّنَـى
وَالـــرِّقِّ إِنْ قِـــيــسَــا بِــهِ مِــنْ عَــارِ
فَــتَّـشْـتُ لَـمْ أَرَ فِـي الـزَّوَاجِ كَـفَـاءَةً
كَـــكَـــفَــاءَةِ الْأَزْوَاجِ فِــي الْأَعْــمَــارِ
•••
أَسَـفِـي عَـلَـى تِـلْـكَ الْـمَـحَـاسِنِ كُلَّمَا
نُــقِــلَـتْ مِـنَ «الْـبَـالِـي» إِلَـى الـدَّوَّارِ
إِنَّ الْـحِـجَـابَ عَـلَـى «فَـرُوقٍ» جَـنَّـةٌ
وَحِــجَــابُ مِـصْـرَ وَرِيـفِـهَـا مِـنْ نَـارِ
وَعَــلَــى وُجُــوهٍ كَــالْأَهِــلَّــةِ رُوِّعَـتْ
بَــعْــدَ الــسُّــفُــورِ بِــبُــرْقُــعٍ وَخِـمَـارِ
وَعَلَى الذَّوَائِبِ وَهْيَ مِسْكٌ خُولِطَتْ
عِــنْــدَ الْــعِــنَـاقِ بِـمِـثْـلِ ذَوْبِ الْـقَـارِ
وَعَـلَـى الـشِّـفَـاهِ الْـمُـحْـيِـيَـاتِ أَمَاتَهَا
رِيـحُ الـشُّـيُـوخِ تَـهُـبُّ فِـي الْأَسْـحَارِ
وَعَـلَـى الْـمَـجَـالِـسِ فَـوْقَ كُلِّ خَمِيلَةٍ
بَــيْــنَ الْــجِــبَـالِ وَشَـاطِـئٍ مِـحْـبَـارِ
تَــدْنُــو الـزَّوَارِقُ مِـنْـهُ تُـنْـزِلُ جُـؤْذَرًا
بِــــقِــــلَادَةٍ أَوْ شَــــادِنًـــا بِـــسِـــوَارِ
يَــرْفُـلْـنَ فِـي أُزُرِ الْـحَـرِيـرِ تَـنَـوَّعَـتْ
أَلْــــوَانُــــهُ كَــــالــــزَّهْــــرِ فِـــي آذَارِ
الــطَّـاهِـرَاتُ الـلَّـحْـظِ أَمْـثَـالُ الْـمَـهَـا
الــنَّــاطِــقَــاتُ الْــجَــرْسِ كَــالْأَوْتَــارِ
الــدَّهْــرُ فَــرَّقَ شَــمْــلَــهُـنَّ فَـمُـرْ بِـهِ
يَــا رَبِّ تَــجْــمَــعُــهُ يَــدُ الْــمِــقْــدَارِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤