أَبُو الْهَوْلِ

Wave Image
أَنَـخْـتَ فَـوْقَ الـدَّهْـرِ بِـالْـكَـلْـكَـلِ
وَكُـنْـتَ مِـثْـلَ الْـوَاعِـظِ الْـمُـرْسِلِ
عِـــنْـــدَ فَـــلَاةٍ قَــلَّ قُــطَّــانُــهَــا
هَـلْ بِـاخْـتِـيَـارٍ كُـنْتَ فِي مَعْزِلِ؟
مَضَى الْأُلَى شَادُوكَ فِي مَجْدِهِمْ
كَـــأَنَّـــهُ مِـــنْـــكَ لَـــدَى مَــوْئِــلِ
فَـهَـلْ مَـلَلْـتَ الْـعَيْشَ مِنْ بَعْدِهِمْ
كَــأَنَّــمَــا جُــلِّلْــتَ بِــالْــمُــثْــقِــلِ
ثُــقْــلٌ مِــنَ الــدَّهْــرِ تَــحَـمَّـلْـتَـهُ
لَــوْ حَــلَّ بِــالْأَطْـوَادِ لَـمْ تَـحْـمِـلِ
فَـهَـل يَـدُرُّ الْـعَـيْـشُ مِـنْ بَـعْدِهِمْ
أَمْ مَـا ضُـرُوعُ الـدَّهْـرِ بِـالْـحُـفَّلِ؟
وَأَنْــتَ مِـثْـلُ الْـخَـانِ فِـي لُـبْـثِـهِ
وَنَـحْـنُ مِـثْـلُ الـرَّاكِـبِ الْـمُـعْجَلِ
غَــدًا تَــرَى عَــيْـنَـاكَ مَـنْ بَـعْـدَنَـا
غَــيْــرَ حُـلُـولِ الْـحَـيِّ وَالْـمَـنْـزِلِ
كَـــمْ أُمَّـــةٍ مِــنْ بَــعْــدِهَــا أُمَّــةٌ
قَــدْ رَحَــلَـتْ عَـنْـكَ وَلَـمْ تَـرْحَـلِ
فَـأَنْـتَ سِـفْـرُ الـدَّهْـرِ خَـطَّـتْ بِـهِ
يَــدَاهُ آيَ الْــمُــحْــكَــمِ الْــمُـنْـزَلِ
فَـــاتْـــلُ لَـــنَـــا مِـــنْ آيِـــهِ آيَـــةً
لَــعَــلَّــنَــا نَــجْــنُـبُ مَـا يَـبْـتَـلِـي
كَــمْ وَعَـظَ الـدَّهْـرُ فَـلَـمْ نَـزْدَجِـرْ
وَكَــمْ سَـمَـا الـنَّـاسُ وَلَـمْ نَـعْـتَـلِ
قَــيَّــدَنَــا الْــعَــجْـزُ وَنَـرْجُـو عُـلًا
يَـسْـمُـو الَّذِي فِي الطَّيْرِ لَمْ يُكْبَلِ
نَـعَـافُ مُـسْـتَـطْـرَفَ مَـا يُـرْتَجَى
كَـأَنَّـنَـا فِـي الْـعَـيْـشِ لَـمْ نُـجْـبَـلِ
فَــيَــا مِــثَــالَ الــدَّهْــرِ يَـا رَمْـزَهُ
كَـمْ صَـنَـمٍ فِـي الْـقَـلْبِ لَمْ يَبْطُلِ
كَــأَنَّ رُوحَ الــدَّهْـرِ فِـي جِـسْـمِـهِ
إِنْ تَـــرَهُ مِـــنْ نَــحْــوِهِ تَــمْــثُــلِ
تَــحْــسَــبُــهُ مِــنْ هَـيْـبَـةٍ عَـاقِـلًا
مَـنْ حَـسِـبَ الْـمَـرْهُوبَ لَمْ يَعْقِلِ
كَــأَنَّــمَــا فِــي طَــيِّ أَلْــحَــاظِــهِ
ذِكْـــرَى لِـــعَــهْــدِ الــزَّمَــنِ الْأَوَّلِ
كَـــأَنَّــهُ فِــي صَــمْــتِــهِ حَــارِسٌ
يَــحْــرُسُ بَـابَ الْـقَـدَرِ الْـمُـقْـفَـلِ
يَـا عَـجَـبًـا أَبْـصَـرْتَ مَا قَدْ مَضَى
وَنَــظَــرَاتٌ مِــنْــكَ لَــمْ تُــقْــتَــلِ
أَبْــصَــرْتَ أَكْــلَ الــدَّهْــرِ أَبْـنَـاءَهُ
أَلَــمْ تُــرَعْ مِــنْ ذَلِــكَ الْــمَـأْكَـلِ؟
بَـيْـنَـكُـمَـا نَـجْـوَى عَـلَـى صَـمْـتِـهِ
وَصَـمْـتَـةٌ فِـي فِـيـكَ كَـالْـمِـقْـوَلِ
عَـشَّـشَ فِـيكَ الْحَادِثُ الْمُجْتَوِي
وَكُـنْـتَ عَـرْشَ الـرَّمْـيَـةِ الـضِّئْبَلِ
مَــرَّتْ بِــكَ الْأَيَّــامُ مَــخْــشِــيَّــةً
كَــأَنَّــهَــا مَــرَّتْ عَــلَــى هَــيْـكَـلِ
فَــابْـعَـثْ لَـنَـا مِـنْ عَـزْمِـهَـا عُـدَّةً
فَـلَـوْ سَـأَلْـتَ الـدَّهْـرَ لَـمْ يَـبْـخَـلِ
وَلَــوْ نَــهَـيْـتَ الـدَّهْـرَ لَـمْ يَـعْـتَـدِ
وَلَــوْ زَجَــرْتَ الــدَّهْـرَ لَـمْ يُـقْـبِـلِ
وَالــدَّهْــرُ كَــمْ تَـسْـحَـرُ أَحْـدَاثُـهُ
لُـبَّ غَـضِـيـضِ اللُّـبِّ وَالْـمَـفْصِلِ
أَيُّ حَـــكِـــيــمٍ قَــدْ رَأَى مَــا رَأَتْ
عَـيْـنَـاكَ فِـي الـدَّهْـرِ وَلَمْ يُذْهَلِ؟
يَــا نَــاظِــرًا يَــنْـظُـرُ هَـذَا الْـوَرَى
نَـظْـرَةَ طَـرْفِ الـنَّـاظِـرِ الْـمُـعْضَلِ
انْـظُـرْ إِلَـى الْأَقْـدَارِ فِـي غَـيْـبِـهَـا
وَاذْكُـرْ مَـآلَ الْـعَـيْـشِ فِي الْمُقْبِلِ
أَغَـــابِــرُ الْأَيَّــامِ فِــي صَــرْفِــهَــا
كَـمُـضْـمَـرٍ فِـي الْـغَـيْـبِ مُسْتَقْبَلِ
أَمَــالِــكٌ عُــوجِــلَ عَــنْ مُــلْــكِـهِ
كَـــذِي عَــلَاءٍ بَــعْــدُ لَــمْ يَــنْــزِلِ
وَالـنَّـاسُ حَـلْـيُ الْـقَـاهِرِ الْمُعْتَلِي
يَــأْلَــمُ نَــارَ الْــحَـاذِقِ الـصَّـيْـقَـلِ
يَــصُــوغُــهُـمْ كُـلُّ غَـلُـوبٍ عَـلَـى
سُـنَّـةِ مُـلْـكِ الـرُّمْـحِ وَالْـمُـنْـصُـلِ
كَــمْ عَــبْــرَةٍ لِلــنَّـاسِ أَبْـصَـرْتَـهَـا
وَعَــبْــرَةٍ لِلْــهَــاطِــلِ الْــمُــسْـبِـلِ
فَهَلْ دُمُوعُ النَّحْسِ تُحْيِي الْوَرَى
مِـثْـلَ عَـقِـيـبِ الْـمَـطَـرِ الْمُرْسَلِ؟
أَرَاكَ لَا تَـــرْثِـــي لِـــمَــا نَــابَــهَــمْ
يَــا لَـيْـتَـنِـي مِـثْـلُـكَ لَـمْ أَحْـفَـلِ!
وَمُــقْــلَــةٌ تُــخْــبِــرُ أَلْــحَــاظُـهَـا
أَنَّ عُــيُــونَ الــدَّهْــرِ لَـمْ تُـسْـمَـلِ
وَالـدَّهْـرُ وَهْـوَ الـسَّـاهِـرُ الْمُعْتَدِي
يُــغْـضِـي وَعَـيْـنٌ لَـكَ لَـمْ تَـغْـفُـلِ
وَرُبَّ لَــحْــظٍ مِــنْـكَ قَـدْ رِشْـتَـهُ
فِـي قَـلْـبِ هَـذَا الـدَّهْـرِ كَالْمُوغِلِ
فَــابْــحَــثْ خَــبَــايَـاهُ وَأَحْـنَـاءَهُ
وَاكْـشِـفْ لَـنَـا عَـنْ ذَلِـكَ الْـغَيْطَلِ
كَــأَنَّ رُوحَ الــدَّهْــرِ تَــبْــغِــي بِـهِ
وَكْــنًــا لَــهَــا أُحْـكِـمَ كَـالْـمَـعْـقِـلِ
تَــحْــسَــبُــهُ لَــوْ جِـئْـتَـهُ نَـاشِـدًا
مَـعْـنَـى حَـيَـاةِ الـنَّـاسِ لَمْ يَجْهَلِ
يَـا مَـنْ سُؤَالُ الْعَيْشِ فِي صَمْتِهِ
اسْــأَلْ وَمَــنْ لَــمْ يَـدْرِهِ فَـاقْـتُـلِ
كَــمِ امْـتَـطَـى الْأَيَّـامَ تَـجْـرِي بِـهِ
كَــأَنَّــهُ وَالْــخُــلْــدُ فِــي مَــنْــزِلِ
كَـمْ عَـبَّ لُـجُّ الـدَّهْـرِ ثُـمَّ انْـثَـنَـى
إِلَّا بَــقَــايَـا الْـمَـاءِ فِـي الْـجَـنْـدَلِ
كَـــأَنَّـــهُ مُـــنْـــتَـــظِــرٌ مَــوْعِــدًا
حُــيِّــنَ كَــيْ يَـنْـطِـقَ بِـالْـمِـقْـوَلِ
لَـــوْ فَـــاهَ يَـــوْمًـــا ذَاكِــرًا سِــرَّهُ
لَـمْ يُـعْـجِـبِ الـرَّائِـي وَلَـمْ يَعْجَلِ
أَوْ أَنَّـهُ الْـمَـسْـحُـورُ فِـي صَـمْـتِـهِ
قَـدْ كَـانَ يَـمْـشِـي مِشْيَةَ الْمُشْبِلِ
فَـخَـافَ صَـرْفُ الـدَّهْـرِ مِنْ فَتْكِهِ
وَعِــلْــمِــهِ بِــالْــحَـادِثِ الْـمُـقْـبِـلِ
فَــذَادَهُ بِــالــسِّــحْـرِ عَـنْ نُـطْـقِـهِ
حَـتَّـى تَـنَـاسَـى عَـيْشَهُ الْمُنْجَلِي

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤