الْبَحْرُ وَالظَّلَامُ

Wave Image
بَــنَــاتِ الــدُّجَـى هَـذَا الَّـذِي لَـمْ يَـزَلْ لَـهُ
فُـــؤَادٌ يُــنَــاجِــيــكُــنَّ عَــنْ كُــلِّ نَــائِــمِ
أَنَــاخَ عَــلَــى الــدُّنْـيَـا الـظَّـلَامُ بِـكَـلْـكَـلٍ
وَأَغْـــرَقَـــهَـــا فِـــي زَاخِـــرٍ مُــتَــلَاطِــمِ
وَأَغْــمَــضَ أَجْــفَـانَ الـنُّـجُـومِ بِـكُـرْهِـهَـا
وَأَطْــلَــقَ أَشْــبَــاحًــا كَــحَـيْـرَى الْأَرَاقِـمِ
لَــهَــا لَــغَــطٌ مُــسْـتَـهْـوَلُ الْـوَقْـعِ مُـزْئِـدٌ
يُـــجَـــاوِبُــهُ يَــمٌّ رَهِــيــبُ الْــهَــمَــاهِــمِ
يُـــغَـــادِرُ سَـــوَّارَ الْـــخَـــيَــالِ مُــرَنِّــقًــا
يَـــئِـــنُّ مِـــنَ الْإِعْـــيَـــاءِ أَنَّ الْــكَــوَالِــمِ
فَـــيَـــا لَـــكَ مِــنْ لَــيْــلٍ بَــهِــيــمٍ كَأَنَّــهُ
حِــدَادُ الــسَّــمَــوَاتِ عَــلَــى نَــسْــلِ آدَمِ
وَيَـــا لَـــكِ مِـــنْ رِيـــحٍ كَأَنَّ زَفِــيــفَــهَــا
نَــوَاقِــيــسُ دُقَّــتْ لِـلْـمَـنَـايَـا الْـهَـوَاجِـمِ
وَيَــا لَــكَ مِــنْ بَــحْــرٍ كَأَنَّ ضَــجِــيـجَـهُ
صُــرَاخُ الْــيَــتَــامَـى فِـي وُجُـوهِ الْـمَآتِـمِ
أَحَــقَّــتْ عَــلَــى الْأَرْضِـيـنَ لَـعْـنَـةُ رَبِّـهَـا
فَــصَـبَّ عَـلَـيْـهَـا سُـخْـطَـهُ غَـيْـرَ رَاحِـمِ؟
وَإِلَّا فَــــمَــــا لِـــلَّـــيْـــلِ مُـــرًّا كَأَنَّـــنِـــي
بِـــقُـــبَّـــةِ قَـــبْــرٍ حَــافِــلٍ بِــالــرَّمَــائِــمِ
فَــلَـيْـسَـتْ تُـحِـسُّ الْـعَـيْـنُ إِلَّا حَـنَـادِسًـا
تُــضِــيءُ مَــجَــالِــي هَـوْلِـهِ الْـمُـتَـفَـاقِـمِ
وَلَا الْأُذْنُ إِلَّا مَــــا تَــــقُــــصُّ رِيَــــاحُـــهُ
عَــلَـى الْـمَـوْجِ فِـي هَـبَّـاتِـهِـنَّ الْـغَـوَاشِـمِ
فَــيَــضْــحَــكُ مِــنْـهَـا سَـاخِـرًا غَـيْـرَ أَنَّـهُ
إِذَا جَــــلَــــدَتْــــهُ ثَـــارَ ثَـــوْرَةَ ظَـــالِـــمِ
وَرَائِــي وَقُـدَّامِـي وَفِـي الْـقَـلْـبِ ظُـلْـمَـةٌ
فَــكَــيْــفَ فِــرَارِي مِــنْ ظَـلَامٍ مُـلَازِمِـي
وَمَهْوًى سَحِيقِ الْغَوْرِ مِنْ تَحْتِ أَخْمَصِي
يُــحَــلِّــلُ مِــنْ بَأْسِ الْــقَــوِيِّ الــضُّـبَـارِمِ
يَــرُدُّ عُــرَامَ الــرِّيــحِ حَــتَّــى يُــعِـيـدَهَـا
تَـــلُــوذُ بِآنَــافِ الــصُّــخُــورِ الْــقَــدَائِــمِ
وَتَــصْــدِمُــهُ الْأَمْــوَاجُ فِــي وَثَــبَــاتِــهَـا
فَــتَــرْفَــضُّ عَـنْـهُ كَـالْـغَـمَـامِ الـسَّـوَاجِـمِ
لَـــهَـــا زَأْرَةُ الْآسَـــادِ إِنْ هِــيَ أَقْــلَــبَــتْ
وَخَــشْــخَـشَـةُ الْأَشْـجَـارِ عِـنْـدَ الْـهَـزَائِـمِ
جَــحِــيــمٌ مِــنَ الْأَمْـوَاهِ يَـغْـلِـي عُـبَـابُـهُ
وَيَــعْـوِي عُـوَاءَ الـذِّئْـبِ بَـيْـنَ الْـمَـخَـارِمِ
وَيُــزْبِــدُ كَــالْــمَــجْــهُــودِ حَــتَّـى كَأَنَّـمَـا
أَشَــابَــتْــهُ أَحْــدَاثُ الـلَّـيَـالِـي الـظَّـوَالِـمِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤