افْتِتَاحُ الْإِذَاعَةِ

Wave Image
يَـا سَـارِيَ الـشِّـعْـرِ يَطْوِي الْجَوَّ فِي آنِ
وَيَــمْــلَأُ الْأُفْــقَ تَــغْــرِيــدًا بِأَلْــحَـانِـي
يَـخْـتَـالُ فِـي بُـرْدَةِ الْفُصْحَى وَتُسْعِدُهُ
بَــدَائِــعُ الْــحُــسْـنِ مِـنْ آيَـاتِ عَـدْنَـانِ
سِـرْ أَيُّـهَـا الـشِّـعْـرُ وَارْكَـبْ كُـلَّ نَـاجِيَةٍ
مِــنَ الــرِّيَــاحِ فَــقَــدْ أَلْــقَــتْ بِأَرْسَـانِ
سِـرْ بِـالـرِّيَـاضِ وَخُـذْ مِـنْـهَـا نَـضَـارَتَهَا
وَنَــاغِ مَــا شِــئْــتَ مِـنْ وَرْدٍ وَرَيْـحَـانِ
الْــكَــوْنُ أُذْنٌ لِــمَــا تُــلْــقِــيــهِ وَاعِـيَـةٌ
فَــامْــلَأْ مَــدَاهُ بِــصَــوْتٍ مِــنْـكَ رَنَّـانِ
وَبَــلِّــغِ الْأَرْضَ أَنَّــا فِــي حِـمَـى مَـلِـكٍ
صَــوْبُ الْــحَـيَـا وَنَـدَى كَـفَّـيْـهِ سِـيَّـانِ
وَإِنْ تَــزُرْ كَــعْــبَــةَ الْآمَــالِ مُــشْــرِقَـةً
مِـنْ «عَـابِـدِيـنَ» فَـطُـفْ مِـنْـهَـا بِأَرْكَانِ
وَقِـفْ وَأَطْـرِقْ خُشُوعًا أَنْتَ فِي قُدُسٍ
ضَـافِـي الْـمَـهَـابَـةِ عَالِي الشَّأْوِ وَالشَّانِ
قَــصْـرٌ بَـنَـاهُ بُـنَـاةُ الْـمَـجْـدِ مِـنْ هِـمَـمٍ
فَـــلَـــمْ يُـــطَــاوِلْ عُــلَاهُ أَيُّ بُــنْــيَــانِ
فَأَيْــنَ كِــسْـرَى وَمَـا أَعْـلَـى مَـشَـارِفَـهُ
فِـي بُـهْـرَةِ الْـمُـلْـكِ مِـنْ صَـرْحٍ وَإِيوَانِ
أَسَــاسُــهُ عَــزَمَــاتُ جَــلَّ خَــالِــقُــهَــا
لَا مَـا يَـرَى الـنَّـاسُ مِـنْ صَخْرٍ وَصَوَّانِ
يُــطِــلُّ مِــنْــهُ عَــلَــى آمَــالِــنَــا مَـلِـكٌ
يُـزْهَـى بِـهِ الـشَّـعْـبُ فِـي سِـرٍّ وَإِعْلَانِ
فِـي وَجْـهِـهِ قَـسَـمَـاتٌ قَـدْ دَلَـلْـنَ عَلَى
مَــا ضَـمَّـهُ الْـقَـلْـبُ مِـنْ نُـبْـلٍ وَإِيـمَـانِ
•••
يَـا ابْـنَ الْأُلَـى بَـعَـثُـوا مِـصْـرًا لِنَهْضَتِهَا
وَأَيْــقَــظُــوا مِـنْ بَـنِـيـهَـا كُـلَّ وَسْـنَـانِ
وَأَرْسَـلُـوهَـا إِلَـى الْـعَـلْـيَـاءِ فَـانْـطَـلَقَتْ
تَـعْـدُو إِلَـى الْـمَـجْـدِ فِـي جِـدٍّ وَإِمْـعَانِ
كَأَنَّـهَـا تَـبْـتَـغِـي فِـي الـشَّمْسِ حَاجَتَهَا
أَوْ أَنَّـــهَـــا أُودِعَـــتْ سِــرًّا لِــكَــيْــوَانِ
آثَــارُهُـمْ فِـي ضِـفَـافِ الـنِّـيـلِ مَـاثِـلَـةٌ
أَبْـقَـى عَـلَـى الدَّهْرِ مِنْ رَضْوَى وَثَهْلَانِ
كَأَنَّـهَـا وَهْـيَ فِـي الْـوَادِي قَـدِ انْـتَثَرَتْ
عِـــقْـــدٌ تَــنَــاثَــرَ عَــنْ دُرٍّ وَعِــقْــيَــانِ
جَـاءُوا بِـمَـا عَـزَّ فِـي الْآذَانِ مَـسْـمَـعُـهُ
عَــنِ الْــمُــلُـوكِ وَلَـمْ تُـبْـصِـرْهُ عَـيْـنَـانِ
فِـي بَـاحَـةِ الـسِّـلْمِ كَانُوا رَحْمَةً وَهُدًى
وَفِــي الْــكَـرِيـهَـةِ كَـانُـوا أُسْـدَ خَـفَّـانِ
قَـدْ حَـاوَلُوا الصَّعْبَ حَتَّى ذَلَّ شَامِسُهُ
وَمَــالَ بِــالــرَّأْسِ عَــنْ يُـسْـرٍ وَإِمْـكَـانِ
•••
غَفْرًا «فُؤَادُ» أَبَا «الْفَارُوقِ» إِنْ عَجَزَتْ
عَـــنْ عَـــدِّ آلَائِـــكَ الْـــغَـــرَّاءِ أَوْزَانِــي
حَـاوَلْـتُ تَصْوِيرَهَا جُهْدِي فَمَا اتَّسَعَتْ
لِــبَــعْــضِ ذَلِــكَ أَلْــوَاحِــي وَأَلْــوَانِــي
وَالْـبَـحْـرُ تُـبْـصِـرُ جُـزْءًا حَـوْلَ سَـاحِلِهِ
وَلَــيْــسَ فِــي دَرْكِــهِ طَــوْقٌ لِإِنْــسَـانِ
فِـي كُـلِّ يَـوْمٍ لَـكُـمْ فِـي مِـصْـرَ عَارِفَةٌ
فِــي طَـيِّـهَـا مِـنْ نَـدَاكُـمْ أَلْـفُ بُـرْهَـانِ
نَــشَــرْتَ فِــيـهَـا رُبُـوعَ الْـعِـلْـمِ زَاهِـرَةً
جَــلَالَــةُ الْــمُـلْـكِ فِـي عِـلْـمٍ وَعِـرْفَـانِ
غَـــرَسْـــتَـــهُ دَوْحَـــةً غَـــنَّــاءَ وَارِفَــةً
قَــرِيــبَــةَ الْــمُــتَــمَــنَّــى ذَاتَ أَفْــنَـانِ
وَسَــاسَــنَــا مِــنْــكَ رَأْيٌ زَانَــهُ خُــلُــقٌ
قَـدْ صَـاغَـهُ الـلـهُ مِـنْ رِفْـقٍ وَإِحْـسَـانِ
الــدِّيــنُ زَاهٍ وَوَجْــهُ الْــمُـلْـكِ مُـؤْتَـلِـقٌ
كَــالــرَّوْضِ جَــادَ ثَــرَاهُ صَـوْبُ هَـتَّـانِ
رَدَدْتَ لِــلُّـغَـةِ الْـفُـصْـحَـى بَـشَـاشَـتَـهَـا
مِــنْ بَــعْــدِ أَنْ هَـجَـرَتْـهَـا مُـنْـذُ أَزْمَـانِ
قَـدْ ذَكَّـرَتْـهَـا أَيَـادِيـكَ الَّـتِـي عَـظُـمَـتْ
مَــنَــازِلَ الْــعِــزِّ فِـي دَارَاتِ قَـحْـطَـانِ
أَوْلَـيْـتَـهَـا «مَـجْـمَـعًـا» طَابَتْ مَشَارِعُهُ
وَبَـــلَّ مِـــنْـــهُ صَــدَاهُ كُــلُّ صَــدْيَــانِ
أَعَـادَ فِـي مِـصْـرَ عَـهْـدًا لِلرَّشِيدِ مَضَى
أَيَّــامَ أَشْــرَقَــتِ الــدُّنْــيَـا ﺑِ «بَـغْـدَانِ»
سَــعَـتْ لِـسَـاحَـتِـكَ الـدُّنْـيَـا وَيَـمَّـمَـهَـا
جَـهَـابِـذُ الْـقَـوْمِ مِـنْ قَـاصٍ وَمِنْ دَانِي
•••
هَـذِي الْإِذَاعَـةُ يَـا مَـوْلَايَ قَـدْ نَـطَـقَـتْ
بِـــمَـــا بَــذَلْــتَ بِإِفْــصَــاحٍ وَتِــبْــيَــانِ
مِـنْ قَـبْـلِـهَـا سَـارَ سَيْرَ الشَّمْسِ ذِكْرُكُمُ
يَــطْــوِي الْــجِــوَاءَ بِأَقْــطَــارٍ وَبُـلْـدَانِ
أَنْــشَأْتَــهَــا جَــنَّــةً غَــنَّــتْ بَــلَابِــلُــهَـا
وَغَـــرَّدَتْ بَـــيْـــنَ أَوْرَاقٍ وَأَغْـــصَـــانِ
فِــيــهَــا الــثَّــقَــافَـاتُ أَلْـوَانٌ مُـنَـوَّعَـةٌ
تُــزْجَـى إِلَـى الـشَّـعْـبِ مِـنْ آنٍ إِلَـى آنِ
قَـدْ أَصْـبَـحَـتْ مَـنْـهَـلًا يَـسْـعَى لِطَالِبِهِ
فَـاعْـجَـبْ إِلَـى مَـنْـهَـلٍ يَـسْـعَى لِظَمْآنِ
عِـشْ لِـلْـبِـلَادِ «أَبَـا الْفَارُوقِ» نُورَ هُدًى
وَأَعْـــلِ رَايَــتَــهَــا فِــي كُــلِّ مَــيْــدَانِ
وَعَــاشَ فَــارُوقُ لِــلــدُّنْـيَـا يُـجَـمِّـلُـهَـا
وَيَــزْدَهِــي بِــمُــحَــيَّــاهُ الْــجَــدِيـدَانِ
لَــمَّــا دَعَــوْهُ أَمِــيـرًا لِـلـصَّـعِـيـدِ سَـمَـا
بِــهِ الـصَّـعِـيـدُ وَأَضْـحَـى جِـدَّ جَـذْلَانِ
لَا زَالَ زِيـــنَـــةَ عَــهْــدٍ طَــابَ مَــوْرِدُهُ
مُــجَــمَّــلٍ بِــجَــلَالِ الْــمُــلْــكِ مُـزْدَانِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤