الْأُسْطُولُ الْعُثْمَانِيُّ

Wave Image
هَـــزَّ الـــلِّـــوَاءَ بِـــعِـــزِّكَ الْإِسْـــلَامُ
وَعَــنَــتْ لِــقَــائِــمِ سَـيْـفِـكَ الْأَيَّـامُ
وَانْـقَـادَتِ الـدُّنْـيَـا إِلَـيْـكَ فَـحَـسْبُهَا
عُـــذْرًا قِــيَــادٌ أَسْــلَــسَــتْ وَزِمَــامُ
وَمَـشَـى الـزَّمَـانُ إِلَـى سَـرِيرِكَ تَائِبًا
خَــجِــلًا عَــلَــيْــهِ الــذُّلُّ وَالْإِرْغَــامُ
عَــرْشُ الــنَّــبِـيِّ مُـحَـمَّـدٍ جَـنَـبَـاتُـهُ
نُــورٌ وَرَفْــرَفُــهُ الــطَّــهُــورُ غَــمَـامُ
لَــمَّــا جَــلَــسْـتَ سَـمَـا وَعَـزَّ كَأَّنَـمَـا
هَـــارُونُ وَابْــنَــاهُ عَــلَــيْــهِ قِــيَــامُ
الْــبَــحْـرُ مَـحْـشُـودُ الْـبَـوَارِجِ دُونَـهُ
وَالْـــبَـــرُّ تَـــحْـــتَ ظِــلَالِــهِ آجَــامُ
نَـعِـمَ الـرَّعِـيَّـةُ فِـي ذَرَاكَ وَنَـضَّـرَتْ
أَيَّــامَــهُــمْ فِــي ظِــلِّــكَ الْأَحْــكَـامُ
فِــي كُــلِّ نَــاحِــيَــةٍ وَكُـلِّ قَـبِـيـلَـةٍ
عَــــدْلٌ وَأَمْــــنٌ مُــــورِفٌ وَوِئَــــامُ
حَـمَـلَ «الـصَّلِيبُ» إِلَيْكَ مِنْ فِتْيَانِهِ
جُـنْـدًا وَقَـاتَـلَ دُونَـكَ «الْـحَـاخَـامُ»
وَالــدِّيــنُ لَــيْـسَ بِـرَافِـعٍ مُـلْـكًـا إِذَا
لَــمْ يَــبْــدُ لِــلــدُّنْـيَـا عَـلَـيْـهِ نِـظَـامُ
بِـالـلـهِ قَـدْ دَانَ الْـجَـمِـيـعُ، وَشَأْنُـهُمْ
بِــالــلـهِ ثُـمَّ بِـعَـرْشِـكَ اسْـتِـعْـصَـامُ
•••
يَـا ابْـنَ الَّـذِينَ إِذَا الْحُرُوبُ تَتَابَعَتْ
صَـلَّـوْا عَـلَـى حَدِّ السُّيُوفِ وَصَامُوا
الْـمُـظْـهِـرِيـنَ لِـنُـورِ «بَـدْرٍ» بَـعْـدَمَـا
خِـيـفَ الْـمُـحَـاقُ عَـلَـيْـهِ وَالْإِظْـلَامُ
عِـشْـرُونَ خَـاقَـانًـا نَـمَـوْكَ وَعَـشْـرَةٌ
غُـــرُّ الْـــفُــتُــوحِ خَــلَائِــفٌ أَعْــلَامُ
نَـــسَــبٌ إِذَا ذُكِــرَ الْــمُــلُــوكُ فَإِنَّــهُ
لِــرَفِــيــعِ أَنْــسَـابِ الْـمُـلُـوكِ سَـنَـامُ
لَا تَــحْــفِــلَــنَّ مِـنَ الْـجِـرَاحِ بَـقِـيَّـةً
إِنَّ الْـــبَــقِــيَّــةَ فِــي غَــدٍ تَــلْــتَــامُ
جَـرَتِ الـنُّـحُـوسُ لِـغَـايَـةٍ فَـتَـبَدَّلَتْ
وَلِـــكُـــلِّ شَـــيْءٍ غَـــايَــةٌ وَتَــمَــامُ
تَـعِـبَـتْ بِأُمَّـتِكَ الْخُطُوبُ فَأَقْصَرَتْ
وَالـدَّهْـرُ يُـقْـصِـرُ وَالْـخُـطُـوبُ تَـنَامُ
لَـبِـثَـتْ تَـنُـوشُـهُـمُ الْـحَوَادِثُ حِقْبَةً
وَتَـــصُـــدُّهَــا الْأَخْــلَاقُ وَالْأَحْــلَامُ
وَلَـقَـدْ يُـدَاسُ الـذِّئْـبُ فِـي فَـلَـوَاتِهِ
وَيُــهَــابُ بَـيْـنَ قُـيُـودِهِ الـضِّـرْغَـامُ
زِدْهُـمْ أَمِـيـرَ الْـمُـؤْمِـنِينَ مِنَ الْقُوَى
إِنَّ الْـــقُـــوَى عِـــزٌّ لَـــهُـــمْ وَقِـــوَامُ
الْـمُـلْـكُ وَالـدُّولَاتُ مَـا يَـبْـنِـي الْـقَنَا
وَالْـــعِــلْــمُ لَا مَــا تَــرْفَــعُ الْأَحْــلَامُ
وَالْــحَـقُّ لَـيْـسَ، وِإِنْ عَـلَا، بِـمُـؤَيَّـدٍ
حَــتَّــى يُـحَـوِّطَ جَـانِـبَـيْـهِ حُـسَـامُ
خَــطَّ الــنَّـبِـيُّ بِـرَاحَـتَـيْـهِ خَـنْـدَقًـا
وَمَـشَـى يُـحِـيـطُ بِـهِ قَـنًـا وَسِـهَـامُ
•••
يَــا بَــرْبَـرُوسُ عَـلَـى ثَـرَاكَ تَـحِـيَّـةٌ
وَعَـلَـى سَـمِـيِّـكَ فِـي الْـبِحَارِ سَلَامُ
أَعَـلِـمْـتَ مَـا أَهْـدَى إِلَـيْـكَ عِـصَـابَةٌ
غُـــرُّ الْــمَآثِــرِ مِــنْ بَــنِــيــكَ كِــرَامُ
نَـشَـرُوا حَـدِيـثَـكَ فِي الْبَرِيَّةِ بَعْدَمَا
هَــمَّــتْ بِــطَــيِّ حَــدِيــثِـكَ الْأَيَّـامُ
خَـصُّـوكَ مِـنْ أُسْـطُـولِـهِـمْ بِـدِعَامَةٍ
يُــبْــنَــى عَــلَــيْــهَــا رُكْــنُـهُ وَيُـقَـامُ
شَـمَّـاءُ فِـي عُـرْضِ الْـخِـضَـمِّ كَأَنَّـهَا
بُــرْجٌ بِــذَاتِ الــرَّجْــعِ لَــيْـسَ يُـرَامُ
كَـانَـتْ كَـبَـعْـضِ الْـبَـارِجَـاتِ فَحَفَّهَا
لَــمَّــا تَــحَــلَّـتْ بِـاسْـمِـكَ الْإِعْـظَـامُ
مَـا مَـاتَ مِـنْ نُـبْلِ الرِّجَالِ وَفَضْلِهِمْ
يَـحْـيَـا لَـدَى الـتَّـارِيـخِ وَهْـوَ عِـظَامُ
يَـمْـضِـي وَيُـنْـسَـى الْـعَـالَمُونَ وَإِنَّمَا
تَـبْـقَـى الـسُّـيُـوفُ وَتَـخْـلُـدُ الْأَقْلَامُ
وَتَـلَاكَ «طُـرْغُـودٌ» كَـمَـا قَـدْ كُـنْـتُمَا
جَــنْــبًــا لِـجَـنْـبٍ وَالْـعُـبَـابُ ضِـرَامُ
أَرْسَــى عَــلَــى بَــابِ الْإِمَــامِ كَأَنَّــهُ
لِــلْــفُـلْـكِ مِـنْ فَـرْطِ الْـجَـلَالِ إِمَـامُ
جَــمَــعَــتْــكُـمَـا الْأَيَّـامُ بَـعْـدَ تَـفَـرُّقٍ
مَـــا لِـــلِّـــقَـــاءِ وَلِـــلْـــفِـــرَاقِ دَوَامُ
سَــيَــشُــدُّ أَزْرَكَ وَالــشَّـدَائِـدُ جَـمَّـةٌ
وَيُـعِـزُّ نَـصْـرَكَ وَالْـخُـطُـوبُ جِـسَامُ
مَـا السُّفْنُ فِي عَدَدِ الْحَصَى بِنَوَافِعٍ
حَـــتَّـــى يَــهُــزَّ لِــوَاءَهَــا مِــقْــدَامُ
لَـمَّـا لَـمَـحْـتُـكُـمَـا سَـكَـبْتُ مَدَامِعِي
فَــرَحًــا وَطَــالَ تَــشُــوُّفٌ وَقِــيَـامُ
وَسَأَلْتُ هَلْ مِنْ «لُؤْلُؤٍ» أَوْ «طَارِقٍ»
فِـي الْـبَـحْـرِ تَـخْـفِـقُ فَوْقَهُ الْأَعْلَامُ
•••
يَـا مَـعْـشَـرَ الْإِسْـلَامِ فِـي أُسْطُولِكُمْ
عِــــزٌّ لَـــكُـــمْ وَوِقَـــايَـــةٌ وَسَـــلَامُ
جُـودُوا عَـلَـيْـهِ بِـمَـالِكُمْ وَاقْضُوا لَهُ
مَـــا تُــوجِــبُ الْأَعْــلَاقُ وَالْأَرْحَــامُ
لَا الْـهِنْدُ قَدْ كَرُمَتْ وَلَا مِصْرٌ سَخَتْ
وَالْـغَـرْبُ قَـصَّـرَ عَـنْ نَـدًى وَالـشَّـامُ
سَـيْـلُ الْـمَـمَـالِـكِ جَـارِفٌ مِـنْ شِدَّةٍ
وَقُـوًى، وَأَنْـتُـمْ فِـي الـطَّـرِيـقِ نِيَامُ
حُـبُّ الـسِّـيَـادَةِ فِـي شَـمَائِلِ دِينِكُمْ
وَالْـــجِـــدُّ رُوحٌ مِـــنْـــهُ وَالْإِقْـــدَامُ
وَالْــعِــلْــمُ مِــنْ آيَـاتِـهِ الْـكُـبْـرَى إِذَا
رَجَـــعَـــتْ إِلَـــى آيَـــاتِــهِ الْأَقْــوَامُ
لَــوْ تُــقْـرِئُـونَ صِـغَـارَكُـمْ تَـارِيـخَـهُ
عَـرَفَ الْـبَـنُـونَ الْـمَـجْـدَ كَـيْفَ يُرَامُ
كَــمْ وَاثِــقٍ بِـالـنَّـفْـسِ نَـهَّـاضٍ بِـهَـا
سَــادَ الْــبَــرِيَّـةَ فِـيـهِ وَهْـوَ عِـصَـامُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤