أَنْتَ قَيْدُ الْوُجُودِ إِنْ غِبْتَ غَابَا

Wave Image
أَنْــتَ قَــيْـدُ الْـوُجُـودِ إِنْ غِـبْـتَ غَـابَـا
وَإِذَا مَــا حَــضَــرْتَ كُــنْــتَ حِــجَــابَـا
وَكَــذَا الْــكَــائِــنَــاتُ عُــلْــوًا وَسُــفْـلًا
هُــــوَ مِــــنْــــهُــــنَّ لَابِـــسٌ أَثْـــوَابَـــا
كُـــلُّ ذَا بِـــاعْـــتِــبَــارِ نَــفْــسِــكَ أَمَّــا
هُـــوَ فِـــي ذَاتِـــهِ فَـــجَـــلَّ مُـــهَــابَــا
وَاحِــدٌ مُــطْــلَـقٌ عَـنِ الْـقَـيْـدِ بَـلْ عَـنْ
قَـــيْــدِ إِطْــلَاقِــهِ يَــلُــوحُ اقْــتِــرَابَــا
وَهْـــوَ فِـــي بَـــيْـــتِ عِـــزَّةٍ وَجَـــلَالٍ
لَــسْــتَ تَــلْــقَــى إِلَــيْــهِ غَــيْـرَكَ بَـابَـا
قِــــفْ عَــــلَــــى بَــــابِـــهِ بِـــهِ وَتَأَدَّبْ
بِـــخُـــشُـــوعٍ وَقَـــبِّـــلِ الْأَعْـــتَـــابَـــا
كُـنْ بِـلَا أَنْـتَ تُـكْـشَـفُ الْـحُـجْـبُ عَنْهُ
وَيُــــرِيـــكَ الَّـــذِي أَرَى الْأَنْـــجَـــابَـــا
وَجْــهُــهُ الــنُّــورُ ظَــاهِــرٌ بِــكَ لَــكِــنْ
عَــنْــهُ أَبْــدَى عَــلَــيْــكَ مِــنْــهُ نِـقَـابَـا
يَــا نَــدِيــمِــي خُــذِ الْــمُــدَامَـةَ مِـنِّـي
إِنَّـــنِـــي قَـــدْ أَدَرْتُ هَـــذَا الــشَّــرَابَــا
وَبَـسَـطْـتُ الْـبِـسَـاطَ فِـي دَارِ قَـوْمِـي
وَمَــــلَأْتُ الْـــكُـــئُـــوسَ وَالْأَكْـــوَابَـــا
وَكَــنَــسْــتُ الْــكَـنَـائِـسَ الـسُّـودَ مِـمَّـا
كَــانَ فِــيــهَـا حَـتَّـى الْـبَـيَـاضُ أَجَـابَـا
وَاسْــتَــحَــالَــتْ إِلَـى الْأُصُـولِ فُـرُوعٌ
أَحْــكَــمَــتْــهَــا يَــدُ الْــفَــنَـاءِ انْـقِـلَابَـا
فَــوُجُـودِي هُـوَ الْـوُجُـودُ الْـحَـقِـيـقِـي
وَالــتَّــصَــاوِيـرُ فِـيـهِ كَـانَـتْ خِـضَـابَـا
إِنَّ عِــلْــمِــيَ عِــلْــمُ الْــيَــقِــيـنِ بِأَنِّـي
كُــنْــتُ سُــعْــدَى وَزَيْــنَــبًــا وَالـرَّبَـابَـا
كُــنْــتُ لَــيْـلَـى أَنَـا وَمَـجْـنُـونَ لَـيْـلَـى
وَالْـــمُــحِــبِّــيــنَ قَــبْــلُ وَالْأَحْــبَــابَــا
وَأَنَـــــا الْآنَ كُـــــلُّ مَـــــا هُــــوَ بَــــادٍ
وَسَأَبْـــدُو حَـــبَـــائِـــبًـــا وَصِــحَــابَــا
مِـثْـلَ فِـعْـلِ الْـحِـرْبَـاءِ يَـصْـبُـغُ مِـنْـهَـا
كُــــلُّ لَـــوْنٍ بِـــهِ تَـــلُـــوحُ الْإِهَـــابَـــا
وَهْــيَ فِــي أَيِّ صِــبْــغَــةٍ هِـيَ فِـيـهَـا
ذَاتُـــــهَـــــا لَا تَــــزَالُ وَالْأَلْــــقَــــابَــــا
كُــلُّ شَــيْءٍ نُــطْــقُ الْـوُجُـودِ حُـرُوفٌ
عَـــالِـــيَـــاتٌ تُـــحَـــيِّـــرُ الْأَلْـــبَـــابَـــا
قَـــلَـــمٌ إِنْ بَـــحَـــثْــتَ عَــنْــهُ وَلَــوْحٌ
بِـــاعْـــتِـــبَــارٍ وَلَــقَّــبُــوهُ الْــكِــتَــابَــا
وَهْـــيَ عَـــيْـــنٌ تَــرَى وَتُــدْرِكُ أَبْــدَتْ
مَــا سِــوَاهَــا الْــجُــفُــونَ وَالْأَهْــدَابَـا
شَــمْــسُ ذَاتٍ لَــهَــا الْأَشِــعَّــةُ أَسْــمَـا
ءٌ عَــلَــيْــهَــا الْـجَـمِـيـعُ كَـانَ سَـحَـابَـا
تَــتَــجَــلَّــى بِــنَــا فَــنَــظْــهَــرُ عَــنْـهَـا
مِــثْــلَ مَــا يُـظْـهِـرُ الْـبِـقَـاعُ الـسَّـرَابَـا
لَـــكِــنِ الْــغِــرُّ بِــالْــحَــقَــائِــقِ لَا يَــعْـ
ـرِفُ شَـيْـئًـا فَـيَـحْـسَـبُ الـشَّـهْدَ صَابَا
وَيَــظُــنُّ الْــوُجُــودَ قِــسْــمَــيْـنِ هَـذَا
خَـــطَأٌ مِـــنْـــهُ لَا يَـــكُـــونُ صَـــوَابَــا
وَيَــزِيــدُ الــشِّــرْكُ الْــخَــفِــيُّ عَــلَـيْـهِ
كُــلَّــمَــا غَــايَــرَ الــشَّــرَابُ الْــحُـبَـابَـا
وَالْـكَـلَامُ الْـمَـجَـازُ عَـيْـنُ الْـحَـقِـيـقِـي
وَتَــرَى فِــي مَــعْــنَــاهُـمَـا اسْـتِـغْـرَابَـا
لَــكِــنِ الْــمُــنْــكِــرُ الْــجَــهُــولُ غَـبِـيٌّ
وَمُـــحِــبُّ الــسِّــوَى لَــهُ يَــتَــغَــابَــى
وَالَّــــذِي يَــــفْــــهَــــمُ الْأُمُـــورَ تَـــرَاهُ
جَــامِــعًــا فَــارِقًــا عَــصِــيًّــا مُـجَـابَـا
هَـــذِهِ مِـــلَّـــةٌ بِـــهَـــا الـــلـــهُ أَدْنَـــى
مِــنْــهُ أَهْــلَ الْــكَــمَــالِ وَالْأَقْــطَــابَــا
لَـــمْ يُــوَفِّــقْ لَــهَــا الْإِلَــهُ سِــوَى مَــنْ
خَــرَّ نَــجْـمًـا عَـلَـى الْـجَـهُـولِ شِـهَـابَـا
حَافِظًا — لَمْ يَزَلْ — عُهُودَ التَّصَابِي
فِـــي شُـــهُـــودِ الْـــوُجُـــودِ وَالْآدَابَـــا
فَــعَــلَــيْــهِ الــسَّــلَامُ مَــا حَــنَّ قَـلْـبٌ
نَـــحْـــوَ أَحْـــبَـــابِــهِ وَزَادَ الْــتِــهَــابَــا
وَبِــسُــعْــدَى رَأَى الْــعَــذَابَ نَــعِــيـمًـا
حِــيــنَ وَافَــتْــهُ وَالــنَّــعِــيــمَ عَـذَابَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: العثماني

عن الشاعر

عبد الغني النابلسي الدمشقي: شاعر، وفقيه، ورحَّالة، ومتصوِّف سوري، يرجع نسَبُه إلى «عمر بن الخطاب».

وُلد «عبد الغني النابلسي» في دمشق عام ١٦٤١م في بيتِ عِلم؛ فقد كان جدُّه مدرِّسًا لجامع «درويش باشا» وناظرًا لوَقْفه، وقد تَولى أبوه المهامَّ نفسَها بعد وفاة جدِّه. كان أبوه أولَ معلِّم له؛ فقد حفظ على يدَيه القرآنَ الكريم في سِن الخامسة، وحين بلَغ العاشرة حفظ كثيرًا من المقدِّمات والمنظومات مثل: «ألفية ابن مالك في النحو»، و«الشاطبية في القراءات»، و«الرحبانية في الفرائض»، و«الجَزرية في التجويد»، كما تابَع دروس «نجم الدين الغزي» في الحديث في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في الحديث.

عمل «النابلسي» مدرسًا في الجامع الأموي وهو في سِن العشرين من عمره، وحين بلغ الخامسةَ والعشرين ارتحل إلى أدرنة بالدولة العثمانية ثم زار إسطنبول، وبعد عودته عُيِّن قاضيًا في حي الميدان جنوب دمشق، لكنه استقال من منصبه ليتفرَّغ للتدريس والتأليف.

تَجاوَزت مُؤلَّفاته ثلاثمائة عمل مُوزَّعة بين الشِّعر وأدب الرحلات والفقه والتصوُّف والحديث والتفسير؛ ومن أبرزها: «إيضاح المقصود من وَحْدة الوجود»، و«الوجود الحق والخطاب الصدق»، و«التعبير في تفسير الأحلام»، و«ديوان الدواوين» وهو مجموعُ شِعره، و«أسرار الشريعة»، و«الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية»، و«ذخائر المواريث في الدلالة على مَواضع الحديث»، وغير ذلك من المصنَّفات الغنية التي تُعَد مصادرَ مهمة في مجالاتها.

اشتهر بالتصوُّف ومُجاهَدة النفس حتى وصل إلى مرتبة العارفين، وكان يَتبنى أفكارَ «محيي الدين بن عربي» ويُدافِع عنه ضدَّ مُنتقِديه، ودخَل في معركة حامية مع علماء وفقهاء عصره حول أفكاره الصوفية والقول بوَحْدة الوجود، وتَعرَّض على إثرها لأزمةٍ نفسية حادة في سن الأربعين، اضطرَّ على إثرها إلى الاعتزال في بيته لمدة سبع سنوات، قضاها في التأليف والتدريس، وأسدَل شَعره في أثنائها، وأرخى لحيتَه، وطلَّق زوجته، لكنه خرج بعدها إلى الناس الذين ازداد احترامُهم له بعدَ أن كانوا قد رمَوه بالحجارة قبل خلوته.

تُوفِّي «النابلسي» عام ١٧٣١م في دمشق، ودُفِن بالقبة التي بناها في بيته، والتي أُقيم عليها جامعٌ بعد ذلك.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤