صُبْحٌ بَاسِمٌ

Wave Image
بَـسَـمَـتْ تَـتِـيـهُ مُـدِلَّـةً بِـصَـبَـاحِـهَـا
زَهْـرَاءُ يَـعْـبَـثُ عِـقْـدُهَـا بِـوِشَـاحِـهَا
نَـهَـبَـتْ مِـنَ الْـمِـسْكِ الْفَتِيقِ سَوَادَهُ
فَأَغَــارَ مَــوْتُــورًا عَــلَــى أَنْـفَـاحِـهَـا
وَتَـزَيَّـنَـتْ بِـحِـلَـى الْـكَـوَاكِـبِ مِثْلَمَا
تَــتَـزَيَّـنُ الْـحَـسْـنَـاءُ فِـي أَفْـرَاحِـهَـا
أَرْخَــى غَــدَائِــرَهَـا الْـحَـيَـاءُ كَأَنَّـهَـا
عَـذْرَاءُ تَـخْـلِـطُ لِـيـنَـهَـا بِـجِـمَـاحِـهَا
هِـيَ لَـيْـلَـةٌ مَـزَجَ الـسُّـرُورُ صَـبَـاحَهَا
بِـمَـسَـائِـهَـا وَمَـسَـاءَهَـا بِـصَـبَـاحِـهَـا
نُـورُ الْـمَـلَائِـكِ مِـنْ سَـنِـيِّ ضِـيَـائِـهَا
وَشَـذَا جِـنَـانِ الْـخُـلْـدِ مِـنْ أَرْوَاحِـهَا
نَـشَـرَتْ جَـنَاحَ السِّلْمِ يَخْفِقُ بِالْمُنَى
فَـارْتَـاحَـتِ الـدُّنْـيَـا لِـخَـفْقِ جَنَاحِهَا
وَمَـضَـى بِـهَـا شَبَحُ الْخُطُوبِ مُفَزَّعًا
وَلَـكَـمْ لَـقِـيـنَـا الْـوَيْـلَ مِـنْ أَشْبَاحِهَا
فُـتِـنَـتْ بِصَفْحَتِهَا الْقُلُوبُ فَهَلْ رَأَتْ
فِـي لَـوْنِ صَـفْـحَـتِـهَا عُيُونَ مِلَاحِهَا
لَــوْ أَنَّــهَــا عَــادَتْ فَـكَـانَـتْ رَوْضَـةً
لَــتَــغَــنَّـتِ الـدُّنْـيَـا عَـلَـى أَدْوَاحِـهَـا
هِـيَ لَـيْـلَـةُ الْـفَـارُوقِ تَـتْـلُـو مَـجْـدَهُ
وَالــدَّهْــرُ وَالْأَيَّــامُ مِــنْ أَلْــوَاحِــهَــا
قَـدْ أَسْـفَـرَتْ عَـنْ صُـبْـحِ يَوْمٍ بَاسِمٍ
بَــرَّاقِ سَــافِــرَةِ الْــمُــنَـى لَـمَّـاحِـهَـا
يَــوْمٌ عَــلَــى مِــصْـرٍ أَغَـرُّ مُـحَـجَّـلٌ
لَـمَـسَـتْ بِـهِ الْأَمَـلَ الْـبَـعِـيـدَ بِرَاحِهَا
مَــدَّتْ لَــهُ الْأَيَّــامُ فَــضْـلَ عِـنَـانِـهَـا
مِـنْ بَـعْـدِ طُـولِ نِـفَـارِهَـا وَشِـيَاحِهَا
وَسَـمَـا بِـهَـا الْـفَـارُوقُ نَـحْوَ مَطَامِحٍ
جَـازَ الـشَّـبَـابُ بِـهَـا مَـدَى أَطْـمَاحِهَا
غُـصْـنٌ مِـنَ الْـمَـجْـدِ النَّضِيرِ بِدَوْحَةٍ
كَـمْ أَصْـغَـتِ الـدُّنْـيَـا إِلَـى أَصْدَاحِهَا
إِنْ أَشْـكَـلَـتْ دُهْـمُ الْأُمُـورِ وَأَغْـلَقَتْ
أَبْــوَابَـهَـا فَـسَـلُـوهُ عَـنْ مِـفْـتَـاحِـهَـا
تُـبْـنَـى الْـمَـمَـالِـكُ وَالْـبُـطُـولَـةُ أُسُّهَا
وَعَــزَائِــمُ الْأَحْــرَارِ مِـنْ صُـفَّـاحِـهَـا
وَالْـمَـجْـدُ أَنْ تَـرِدَ الـصِّـعَـابَ بِـهِـمَّـةٍ
شُـمُّ الـرَّواسِـي عِـنْـدَهَـا كَـبِـطَـاحِهَا
تُـلْـقِـي عَـلَـى الْأَحْـدَاثِ مِنْ بَسَمَاتِهَا
مَـا يُـذْهِـلُ الْأَحْـدَاثَ عَـنْ إِلْـحَـاحِهَا
وَلَـرُبَّ نَـفْـسٍ ضَـمَّـهَـا صَـدْرُ الْـفَـتَى
وَيَـضِـيـقُ صَـدْرُ الْأَرْضِ عَنْ فَيَّاحِهَا
شَـرَتِ الْـمَـكَـارِمَ حُـلْـوَةً بِـجِـهَـادِهَـا
مُــرًّا، فَـكَـانَ الْـحَـمْـدُ مِـنْ أَرْبَـاحِـهَـا
وَالــنَّــاسُ أَشْــبَــاهٌ وَلَــكِــنَّ الْــعُــلَا
عَـرَفَـتْ فَـتَـى الْـعَزَمَاتِ مِنْ مُزَّاحِهَا
•••
فَـارُوقُ أَنْـتَ فَـتَـى الْـعُـرُوبَةِ وَابْنُهَا
وَبَـشِـيـرُ وَحْـدَتِـهَـا وَزَنْـدُ كِـفَـاحِـهَـا
جَــمَّـعْـتَ فُـرْقَـتَـهَـا فَأَضْـحَـتْ أُمَّـةً
أَقْـوَى وَأَصْـلَـبَ مِـنْ حَـدِيدِ رِمَاحِهَا
بَـسَـمَـتْ لَـهَـا الـدُّنْيَا وَأَشْرَقَ وَجْهُهَا
مِـنْ بَـعْـدِ مَـا عَـبَسَتْ لِطُولِ نُوَاحِهَا
وَشَـفَـى الـزَّمَـانُ جِـرَاحَـهَـا وَلَـطَالَمَا
ضَــاقَ الــزَّمَـانُ وَطِـبُّـهُ بِـجِـرَاحِـهَـا
وَتَـــوَحَّــدَتْ رَايَــاتُــهَــا فِــي رَايَــةٍ
تُـزْهَـى الـرِّيَـاحُ بِـعُـجْـبِـهَـا وَمِرَاحِهَا
أُمَــمٌ لَـهَـا خُـلُـقُ الـسَّـمَـاحِ سَـجِـيَّـةٌ
وَدِمَـاؤُهَـا فِـي الْحَرْبِ رَمْزُ سَمَاحِهَا
فِـي جَـبْـهَـةِ الـتَّـارِيـخِ مِـنْـهَـا أَسْطُرٌ
كَــتَـبَ الْإِبَـاءُ حُـرُوفَـهَـا بِـسِـلَاحِـهَـا
آيَــاتُ مَــجْــدٍ مُـشْـرِقَـاتٌ فَـاسْأَلُـوا
عَـمْـرًا وَسَـيْـفَ الـلـهِ عَـنْ أَوْضَـاحِهَا
نَــهَــضَــتْ بِــفَــارُوقٍ فَـكَـانَـتْ آيَـةً
لِـلْـبَـعْـثِ بَـعْـدَ شَـتَـاتِـهَـا وَطَـرَاحِـهَا
وَرَأَتْ بَـشَـائِـرَ يُـمْـنِـهَـا فِـي طَـلْـعَـةٍ
تُـغْـنِـي بِـهَـا الْـبَسَمَاتُ عَنْ إِفْصَاحِهَا
وَجْــهٌ كَأَنَّ الْــبَــدْرَ أَلْــقَــى فَــوْقَــهُ
لَأْلَاءَهُ وَالــشَّــمْــسَ نَــوْرَ لِــيَـاحِـهَـا
وَمَـضَـاءُ نَـهَّـاضِ الْـعَـشِـيـرَةِ بَـاسِـلٍ
حَــمَّــالِ أَلْــوِيَــةِ الْــعُــلَا كَــدَّاحِـهَـا
هَــبَّــتْ بِــهِ مِـصْـرٌ إِلَـى قَـصَـبَـاتِـهَـا
رِيـحًـا تُـسَـابِـقُ عَـاصِـفَـاتِ رِيَـاحِهَا
رَسَــمَ الـنَّـجَـاحَ لَـهَـا فَـسَـارَتْ حُـرَّةً
مِـنْ بَـعْدِ مَا الْتَبَسَتْ طَرِيقُ نَجَاحِهَا
وَالـنَّـاسُ مِـنْ هِـمَمِ الْمُلُوكِ، وَثَوْبُهُمْ
مِـنْ وَحْـيِـهَـا، وَصَـلَاحُـهُمْ بِصَلَاحِهَا
وَإِذَا الــسَّـفِـيـنَـةُ لَـمْ تُـبَـالِ زَعَـازِعًـا
فَـاسْأَلْ كَـبِـيـرَ الـشَّـطِّ عَـنْ مَـلَّاحِهَا
•••
عِـيـدَ الْـجُـلُـوسِ وَفِـي جَـبِينِكَ آيَةٌ
لِـلـسِّـلْـمِ تُـنْـجِي الْأَرْضَ مِنْ أَتْرَاحِهَا
حَـرْبٌ طَـوَى الْـحُـلَـفَاءُ فِيهَا صَيْحَةً
لِـلـظُّـلْـمِ أَزْعَـجَـتِ الْـوَرَى بِـنُـبَـاحِهَا
وَالْـحَـرْبُ تَـبْـدَأُ كَـالْـحَـصَـاةِ بِـزَاخِرٍ
لَـمْ يُـدْرَ إِنْ قُـذِفَـتْ مَـدَى مُـنْدَاحِهَا
كَـمْ هَـزَّتِ الـدُّنْـيَـا صَـوَاعِـقُ نَـارِهَـا
وَأَصَـابَ وَجْـهَ الْأَرْضِ مِـنْ لَـوَّاحِـهَـا
نَـفْـسِـي فِـدَاءُ الْـبُـسْلِ فِي حَوْمَاتِهَا
وَفِدَى الشَّبَابِ يَسِيلُ فَوْقَ صِفَاحِهَا
تَـشْـرِي شُـعُـوبُ الْـحَـقِّ فِـيـهَـا مَبْدَأً
بِـالـنَّـقْـدِ مِـنْ دَمِـهَـا وَمِـنْ أَرْوَاحِـهَـا
الـنَّـصْـرُ قَـدْ خَـفَـقَـتْ لَـهُـمْ أَعْـلَامُـهُ
وَالْـحَـرْبُ قَـدْ صَـاحَ الْبَشِيرُ بِسَاحِهَا
وَغَـدَتْ عَـلَـى الـظَّـمَآنِ لِـلـدَّمِ غُصَّةً
وَجَــهَـنَّـمًـا أُخْـرَى عَـلَـى سَـفَّـاحِـهَـا
•••
عِــيــدَ الْـجُـلُـوسِ وَلِـلْـقَـوَافِـي رَنَّـةٌ
أَلْـهَـتْ غُـصُـونَ الدَّوْحِ عَنْ صَدَّاحِهَا
أَرْسَــلْــتُــهَــا مِــلءَ الْأَثِــيــرِ كَأَنَّــمَـا
وَحْـيُ الـسَّـمَـاءِ اخْـتَـارَ غُرَّ فِصَاحِهَا
وَنَـــثَـــرْتُــهَــا دُرَرًا فَــوَدَّتْ أَنْــجُــمٌ
لَـوْ عَـدَّهُـنَّ الْـحُـسْـنُ بَـيْنَ صِحَاحِهَا
عِيدَ الْجُلُوسِ وَفِيكَ ضَاحِكَةُ الْمُنَى
دَبَّ الــسُّــرُورُ بِــرُوحِـهَـا وَبِـرَاحِـهَـا
ثَـمِـلَـتْ وَأَغْـصَـانُ الـرَّبِـيـعِ تَـمَايَلَتْ
فَــكَأَنَّــهُــنَّ شَــرِبْــنَ مِـنْ أَقْـدَاحِـهَـا
فَـارُوقُ ذِكْـرُكَ فِـي الْـوَرَى مُـتَـجَـدِّدٌ
كَـالـشَّـمْـسِ بَـيْـنَ غُـدُوِّهَـا وَرَوَاحِهَا
أَجْـهَـدْتَ سَـارِيَـةَ الْـخَـيَالِ فَأَجْبَلَتْ
مَــاذَا تَـقُـولُ الْـيَـوْمَ فِـي أَمْـدَاحِـهَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: احتفال مصر بعيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة ١٩٤٥ ميلادية.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤