أَلَا فِي سَبِيلِ الْمَجْدِ مَا أَنَا فَاعِلُ

Wave Image
أَلَا فِـي سَـبِـيـلِ الْـمَـجْـدِ مَا أَنَا فَاعِلُ
عَـــفَـــافٌ وَإِقْـــدَامٌ وَحَــزْمٌ وَنَــائِــلُ
أَعِــنْـدِي وَقَـدْ مَـارَسْـتُ كُـلَّ خَـفِـيَّـةٍ
يُــصَــدَّقُ وَاشٍ أَوْ يُــخَــيَّـبُ سَـائِـلُ
أَقَــلُّ صُــدُودِي أَنَّــنِـي لَـكَ مُـبْـغِـضٌ
وَأَيْـسَـرُ هَـجْـرِي أَنَّـنِـي عَـنْـكَ رَاحِـلُ
إِذَا هَـبَّـتِ الـنَّـكْـبَـاءُ بَـيْـنِـي وَبَـيْـنَكُمْ
فَــأَهْـوَنُ شَـيْءٍ مَـا تَـقُـولُ الْـعَـوَاذِلُ
تُــعَــدُّ ذُنُــوبِــي عِــنْـدَ قَـوْمٍ كَـثِـيـرَةً
وَلَا ذَنْــبَ لِـي إِلَّا الْـعُـلَا وَالْـفَـوَاضِـلُ
كَــأَنِّــي إِذَا طُــلْــتُ الــزَّمَـانَ وَأَهْـلَـهُ
رَجَــعْــتُ وَعِــنْــدِي لِلْأَنَــامِ طَـوَائِـلُ
وَقَـدْ سَـارَ ذِكْـرِي فِي الْبِلَادِ فَمَنْ لَهُمْ
بِـإِخْـفَـاءِ شَـمْـسٍ ضَـوْءُهَـا مُـتَـكَامِلُ
يُـهِـمُّ اللَّـيَـالِـي بَـعْـضُ مَـا أَنَـا مُـضْمِرٌ
وَيُـثْـقِـلُ رَضْـوَى دُونُ مَـا أَنَـا حَـامِلُ
وَإِنِّــي وَإِنْ كُــنْــتُ الْأَخِــيــرَ زَمَـانُـهُ
لَآتٍ بِــمَــا لَــمْ تَــسْــتَـطِـعْـهُ الْأَوَائِـلُ
وَأَغْــدُو وَلَــوْ أَنَّ الــصَّــبَـاحَ صَـوَارِمٌ
وَأَسْــرِي وَلَــوْ أَنَّ الـظَّـلَامَ جَـحَـافِـلُ
وَإِنِّــي جَــوَادٌ لَــمْ يُــحَــلَّ لِــجَــامُـهُ
وَنِـضْـوٌ يِـمَـانٍ أَغْـفَـلَـتْـهُ الـصَّـيَـاقِـلُ
وَإِنْ كَـانَ فِـي لُـبْـسِ الْفَتَى شَرَفٌ لَهُ
فَـمَـا الـسَّـيْـفُ إِلَّا غِـمْـدُهُ وَالْـحَـمَائِلُ
وَلِـي مَـنْطِقٌ لَمْ يَرْضَ لِي كُنْهَ مَنْزِلِي
عَـلَـى أَنَّـنِـي بَـيْـنَ الـسِّـمَـاكَـيْـنِ نَازِلُ
لَــدَى مَــوْطِـنٍ يَـشْـتَـاقُـهُ كُـلُّ سَـيِّـدٍ
وَيَــقْــصُــرُ عَــنْ إِدْرَاكِـهِ الْـمُـتَـنَـاوِلُ
وَلَـمَّـا رَأَيْتُ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ فَاشِيًا
تَـجَـاهَـلْـتُ حَـتَّـى ظُـنَّ أَنِّـيَ جَـاهِـلُ
فَـوَا عَـجَـبًا كَمْ يَدَّعِي الْفَضْلَ نَاقِصٌ
وَوَا أَسَـفًـا كَـمْ يُـظْـهِرُ النَّقْصَ فَاضِلُ
وَكَـيْـفَ تَـنَـامُ الـطَّـيْـرُ فِـي وَكَـنَـاتِـهَا
وَقَـدْ نُـصِـبَـتْ لِلْـفَـرْقَـدَيْـنِ الْحَبَائِلُ؟
يُـنَـافِـسُ يَـوْمِـي فِـيَّ أَمْـسِـي تَشَرُّفًا
وَتَـحْـسُـدُ أَسْـحَـارِي عَـلَـيَّ الْأَصَـائِلُ
وَطَـالَ اعْـتِـرَافِـي بِـالـزَّمَـانِ وَصَرْفِهِ
فَـلَـسْـتُ أُبَـالِـي مَـنْ تَـغُـولُ الْـغَوَائِلُ
فَـلَـوْ بَـانَ عَـضْـدِي مَـا تَأَسَّفَ مَنْكِبِي
وَلَـوْ مَـاتَ زَنْـدِي مَـا بَـكَـتْـهُ الْأَنَـامِـلُ
إِذَا وَصَـفَ الـطَّـائِـيَّ بِـالْـبُـخْـلِ مَـادِرٌ
وَعَــيَّــرَ قُــسًّــا بِــالْــفَــهَـاهَـةِ بَـاقِـلُ
وَقَـالَ الـسُّـهَـى لِلـشَّـمْسِ أَنْتِ خَفِيَّةٌ
وَقَـالَ الـدُّجَـى يَـا صُـبْحُ لَوْنُكَ حَائِلُ
وَطَـاوَلَـتِ الْأَرْضُ الـسَّـمَـاءَ سَـفَـاهَـةً
وَفَـاخَرَتِ الشُّهْبَ الْحَصَى وَالْجَنَادِلُ
فَــيَـا مَـوْتُ زُرْ إِنَّ الْـحَـيَـاةَ ذَمِـيـمَـةٌ
وَيَــا نَــفْــسُ جِـدِّي إِنَّ دَهْـرَكِ هَـازِلُ
وَقَـدْ أَغْـتَـدِي وَاللَّـيْـلُ يَـبْـكِـي تَأَسُّفًا
عَـلَـى نَفْسِهِ وَالنَّجْمُ فِي الْغَرْبِ مَائِلُ
بِـرِيـحٍ أُعِـيـرَتْ حَـافِـرًا مِـنْ زَبَـرْجَـدٍ
لَـهَـا الـتِّـبْـرُ جِـسْـمٌ وَاللُّـجَيْنُ خَلَاخِلُ
كَــأَنَّ الــصَّــبَــا أَلْـقَـتْ إِلَـيَّ عِـنَـانَـهَـا
تَــخُــبُّ بِــسَــرْجِــي مَــرَّةً وَتُـنَـاقِـلُ
إِذَا اشْتَاقَتِ الْخَيْلُ الْمَنَاهِلَ أَعْرَضَتْ
عَـنِ الْـمَـاءِ فَـاشْـتَـاقَتْ إِلَيْهَا الْمَنَاهِلُ
وَلَــيْــلَانِ حَــالٍ بِــالْـكَـوَاكِـبِ جَـوْزُهُ
وَآخَـرُ مِـنْ حَـلْـيِ الْـكَـوَاكِـبِ عَـاطِـلُ
كَـأَنَّ دُجَـاهُ الْـهَـجْـرُ وَالـصُّـبْـحُ مَوْعِدٌ
بِـوَصْـلٍ وَضَـوْءُ الْـفَـجْرِ حِبٌّ مُمَاطِلُ
قَــطَــعْــتُ بِــهِ بَـحْـرًا يَـعُـبُّ عُـبَـابُـهُ
وَلَــيْــسَ لَــهُ إِلَّا الــتَّــبَــلُّــجَ سَـاحِـلُ
وَيُـؤْنِـسُـنِـي فِـي قَـلْـبِ كُـلِّ مَخُوفَةٍ
حَـلِـيـفُ سُـرًى لَمْ تَصْحُ مِنْهُ الشَّمَائِلُ
مِـنَ الـزَّنْـجِ كَـهْـلٌ شَـابَ مَفْرِقُ رَأْسِهِ
وَأُوثِــقَ حَــتَّــى نَــهْــضُـهُ مُـتَـثَـاقِـلُ
كَــأَنَّ الــثُّــرَيَّــا وَالـصَّـبَـاحُ يَـرُوعُـهَـا
أَخُــو سَــقْـطَـةٍ أَوْ ظَـالِـعٌ مُـتَـحَـامِـلُ
إِذَا أَنْـتَ أُعْـطِـيـتَ الـسَّـعَـادَةَ لَمْ تُبَلْ
وَإِنْ نَــظَـرَتْ شَـزْرًا إِلَـيْـكَ الْـقَـبَـائِـلُ
تَـقَـتْـكَ عَـلَـى أَكْـتَـافِ أَبْـطَـالِـهَا الْقَنَا
وَهَـابَـتْـكَ فِـي أَغْـمَـادِهِـنَّ الْـمَـنَاصِلُ
وَإِنْ سَــدَّدَ الْأَعْــدَاءُ نَـحْـوَكَ أَسْـهُـمًـا
نَـكَـصْـنَ عَـلَـى أَفْـوَاقِـهِـنَّ الْـمَـعَـابِـلُ
تَـحَـامَـى الـرَّزَايَـا كُـلَّ خُـفٍّ وَمَـنْسِمٍ
وَتَــلْـقَـى رَدَاهُـنَّ الـذُّرَى وَالْـكَـوَاهِـلُ
وَتَــرْجِــعُ أَعْـقَـابُ الـرِّمَـاحِ سَـلِـيـمَـةً
وَقَـدْ حُـطِمَتْ فِي الدَّارِعِينَ الْعَوَامِلُ
فَـإِنْ كُـنْـتَ تَـبْـغِـي الْعِزَّ فَابْغِ تَوَسُّطًا
فَـعِـنْـدَ الـتَّـنَـاهِـي يَـقْـصُـرُ الْمُتَطَاوِلُ
تُـوَقَّـى الْـبُـدُورُ الـنَّـقْـصَ وَهْـيَ أَهِلَّةٌ
وَيُـدْرِكُـهَـا الـنُّـقْـصَـانُ وَهْـيَ كَـوَامِلُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤