ذِكْرَى قَاسِم أَمِين

Wave Image
مَـلَّ مِـنْ وَجْـدِهِ وَمِـنْ فَـرْطِ مَـا بِـهْ
وَأَرَاقَ الـــشَّـــرَابَ مِـــنْ أَكْـــوَابِـــهْ
وَإِذَا الْـــقَـــلْـــبُ أَظْــمَأَتْــهُ الْأَمَــانِـ
ـيُّ فَــمَــاذَا يُــرِيــدُهُ مِــنْ شَـرَابِـهْ؟
وَإِذَا الـنَّـفْـسُ لَـمْ تَـكُـنْ مَـنْـبِتَ الْأُنْـ
ـسِ تَـنَـاءَى الْـقَـرِيـبُ مِـنْ أَسْـبَـابِـهْ
وَأَشَــــدُّ الْآلَامِ أَنْ تُـــلْـــزِمَ الـــثَّـــغْـ
ـرَ ابْـتِـسَـامًـا وَالْـقَـلْبُ رَهْنُ اكْتِئَابِهْ
•••
كُـلَّـمَـا اخْـتَـالَ فِـي الـزَّمَـانِ شَـبَابٌ
عَــصَــفَــتْ رِيــحُـهُ بِـلَـدْنِ شَـبَـابِـهْ
وَالـنُّـبُـوغُ الـنُّـبُـوغُ يَمْضِي وَتَمْضِي
كُـــلُّ آمَـــالِ قَــوْمِــهِ فِــي رِكَــابِــهْ
غَــرِدٌ مَــا يَــكَــادُ يَــصْــدَحُ حَــتَّـى
يُــسْــكِـتَ الـدَّهْـرُ صَـوْتَـهُ بِـنُـعَـابِـهْ
وَحَـــبَـــابٌ إِذَا عَـــلَا الْــمَــاءَ وَلَّــى
فَـاسْأَلِ الْـمَـاءَ هَـلْ دَرَى بِـحَـبَـابِـهْ؟
وَسَـفِـيـنٌ مَـا شَـارَفَ الـشَّـطَّ حَـتَّى
مَـــزَّقَ الْـــيَـــمُّ دُسْــرَهُ بِــعُــبَــابِــهْ
•••
بَــخِــلَ الــدَّهْــرُ أَنْ يُــطَـوِّلَ لِـلْـعَـقْـ
ـلِ فَـــيَـــجْــرِي إِلَــى مَــدَى آرَابِــهْ
كُــلَّــمَــا سَــارَ خُـطْـوَةً وَقَـفَ الْـمَـوْ
تُ فَــسَــدَّ الــطَّــرِيــقَ عَـنْ طُـلَّابِـهْ
وَابْـتِـدَاءُ الْـكَـمَـالِ فِـي عَـمَـلِ الْـعَـا
مِــلِ بَــدْءُ الــشَّــكَـاةِ مِـنْ أَوْصَـابِـهْ
ضِــلَّــةً نَـكْـتُـمُ الْـمَـشِـيـبَ فَـيَـبْـدُو
ضَـاحِـكًـا سَـاخِـرًا خِـلَالَ خِـضَـابِـهْ
أَيْـنَ مَـنْ يَـسْـتَـطِـيعُ أَنْ يُرْشِدَ الدُّنْـ
ـيَـا وَسَـوْطُ الْـمَـنُـونِ فِـي أَعْـقَابِهْ؟
أَيُّـهَـا الْـمَـوْتُ أَمْـهِـلِ الْـكَاتِبَ الْمِسْـ
ـكِـيـنَ يُـرْسِـلْ أَنْـفَـاسَـهُ فِـي كِـتَابِهْ
آهِ لَــوْ يَـشْـتَـرِي الـزَّمَـانُ قَـرِيـضِـي
بِــسِــنِــيـنٍ تُـعَـدُّ لِـي فِـي حِـسَـابِـهْ
مَـا حَـيَـاتِـي؟ وَالْـكَـوْنُ بَـعْـدَ جِـهَادٍ
لَـــمْ أَزَلْ وَاقِـــفًــا عَــلَــى أَبْــوَابِــهْ
تَـظْـمَأُ الـنَّـفْـسُ فِـي حَيَاةٍ هِيَ الْقَفْـ
ـرُ فَــتَــرْضَـى بِـنَـهْـلَـةٍ مِـنْ سَـرَابِـهْ
أَنَـا قَـلْـبِـي مِـنَ الـشَّـبَـابِ وَجِسْمِي
أَثْــخَــنَ الــشَّـيْـبُ رَأْسَـهُ بِـحِـرَابِـهْ
أَمَــلٌ هَــذِهِ الْــحَــيَــاةُ فَــهَــلْ يَــعْـ
ـثُـرُ بِـي الْـمَوْتُ دُونَ وَشْكِ طِلَابِهْ؟
كُــلَّــمَــا رُمْــتُ لَــمْـحَـةً مِـنْ سَـنَـاهُ
هَــالَــنِــي بُــعْــدُهُ وَطُـولُ شِـعَـابِـهْ
مَـا الَّـذِي تَـبْـتَـغِـي يَـدُ الدَّهْرِ مِنِّي؟
وَدَمِـــي لَا يَـــزَالُ مِـــلْءَ لُـــعَــابِــهْ
دَعْ يَـرَاعِـي يَـا دَهْـرُ يَـمْلَأُ سَمْعَ النِّـ
ـيــلِ مِــنْ شَــدْوِهِ وَعَــزْفِ رَبَــابِــهْ
كُــلُّ شَــيْءٍ لَـهُ نِـصَـابٌ سِـوَى الْـفَـ
ـنِّ فَــلَا حَــدَّ يَــنْــتَــهِــي لِـنِـصَـابِـهْ
•••
عَـصَـفَـتْ صَـيْـحَـةُ الرَّدَى بِخَطِيبٍ
وَهْـوَ لَـمْ يَـعْـدُ صَـفْـحَةً مِنْ خِطَابِهْ
سَــكْــتَـةٌ أَسْـكَـتَـتْ نَـئِـيـجَ خِـضَـمٍّ
عَــقَــدَ الــنَّــوْءُ لُــجَّــهُ بِــسَــحَـابِـهْ
سَــكْــتَــةٌ أَطْــفَأَتْ مَــنَــارَ طَــرِيـقٍ
كَـمْ مَـشَـتْ مِـصْرُ فِي ضِيَاءِ شِهَابِهْ
وَمَـضـى «قَـاسِـمٌ» وَخَـلَّـفَ مَـجْـدًا
تَــفْــرَعُ الــنَّـجْـمَ رَاسِـيَـاتُ قِـبَـابِـهْ
•••
قَــدْ نَــكِــرْنَــاهُ حِــيـنَ قَـامَ يُـنَـادِي
وَفَـهِـمْـنَـا مَـعْـنَـاهُ يَـوْمَ احْـتِـسَـابِـهْ
رُبَّ مَـنْ كُـنْـتَ فِـي الْـحَـيَـاةِ لَهُ حَرْ
بًـا شَـقَـقْـتَ الْـجُـيُـوبَ عِـنْـدَ غِيَابِهْ
وَتَـــحَـــدَّيْـــتَ شَـــمْــسَــهُ فَإِذَا وَلَّـ
ـى تَــمَـنَّـيْـتَ لَـمْـحَـةً مِـنْ ضَـبَـابِـهْ
لَـــمْ يَـــفُــزْ مِــنْــكَ مَــرَّةً بِــثَــنَــاءٍ
فَـــنَــثَــرْتَ الْأَزْهَــارَ فَــوْقَ تُــرَابِــهْ
يُـعْـرَفُ الْـوَرْدُ حِينَمَا يَنْقَضِي الصَّيْـ
ـفُ وَيُـبْـكَـى الـنُّـبُـوغُ بَـعْـدَ ذَهَـابِـهْ
كَـمْ نَـدَبْـنَـا الـشَّـبَـابَ حِـيـنَ تَـوَلَّـى
وَشُـغِـفْـنَـا بِـالْـبَـدْرِ بَـعْـدَ احْـتِـجَابِهْ
كَــتَــبَ الــلــهُ أَنْ يَــعِـيـشَ غَـرِيـبًـا
كُــلُّ ذِي دَعْــوَةٍ إِلَــى الْــحَـقِّ نَـابِـهْ
لَا تَـــرَى فَـــوْقَ قِــمَّــةِ الــطَّــوْدِ إِلَّا
بَــطَــلًا لَا يَــهَــابُ هَــوْلَ صِــعَـابِـهْ
كُــلُّ ذَاتِ الْــجَــنَــاحِ طَــيْـرٌ وَلَـكِـنْ
عَــرَفَ الْــجَــوُّ نَــسْـرَهُ مِـنْ غُـرَابِـهْ
كَـمْ رَأَيْـنَـا فِي النَّاسِ مَنْ يَبْهَرُ الْعَيْـ
ـنَ وَمَــا فِـيـهِ غَـيْـرُ حُـسْـنِ ثِـيَـابِـهْ
يَـــمْـــلَأُ الْأَرْضَ وَالـــسَّــمَــاءَ رِيَــاءً
وَعُــيُــوبُ الــزَّمَــانِ مِــلْءُ عِـيَـابِـهْ
•••
نَــقَــدَ الــنَّــاسُ «قَــاسِــمًـا» فَـرَأَوْهُ
أَصْــبَـرَ الـنَّـاسِ فِـي تَـجَـرُّعِ صَـابِـهْ
حُــجَّــةُ الْـجَـاهِـلِ الْـمِـرَاءُ فَإِنْ شَـا
ءَ سُـــمُـــوًّا أَمَـــدَّهَـــا بِـــسِــبَــابِــهْ
قَـدْ يُـغَـشِّـي الْـوِجْدَانُ بَاصِرَةَ الْعَقْـ
ـلِ فَـيُـعْـمِـيـهِ عَـنْ طَـرِيـقِ صَـوَابِهْ
صَــالَ بِـالـرَّأْيِ «قَـاسِـمٌ» لَا يُـبَـالِـي
وَمَــضَــى فِــي طَـرِيـقِـهِ غَـيْـرَ آبِـهْ
كَـمْ جَـرِيءٍ لَا يَرْهَبُ السَّيْفَ إِنْ سُـ
ـلَّ وَنِــكْــسٍ يَــخَـافُ مَـسَّ قِـرَابِـهْ
وَالــشُّــجَـاعُ الَّـذِي يُـجَـاهِـرُ بِـالْـحَـ
ـقِّ وَلَــوْ كَــانَ فِــيــهِ مُــرُّ عَــذَابِــهْ
كَـيْـفَ يَـهْـدِي النَّصِيحُ إِنْ رِيعَ يَوْمًا
مِـنْ قِـلَـى مَـنْ يُـحِـبُّ أَوْ إِغْـضَابِهْ؟
وَطَـرِيـقُ الْإِصْـلَاحِ فِـي كُـلِّ شَـعْبٍ
عَــسِـرُ الْـمُـرْتَـقَـى عَـلَـى مُـجْـتَـابِـهْ
يَــعْــشَـقُ الـشَّـعْـبُ مِـنْ يُـدَلِّـلُـهُ زُو
رًا بِــمَــذْقٍ مِــنْ سُــخْـفِـهِ وَكِـذَابِـهْ
•••
قُـمْـتَ لِـلْـجَـهْـلِ تَـقْـلِـمُ الـظُّـفْرَ مِنْهُ
وَتَــفُــضُّ الْــحِــدَادَ مِــنْ أَنْــيَــابِــهْ
فِــي زَمَــانٍ كَــانَ الْــقَـدِيـمُ بِـهِ قُـدْ
سًــا يُـذَادُ الْـجَـدِيـدُ عَـنْ مِـحْـرَابِـهْ
يَـا نَـصِـيـرَ الـنِّـسَـاءِ وَالـدِّيـنُ سَمْحٌ
لَــوْ وَعَــيْــنَــا الــسَّــرِيَّ مِــنْ آدَابِـهْ
قَـدْ خَـشِـينَا عَلَى الْحَمَائِمِ فِي الدَّوْ
حِ أَظَـــافِـــيـــرَ بَـــازِهِ أَوْ عُــقَــابِــهْ
إِنْ أَرَدْتَ الـظِّـبَـاءَ تَـمْـرَحُ فِي السَّهْـ
ـلِ فَــطَــهِّــرْ أَكْــنَــافَــهُ مِـنْ ذِئَـابِـهْ
كَـمْ ضِـرَاءٍ وَسْـطَ الْـمَـدَائِـنِ أَنْـكَـى
مِنْ ضِرَاءِ الضِّرْغَامِ فِي وَسْطِ غَابِهْ
وَشِــبَــاكٍ مِـنَ الْـجَـرَائِـمِ وَالْـخَـتْـلِ
حَــوَاهَــا شَـيْـطَـانُـهُـمْ فِـي جِـرَابِـهْ
وَإِذَا مَـا الْـحَـيَـاءُ لَـمْ يَـسْـتُـرِ الْحُسْـ
ـنَ فَــمَــاذَا يُــفِــيــدُهُ مِـنْ نِـقَـابِـهْ؟
•••
قُـمْـتَ تَـدْعُـو الْـبَـنَـاتَ لِلْعِلْمِ فَانْظُرْ
كَـيْـفَ حَـلَّـقْـنَ فَـوْقَ شُـمِّ هِـضَـابِـهْ
وَزَهَـا الـنِّـيـلُ بِـابْـنَـةِ الـنِّـيـلِ فَاخْتَا
لَ يَــجُــرُّ الــذُّيُــولَ مِــنْ إِعْـجَـابِـهْ
وَغَــدَا الْــبَــيْـتُ جَـنَّـةً بِـالَّـتِـي فِـيـ
ـهِ خَــصِـيـبًـا بِـالْأُنْـسِ بَـعْـدَ يَـبَـابِـهْ
يَــا فَــتَـى الْـكُـرْدِ كَـمْ بَـزَزْتَ رِجَـالًا
مِـنْ صَـمِـيـمِ الْـحِـمَـى وَمِنْ أَعْرَابِهْ!
نَــسَــبُ الْــمَـرْءِ مَـا يَـعُـدُّ مِـنَ الْأَعْـ
ـمَــالِ لَا مَــا يَــعُــدُّ مِــنْ أَنْــسَــابِـهْ
كَــمْ سُــؤَالٍ بَــعَــثْــتَ إِثْــرَ سُــؤَالٍ
أَيْــقَــظَ الــنَّـائِـمِـيـنَ رَجْـعُ جَـوَابِـهْ
كُـنْـتَ فِـي الْـحَـقِّ لِـلْإِمَـامِ نَـصِـيـرًا
وَالْــوَفِــيَّ الـصَّـفِـيَّ مِـنْ أَصْـحَـابِـهْ
نَـمْ هَـنِـيـئًـا فَـمِـصْرُ نَالَتْ ذُرَا الْمَجْـ
ـدِ وَفَــازَتْ بِــمَــحْــضِــهِ وَلُــبَــابِـهْ
مِـنْـكَ عَـزْمُ الدَّاعِي وَفَضْلُ الْمُجَلِّي
وَمِــنَ الــلــهِ مَــا تَــرَى مِــنْ ثَـوَابِـهْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤