تُثْنِي عَلَيْكَ الْبِلَادُ أَنَّكَ لَا

Wave Image
تُــثْــنِـي عَـلَـيْـكَ الْـبِـلَادُ أَنَّـكَ لَا
تَــأْخُـذُ مِـنْ رِفْـدِهَـا وَتَـرْفِـدُهَـا
مَـنِ ارْتَـعَـتْ خَـيْـلُهُ الرِّيَاضَ بَهَا
وَكَـانَ حَـوْضَ الـصَّـفَاءِ مَوْرِدُهَا
فَـفِـي نَـبَـاتِ الـرُّءُوسِ تَـسْـرَحُهَا
أَنْـتَ وَمَـاءَ الْـجُـسُـومِ تُـورِدُهَـا
خَـيْـلُـكَ طُـولَ الـزَّمَـانِ قَـائِـلَـةٌ
أَمَــا لِــذَا غَــايَــةٌ فَـيَـقْـصِـدُهَـا
كَـمْ بِـمَـكَّـرِّ الـطِّـعَـانِ تَـحْـبِـسُـهَا
وَكَــمْ وَرَاءَ الْــعَــدُوِّ تَــطْــرُدُهَـا
أَعْــيُــنُــهَـا لَـمْ تَـزَلْ حَـوَافِـرُهَـا
تَــكْــحَــلُـهَـا وَالْـغُـبَـارُ إِثْـمِـدُهَـا
إِنَّ لَـــهَـــا أُسْــوَةً إِذَا جَــزِعَــتْ
فِـي بِـيـضِـكَ الْـخَـالِـيَاتِ أَغْمُدُهَا
لَا رَقَــدَتْ مُــقْـلَـةُ الْـجَـبَـانِ وَلَا
مَــتَّــعَـهَـا بِـالْـكَـرَى مُـسَـهِّـدُهَـا
فَـالـنَّـفْـسُ تَـبْـغِـي الْـحَـيَاةَ جَاهِدَةً
وَفِـي يَـمِـيـنِ الْـمَـلِـيـكِ مِـقْـوَدُهَـا
فَـلَا اقْـتِـحَـامُ الـشُّـجَـاعِ مُـهْـلِـكُهَا
وَلَا تَـوَقِّـي الْـجَـبَـانِ مُـخْـلِـدُهَـــا
لِـكُـلِّ نَـفْـسٍ مِـنَ الـرَّدَى سَـبَــبٌ
لَا يَــوْمُــهَــا بَــعْــدَهُ وَلَا غَـدُهَـا
قُـلْ لِـعَـدُوِّ الْأَمِـيـرِ يَا غَرَضَ الدَّ
هْـرِ وَمَـنْ حَـتْـفُ نَـفْـسِـهِ دَدُهَـا
هَـذَا هُـوَ الْـمَـوْتُ كَـيْـفَ تَـغْـلِـبُهُ
وَفَـضْـلُـهُ الـشَّمْسُ كَيْفَ تَجْحَدُهَا
سُـيُـوفُـهُ تَـعْـشَـقُ الـرِّقَـابَ فَــمَـا
يُـنْـجَـزُ حَـتَّـى اللِّـقَـاءِ مَـوْعِــدُهَـا
تَــكَــادُ مِـنْ قَـبْـلِ أَنْ يُـجَـرِّدَهَـا
يَـعْـتَـنِـقُ الـدَّارِعِـيـنَ مُـغْـمَـدُهَــا
يُـرْوِي الـظُّـبَـي وَالـرِّمَـاحُ نَاهِلَةٌ
مُــتَّـصِـلٌ فِـي الْـوَغَـى تَـأَوُّدُهَـا
كَــأَنَّــهَــا شَــجِــعَــةٌ بِــهَـا زَمَـعٌ
أَوْ ذَاتُ جُـبْـنٍ فَـالْخَوْفُ يُرْعِدُهَا
جَــاءَتْــكَ لَــيْــلِــيَّــةٌ شَــآمِــيَـةٌ
كَــأَنَّــهَــا بِــالْــعِــرَاقِ مَـوْلِـدُهَـا
قَــائِـلُـهَـا فَـاضِـلٌ وَأَفْـضَـلُ مِـنْ
قَــائِــلِـهَـا الْأَلْـمَـعِـيُّ مُـنْـشِـدُهَـا
كَـاتِـبُـكَ الْـمُـزْدَهِـي بِـمَـنْـطِـقِـهِ
صَـهْـوَةً حَـتَّـى يَـخِـرَّ جَـلْـمَــدُهَـا
أَسْـهَـبَ فِـي وَصْـفِـهِ عُـلَاكَ لَـنَـا
حَـتَّـى خَـشِـيـنَـا الـنُّـفُوسَ تَعْبُدُهَا
زَفَّ عَــرُوسًــا حُــلِــيُّــهَــا كَـلِـمٌ
تُــنْــجِــدُهُ تَــارَةً وَيُــنْــجِــدُهَـا
قَــاضِــيَــةً حَــقَّــهُ لَـدَيْـكَ وَمَـا
يُــنْــسَــبُ إِلَّا إِلَــيْـكَ سُـودَدُهَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المنسرح
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤