الْحُبُّ وَالْحَرْبُ

Wave Image
مَـا لِـي فُـتِـنْـتُ بِـلَـحْـظِـكِ الْـفَـتَّاكِ
وَسَــلَــوْتُ كُــلَّ مَــلِــيــحَــةٍ إِلَّاكِ؟
يُـسْـرَاكِ قَـدْ مَـلَـكَتْ زِمَامَ صَبَابَتِي
وَمَــضَــلَّـتِـي وَهُـدَايَ فِـي يُـمْـنَـاكِ
فَإِذَا وَصَــلْـتِ فَـكُـلُّ شَـيْءٍ بَـاسِـمٌ
وَإِذَا هَــجَــرْتِ فَـكُـلُّ شَـيْءٍ بَـاكِـي
هَـذَا دَمِـي فِـي وَجْـنَـتَـيْـكِ عَرَفْتُهُ
لَا تَــسْــتَـطِـيـعُ جُـحُـودَهُ عَـيْـنَـاكِ!
لَـوْ لَـمْ أَخَـفْ حَـرَّ الْـهَـوَى وَلَـهِـيـبَهُ
لَـجَـعَـلْـتُ بَـيْـنَ جَـوَانِـحِـي مَثْوَاكِ
إِنِّـي أَغَـارُ مِـنَ الْـكُـئُـوسِ فَـجَـنِّبِي
كَأْسَ الْــمُــدَامَــةِ أَنْ تُــقَــبِّـلَ فَـاكِ
خَـدَعَـتْـكِ مَـا عَـذُبَ السُّلَافُ وَإِنَّمَا
قَــدْ ذُقْــتِ لَـمَّـا ذُقْـتِ حُـلْـوَ لَـمَـاكِ
لَـكِ مِـنْ شَـبَـابِـكِ أَوْ دَلَالِـكِ نَـشْوَةٌ
سَــحَــرَ الْأَنَـامَ بِـفِـعْـلِـهَـا عِـطْـفَـاكِ
•••
قَـالَـتْ خَـلِـيـلَـتُـهَـا لَـهَـا لِـتُـلِـيـنَـهَـا
مَــاذَا جَـنَـى لَـمَّـا هَـجَـرْتِ فَـتَـاكِ؟
هِـيَ نَـظْـرَةٌ لَاقَـتْ بِـعَـيْـنِـكِ مِـثْلَهَا
مَـــا كَـــانَ أَغْـــنَــاهُ وَمَــا أَغْــنَــاكِ!
قَـدْ كَـانَ أَرْسَـلَـهَـا لِـصَـيْـدِكِ لَاهِـيًـا
فَـفَـرَرْتِ مِـنْـهُ وَعَـادَ فِـي الْأَشْـرَاكِ
عَـهْـدِي بِـهِ لَـبِـقَ الْـحَـدِيـثِ فَـمَا لَهُ
لَا يَـسْـتَـطِـيـعُ الْـقَـوْلَ حِـينَ يَرَاكِ؟
إِيَّــاكِ أَنْ تَــقْــضِــي عَــلَــيْــهِ فَإِنَّـهُ
عَـــرَفَ الْــحَــيَــاةَ بِــحُــبِّــهِ إِيَّــاكِ
إِنَّ الـــشَّــبَــابَ وَدِيــعَــةٌ مَــرْدُودَةٌ
وَالــزُّهْــدُ فِــيــهِ تَــزَمُّـتُ الـنُّـسَّـاكِ
فَــتَــشَــمَّــمِـي وَرْدَ الْـحَـيَـاةِ فَإِنَّـهُ
يَـمْـضِـي وَلَا يَـبْـقَى سِوَى الْأَشْوَاكِ
لَـمْ تُـنْـصِـتِـي وَمَشَيْتِ غَيْرَ مُجِيبَةٍ
حَــتَّــى كَأَنَّ حَــدِيــثَــهَــا لِــسِـوَاكِ
وَبَـكَـتْ عَـلَـيَّ فَـمَـا رَحِـمْتِ بُكَاءَهَا
مَــا كَــانَ أَعْــطَـفَـهَـا وَمَـا أَقْـسَـاكِ!
•••
عَـطَـفَـتْ عَـلَـيَّ الـنَّـيِّرَاتُ وَسَاءَلَتْ
مَــذْعُــورَةً قَــمَــرَ الــسَّـمَـاءِ أَخَـاكِ
قَـالَـتْ نَـرَى شَـبَـحًا يَرُوحُ وَيَغْتَدِي
وَيَـبُـثُّ فِـي الْأَكْـوَانِ لَـوْعَـةَ شَاكِي
أَنَّــاتُ مَــجْــرُوحٍ يُــعَـالِـجُ سَـهْـمَـهُ
وَزَفِــيــرُ مَأْسُــورٍ بِــغَــيْــرِ فَــكَـاكِ
يَـقْـضِـي سَـوَادَ الـلَّـيْـلِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ
عَــيْــنٌ مُــسَــهَّــدَةٌ وَقَــلْـبٌ ذَاكِـي
حَـتَّـى إِذَا مَـا الـصُّـبْـحُ جَـرَّدَ نَصْلَهُ
أَلْــفَــيْــتَــهُ جِــسْـمًـا بِـغَـيْـرِ حَـرَاكِ
إِنَّــا نَــكَــادُ أَسًــى عَـلَـيْـهِ وَرَحْـمَـةً
لِــشَــبَــابِــهِ نَــهْــوِي مِــنَ الْأَفْــلَاكِ
مِـنْ عَـهْـدِ قَـابِـيـلٍ وَلَـيْـسَ أَمَـامَـنَا
فِـي الْأَرْضِ غَـيْـرُ تَـشَـاكُسٍ وَعِرَاكِ
مَــا بَـيْـنَ فَـاتِـكَـةٍ تَـصُـولُ بِـقَـدِّهَـا
وَفَــتًــى يَــصُــولُ بِـرُمْـحِـهِ فَـتَّـاكِ
•••
يَا أَرْضُ وَيْحَكِ قَدْ رَوِيتِ فَأَسْئِرِي
وَكَــفَـاكِ مِـنْ تِـلْـكَ الـدِّمَـاءِ كَـفَـاكِ!
فِــي كُــلِّ رَبْـعٍ مِـنْ رُبُـوعِـكِ مَأْتَـمٌ
وَثَـــوَاكِـــلٌ وَنَـــوادِبٌ وَبَـــوَاكِـــي
قَـدْ قَـامَ أَهْـلُ الْـعِـلْـمِ فِيكِ وَدَبَّرُوا
بَــرِئَـتْ يَـدِي مِـنْ إِثْـمِـهِـمْ وَيَـدَاكِ!
كَـاشَـفْـتِـهِـمْ سِـرَّ الْـعَـنَاصِرِ فَانْبَرَوْا
يَـــتَـــخَــيَّــرُونَ أَمَــضَّــهَــا لِــرَدَاكِ
نَـثَـرُوا كِـنَـانَـتَـهُـمْ وَكُـلُّ سِـهَـامِـهَـا
لِــلْــفَــتْــكِ وَالــتَّـدْمِـيـرِ وَالْإِهْـلَاكِ
دَخَـلُـوا عَـلَـى الْعِقْبَانِ فِي أَوْكَارِهَا
وَتَــسَــرَّبُــوا لِــمَــسَـابِـحِ الْأَسْـمَـاكِ
فَـتَأَمَّـلِـي هَـلْ فِـي تُخُومِكِ مَأْمَنٌ؟
أَمْ هَــلْ هُــنَــالِـكَ مَـعْـقِـلٌ بِـذُرَاكِ؟
ظَـهْـرُ الـلُّيُوثِ وَذَاكَ أَصْعَبُ مَرْكَبٍ
أَوْفَـــى وَأَكْـــرَمُ مِــنْ أَدِيــمِ ثَــرَاكِ
لَـيْتَ الْبِحَارَ طَغَتْ عَلَيْكِ وَسُجِّرَتْ
أَوْ أَنَّ مَـنْ يَـطْـوِي الـسَّـمَـاءَ طَوَاكِ!
•••
لَـمْ يَـبْـقَ فِـي الْإِنْـسَـانِ غَـيْرُ ذَمَائِهِ
فَـــدَرَاكِ يَـــا رَبَّ الــسَّــمَــاءِ دَرَاكِ!
وَإِذَا الـنُّـفُـوسُ تَـفَـرَّقَـتْ نَـزَعَـاتُـهَا
قَــامَــتْ إِذَا قَـامَـتْ بِـغَـيْـرِ مَـسَـاكِ
وَالـسَّـيْـفُ أَظْـلَمُ مَا فَزِعْتَ لِحُكْمِهِ
وَالْــحَــزْمُ خَـيْـرُ شَـمَـائِـلِ الْأَمْـلَاكِ
وَمِــنَ الــدِّمَــاءِ طَــهَــارَةٌ وَعَـدَالَـةٌ
وَمِــنَ الــدِّمَــاءِ جِــنَـايَـةُ الـسُّـفَّـاكِ
وَالْـعِـلْـمُ مِـيـزَانُ الْـحَيَاةِ فَإِنْ هَوَى
هَــوَتِ الْــحَــيَــاةُ لِأَسْـفَـلِ الْأَدْرَاكِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤