عَبْدُ الْعَزِيزِ جَاوِيش

Wave Image
دُمُـــوعُ عُـــيُـــونٍ أَمْ دِمَـــاءُ قُـــلُــوبِ
عَــلَــى رَاحِــلٍ نَـائِـي الْـمَـزَارِ قَـرِيـبِ؟
نَــعَــاهُ لَــنَــا الــنَّـاعِـي فَأَفْـزَعَ مِـثْـلَـمَـا
تُــرَاعُ بِــصَــوْتٍ فِــي الـظَّـلَامِ رَهِـيـبِ
فَقُلْنَا أَبِنْ — رُحْمَاكَ — طَارَتْ عُقُولُنَا
فَـلَـمْ نَـسْـتَـمِـعْ مِـنْ فِـيـكَ غَـيْـرَ نَعِيبِ
شَــكَــكْـنَـا وَكَـانَ الـشَّـكُّ أَمْـنًـا وَرَاحَـةً
وَكَـمْ مِـنْ يَـقِـيـنٍ فِـي الْـحَـيَـاةِ مُـرِيبِ
حَـــنَـــانَـــكَ، إِنَّـــا أُمَّــةٌ هَــدَّ رُكْــنَــهَــا
صِــرَاعُ لَــيَــالٍ وَاصْــطِــلَاحُ خُـطُـوبِ
إِذَا كَـشَـفَـتْ عَـنْـهَـا الْـقَـمِيصَ بَدَتْ بِهَا
نُــدُوبٌ لِــطَــعْــنِ الـدَّهْـرِ فَـوْقَ نُـدُوبِ
وَإِنْ أَرْسَــلَــتْ فِــي ذِمَّــةِ الـلـهِ عَـبْـرَةً
عَـلَـى ابْـنِ سُـرًى حَـامِي الذِّمَارِ وَثُوبِ
دَهَــتْـهَـا الـلَّـيَـالِـي فِـي سِـوَاهُ وَلَا أَرَى
شَــعُـوبًـا لِـهَـذَا الـنَّـاسِ مِـثْـلَ شَـعُـوبِ
تَـدَاوَى مِـنَ الْإِعْـوَالِ بِـالْـبَـثِّ وَالْـبُـكَى
وَتَــشْــفِــي لَـهِـيـبًـا لِـلْـجَـوَى بِـلَـهِـيـبِ
وَتَــمْــسَـحُ دَمْـعًـا كَـيْ تَـجُـودَ بِـمِـثْـلِـهِ
وَتَـــنْـــسَـــى أَرِيـــبًــا بِــادِّكَــارِ أَرِيــبِ
فَــيَــا أَيُّـهَـا الـنَّـاعِـي إِذَا قُـلْـتَ فَـاتَّـئِـدْ
فَــمَـا مُـخْـطِـئٌ فِـي قَـوْلِـهِ كَـمُـصِـيـبِ
حَــنَـانَـكَ، قُـلْ مَـا شِـئْـتَ إِلَّا فَـجِـيـعَـةً
بِـــفَــقْــدِ كَــرِيــمٍ أَوْ فِــرَاقِ حَــبِــيــبِ
فَـقَـالَ: قَـضَى، قُلْنَا: قَضَى حَاجَةَ الْعُلَا
فَـقَـالَ: مَـضَـى، قُـلْـنَـا: بِـغَـيْـرِ ضَـرِيـبِ
فَـهَـزَّ اعْـتِـلَاجُ الْـحُـزْنِ أَضْـلَاعَ صَـدْرِهِ
وَأَخْـفَـى نَـشِـيـجًـا تَـحْـتَ طَيِّ نَحِيبِ
وَقَـالَ قَـضَـى عَـبْـدُ الْـعَـزِيـزِ وَلَـمْ يَكُنْ
نَـصِـيـبُ امْـرِئٍ فِي الرُّزْءِ فَوْقَ نَصِيبِي
فَــوَا حَـسْـرَتَـا مَـاتَ الْإِمَـامُ وَلَـمْ تَـكُـنْ
نِـهَـايَـةُ هَـذِي الـشَّـمْـسِ غَـيْـرَ مَـغِـيـبِ
وَغَــاضَ مَــعِــيــنٌ كَــانَ رِيًّــا وَرَحْـمَـةً
وَكُـــلُّ مَـــعِـــيــنٍ صَــائِــرٌ لِــنُــضُــوبِ
فَــمَــنْ لِــكِــتَــابِ الــلــهِ يَـلْـمَـحُ نُـورَهُ
بِــعَــيْــنِ بَــصِــيــرٍ بِـالْـبَـيَـانِ لَـبِـيـبِ؟
وَمَـنْ يَـدْفَـعُ الْـعَـادِي عَـلَـى دِينِ أَحْمَدٍ
بِـعَـزْمٍ كَـمَـسْـنُـونِ الْـحِـرَابِ صَـلِـيـبِ؟
وَقَـدْ كُـنْـتَ يَـا عَـبْـدَ الْـعَـزِيزِ إِذَا دَجَتْ
وَقَـدْ قِـيـلَ «أَمَّـا بَـعْـدُ» خَـيْـرَ خَـطِيبِ
•••
بِـنَـفْـسِـيَ مَـنْ عَـانَـى الْـحَـيَـاةَ مُـشَرَّدًا
يَــجُــوبُ مِــنَ الْآفَــاقِ كُــلَّ مَــجُــوبِ
غَـرِيـبًـا تَـقَـاضَـاهُ الـلَّـيَـالِـي حُـشَـاشَـةً
وَلَــكِــنَّــهُ لِــلْــفَــضْــلِ غَــيْــرُ غَــرِيـبِ
يَـــطُـــوفُ بِأَقْـــطَـــارِ الْـــبِـــلَادِ كَأَنَّــهُ
خَـــيَـــالٌ مُـــلِـــمٌّ أَوْ خَـــيَـــالُ أَدِيــبِ
وَيَـطْـوِي وَرَاءَ الْـبِـشْـرِ نَـفْـسًـا جَرِيحَةً
وَأَعْــشَــارَ قَـلْـبٍ بِـالْـهُـمُـومِ خَـضِـيـبِ
أَيَــشْـكُـو لَـئِـيـمُ الْـقَـوْمِ كَـظًّـا وَبِـطْـنَـةً
وَيَـشْـكُـو فَـتَـى الْـفِتْيَانِ مَسَّ سُغُوبِ؟
لِأَمْــرٍ غَــدَا مَــا حَــوْلَ مَــكَّــةَ مُـقْـفِـرًا
جَـدِيـبًـا، وَبَـاقِـي الْأَرْضِ غَـيْـرُ جَـدِيبِ
•••
تُــقَــتِّــلُــنَــا الْأَيَّــامُ وَهْــيَ حَــيَــاتُــنَـا
وَتُـعْـطِـي، وَمَـا أَبْـصَـرْتُ غَـيْـرَ سَـلِيبِ
فَـمَـا حِـيـلَـتِـي إِنْ كَـانَ بِـالْـمَاءِ غُصَّتِي
وَدَائِــي إِذَا عَــزَّ الــدَّوَاءُ طَــبِــيــبِــي؟
كَأَنَّ حِــبَــالَ الــشَّــمْــسِ كِـفَّـةُ حَـابِـلٍ
تُــحِــيــطُ بِــنَــا مِــنْ شَـمْأَلٍ وَجَـنُـوبِ
نَــرُوحُ بِــهَـا، وَالْـمَـوْتُ ظَـمْآنُ سَـاغِـبٌ
يُــلَاحِــظُــنَــا فِــي جَــيْــئَــةٍ وَذُهُـوبِ
عَـلَـى الـشَّـفَـقِ الْـمُـحَـمَـرِّ مِـنْ فَـتَـكَاتِهِ
بَــقَــايَــا دَمٍ لِــلــذَّاهِــبِــيــنَ صَــبِـيـبِ
هَــلِ الــدَّهْــرُ إِلَّا لَـيْـلَـةٌ طَـالَ سُـهْـدُهَـا
تَــنَــفَّــسُ عَــنْ يَــوْمٍ أَحَــمَّ عَــصِـيـبِ
وَلَــيْــسَ تُــرَابُ الْأَرْضِ غَــيْــرَ تَـرَائِـبٍ
وَغَــيْــرَ عُــقُــولٍ حُــطِّــمَــتْ وَقُـلُـوبِ
سَـلُـوا وَجَـنَـاتِ الْـغِـيـدِ فِي ذِمَّةِ الثَّرَى
أَتُــزْهَــى بِــحُــسْــنٍ أَمْ تُــدِلُّ بِـطِـيـبِ
وَكَـانَـتْ شِـبَـاكًـا لِـلْـعُـيُـونِ فَأَصْـبَـحَتْ
وَلَــسْــتَ تَــرَى فِـيـهِـنَّ غَـيْـرَ شُـحُـوبِ
•••
فَــيَــا مَـنْ رَأَى عَـبْـدَ الْـعَـزِيـزِ تَـنُـوشُـهُ
نُــيُــوبٌ لِــعَــادِي الْــمَــوْتِ أَيُّ نُـيُـوبِ
طَــرِيــحًــا عَــلَــى أَيْـدِي الْأُسَـاةِ كَأَنَّـهُ
حِــمَــالَــةُ عَــضْــبٍ أَوْ رِشَــاءُ قَــلِـيـبِ
فَـيَـا وَيْـحَ لِـلـصَّـدْرِ الـرَّحِيبِ الَّذِي غَدَا
بِـــمُـــزْدَحِـــمِ الْآلَامِ غَـــيْـــرَ رَحِــيــبِ
تَــدِبُّ بِــهِ فِــي مَـوْطِـنِ الْـحِـلْـمِ عِـلَّـةٌ
لَــهَــا كَــالـصِّـلَالِ الـرُّقْـشِ شَـرُّ دَبِـيـبِ
تَـرَى الْـقَـلْـبَ مِـنْـهَـا وَاجِـبًـا أَنْ تَـمَـسَّهُ
فَــتَــتْــرُكَــهُ قَــلْــبًــا بِــغَــيْــرِ وَجِـيـبِ
أَصَــابَـتْ نِـظَـامًـا لِـلْـمَـعَـالِـي فَـبَـدَّدَتْ
وَمَــقْــصِــدَ آمَــالٍ وَمَــجْــدَ شُــعُــوبِ
•••
لَـقَـدْ كُـنْـتَ تُـعْلِي فِي الْحَيَاةِ قَصَائِدِي
وَتَـهْـتَـزُّ عُـجْـبًـا إِنْ سَـمِـعْـتَ نَـسِـيـبِـي
فَــهَــاكَ نِـدَاءً إِنْ يَـجِـدْ مِـنْـكَ سَـامِـعًـا
وَهَـــاكَ رِثَـــاءً إِنْ يَـــفُــزْ بِــمُــجِــيــبِ
رِثَــاءٌ يَــكَـادُ الْـمَـيْـتُ يَـحْـيَـا بِـلَـفْـظِـهِ
وَيَـحْـبِـسُ شَـمْـسَ الْأُفْـقِ دُونَ غُرُوبِ
فَـطَـارِحْ بِـهِ الْـخَـنْـسَاءَ إِنْ جُزْتَ دَارَهَا
وَنَـافِـسْ بِـهِ إِنْ شِـئْـتَ شِـعْـرَ حَـبِـيـبِ
تَـمَـنَّـيْـتُ لَـوْ أَرْسَـلْتُ شِعْرِي مَعَ الْبُكَى
بِـــغَــيْــرِ قَــوَافٍ أَوْ بِــغَــيْــرِ ضُــرُوبِ
وَصَــيَّــرْتُ أَنَّــاتِــي تَــفَـاعِـيـلَ بَـحْـرِهِ
وَجِـئْـتُ بَـوَزْنٍ فِـي الْـقَـرِيـضِ عَـجِيبِ
فَإِنِّــي رَأَيْــتُ الــشِّــعْــرَ تَـنْـفِـرُ طَـيْـرُهُ
إِذَا دُهِـــمَـــتْ مِـــنْ فَــادِحٍ بِــهُــبُــوبِ
تَــهَــابُ الْــقَــوَافِــي أَنْ تَـمَـسَّ جَـلَالَـةً
لِــذِي شَـمَـمٍ ضَـافِـي الْـجَـلَالِ مَـهِـيـبِ
عَــلَــيْــكَ سَــلَامُ الــلـهِ مَـا نَـاحَ طَـائِـرٌ
عَــلَــى غُــصُـنٍ غَـضِّ الْإِهَـابِ رَطِـيـبِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤