وَفَاءُ صَدِيقٍ

Wave Image
نَــظَــمْــتُ لَآلِـئَ الْـفِـرْدَوْسِ عِـقْـدًا
وَمِـنْ ذَهَـبِ الْأَصِـيـلِ وَشَـيْتُ بُرْدَا
وَسَـارَ مَـعَ الـنَّـسِـيـمِ نَـسِيمُ شِعْرِي
فَـــــكَـــــانَ أَرَقَّ أَذْيَــــالًا وَأَنْــــدَى
غَــــلَائِـــلُـــهُ تَـــرِفُّ بِـــكُـــلِّ أَرْضٍ
فَــتَــنْــشُــرُ حَــوْلَــهُ مِـسْـكًـا وَنَـدَّا
تَــلَــقَّــاهُ الْــخَــمَــائِـلُ ضَـاحِـكَـاتٍ
تَـــهُـــزُّ مَــعَــاطِــفًــا وَتَــمُــدُّ خَــدَّا
وَيَـرْقُـمُ فِـي الْـغَـدِيرِ سُطُورَ وَحْيٍ
وَعَـاهَـا الـطَّـيْـرُ حِـينَ شَدَا فَأَشْدَى
وَكَـمْ هَـمَـسَـتْ بِـمَـسْـمَـعِـهِ غُصُونٌ
فَــرَدَّدَ هَــمْــسَــهَــا وَلَــهًــا وَوَجْـدَا
إِذَا مَــا الــشِّــعْـرُ كَـانَ شُـعَـاعَ نُـورٍ
أَعَــارَ الــشَّــمْــسَ إِشْـرَاقًـا وَخُـلْـدَا
يَــشِـيـبُ فَـيَـسْـتَـرِدُّ صِـبَـاهُ غَـضًّـا
وَمَــا أَحْـلَـى الـشَّـبَـابَ الْـمُـسْـتَـرَدَّا
طَـوَى الـدُّنْـيَـا فَـلَـيْسَ الْوَعْرُ وَعْرًا
لِــوَثْــبَـتِـهِ، وَلَـيْـسَ الـنَّـجْـدُ نَـجْـدَا
إِذَا كَــفُّ الــزَّمَــانِ رَمَــتْ رَمَــاهَــا
وَإِنْ جَـــدَّتْ بِـــهِ الْأَحْـــدَاثُ جَــدَّا
وَإِنْ بَـسَـمَـتْ لَـهُ الـدُّنْـيَـا سَـمِـعْـنَـا
نَــشِــيــدًا يَــمْــلَأُ الْأَطْــيَـارَ حِـقْـدَا
تَــمَــنَّــتْ أَنْ يَــكُــونَ لَــهَــا صَـدَاهُ
فَــــصَــــعَّـــرَ خَـــدَّهُ وَنَأَى وَصَـــدَّا
وَأَيْـــنَ لِـــمِـــثْـــلِـــهَـــا وَتَــرٌ مُــرِنٌّ
مِــنَ الْإِلْــهَــامِ إِحْــكَــامًــا وَشَــدَّا؟
يُـــغَـــرِّدُ لِــلْــخُــلُــودِ بِــكُــلِّ أُفْــقٍ
وَمَـــا عَـــرَفَــتْ لَــهُ الْآفَــاقُ حَــدَّا
لَــمَــسْـتُ جَـنَـاحَـهُ رِفْـقًـا فَـوَافَـى
وَأَغْــــرَيْــــتُ الْـــوِدَادَ بِـــهِ فَـــوَدَّا
لَـهُ حَـبُّ الْـقُـلُـوبِ فَـلَـيْـسَ يُـطْوَى
وَمَـاءُ الْـمُـقْـلَـتَـيْـنِ فَـلَـيْسَ يَصْدَى
أُدَاعِــبُــهُ فَــيَــصْــدَحُ عَــبْــقَــرِيًّــا
فَــتَــمْــتَــدُّ الــرِّقَــابُ إِلَــيْــهِ مَــدَّا
ضَـنَـنْـتُ بِـهِ فَـلَـمْ يَـهْـتِـفْ بِـعَـمْرٍو
وَلَــمْ تَـسْـتَـهْـوِهِ بَـسَـمَـاتُ سُـعْـدَى
وَصُــنْــتُ لُــهَــاتَــهُ عَــنْ كُـلِّ لَـغْـوٍ
لَــهُ خَــدُّ الْــفَـتَـى الْـعَـرَبِـيِّ يَـنْـدَى
تَـــلَـــثَّــمَ بِــالْإِبَــاءِ فَــعَــاشَ حُــرًّا
وَلَــوْ عَــرَفَ الــرِّيَــاءَ لَـمَـاتَ عَـبْـدَا
يَــهُــزُّ حَــمِــيَّــةَ الْــفِـتْـيَـانِ نَـصْـلًا
وَيَـحْـشُـدُ رَابِـضَ الْـعَـزَمَـاتِ جُـنْدَا
وَيُـشْـعِـلُ فِـي الْـقُـلُوبِ وَمِيضَ نَارٍ
كَـنِـيـرَانِ «الْـكَـلِـيـمِ» هُـدًى وَرُشْدَا
وَيَــشْــدُو بِــالْــمُــرُوءَةِ إِنْ تَـرَاءَتْ
وَبِــالــصُّــنْـعِ الْـجَـمِـيـلِ إِذَا تَـبَـدَّى
تَــلَــفَّــتَ حَــوْلَــهُ فَــرَأَى (عَــلِـيًّـا)
وَلَــمْ يُــبْــصِـرْ لَـهُ فِـي الـطِّـبِّ نِـدَّا
حَـوَى هِـمَـمَ الـرِّجَـالَ فَـكَـانَ جَمْعًا
وَأُفْــرِدَ بِــالــنُّــبُــوغ ِفَــكَــانَ فَـرْدَا
عَــزِيــمَــتُــهُ تَــرُدُّ الْــغِـمْـدَ سَـيْـفًـا
وَحِــكْــمَــتُـهُ تَـرُدُّ الـسَّـيْـفَ غِـمْـدَا
يُــحَــبُّ دَمَــاثَــةً وَيُــهَــابُ خَـوْفًـا
كَـغَـمْـرِ الـسَّـيْـلِ خِيفَ وَطَابَ وِرْدَا
وَفَــاءٌ لَــوْ تَــقَــسَّـمَ فِـي الـلَّـيَـالِـي
لَــمَــا نَــقَــضَـتْ لِـرَاجِـيـهِـنَّ عَـهْـدَا
وَعِــــلْـــمٌ يَـــمْـــلَأُ الْآفَـــاقَ نُـــورًا
وَذِكْــــرٌ يَـــمْـــلَأُ الْأَيَّـــامَ حَـــمْـــدَا
وَصَــوْلَــةُ حَــازِمٍ مَــا حَــادَ يَــوْمًـا
عَـنِ الْـقَـصْـدِ الـسَّـوِيِّ وَلَا اسْـتَـبَدَّا
وَفِــكْــرٌ يَــلْــمَــحُ الْأَقْــدَارَ حَــتَّـى
يَـــكَـــادَ يَـــرُدُّهَـــا لِــلْــغَــيْــبِ رَدَّا
وَوَجْـهٌ مُـشْـرِقُ الْـقَـسَـمَـاتِ سَـمْحٌ
يَـفِـيـضُ بَـشَـاشَـةً وَيَـلُـوحُ سَـعْـدَا
رَآهُ الــصُّــبْــحُ مِــنْـهُ فَـزَادَ حُـسْـنًـا
وَغَــارَ الْــبَــدْرُ مِــنْــهُ فَـزَادَ سُـهْـدَا
دَنَـا كَـالـشَّـمْـسِ حِـينَ دَنَتْ شُعَاعًا
وَحَــلَّـقَ مِـثْـلَـهَـا فِـي الْأُفْـقِ بُـعْـدَا
فَـلَـمْ نَـعْـرِفْ لَـهُ فِـي الْـفَـضْلِ قَبْلًا
وَلَــمْ نَـعْـرِفْ لَـهُ فِـي الـنُّـبْـلِ بَـعْـدَا
فَـتَـى مِـصْـرٍ وَهَـلْ تَـلْـقَـى بِـمِـصْـرٍ
فَــتًـى أَمْـضَـى وَأَوْرَى مِـنْـهُ زَنْـدَا؟
تَـدَارَكَ مِـصْرَ وَ«الْمِيكْرُوبُ» يَطْغَى
وَيَــــنْــــفُـــثُ سُـــمَّـــهُ وَيـــؤُدُّ أَدَّا
طَـــوَى آجَــالَ أَهْــلِــيــهَــا هَــبَــاءً
وَبَـــدَّدَ نَـــسْــلَــهَــا فَــتْــكًــا وَوَأْدَا
فَــشَــدَّ عَــلَــيْــهِ مِـقْـدَامًـا جَـرِيـئًـا
كَــمَــا هَـيَّـجْـتَ يَـوْمَ الـرَّوْعِ أُسْـدَا
تَــــحَــــدَّاهُ وَصَـــالَ وَلَـــوْ سِـــوَاهُ
أَرَادَ لَــمَــا اسْــتَــطَــاعَ وَلَا تَـحَـدَّى
فَــطَــهَّـرَ أَرْضَـهَـا وَحَـمَـى حِـمَـاهَـا
وَصَــانَ شَــبَــابَـهَـا وَهَـدَى وَأَهْـدَى
تَـطِـيـرُ بِـهَـا الْـبَـعُوضَةُ وَهْيَ تَدْرِي
بِأَنَّ وَرَاءَهَـــا لِـــلْـــمَــوْتِ حَــشْــدَا
وَيَمْشِي الْقَمْلُ وَ«الدِّي دِي» رَصِيدٌ
يُــصَــوِّبُ خَـلْـفَـهُ الـسَّـهْـمَ الْأَسَـدَّا
وَمَــا طَــنُّ الــذُّبَــابِ سِــوَى نُـوَاحٍ
وَقَـدْ حَـصَـدَتْـهُ أَيْـدِي الْعِلْمِ حَصْدَا
إِذَا الْـحَـشَـرَاتُ فِـي مِـصْـرٍ تَصَدَّتْ
مُــنَــاجِــزَةً، فَأَنْــتَ لَــهَــا تَــصَـدَّى
أَنَـنْـسَـى «الْـجَامْبِيَا» وَالْمَوْتُ فِيهَا
يُـزَمْـجِـرُ، وَالْـقُـلُـوبُ تَـذُوبُ كَمْدَا؟
وَكَــادَ الْــيَأْسُ يُــوهِــنُ كُــلَّ عَــزْمٍ
وَمِــصْــرُ تُـصَـارِعُ الْـخَـصْـمَ الْأَلَـدَّا
فَـخُـضْـتَ غِـمَـارَهَـا صَـمَـدًا هُـمَامًا
وَرُعْـتَ بِـهَـا جُـيُـوشَ الْمَوْتِ جَلْدَا
وَأَنْــقَــذْتَ الْــكِــنَــانَــةَ مِــنْ فَـنَـاءٍ
وَكُــنْــتَ لِــقَـوْمِـكَ الـرُّكْـنَ الْأَشَـدَّا
نُــحَــيِّــي الْـمَـرْءَ إِنْ نَـجَّـى حَـيَـاةً
فَـكَـيْـفَ إِذَا نَـجَـا الْـوَطَنُ الْمُفَدَّى؟
فَـعِـشْ لِـلـطِّـبِّ وَالْـفُـصْـحَى إِمَامًا
وَكُــنْ لِــكِــلَــيْـهِـمَـا عَـضُـدًا وَزَنْـدَا
مَـدَحْـتُـكَ كَـيْ أُشِـيـدَ بِـمَجْدِ مِصْرٍ
وَأَرْسُـمَ لِـلـشَّـبَـابِ الـنَّـهْـجَ قَـصْـدَا
وَلَـيْـسَ يَـنَالُ شَأْوَكَ وَصْفُ شِعْرِي
وَلَــوْ أَفْــنَــيْـتُ عُـمْـرَ الـشِّـعْـرِ كَـدَّا
وَمَــنْ أَحْــصَــى مَآثِــرَكَ الْـغَـوَالِـي
فَـقَـدْ أَحْـصَـى نُـجُـومَ الـلَّـيْـلِ عَدَّا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: بعث الشاعر بهذه القصيدة إلى صديقه الدكتور علي توفيق شوشة وكيل وزارة الصحة؛ اعترافًا بفضله في استئصال الأوبئة بمصر سنة ١٩٤٧م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤