الْيَتِيمُ الْمَخْدُوعُ

Wave Image
قَـضَـى وَالـلَّـيْـلُ مُـعْـتَـكِـرٌ بَـهِيمُ
وَلَا أَهْـــلٌ لَــدَيْــهِ وَلَا حَــمِــيــمُ
قَـضَـى فِـي غَـيْـرِ مَوْطِنِهِ قَتِيلًا
تَــمُـجُّ دَمَ الْـحَـيَـاةِ بِـهِ الْـكُـلُـومُ
قَـضَـى مِـنْ غَـيْـرِ بَـاكِـيَـةٍ وَبَـاكٍ
وَمَـنْ يَـبْـكِـي إِذَا قُـتِـلَ الْـيَتِيمُ؟
قَـضَـى غَـضَّ الشَّبِيبَةِ وَهْوَ عَفٌّ
مُــــطَــــهَّــــرَةً مَآزِرُهُ كَــــرِيـــمُ
سَـقَـاهُ مِـنَ الـرَّدَى كَأْسًـا دِهَـاقًـا
عَـفَـافُ النَّفْسِ وَالْعِرْضُ السَّلِيمُ
تَــجَـرَّعَـهَـا عَـلَـى طَـرَبٍ وَلَـكِـنْ
بِــكَـفِّ الْـيُـتْـمِ لَـيْـسَ لَـهُ نَـدِيـمُ
عَـلَـى حِـيـنَ الـرَّبَـابَـةُ فِي نُوَاحٍ
يُـسَـاجِـلُـهَـا بِـهِ الْـعُـودُ الـرَّخِـيمُ
بِـحَـيْـثُ رَقَـائِـقُ الْأَلْـحَانِ كَانَتْ
بِــهَـا الْأَشْـجَـانُ طَـافِـيَـةً تَـعُـومُ
كَأَنَّ تَــــرَنُّـــمَ الْأَوْتَـــارِ نَـــعْـــيٌ
وَصَـمْـتَ الـسَّـامِـعِينَ لَهَا وُجُومُ
فَـجَـاءَ الْـمَـوْتُ مُـلْـتَـفِـعًا بِخِزْيٍ
وَمِـــلْءُ إِهَــابِــهِ سَــفَــهٌ وَلُــومُ
فَأَطْـلَـقَ مِـنْ مُـسَـدَّسِـهِ رَصَاصًا
بِـهِ فِـي الـرَّمْيِ تَنْخَرِقُ الْجُسُومُ
فَـخَـرَّ إِلَـى الْـجَـبِـينِ بِهِ «نَعِيمٌ»
كَمَا انْقَضَّتْ مِنَ الشُّهْبِ الرُّجُومُ
فَــبَــانَ مُــوَدِّعًــا بَـعْـدَ ارْتِـثَـاتٍ
حَــيَــاةً لَا تُـنَـاطُ بِـهَـا الْـوُصُـومُ
لَـئِـنْ لَـمْ تَـبْـكِ مِـنْ أَسَـفٍ عَـلَيْهِ
سَـفَـاهَـتُـنَـا فَـقَـدْ بَـكَتِ الْحُلُومُ
وَلَـوْ دَرَتِ الـنُّـجُـومُ لَـهُ مُـصَـابًـا
بَـكَـتْـهُ عَـلَـى تَـرَفُّـعِـهَـا الـنُّجُومُ
عَـسَـى الـشَّـهْـبَـاءُ تَـثْأَرُهُ فَتُبْدِي
إِلَـى الـزَّوْرَاءِ مَـا يُبْدِي الْخَصِيمُ
وَلَـمْ يَـقْـتُـلْـهُ «إِبْـرَاهِـيـمُ» فِـيمَا
أَرَى بَــلْ إِنَّ قَــاتِــلَــهُ «سَـلِـيـمُ»
أَلَـيْـسَ «سَـلِـيمٌ» الْمَلْعُونُ أَغْوَى
«نَـعِـيـمًـا» فَـهْـوَ شَـيْطَانٌ رَجِيمُ
وَأَخْــرَجَــهُ مِـنَ الـشَّـهْـبَـاءِ غِـرًّا
يَــتِــيــمًــا مَــا لَــهُ أَبَــدًا زَعِـيـمُ
وَجَــاءَ بِــهِ إِلَــى بَــغْـدَادَ حَـتَّـى
تَــخَــرَّمَــهُ بِــهَــا قَــتْــلٌ أَلِــيــمُ
سَأَبْـــكِـــيـــهِ وَلَــمْ أَعْــبَأْ بِــلَاحٍ
وَأَنْــدُبُــهُ وَإِنْ سَـخِـطَ الْـعُـمُـومُ
وَلَـــمَّـــا أَنْ ثَــوَى نَــادَيْــتُ أَرِّخْ
ثَـوَى قَـتْـلًا بِـلَا مَـهَـلٍ «نَـعِـيـمُ»

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: خدع رجل يهودي اسمه سليم غلامًا مسيحيًّا من أهل حلب اسمه نعيم، وأتى به إلى بغداد ليرقص في الملاهي، فطلب بعض أهلها من الغلام أمورًا عافتها نفسه، فحقد على الغلام أحدهم، وانتهز وجود الغلام في نادي طرب يضم المئات من الناس، وأطلق عليه الرصاص فقتله، وزجَّ بالجاني الحاقد إلى السجن، فنظم معروف الرصافي هذه القصيدة.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الوافر
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤