بَعْدَ بَرَاحِ الشَّامِ

Wave Image
قَــدْ صَـحَّ عَـزْمُـكَ وَالـزَّمَـانُ مَـرِيـضُ
حَـتَّـامَ تَـذْهَـبُ فِـي الْـمُـنَـى وَتَـئِـيضُ
مَــا بَــالُ هَــمِّــكَ فِــي الْــفُــؤَادِ كَأَنَّـهُ
عَـظْـمٌ يُـقَـلْـقَـلُ فِـي حَـشَـاكَ مَـهِيضُ
كَــمْ بِــتَّ مُــعْـتَـلِـجَ الْـهُـمُـومِ بِـلَـيْـلَـةٍ
مَــا لِــلــظَّــلَامِ بِــفَــجْـرِهَـا تَـقْـوِيـضُ
طَنَّتْ بِمَسْمَعِكَ الْهَوَاجِسُ فِي الدُّجَى
فَــنَــفَــتْ كَــرَاكَ كَـمَـا يَـطِـنُّ بَـعُـوضُ
تَــنْــبُــو جُــنُـوبُـكَ عَـنْ فِـرَاشٍ نَـاعِـمٍ
فَـكَأَنَّ مَـضْـجَـعَـكَ الـدَّمِـيثَ قَضِيضُ
وَكَأَنَّ جَــنْــبَــكَ بِــالْــجَــوَى مُـتَـقَـرِّحٌ
وَكَأَنَّ قَــلْــبَــكَ بِــالْــهُـمُـومِ رَضِـيـضُ
كَـبُـرَتْ لِـنَـفْـسِـكَ فِـي الْـحَـيَـاةِ لُـبَانَةٌ
ضَـــاقَـــتْ سَـــمَــوَاتٌ بِــهَــا وَأُرُوضُ
مَــا زِلْـتَ تَـقْـتَـحِـمُ الْـمَـهَـالِـكَ دُونَـهَـا
فَـالْـهَـوْلَ تَـرْكَـبُ وَالـصِّـعَـابَ تَـرُوضُ
لِـــلـــهِ أَنْــتَ فَأَيَّ هَــوْلٍ تَــمْــتَــطِــي
أَمْ أَيَّ مُــعْــتَـرَكِ الْـخُـطُـوبِ تَـخُـوضُ
•••
وَلَــرُبَّ قَــافِــيــةٍ كَــمُــؤْتَـلِـقِ الـسَّـنَـا
يَـجْـلُـو الـشُّـكُـوكَ يَـقِـينُهَا الْمَمْحُوضُ
صَــرَّحْــتُ فِـي إِنْـشَـادِهَـا بِـحَـقِـيـقَـةٍ
فَــاتَ الْأَنَــامَ بِــمِــثْــلِـهَـا الـتَّـعْـرِيـضُ
وَلَــقَــدْ أَجَــرَّنِــيَ الْــقَــرِيـضُ عِـنَـانَـهُ
وَنَــحَـا بِـيَ الْـمِـضْـمَـارُ وَهْـوَ مَـرُوضُ
وَأَتَـى الْـمَـدَى يَـوْمَ الـسِّـبَـاقِ مُـجَـلِّـيًا
يَــجْــرِي سَــبُــوحٌ خَــلْــفَـهُ وَرَكُـوضُ
قَـدْ كُـنْـتُ أَنْـبِـطُ لِـلْـقَـرِيـضِ قَـرِيـحَةً
بِــمَــفَــاخِـرِ الْـعَـرَبِ الْـكِـرَامِ تَـفِـيـضُ
وَلَـكَـمْ وَقَـفْـتُ مِـنَ الـسِّـيَـاسَةِ مَوْقِفًا
مَـحْـيَـايَ فِـيـهِ عَـلَـى التَّوَى مَعْرُوضُ
مُـسْـتَـنْـهِـضًـا بِـالـشِّـعْـرِ قَـوْمِـي لِـلْعُلَا
إِذْ كَـــانَ فِـــيــهِــمْ فَــتْــرَةٌ وَرُبُــوضُ
أَيَّــامَ لَــمْ يَــنْــطِــقْ بِــذَلِــكَ شَــاعِــرٌ
قَــبْــلِـي وَلَـمْ يُـنْـشَـدْ هُـنَـاكَ قَـرِيـضُ
حَــــتَّــــى إِذَا دَارَ الـــزَّمَـــانُ مَـــدَارَهُ
خَـابَ الْـقَـرِيـضُ وَعَـادَ وَهْـوَ جَـرِيضُ
وَغَــدَا يُــنَــازِعُـنِـي الْـحَـرُورَةَ شَـاعِـرٌ
مَــا كَــانَ حُــرًّا شِــعْــرُهُ الْــمَـقْـرُوضُ
وَيَـــبُــزُّنِــي ثَــوْبَ الْأَمَــانَــةِ خَــائِــنٌ
كَأَبِــي بَــرَاقِــشَ طَـبْـعُـهُ الْـمَـرْفُـوضُ
كَـــمْ مُــدَّعٍ دَعْــوَايَ فِــي وَطَــنِــيَّــةٍ
أَنَــا كُــنْــتُ أَبْــنِــيـهَـا وَكَـانَ يَـقُـوضُ
مِـنْ كُـلِّ عَـبْـدٍ فِـي الـسِّـيَـاسَـةِ بَـاعَـهُ
وَشَــرَاهُ هَــذَا الــدِّرْهَــمُ الْــمَـقْـبُـوضُ
تَـعِـسَ الْـمُـخَـاصِـمُ إِنَّ لِـي لَـقَـصَـائِدًا
طَــرْفُ الْــمُـعَـانِـدِ دُونَـهُـنَّ غَـضِـيـضُ
فَإِذَا ادَّعَــيْــتُ فَـهُـنَّ فِـي دَعْـوَايَ لِـي
حُــجَــجٌ دَوَامِــغُ مَــا لَــهُــنَّ دُحُـوضُ
وَسَـلِ الْـيَـرَاعَ يُـجِـبْـكَ عَـنِّـي نَـاطِـقًا
بِـمَـقَـالِ صِـدْقٍ لَـيْـسَ فِـيـهِ غُـمُـوضُ
•••
لَـــمَّــا تَــكَــرَّهَــنِــي الْأَرَاذِلُ سَــرَّنِــي
أَنِّــي إِلَــيْــهِــمْ يَــا أُمَــيْــمَ بَــغِــيـضُ
وَلَـقَـدْ بَـرِئْـتُ إِلَـى الْـوَفَـاءِ مِـنِ امْـرِئٍ
عَــهْــدُ الــصَّــدَاقَـةِ عِـنْـدَهُ مَـنْـقُـوضُ
وَجَــزَيْــتُ كُــلَّ صَــنِـيـعَـةٍ بِـمِـثَـالِـهَـا
إِنَّ الــصَّــنَـائِـعَ فِـي الـرِّجَـالِ قُـرُوضُ
لَا تَــطْــلُــبَــنَّ مِــنَ الـزَّمَـانِ حَـقِـيـقَـةً
مَـا لِـلْـحَـقِـيـقَـةِ فِـي الـزَّمَـانِ وَمِـيضُ
وَإِذَا مَـخَـضْـتَ مِـنَ الـلَّـيَـالِـي صَرْفَهَا
أَبْـدَى الْـعَـجَـائِـبَ صَـرْفُهَا الْمَمْخُوضُ
وَحَــوَادِثُ الْأَيَّــامِ مِــثْــلُ نِــسَــائِــهَـا
فِـي الْـحُـكْـمِ تَـطْـهُـرُ تَـارَةً وَتَـحِـيـضُ
وَلَـــرُبَّــمَــا أَنْــتَــجْــنَ كُــلَّ كَــرِيــهَــةٍ
سَــوْدَاءَ تَــقْــنَأُ فِـي وَغَـاهَـا الْـبِـيـضُ
قَــدْ سَــاءَ مُــنْــقَـلَـبُ الْـبِـلَادِ بِأَهْـلِـهَـا
فَــانْـحَـطَّ أَوْجٌ وَاشْـمَـخَـرَّ حَـضِـيـضُ
ذَهَــبَ الْـحَـيَـاءُ فَـكَـمْ رَأَيْـنَـا صَـاغِـرًا
قَــدْ جَــاءَ وَهْــوَ لِــمِــذْرَوَيْـهِ نَـفُـوضُ
وَقِـحٌ تَـعَـامَـى عَـنْ مَـدَانِـسِ عِـرْضِـهِ
فَــزَهَــاهُ عُــجْــبًـا ثَـوْبُـهُ الْـمَـرْحُـوضُ
غَـلَـبَ الـشَّـقَـاءُ عَـلَـى الْأَنَامِ فَخَيْرُهُمْ
دَثٌّ وَقَـــطْـــرُ شُــرُورِهِــمْ إِغْــرِيــضُ
كَـيْـفَ الـسَّـعَـادَةُ فِـي الْـحَيَاةِ وَلِلْوَرَى
فِــي قَــوْسِ كُـلِّ ضَـغِـيـنَـةٍ تَـنْـبِـيـضُ
أَمْ كَــيْــفَ تَــبْــتَــدِعُ الْــمَـعَـالِـيَ أُمَّـةٌ
فِـي الْـعِـلْـمِ قَـلَّ نَـصِـيـبُـهَـا الْمَفْرُوضُ
لَــنْ تَــعْـدَمَ الـدُّنْـيَـا الـشَّـقَـاءَ بِأَهْـلِـهَـا
مَــا دَامَ مُــلْـكٌ فِـي الْـبِـلَادِ عَـضُـوضُ
وَيْـــحَ الــذَّكَــاءِ فَــقَــدْ تَأَخَّــرَ أَهْــلُــهُ
حَــتَّــى تَــقَــدَّمَ مَــنْ قَــفَـاهُ عَـرِيـضُ
أَخْــزَى الْــبِــلَادَ مَــفَــاسِــدًا بَــلَــدٌ بِـهِ
مُــقِــتَ الْأَدِيــبُ وَأُكْــرِمَ الْــعِــرِّيــضُ
وَإِذَا الْــفَــتَــى قَــعَــدَتْ بِــهِ أَفْــعَـالُـهُ
أَعْــيَــاهُ بِــالـنَّـسَـبِ الـرَّفِـيـعِ نُـهُـوضُ
وَالْـمَـرْءُ إِنْ عَـدِمَـتْ سَـجِـيَّـتُـهُ الْـعُـلَا
لَــمْ يَــبْـتَـعِـثْـهُ إِلَـى الْـعُـلَا تَـحْـرِيـضُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤