ذِكْرَى أَيَّامِ الوِصَالِ

Wave Image
أَضْـحَـى الـتَّـنَـائِـي بَـدِيـلًا مِـنْ تَـدَانِينَا
وَنَـابَ عَـنْ طِـيـبِ لُـقْـيَـانَـا تَـجَـافِـيـنَـا
أَلَّا وَقَـدْ حَـانَ صُـبْـحُ الْـبَـيْـنِ صَـبَّـحَـنَا
حَــيْــنٌ فَــقَــامَ بِــنَـا لِلْـحَـيْـنِ نَـاعِـيـنَـا
مَـنْ مُـبْـلِـغُ الْـمُـلْـبِـسِـيـنَـا بِـانْـتِـزَاحِـهِمُ
حُـزْنًـا مَـعَ الـدَّهْـرِ لَا يَـبْـلَـى وَيُـبْـلِـيـنَـا
أَنَّ الــزَّمَــانَ الَّـذِي مَـا زَالَ يُـضْـحِـكُـنَـا
أُنْــسًــا بِــقُــرْبِــهِــمُ قَـدْ عَـادَ يُـبْـكِـيـنَـا
غِـيظَ الْعِدَى مِنْ تَسَاقِينَا الْهَوَى فَدَعَوْا
بِــأَنْ نَــغَــصَّ فَــقَــالَ الــدَّهْــرُ آمِــيـنَـا
فَـانْـحَـلَّ مَـا كَـانَ مَـعْـقُـودًا بِـأَنْـفُـسِـنَـا
وَانْــبَــتَّ مَــا كَـانَ مَـوْصُـولًا بِـأَيْـدِيـنَـا
وَقَــد نَــكــونُ وَمـا يُـخـشـى تَـفَـرُّقُـنـا
فَـالـيَـومَ نَـحـنُ وَمـا يُـرجـى تَـلاقـيـنـا
يـا لَـيْـتَ شِـعْـرِي وَلَـم نُـعـتِب أَعادِيَكُم
هَـل نـالَ حَـظًّـا مِـنَ الـعُـتْـبَـى أَعَـادِينَا
لَــمْ نَـعْـتَـقِـدْ بَـعْـدَكُـمْ إِلَّا الْـوَفَـاءَ لَـكُـمْ
رَأْيًـــا وَلَـــمْ نَــتَــقَــلَّــدْ غَــيْــرَهُ دِيــنَــا
مَـا حَـقُّـنَـا أَنْ تُـقِـرُّوا عَـيْـنَ ذِي حَـسَـدٍ
بِــنَــا، وَلَا أَنْ تَــسُــرُّوا كَــاشِـحًـا فِـيـنَـا
كُـنَّـا نَـرَى الْـيَـأْسَ تُـسْـلِـيـنَـا عَـوَارِضُـهُ
وَقَــدْ يَــئِــسْـنَـا فَـمَـا لِلْـيَـأْسِ يُـغْـرِيـنَـا
بِــنْـتُـمْ وَبِـنَّـا فَـمَـا ابْـتَـلَّـتْ جَـوَانِـحُـنَـا
شَــوْقًــا إِلَــيْــكُـمْ وَلَا جَـفَّـتْ مَـآقِـيـنَـا
نَــكَــادُ حِــيــنَ تُـنَـاجِـيـكُـمْ ضَـمَـائِـرُنَـا
يَـقْـضِـي عَـلَـيْـنَـا الْأَسَـى لَـوْلَا تَـأَسِّـيـنَا
حَــالَــتْ لِــفَــقْــدِكُــمُ أَيَّــامُـنَـا فَـغَـدَتْ
سُـودًا وَكَـانَـتْ بِـكُـمْ بِـيـضًـا لَـيَـالِـيـنَـا
إِذْ جَـانِـبُ الْـعَـيْـشِ طَـلْـقٌ مِـنْ تَـأَلُّـفِـنَا
وَمَــوْرِدُ اللَّــهْـوِ صَـافٍ مِـنْ تَـصَـافِـيـنَـا
وَإِذْ هَـصَـرْنَـا غُـصُـونَ الْـوَصْـلِ دَانِـيَـةً
قُــطُـوفُـهَـا فَـجَـنَـيْـنَـا مِـنْـهُ مَـا شِـيـنَـا
لِــيُـسْـقَ عَـهْـدُكُـمُ عَـهْـدُ الـسُّـرُورِ فَـمَـا
كُـــنْـــتُــمْ لِأَرْوَاحِــنَــا إِلَّا رَيَــاحِــيــنَــا
لَا تَــحْــسَــبُــوا نَـأْيَـكُـمْ عَـنَّـا يُـغَـيِّـرُنَـا
أَنْ طَــالَــمَــا غَــيَّـرَ الـنَّـأْيُ الْـمُـحِـبِّـيـنَـا
وَاللـــهِ مَــا طَــلَــبَــتْ أَهْــوَاؤُنَــا بَــدَلًا
مِـنْـكُـمْ وَلَا انْـصَـرَفَـتْ عَـنْـكُـمْ أَمَـانِينَا
يَـا سَـارِيَ الْـبَـرْقِ غَـادِ الْقَصْرَ فَاسْقِ بِهِ
مَـنْ كَـانَ صِـرْفَ الْـهَـوَى وَالْوُدِّ يَسْقِينَا
وَاسْــأَلْ هُــنَــالِـكَ هَـلْ عَـنَّـى تَـذَكُّـرُنَـا
إِلْــفًــا، تَــذَكُّــرُهُ أَمْــسَــى يُــعَــنِّــيــنَــا
وَيَــا نَــسِــيــمَ الـصَّـبَـا بَـلِّـغْ تَـحِـيَّـتَـنَـا
مَـنْ لَـوْ عَـلَـى الْـبُـعْـدِ حَـيَّا كَانَ يُحْيِينَا
فَـهَـلْ أَرَى الـدَّهْـرَ يَـقْـضِـيـنَـا مُـسَاعَفَةً
مِــنْــهُ، وَإِنْ لَـمْ يـكُـنْ غِـبًّـا تَـقَـاضِـيـنَـا
رَبِـــيـــبُ مُـــلْـــكٍ كَــأَنَّ اللــهَ أَنْــشَــأَهُ
مِــسْــكًــا وَقَـدَّرَ إِنْـشَـاءَ الْـوَرَى طِـيـنَـا
أَوْ صَــاغَــهُ وَرِقًــا مَــحْــضًــا وَتَــوَّجَـهُ
مِـنْ نَـاصِـعِ الـتِّـبْـرِ إِبْـدَاعًـا وَتَـحْـسِـيـنَا
إِذَا تَــــــأَوَّدَ آدَتْــــــهُ رَفَــــــاهِـــــيَـــــةً
تُــومُ الْــعُــقُــودِ وَأَدْمَـتْـهُ الْـبُـرَى لِـيـنَـا
كَـانَـتْ لَـهُ الـشَّـمْـسُ ظِـئْـرًا فِـي أَكِـلَّتِهِ
بَــلْ مَــا تَــجَــلَّــى لَــهَــا إِلَّا أَحَــايِـيـنَـا
كَــأَنَّـمَـا أُثْـبِـتَـتْ فِـي صَـحْـنِ وَجْـنَـتِـهِ
زُهْــرُ الْــكَــوَاكِــبِ تَـعْـوِيـذًا وَتَـزْيِـيـنَـا
مَــا ضَــرَّ أَنْ لَــمْ نَـكُـنْ أَكْـفَـاءَهُ شَـرَفًـا
وَفِــي الْــمَــوَدَّةِ كَــافٍ مِــنْ تَـكَـافِـيـنَـا
يَــا رَوْضَـةً طَـالَـمَـا أَجْـنَـتْ لَـوَاحِـظَـنَـا
وَرْدًا جَــلَاهُ الــصِّـبَـا غَـضًّـا وَنِـسْـرِيـنَـا
وَيَــا حَــيَــاةً تَــمَــلَّــيْــنَــا بِــزَهْــرَتِــهَـا
مُـــنًــى ضُــرُوبًــا وَلَــذَّاتٍ أَفَــانِــيــنَــا
وَيَــا نَــعِــيـمًـا خَـطَـرْنَـا مِـنْ غَـضَـارَتِـهِ
فِـي وَشْـيِ نُـعْـمَـى سَـحَـبْـنَا ذَيْلَهُ حِينَا
لَــسْــنَــا نُــسَــمِّــيـكَ إِجْـلَالًا وَتَـكْـرِمَـةً
وَقَـدْرُكَ الْـمُـعْـتَـلَـى عَـنْ ذَاكَ يُـغْـنِـيـنَـا
إِذَا انْـفَـرَدْتَ وَمَـا شُـورِكْـتَ فِـي صِـفَةٍ
فَـحَـسْـبُـنَـا الْـوَصْـفُ إِيـضَـاحًـا وَتَبْيِينَا
يَــا جَــنَّــةَ الْـخُـلْـدِ أُبْـدِلْـنَـا بِـسِـدْرَتِـهَـا
وَالْـكَـوْثَـرِ الْـعَـذْبِ زَقُّـومًـا وَغِـسْـلِـيـنَـا
كَــأَنَّــنَــا لَــمْ نَــبِـتْ وَالْـوَصْـلُ ثَـالِـثُـنَـا
وَالـسَّـعْـدُ قَـدْ غَـضَّ مِنْ أَجْفَانِ وَاشِينَا
سِـرَّانِ فِـي خَـاطِـرِ الـظَّـلْـمَـاءِ يَـكْـتُـمُنَا
حَـتَّـى يَـكَـادَ لِـسَـانُ الـصُّـبْـحِ يُـفْـشِينَا
لَا غَـرْوَ فِي أَنْ ذَكَرْنَا الْحُزْنَ حِينَ نَهَتْ
عَـنْـهُ الـنُّـهَـى وَتَـرَكْـنَـا الـصَّـبْـرَ نَـاسِينَا
إِنَّــا قَــرَأْنَـا الْأَسَـى يَـوْمَ الـنَّـوَى سُـوَرًا
مَــكْــتُـوبَـةً وَأَخَـذْنَـا الـصَّـبْـرَ تَـلْـقِـيـنَـا
أَمَّــا هَــوَاكِ فَــلَــمْ نَــعْــدِلْ بِــمَــنْـهَـلِـهِ
شِــرْبًـا وَإِنْ كَـانَ يَـرْوِيـنَـا فَـيُـظْـمِـيـنَـا
لَــمْ نَـجْـفُ أُفْـقَ جَـمَـالٍ أَنْـتِ كَـوْكَـبُـهُ
سَــالِــيــنَ عَـنْـهُ وَلَـمْ نَـهْـجُـرْهُ قَـالِـيـنَـا
وَلَا اخْــتِــيَــارًا تَــجَـنَّـبْـنَـاهُ عَـنْ كَـثَـبٍ
لَــكِــنْ عَــدَتْــنَــا عَـلَـى كُـرْهٍ عَـوَادِيـنَـا
نَـأْسَـى عَـلَـيْـكِ إِذَا حُـثَّـتْ مُـشَـعْـشَعَةً
فِــيــنَــا الــشَّـمُـولُ، وَغَـنَّـانَـا مُـغَـنِّـيـنَـا
لَا أَكْـؤُسُ الـرَّاحِ تُـبْـدِي مِـنْ شَـمَـائِـلِـنَا
سِــيــمَـا ارْتِـيَـاحٍ، وَلَا الْأَوْتَـارُ تُـلْـهِـيـنَـا
دُومِـي عَـلَـى الْـعَهْدِ، مَا دُمْنَا، مُحَافِظَةً
فَــالْــحُـرُّ مَـنْ دَانَ إِنْـصَـافًـا كَـمَـا دِيـنَـا
فَـمَـا اسْـتَـعَـضْـنَـا خَـلِيلًا مِنْكِ يَحْبِسُنَا
وَلَا اسْـتَـفَـدْنَـا حَـبِـيـبًـا عَـنْـكِ يَـثْـنِـينَا
وَلَـوْ صَـبَـا نَـحْـوَنَـا مِـنْ عُـلْـوِ مَـطْـلَـعِهِ
بَـدْرُ الـدُّجَـى لَـمْ يَـكُـنْ حَاشَاكِ يُصْبِينَا
أَوْلِــي وَفَــاءً وَإِنْ لَــمْ تَــبْــذُلِــي صِـلَـةً
فَـالـطَّـيْـفُ يُـقْـنِـعُـنَـا، وَالـذِّكْـرُ يَـكْـفِينَا
وَفِـي الْـجَـوَابِ مَـتَـاعٌ إِنْ شَـفَـعْـتِ بِـهِ
بِـيـضَ الْأَيَـادِي الَّـتِـي مَـا زِلْـتِ تُـولِـينَا
عَــلَــيْــكِ مِــنَّـا سَـلَامُ اللـهِ مَـا بَـقِـيَـتْ
صَــبَــابَــةٌ بِـكِ نُـخْـفِـيـهَـا فَـتُـخْـفِـيـنَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: استعطاف حبيبته ولَّادة لكي تعود لحبه بعد أن هجرته.
  • غرض القصيدة: النسيب
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الأندلسي

عن الشاعر

«ابن زيدون»: شاعر أندلسي هو من أبزر شعراء قرطبة وإشبيلية في عصره، له قصة شهيرة جمعت بينه وبين شاعرة الأندلس «ولَّادة بنت المستكفي».

وُلد أبو الوليد «أحمد بن زيدون المخزومي» في «قرطبة» بالأندلس عام ١٠٠٣م لأسرة تنتمي إلى بني مخروم، وقد تعلم الأدب والشعر واللغة منذ حداثته على يد أبيه وعلماء «قرطبة» التي كانت في ذلك الوقت منارةً للعلم والفن والأدب والطرب، فحفظ السير والحكم والأمثال والشعر العربي.

اشتهر «ابن زيدون» في مجالس قرطبة الأدبية والاجتماعية بخفة الظل والميل للدعابة ونال شعره شهرة واسعة في المنتديات الأدبية التي كانت النساء ذوات المكانة العالية تديرها، وكان الشعراء يطمعون في مكانة وحظوة لديهن، مثل محبوبة «ابن زيدون» «ولادة بنت المستكفي» التي أفرد لها أروع قصائده وتنافس على الفوز بقلبها مع غريمه «ابن عبدوس».

اشترك «ابن زيدون» في الثورة التي قام بها «ابن جمهور» على آخر خلفاء بني آمية والتي ما نجحت حتى اتخذه وزيرًا له وكاتبًا ولُقب ﺑ«ذي الوزارتين»، ولكن ما لبث أن أوقع المنافسون بينه وبين «ابن جمهور» فعزله وألقى به في السجن وهناك كتب له مجموعة من القصائد والرسائل النثرية يحاول استمالته مجددًا وأن يبرئ نفسه، كما كتب من الأسر أروع أشعاره لاستعطاف «ولادة» ولكن دون جدوى. واستطاع «ابن زيدون» الهرب من السجن حتى احتل «المعتمد بن عباد» مدينة «قرطبة» وضمَّها إلى ملكه فأعاده وزيرًا مرة أخرى. وبعدها أُرسل «ابن زيدون» إلى «إشبيلية» لتهدئة الفتنة التي ثارت فيها واستمر في الإقامة بها.

وﻟ«ابن زيدون» ديوان شعر يتميز بتنوع موضوعاته وسهولة لغته، كما ترك مجموعة من الرسائل التي توضح سمات عصره السياسية والاجتماعية، وقد وصف النقاد شعره بأنه بليغ رغم إيثاره التراكيب الشعرية البسيطة. كما تميز «ابن زيدون» بالبناء التصويري الشعري الذي تبدو فيه الطبيعة والمكان الذي كان يقطن فيه مصورةً بشكلٍ متميز، والبناء الموسيقي الذي اتسم بحسن التقسيم والإيقاعات المتتالية في الأوزان والقوافي.

وقد توفي «ابن زيدون» بعد أن داهمه المرض أثناء إقامته في «إشبيلية» ودُفن بها وذلك في عام ١٠٧١م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤