أَعْلَامُ الْمَجْمَعِ
Your browser does not support the audio element.
غَـدًا فِـي سَـمَـاءِ الْـعَـبْـقَـرِيَّـةِ نَـلْـتَـقِـي
وَتَــجْــتَــمِــعُ الْأَنْــدَادُ بَــعْــدَ الـتَّـفَـرُّقِ
وَنَــذْكُــرُ عَــيْـشًـا كَـالْأَزَاهِـرِ لَـمْ يَـطُـلْ
وَوُدًّا كَـمَـشْـمُـولِ الـرَّحِـيـقِ الْـمُـصَفَّقِ
وَنَــضْــحَــكُ مِــنْ آمَـالِـنَـا كَـيْـفَ أَنَّـهَـا
أَصَـاخَـتْ إِلَـى وَعْـدِ الـزَّمَـانِ الْـمُـلَـفِّقِ
وَنَــسْــبَــحُ فِــي أَنْــهَــارِ عَــدْنٍ كَأَنَّـمَـا
سَــرَائِــرُنَــا مِــنْ مَــائِــهَــا الْـمُـتَـدَفِّـقِ
وَنَـــخْــتَــرِقُ الْأَجْــوَاءَ بَــيْــنَ مُــدَوِّمٍ
يَــمُــدُّ جَــنَــاحَــيْــهِ وَبَــيْـنَ مُـصَـفِّـقِ
•••
ذَكَــرْتُ أَحِــبَّــائِـي وَقَـدْ سَـارَ رَكْـبُـهُـمْ
إِلَــى غَــيْــرِ آفَــاقٍ عَــلَـى غَـيْـرِ أَيْـنُـقِ
أُوَدِّعُـــهُــمْ مَــا بَــيْــنَ لَــوْعَــةِ وَاجِــدٍ
تَــطِــيـرُ بِـهِ الـذِّكْـرَى وَزَفْـرَةِ مُـشْـفِـقِ
وَأَبْــعَـثُ فِـي الـصَّـحْـرَاءِ أَنَّـاتِ شَـيِّـقِ
وَهَـلْ تَـسْـمَـعُ الـصَّـحْرَاءُ أَنَّاتِ شَيِّقِ؟!
تَــعَــلَّـقْـتُ بِـالْـحَـدْبَـاءِ حَـيْـرَانَ وَالِـهًـا
وَكَـيْـفَ وَمَـاذَا نَـافِـعِـي مِـنْ تَـعَـلُّقِي؟!
لَـمَـسْـتُ فَـلَـمْ أَلْـمِـسْ سِـوَى أَرْيَـحِـيَّةٍ
مِــنَ الــنَّــوْرِ لُــفَّـتْ فِـي رِدَاءٍ مُـخَـلَّـقِ
•••
أَتُـدْفَـنُ فِـي الْأَرْضِ الْـكُـنُـوزُ وَفَـوْقَـهَا
خَــلَاءٌ إِلَــى لَأْلَائِــهَــا جِــدُّ مُــمْــلِــقِ؟
وَيَـمْـضِـي الْـحِـجَـا مَـا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
كَـلَـمْـحَـةِ طَـرْفٍ أَوْ كَـوَمْـضَـةِ مُـبْرِقِ؟
يَـضِـيـقُ فَضَاءُ الْأَرْضِ عَنْ هِمَّةِ الْفَتَى
وَيُـجْـمَـعُ فِـي لَـحْـدٍ مِـنَ الْأَرْضِ ضَيِّقِ
تَــبَــابٌ لِــهَــذَا الــدَّهْـرِ مَـاذَا يُـرِيـدُهُ؟
وَأَيُّ جَـــدِيـــدٍ عِـــنْــدَهُ لَــمْ يُــمَــزَّقِ؟
يُــصَــدِّعُ مِــنْ أَعْــلَامِــنَــا كُـلَّ رَاسِـخٍ
ويُــطْــفِــئُ مِــنْ أَنْـوَارِنَـا كُـلَّ مُـشْـرِقِ
هُـوَ الْـمَوْتُ مَا أَغْنَى اسْمَهُ عَنْ صِفَاتِهِ
وَعَــنْ كُــلِّ أَلْــوَانِ الْــكَـلَامِ الْـمُـنَـمَّـقِ!
رَمَــتْــنِــي عَــوَادِيــهِ فَإِنْ قُـلْـتُ إِنَّـهَـا
مَــضَــتْ بِأَمَــانِــيِّ الْـحَـيَـاةِ فَـصَـدِّقِ!
•••
أَأَحْـمَـدُ أَيْـنَ الْأَمْـسُ وَالْأَمْـسُ لَـمْ يَعُدْ
سِــوَى ذِكْــرَيَــاتٍ لِــلْـخَـيَـالِ الْـمُـؤَرِّقِ
كَأَنِّــي أَرَاكَ الْــيَــوْمَ تَـخْـطُـبُ صَـائِـلًا
وتَـهْـدِرُ تَـهْـدَارَ الْـفَـنِـيـقِ الْـمُـشَـقْـشِـقِ
تُـنَـافِـحُ عَـنْ بِـنْـتِ الـصَّـحَـارِي مُشَمِّرًا
وتَــفْــتَــحُ مِــنْ أَسْـرَارِهَـا كُـلَّ مُـغْـلَـقِ
مَـضَـى حَارِسُ الْفُصْحَى فَخَلَّدَهُ اسْمُهُ
كَـمَـا خَـلَّـدَ الْأَعْـشَـى حَـدِيـثَ الْمُحَلَّقِ
فَــقَــدْنَـا بِـهِ زَيْـنَ الْـفَـوَارِسِ إِنْ رَمَـى
أَصَـابَ وَإِنْ يُـرْخِ الْـعِـنَـانَـيْـنِ يَـسْـبِـقِ
فَــقُــلْ لِــلَّــذِي يَـسْـمُـو لِـذَيْـلِ غُـبَـارِهِ
ظَـلَـمْـتَ الْـعِـتَـاقَ الـشَّيْظَمِيَّاتِ فَارْفُقِ
إِذَا مَــا رَمَــى عِــنْــدَ الْـجِـدَالِ عَـبَـاءَهُ
رَمَـاكَ بِـسَـيْـلٍ يَـقْـذِفُ الـصَّـخْرَ مُغْرِقِ
فَـجَـانِـبْ إِذَا كُـنْـتَ الْـحَـكِـيـمَ سُـؤَالَهُ
وَأَطْــــرِقْ إِلَــــى آرَائِـــهِ ثُـــمَّ أَطْـــرِقِ
•••
أَأَحْــمَــدُ، إِنْ تَــمْــرُرْ بِــوَالِــي فَـحَـيِّـهِ
وَبَــلِّــغْــهُ أَشْــوَاقَ الْــفُــؤَادِ الْـمُـحَـرَّقِ
طَــوَيْــنَــاهُ صَــيَّــادَ الْأَوَابِــدِ لَـمْ يَـدَعْ
عَــزِيــزًا عَــلَـى الْأَفْـهَـامِ غَـيْـرَ مُـوَثَّـقِ
لَـهُ نَـظْـرَةٌ لَـمْ يَـحْـتَـمِـلْ وَقْـعَ سِحْرِهَا
غَـرِيـبُ ابْـنُ حُجْرٍ أَوْ عَوِيصُ الْفَرَزْدَقِ
أَحَــاطَ بِآثَــارِ الْــخَــلِــيــلِ بْـنِ أَحْـمَـدٍ
إِحَــاطَــةَ فَــيَّــاضِ الْــبَــيَــانِ مُـدَقِّـقِ
إِذَا مَـسَّ بِـالْـكَـفِّ الْـجَـبِـيـنَ تَـدَافَـعَتْ
جُـيُـوشُ الْـمَـعَـانِـي فَـيْـلَـقًـا إِثْـرَ فَيْلَقِ
•••
وَيَــوْمًــا مَــعَ الْإِسْــكَــنْــدَرِيِّ رَأَيْــتُــهُ
يُـجَـاذِبُـهُ فَـضْـلَ الْـحَـدِيـثِ الْـمُـشَقَّقِ
فَـهَـذَا يَـرَى فِـي لَـفْـظَـةٍ غَـيْـرَ مَـا يَرَى
أَخُــوهُ وَيَــخْــتَـارُ الـدَّلِـيـلَ وَيَـنْـتَـقِـي
فَــقُــلْــتُ أَرَى لَــيْـثًـا وَلَـيْـثًـا تَـجَـمَّـعَـا
وَأَشْـدَقَ مِـلْءَ الْـعَـيْـنِ يَـمْشِي لِأَشْدَقِ
وَأَعْــجَــبَــنِــي رَأْيٌ سَـلِـيـمٌ وَمَـنْـطِـقٌ
يَــصُـولُ عَـلَـى رَأْيٍ سَـلِـيـمٍ وَمَـنْـطِـقِ
وَقَــدْ لَــوَّحَــتْ أَيْــدِيــهِــمَــا فَــكَأَنَّـهَـا
إِشَــارَاتُ رَايَــاتٍ تَــرُوحُ وَتَــلْــتَــقِــي
وَلَــمْ أَرَ فِــي لَـفْـظَـيْـهِـمَـا نَـبْـرَ عَـائِـبٍ
وَلَـمْ أَرَ فِـي عَـيْـنَـيْـهِـمَـا لَـمْـحَ مُـحْنَقِ
فَـقُـلْـتُ هِـيَ الْـفُـصْـحَـى بِـخَـيْرٍ وَإِنَّهَا
بِأَمْــثَـالِ هَـذَيْـنِ الْـحَـفِـيَّـيْـنِ تَـرْتَـقِـي
•••
وَلَـمْ أَنْـسَ نَـلِّـيـنُـو وَقَـدْ جَـاءَ فَـيْـصَلًا
بِـــحُـــجَّــةِ بَــحَّــاثٍ وَرَأْيِ مُــحَــقِّــقِ
وَفِــكْــرٍ لَــهُ مِــنْ فِــطْــرَةِ الـرُّومِ دِقَّـةٌ
وَمِــنْ نَــفَـحَـاتِ الْـعُـرْبِ حُـسْـنُ تَأَلُّـقِ
يُــنَــسِّــقُ عِــلْــمَ الْأَوَّلِــيــنَ مُـجَـاهِـدًا
وَلَا خَــيْــرَ فِــي عِــلْـمٍ إِذَا لَـمْ يُـنَـسَّـقِ
تَــقَــاسَــمَــهُ غَــرْبٌ وَشَــرْقٌ فَأَلَّــفَــتْ
مَــنَــاقِــبُــهُ مَــا بَـيْـنَ غَـرْبٍ وَمَـشْـرِقِ
فَدَعْ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ وَاسْمَعْهُ لَا تَجِدْ
سِــوَى عَــرَبِـيٍّ فِـي الْـعُـرُوبَـةِ مُـعْـرِقِ
إِذَا صَــالَ أَلْــقَــى الـرُّمْـحَ كُـلُّ مُـنَـازِلٍ
وَإِنْ هُـــوَ دَوَّى سَـــفَّ كُــلُّ مُــحَــلِّــقِ
عَـشِـقْـنَـاهُ وَضَّـاحَ الْـخَـلَائِـقِ مُـخْـلِصًا
وَمَــنْ يَـكُ وَضَّـاحَ الْـخَـلَائِـقِ يُـعْـشَـقِ
فَـيَـا مَـجْـمَـعَ الْـفُـصْـحَـى عَـزَاءً فَـكُلُّنَا
إِلَـى الـشَّـاطِـئِ الْـمَـوْعُودِ رُكَّابُ زَوْرَقِ
وَمَــا عَــقِـمَـتْ أُمُّ الـلُّـغَـاتِ وَلَا خَـلَـتْ
خَــمَــائِــلُـهَـا مِـنْ سَـجْـعِ كُـلِّ مُـطَـوَّقِ
عن القصيدة
مناسبة القصيدة:
في رثاء الأساتذة أحمد الإسكندري وحسين والي ونلينو أعضاء مجمع اللغة العربية. أُنشدت بدار الأوبرا في فبراير سنة ١٩٣٩م.
طريقة النظم:
عمودي
لغة القصيدة:
الفصحى
بحر القصيدة:
الطويل
عصر القصيدة:
الحديث
عن الشاعر
علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.
ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.
عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.
سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.