شَطَنَ الْمَنُونِ مَلَكْتَ أَيَّ قِيَادِ

Wave Image
شَــطَــنَ الْــمَـنُـونِ مَـلَـكْـتَ أَيَّ قِـيَـادِ
مِــنْ مُــصْــعَــبٍ مَـا كَـانَ بِـالْـمُـنْـقَـادِ
فَأَنَـاخَ لَا يُـرْجَـى لَـدَيْـهِ عَـلَـى الْـبِـلَى
سَـــبْـــقٌ إِلَـــى الْـــغَــايَــاتِ وَالْآمَــادِ
وَثَــوَى بِــمَــدْرَجَـةٍ تَـسَـاوَى عِـنْـدَهَـا
ذُلُّ الْـــحَـــقِـــيــرِ وَعِــزَّةُ الْأَمْــجَــادِ
نَــجْــمَــانِ قَــدْ غَــرَبَـا: فَـذَا لِـمَـنِـيَّـةٍ
عَــجْــلَــى، وَذَاكَ لِــغُــرْبَــةٍ وَعَـوَادِي
وَا لَــهْــفَــتَــاهُ لَــهُ، يَــذُوبُ كِــيَــانُـهُ
وَجَـــنَــانُــهُ كَــالْــكَــوْكَــبِ الْــوَقَّــادِ
وَيَـشِـيـعُ فِـيـهِ الْـمَـوْتُ وَهْـوَ مُغَالِبٌ
بَـــرْدَ الــرَّدَى بِــحَــرَارَةِ الْــفِــرْصَــادِ
يَأْبَــى عَــلَــى وَقْــعِ الـرَّدَى وَدَبِـيـبِـهِ
أَلَّا يَــــمُــــدَّ يَــــدًا غَــــدَاةَ تَــــنَــــادِ
وَيُــغَــالِــطُ الْـقَـلْـبَ الْـقَـرِيـحَ كَأَنَّـمَـا
سَــهْـمُ الْـمَـقَـادِرِ لَـيْـسَ فِـي الْأَكْـبَـادِ
وَإِذَا تَــمَــثَّــلَ حَــيْــنُــهُ لِــضَــمِــيـرِهِ
وَخُــرُوجُــهُ مِــنْ حَــلْــبَــةِ الْأَجْــنَـادِ
نَــزَتِ الْــحَــيَــاةُ بِــهِ تَــنَــزِّي أَلْـسُـنٍ
لِــلــنَّــارِ مُــشْــفِــيَــةٍ عَــلَـى الْأَرْمَـادِ
وَيَـهُـونُ أَنْ يَـلْقَى الْخَصَاصَةَ وَالْأَذَى
وَالْـــبُـــعْـــدَ عَــنْ أَهْــلٍ وَعَــنْ أَوْدَادِ
كُــلٌّ يَــهُــونُ عَــلَــيْـهِ إِمَّـا أَنْـجَـحَ الْـ
ـمَــسْــعَــى وَفَــكَّ مُــوَثَّـقَ الْأَصْـفَـادِ
لَـوْ شَـاءَ كَـانَ عَـلَـى الْـوَرَى مُـسْتَعْلِيًا
بِـــالْـــمَــالِ وَالْأَلْــقَــابِ وَالْأَعْــضَــادِ
لَــكِــنْ تَـرَفَّـعَ عَـنْ جَـدًى لَا يُـقْـتَـنَـى
إِلَّا بِــوَسْــمِ الْــخُــفِّ فِــي الْأَجْــيَــادِ
•••
ثَـبَتَ الْبَوَاسِلُ قَبْلَ عَهْدِكَ فِي الْوَغَى
كَـــالـــطَّـــوْدِ رَاسِــخَ قُــنَّــةٍ وَوِهَــادِ
غَـضِـبُـوا لِـحَـوْزَتِـهِـمْ تُبَاحُ فَزَحْزَحُوا
أَمْــضَــى قَــوَاضِـبِـهِـمْ عَـنِ الْأَغْـمَـادِ
وَتَـزَاحَـفُـوا وَالـنَّـفْـسُ مِـلْءُ شِـعَـابِهَا
أَمَـــلٌ يُـــعَـــدُّ لَـــهُـــمْ مِــنَ الْأَمْــدَادِ
وَمَــضَــوْا خِــفَــافًــا لِــلِّــقَــاءِ كَأَنَّـمَـا
أَيَّـــامُـــهُ الْـــجُـــلَّــى مِــنَ الْأَعْــيَــادِ
حَـتَّـى أَمَـاطُـوا الـضَّيْمَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ
بِـــالْـــجُـــودِ بِــالْأَرْوَاحِ وَالْأَجْــسَــادِ
لَــكِـنَّ مَـنْ يَـمْـضِـي إِلَـى مُـسْـتَـنْـقَـعٍ
لِـــلْـــمَـــوْتِ لَا حُـــلْـــوٍ وَلَا بِـــبُـــرَادِ
وَقَـدِ اسْـتَـحَـالَ الـصُّـبْـحُ لَـيْلًا حَالِكًا
وَخَـبَـتْ مَـصَـابِـيـحُ الـرَّجَـاءِ الْـهَادِي
وَانْــفَــضَّ كُــلُّ مُــنَــاصِـرٍ وَمُـظَـاهِـرٍ
عَــــنْـــهُ فَـــلَا ذُو نَـــخْـــوَةٍ أَوْ فَـــادِ
وَإِذَا أَدَارَ الْــعَــيْــنَ لَــمْ تَأْخُــذْ سِـوَى
طُــولِ الــطَّـرِيـقِ إِلَـى مَـدَى الْأَبْـعَـادِ
فِـي حَـيْـثُـمَـا جَـالَـتْ فَـثَـمَّ حِـيَـالَـهَا
مَـرَضُ الـنُّـفُـوسِ يَـفُتُّ فِي الْأَعْضَادِ
وَيَـقُـولُ لِـلـنَّـفْـسِ اثْـبُـتِـي وَلَـوَ انَّنِي
وَحْــدِي أُصَــاوِلُ جَـحْـفَـلَ الْأَضْـدَادِ
هَـذَا الـشَّـهِـيـدُ وَمَـا عَـدَتْـكَ صِـفَـاتُهُ
يَـــا أَوْحَـــدَ الْأَبْـــطَـــالِ وَالْأَنْـــجَــادِ
•••
إِلَّا يَــكُــنْ شَــرْعَ الْــقَـنَـا يَـهْـفُـو بِـهَـا
عَـــذَبُ الْــبُــنُــودِ لِــغَــارَةٍ عُــصْــوَادِ
فَـهُـوَ الْـغَـمَـامَـةُ لَـمْ تَـزَلْ تَـهْـمِي إِلَى
أَنْ أَقْــلَــعَــتْ عَــنْ أَرْضِــنَــا لِــنَــفَـادِ
أَحْـيَـتْ مَـوَاتَ الْأَرْضِ بَـلْ قُـطَّـانَـهَـا
مِــنْ بَــعْــدِ مَــا كَــانُـوا مِـنَ الْأَصْـلَادِ
فَــبِــكُــلِّ نَــفْــسٍ نَـفْـثَـةٌ مِـنْ رُوحِـهِ
حَـــرَّى تُـــحَـــفِّــزُهَــا مِــنَ الإِيــقَــادِ
وَصَــدًى لِــنَــغْـمَـةِ نَـفْـسِـهِ مُـتَـوَثِّـبٌ
وَثْــبَ الْــكَـوَاسِـرِ عَـنْ ذُرَى الْأَطْـوَادِ
لَـهْـفِـي عَـلَـيْـكَ حَمَلْتَ وَحْدَكَ صَابِرًا
ضَــغْــطَ الــنَّــجَـاوَى الْـمُـرَّةِ الْأَنْـكَـادِ
وَعَـلَـى جَـبِـيـنِـكَ صُـورَةُ الْأَمَلِ الَّذِي
أَوْدَى ذَوَاهُ بِــــنَــــضْــــرَةِ الْأَعْــــوَادِ
وَلَــقَــدْ تَــبَــسَّــمَ وَالْــكِـيَـانُ مُـزَلْـزَلٌ
وَالْــقَــلْــبُ يُــقْــدَحُ فِــيــهِ كُـلُّ زِنَـادِ
وَا هَـوْلَ ذَلِـكَ مِـنْ صِـرَاعٍ فِي الْحَشَا
صَـعْـبٍ عَـلَى الطِّينِ الضَّعِيفِ الْكَادِي
•••
مَــا كُــنْــتَ مِــمَّــنْ لَا يَـزَالُ يُـقِـيـمُـهُ
طَــوْرًا وَيُــقْــعِــدُهُ عَــلَــى الْأَقْــتَــادِ
إِيــجَـاسُـهُ خَـوْفَ الْأُلَـى يَـخْـشَـوْنَـهُ
مِــنْ بَــطْــشِــهِ الْـمُـتَـوَاصِـلِ الْإِزْبَـادِ
كَـــلَّا وَلَا مِــمَّــنْ يَــكُــظُّ فِــجَــاجَــهُ
نَــــفَــــرٌ مِــــنَ الْأَعْـــدَاءِ وَالْأَوْغَـــادِ
لَا الـصُّـبْـحَ يَـقْـرَبُهُ الْأَمَانُ وَلَا الدُّجَى
نَـــوْمُ الْـــقَـــرِيــرِ وَغَــطَّــةُ الْــكَــدَّادِ
صَـاحَ الـضَّـمِـيـرُ بِـهِ فَـلَـيْـسَ لِـقَـلْـبِهِ
أَوْ عَـيْـنِـهِ مَـنْـجًـى سِـوَى الـتَّـسْـهَـادِ
بَــلْ هَــذِهِ الْأَرْوَاحُ عَــرْشُـكَ فَـوْقَـهَـا
وَالْــحُــبُّ تَــاجُــكَ طَــيَّ كُــلِّ فُـؤَادِ
لَكِنَّ قَلْبَ الشَّعْبِ — وَيْحَ رِجَالِهِ —
طَــوْعُ الْــجَــوَاذِبِ لَــيِّــنُ الـتَّـقْـوَادِ!
•••
وَضَـعَ الـزَّمَـانُ عَـلَـى جَـلَالِـكَ خَـتْمَهُ
وَأَثَــابَــكَ الــتَّــخْــلِـيـدَ فِـي الْأَخْـلَادِ
لَا يَـسْـتَـطِـيـعُ عِـدَاكَ طَـيَّ صَـحَائِفٍ
نَــشَّــرْتَــهَــا أَوْ طَــمْــسَــهَــا بِـسَـوَادِ
مَــا فِــي حَــيَــاتِـكَ لَـوْثَـةٌ مَـوْكُـولَـةٌ
لِــتَــسَــامُــحِ الْــحُــسَّــابِ وَالــنُّـقَّـادِ
لَا لِــلْــكُــبُــولِ خُــلِـقْـتَ أَوْ لِـمَـهَـانَـةٍ
فَــتَــضِــيــمَ ذِكْــرَكَ أَلْـسُـنُ الْأَحْـقَـادِ
وَبَـذَلْـتَ أَنْـفَـسَ مَـا يَـضِـنُّ بِـهِ الْوَرَى
طُــــرًّا مِــــنَ الْأَعْـــلَاقِ وَالْأَعْـــتَـــادِ
حَــتَّــى الْـحَـيَـاةُ أَذَلْـتَـهَـا مُـتَـوَخِّـيًـا
بِــالْــبَــذْلِ صَــوْنَ كَــرَامَــةِ الْأَجْـدَادِ
لَا الـضَّـنْـكَ خُفْتَ وَأَنْتَ ضِنْءُ أَمَاجِدٍ
كَـــلَّا وَلَا الـــتَّـــشْـــرِيـــدَ عَــنْ أَوْلَادِ
مَــثَــلُ الـضَّـحِـيَّـةِ أَنْـتَ فِـيـنَـا بَـارِزًا
بُــــورِكْــــتَ مِــــنْ بَــــرٍّ بِأَكْـــرَمِ وَادِ
أَيُـطَـاوِلُ الـشَّـجَـرُ الـسَّـمَاءَ وَإِنْ تَكُنْ
أَعْـــرَاقُـــهُ فِـــي الْأَرْضِ كَــالْأَكْــبَــادِ
وَيُـصَـارِعُ الْـجَـبَـلُ الـرِّيَـاحَ وَعَـصْفَهَا
وَالــسُّــحْــبَ مِــنْ مُــتَــرَوِّحٍ أَوْ غَـادِ
وَيَـنَـامُ هَـذَا الـنَّـاسُ مِـلْءَ جُـفُـونِـهِمْ
وَعَـــلَـــيْـــهِــمُ الْآفَــاقُ بِــالْأَسْــدَادِ؟
•••
قَـدْ تَـسْـقُـطُ الْأَزْهَـارُ عَـنْ أَغْـصَـانِـهَـا
وَيَــقَــرُّ قَــلْــبُ الـنَّـسْـرِ وَهْـوَ يُـرَادِي
وَتَـرَى الـنُّـجُـومَ الـزُّهْـرَ فِـي أَفْـلَاكِهَا
تَــهْــوِي — مِــنَ الْآبَــادِ فِــي الْآبَــادِ
كُــلٌّ يُــلِــمُّ بِــهِ الْــعَــفَـاءُ وَهَـلْ تَـرَى
شَـيْـئًـا يَـدُومُ عَـلَـى الـزَّمَانِ الْعَادِي؟
لَــكِــنَّــمَــا مَــاضِــيــكَ أَبْــهَــرُ رَوْعَـةً
مِــنْ أَنْ يَــضِـيـعَ كَـصَـرْخَـةٍ فِـي وَادِ
لَــوْ لَــمْ يَــكُـنْ مِـنَّـا سِـوَاكَ مُـجَـاهِـدٌ
لَــكَــفَــى بِــهِ شَــرَفًــا وَفَــخْـرَ بِـلَادِ!

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: رثاء محمد بك فريد.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤