تَخَيَّرْتُ جُهْدِي لَوْ وَجَدْتُ خِيَارَا

Wave Image
تَــخَــيَّــرْتُ جُـهْـدِي لَـوْ وَجَـدْتُ خِـيَـارَا
وَطِــرْتُ بِــعَــزْمِـي لَـوْ أَصَـبْـتُ مَـطَـارَا
جَـهِـلْـتُ فَـلَـمَّـا لَـمْ أَرَ الْـجَـهْـلَ مُـغْـنِـيًـا
حَــلُــمْــتُ فَــأَوْسَــعْــتُ الـزَّمَـانَ وَقَـارَا
إِلَــى كَــمْ تَــشَــكَّــانِــي إِلَــيَّ رَكَــائِـبِـي
وَتُــكْــثِــرُ عَــتْــبِــي خُــفْــيَــةً وَجِـهَـارَا
أَسِــيــرُ بِـهَـا تَـحْـتَ الْـمَـنَـايَـا وَفَـوْقَـهَـا
فَـيَـسْـقُـطُ بِـي شَـخْـصُ الْـحِـمَامِ عِثَارَا
وَكُـــنَّ إِذَا لَاقَـــيْـــنَـــنِــي لِــيَــرِدْنَــنِــي
رَجَــعْــنَ كَــمَــا شَــاءَ الـصَّـدِيـقُ حِـرَارَا
فَـــلِلَّـــهِ طَـــعْـــمِــي مَــا أَمَــرَّ مَــذَاقَــهُ
وَلِلـــهِ عِـــيـــسِـــي مَـــا أَقَـــلَّ نِـــفَــارَا
وَأَسْــوَدَ لَــمْ تَــعْــرِفْ لَـهُ الْإِنْـسُ وَالِـدًا
كَـــسَـــانِـــيَ مِـــنْـــهُ حُــلَّــةً وَخِــمَــارَا
سَــرَتْ بِــيَ فِــيــهِ نَـاجِـيَـاتٌ مِـيَـاهُـهَـا
تَـــجِـــمُّ إِذَا مَـــاءُ الـــرَّكَـــائِـــبِ غَـــارَا
فَــخَـرَّقْـنَ ثَـوْبَ اللَّـيْـلِ حَـتَّـى كَـأَنَّـنِـي
أَطَــرْتُ بِــهَــا فِــي جَــانِــبَــيْــهِ شَـرَارَا
وَبَــاتَــتْ تُــرَاعِــي الْــبَــدْرَ وَهْــوَ كَـأَنَّـهُ
مِــنَ الْــخَــوْفِ لَاقَـى بِـالْـكَـمَـالِ سِـرَارَا
تَـأَخَّـرَ عَـنْ جَـيْـشِ الـصَّـبَـاحِ لِـضُـعْـفِـهِ
فَـــأَوْثَـــقَــهُ جَــيْــشُ الــظَّــلَامِ إِسَــارَا
وَوَافَـــتْ رِعَـــانًـــا لِلـــرِّعَــانِ كَــأَنَّــمَــا
تُــحَــادِثُــهَــا الـشِّـعْـرَى الْـعَـبُـورُ سِـرَارَا
وَبَــاتَ غَــوِيُّ الْــقَــوْمِ يَــحْــسَــبُ أَنَّــهُ
أَجَـــدَّ إِلَـــى أَهْـــلِ الـــسَّـــمَـــاءِ مَــزَارَا
إِذَا ضَــنَّ زَنْــدٌ مَــدَّ بِــالــشَّــخْـتِ كَـفَّـهُ
لِــيَــقْـبِـسَ مِـنْ بَـعْـضِ الْـكَـوَاكِـبِ نَـارَا
إِذَا قُــيِّــدَتْ فِــي مَــنْــزِلٍ بِــتَــنُــوفَــةٍ
حَــسِــبْــتَ مُــنَــاخًــا أُوطِـنَـتْـهُ مُـثَـارَا
تَــظُــنُّ غَــطِــيــطَ الـنَّـوْمِ نَـهْـمَـةَ زَاجِـرٍ
فَــتَــقْــطَــعُ قَــيْــدًا أَوْ تَــبُــتُّ هِــجَـارَا
أَطَـــلَّــتْ عَــلَــى أَرْجَــاءِ أَزْرَقَ مُــتْــرَعٍ
تَـــنُـــوشُ بَـــرِيـــرًا حَـــوْلَـــهُ وَبَــهَــارَا
يَــمِــدْنَ إِذَا أُسْــقِــيــنَ مِــنْــهُ كَــأَنَّــمَــا
شَــرِبْــنَ بِــهِ قَــبْــلَ الــضِّــيَــاءِ عُــقَـارَا
إِذَا خَـفَـقَ الْـبَـرْقُ الْـحِـجَـازِيُّ أَعْـرَضَـتْ
وَتَــــرْنُــــو إِذَا بَـــرْقُ الْـــعِـــرَاقِ أَنَـــارَا
وَتَـــأْرَنُ مِـــنْ بَـــعْــدِ اللُّــغُــوبِ كَــأَنَّــهُ
إِلَــيْــهَــا بِــجِــدٍّ فِــي الــنَّــجَــاءِ أَشَـارَا
وَلَـيْـسَـتْ تُـحِـسُّ الْأَرْضُ مِـنْـهَـا بِوَطْأَةٍ
فَـــتُـــفْـــزِعَ سِــرْبًــا أَوْ تَــرُوعَ صِــوَارَا
تَـدُوسُ أَفَـاحِـيـصَ الْـقَـطَـا وَهْـوَ هَاجِدٌ
فَــتَــمْـضِـي وَلَـمْ تَـقْـطَـعْ عَـلَـيْـهِ غِـرَارَا
وَتَــقْـنِـصُ أُمَّ الْـخِـشْـفِ مَـا أَبَـهَـتْ لَـهَـا
فَـــتُـــحْـــدِثَ عَــنْــهَــا نَــبْــوَةً وَفِــرَارَا
كَـــأَنَّـــكَ أَصْــغَــرْتَ الــزَّمَــانَ وَأَهْــلَــهُ
عَــبِــيــدًا وَلَــمْ تَـرْضَ الْـبَـسِـيـطَـةَ دَارَا
تَــظَـلُّ الْـمَـنَـايَـا فِـي سُـيُـوفِـكَ شُـرَّعًـا
إِذَا الــنَّـقْـعُ مِـنْ تَـحْـتِ الـسَّـنَـابِـكِ ثَـارَا
فَـإِنْ عُـدَّ ضَـحْـضَـاحَ الْـحِـمَـامِ صَـوَارِمٌ
عُــــدِدْنَ بُـــحُـــورًا لِلـــرَّدَى وَغِـــمَـــارَا
كَــأَنَّ تُــرَابَ الْأَرْضِ لَــمْ يَــرْضَ عِــزَّهَـا
فَــأَصْـعَـدَ يَـبْـغِـي فِـي الـسَّـمَـاءِ جِـوَارَا
بِـكُـلِّ كُـمَـيْـتٍ مَـا رَعَـتْ خَـبَـطَ الْـحِمَى
وَلَا شَـــرِبَــتْ رِسْــلَ اللِّــقَــاحِ سَــمَــارَا
إِذَا مَــــا عَـــلَاهَـــا فَـــارِسٌ ظَـــنَّ أَنَّـــهُ
تَـــبَـــوَّأَ مَـــا بَـــيْــنَ الــنُّــجُــومِ قَــرَارَا
وَلَـــمْ أَرَ خَـــيْـــلًا مِــثْــلَــهَــا عَــرَبِــيَّــةً
تُــــذِيـــلُ عَـــدُوًّا أَوْ تَـــصُـــونُ ذِمَـــارَا
أَشَــدَّ عَــلَــى مَــنْ حَــارَبَــتْـهُ تَـسَـلُّـطًـا
وَأَبْــعَــدَ مِــنْــهَــا فِــي الْــبِــلَادِ مُــغَـارَا
يُــكَــلِّــفُــهَــا الْأَرْضَ الْــبَـعِـيـدَةَ مَـاجِـدٌ
يُـــشَــيِّــدُ مَــجْــدًا لَا يُــكَــشِّــفُ عَــارَا
غَــذَاهُــنَّ مُــحْــمَــرَّ الـنَّـجِـيـعِ قَـوَارِحًـا
كَــمَــا كُــنَّ يُــغْـذَيْـنَ الـضَّـرِيـبَ مِـهَـارَا
سَمِعْنَ الْوَعَى قَبْلَ الصَّهِيلِ وَمَا انْسَرَتْ
مَــشَــايِــمُـهَـا حَـتَّـى اكْـتَـسَـيْـنَ غُـبَـارَا
إِذَا أَفْـرَعَـتْ مِـنْ ذَاتِ نِـيـقٍ حَـسِـبْـتَـهَـا
تُــفِــيــضُ عَــلَـى أَهْـلِ الْـوُهُـودِ بِـحَـارَا
وَإِنْ نَــهَــضَـتْ مِـنْ مُـطْـمَـئِـنٍّ ظَـنَـنْـتَـهُ
يَـــجِـــيــشُ جِــبَــالًا أَوْ يَــمُــجُّ حِــرَارَا
يَـغُـولُ سِـبَـاعَ الـطَّـيْـرِ ضَـنْـكُ غُـبَـارِهَـا
فَــيُــسْــقِــطُ مَــوْتَــى أَعْــقُـبًـا وَنِـسَـارَا
وَيَــجْـثِـمُ فِـيـهِ الـسِّـيـدُ رُعْـبًـا فَـكُـلَّـمَـا
أَضَــاءَتْ لِــعَــيْــنَـيْـهِ الْـقَـوَاضِـبُ سَـارَا
هَـــدَاهُ إِلَـــى مَـــا شَـــاءَ كُــلُّ مُــهَــنَّــدٍ
يَــكُــونُ لِأَسْــبَــابِ الْــحُــتُـوفِ نِـجَـارَا
كَــأَنَّ الْــمَــنَــايَــا جَــيْــشُ ذَرٍّ عَــرَمْـرَمٌ
تَـــخِــذْنَ إِلَــى الْأَرْوَاحِ فِــيــهِ مَــسَــارَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤