أَحْسَنُ بِالْوَاجِدِ مِنْ وَجْدِهِ

Wave Image
أَحْــسَــنُ بِـالْـوَاجِـدِ مِـنْ وَجْـدِهِ
صَــبْـرٌ يُـعِـيـدُ الـنَّـارَ فِـي زَنْـدِهِ
وَمَـنْ أَبَى فِي الرُّزْءِ غَيْرَ الْأَسَى
كَــانَ بُــكَــاهُ مُــنْـتَـهَـى جُـهْـدِهِ
فَـلْـيَـذْرِفِ الْـجَـفْـنُ عَـلَى جَعْفَرٍ
إِذْ كَــانَ لَــمْ يُـفْـتَـحْ عَـلَـى نِـدِّهِ
وَالــشَّــيْءُ لَا يَــكْــثُــرُ مُـدَّاحُـهُ
إِلَّا إِذَا قِــــيــــسَ إِلَـــى ضِـــدِّهِ
لَــوْلَا غَــضَــى نَــجْــدٍ وَقُـلَّامُـهُ
لَـمْ يُـثْـنَ بِـالـطِّـيـبِ عَـلَى رَنْدِهِ
لَـيْـسَ الَّـذِي يُـبْـكَى عَلَى وَصْلِهِ
مِـثْـلَ الَّـذِي يُـبْـكَـى عَـلَى صَدِّهِ
وَالـطَّـرْفُ يَـرْتَـاحُ إِلَـى غُـمْـضِهِ
وَلَــيْــسَ يَــرْتَــاحُ إِلَــى سُـهْـدِهِ
كَـانَ الْأَسَـى فَرْضًا لَوَ انَّ الرَّدَى
قَــالَ لَــنَــا افْــدُوهُ فَـلَـمْ نَـفْـدِهِ
هَــلْ هُــوَ إِلَّا طَــالِــعٌ لِــلْــهُــدَى
سَـارَ مِـنَ الـتُّـرْبِ إِلَـى سَـعْـدِهِ؟
فَــبَــاتَ أَدْنَــى مِـنْ يَـدٍ بَـيْـنَـنَـا
كَأَنَّــهُ الْــكَــوْكَــبُ فِــي بُــعْـدِهِ
يَــا دَهْــرُ يَــا مُــنْــجِــزَ إِيـعَـادِهِ
وَمُـخْـلِـفَ الْـمَأْمُـولِ مِـنْ وَعْدِهِ
أَيُّ جَـــدِيـــدٍ لَـــكَ لَــمْ تُــبْــلِــهِ
وَأَيُّ أَقْــــرَانِــــكَ لَــــمْ تُـــرْدِهِ؟
تَـسْـتَـاسِـرُ الْـعِـقْـبَانَ فِي جَوِّهَا
وَتُــنْــزِلُ الْأَعْــصَــمَ مِـنْ فِـنْـدِهِ
أَرَى ذَوِي الْـفَـضْـلِ وَأَضْـدَادَهُمْ
يَــجْـمَـعُـهُـمْ سَـيْـلُـكَ فِـي مَـدِّهِ
إِنْ لَـمْ يَـكُـنْ رُشْـدُ الْـفَتَى نَافِعًا
فَـــغَـــيُّـــهُ أَنْــفَــعُ مِــنْ رُشْــدِهِ
تَــجْــرِبَــةُ الــدُّنْــيَـا وَأَفْـعَـالِـهَـا
حَـثَّـتْ أَخَـا الـزُّهْـدِ عَـلَى زُهْدِهِ
وَالْــقَــلْــبُ مِـنْ أَهْـوَائِـهِ عَـابِـدٌ
مَــا يَــعْــبُــدُ الْــكَـافِـرُ مِـنْ بُـدِّهِ
إِنَّ زَمَــــانِـــي بِـــرَزَايَـــاهُ لِـــي
صَـــيَّـــرَنِــي أَمْــرَحُ فِــي قِــدِّهِ
كَأَنَّـــنَـــا فِـــي كَـــفِّـــهِ مَـــالُــهُ
يُــنْـفِـقُ مَـا يَـخْـتَـارُ مِـنْ نَـقْـدِهِ
لَــوْ عَــرَفَ الْإِنْــسَــانُ مِـقْـدَارَهُ
لَـمْ يَـفْـخَـرِ الْـمَـوْلَـى عَلَى عَبْدِهِ
أَمْــسِ الَّــذِي مَــرَّ عَـلَـى قُـرْبِـهِ
يَــعْــجِــزُ أَهْـلُ الْأَرْضِ عَـنْ رَدِّهِ
أَضْـحَـى الَّـذِي أُجِّـلَ فِـي سِـنِّهِ
مِـثْـلَ الَّـذِي عُـوجِـلَ فِـي مَهْدِهِ
وَلَا يُـبَـالِـي الْـمَـيْـتُ فِـي قَـبْـرِهِ
بِـــذَمِّـــهِ شُـــيِّـــعَ أَمْ حَـــمْــدِهِ
وَالْـوَاحِـدُ الْـمُـفْـرَدُ فِـي حَـتْـفِهِ
كَـالْـحَـاشِـدِ الْـمُـكْثِرِ مِنْ حَشْدِهِ
وَحَـــالَـــةُ الْـــبَـــاكِــي لِآبَــائِــهِ
كَــحَــالَـةِ الْـبَـاكِـي عَـلَـى وُلْـدِهِ
مَــا رَغْــبَــةُ الْــحَــيِّ بِأَبْــنَــائِـهِ
عَـمَّـا جَـنَـى الْـمَـوْتُ عَـلَى جَدِّهِ
وَمَـــجْـــدُهُ أَفْــعَــالُــهُ لَا الَّــذِي
مِــنْ قَــبْــلِــهِ كَــانَ وَلَا بَــعْــدِهِ
لَـــوْلَا سَـــجَـــايَــاهُ وَأَخْــلَاقُــهُ
لَـكَـانَ كَـالْـمَـعْـدُومِ فِـي وُجْـدِهِ
تَــشْــتَــاقُ أَيَّـارَ نُـفُـوسُ الْـوَرَى
وَإِنَّـــمَـــا الـــشَّــوْقُ إِلَــى وِرْدِهِ
تَـدْعُـو بِـطُـولِ الْـعُـمْـرِ أَفْـوَاهُنَا
لِـمَـنْ تَـنَـاهَـى الْـقَـلْـبُ فِي وُدِّهِ
يُــــسَـــرُّ إِنْ مُـــدَّ بَـــقَـــاءٌ لَـــهُ
وَكُـــلُّ مَـــا يَــكْــرَهُ فِــي مَــدِّهِ
أَفْـضَـلُ مَـا فِـي الـنَّفْسِ يَغْتَالُهَا
فَــنَـسْـتَـعِـيـذُ الـلـهَ مِـنْ جُـنْـدِهِ
وَآفَــةُ الْــعَــاشِــقِ مِــنْ طَـرْفِـهِ
وَآفَـــةُ الـــصَّـــارِمِ مِـــنْ حَــدِّهِ
كَــمْ صَــائِــنٍ عَـنْ قُـبْـلَـةٍ خَـدَّهُ
سُــلِّــطَــتِ الْأَرْضُ عَـلَـى خَـدِّهِ
وَحَــامِــلٍ ثِـقْـلَ الـثَّـرَى جِـيـدُهُ
وَكَـانَ يَـشْكُو الضَّعْفَ مِنْ عِقْدِهِ
وَرُبَّ ظَـــــمْآنَ إِلَـــــى مَـــــوْرِدٍ
وَالْــمَـوْتُ لَـوْ يَـعْـلَـمُ فِـي وِرْدِهِ
وَمُــرْسِــلِ الْــغَــارَةِ مَــبْــثُـوثَـةً
مِــنْ أَدْهَــمِ الــلَّـوْنِ وَمِـنْ وَرْدِهِ
يَــخُــوضُ بَـحْـرًا نَـقْـعُـهُ مَـاؤُهُ
يَــحْــمِـلُـهُ الـسَّـابِـحُ فِـي لِـبْـدِهِ
أَشْــجَــعُ مَــنْ قَــلَّــبَ خَـطِّـيَّـةً
عَــلَــى طَـوِيـلِ الْـبَـاعِ مُـمْـتَـدِّهِ
يَــرَى وُقُـوعَ الـزُّرْقِ فِـي دِرْعِـهِ
مِـثْـلَ وُقُـوعِ الـزُّرْقِ فِـي جِلْدِهِ
لَا يَــصِــلُ الــرُّمْـحُ إِلَـى طَـرْفِـهِ
وَلَا إِلَــى الْـمُـحْـكَـمِ مِـنْ سَـرْدِهِ
يُـلْـقَـى عَـلَـيْـهِ الطَّعْنُ إِلْقَاءَكَ الْـ
ـحَسْبَ عَلَى الْمُسْرِعِ فِي عَقْدِهِ
بِــلَــحْــظَــةٍ مِــنْـهُ فَـمَـا دُونَـهَـا
يَـرُدُّ غَـرْبَ الْـجَـيْشِ عَنْ قَصْدِهِ
أَمْـــهَـــلَــهُ الــدَّهْــرُ فَأَوْدَى بِــهِ
مُــبْــيَــضُّـهُ يُـحْـدَى بِـمُـسْـوَدِّهِ
فَـيَـا أَخَـا الْـمَـفْـقُودِ فِي خَمْسَةٍ
كَـالـشُّـهْـبِ مَـا سَـلَّاكَ عَنْ فَقْدِهِ
جَـاءَكَ هَـذَا الْـحُـزْنُ مُـسْتَجْدِيًا
أَجْـرَكَ فِـي الـصَّـبْـرِ فَـلَا تُـجْدِهِ
سَــلِّــمْ إِلَــى الــلـهِ فَـكُـلُّ الَّـذِي
سَـــاءَكَ أَوْ سَــرَّكَ مِــنْ عِــنْــدِهِ
لَا يَــعْــدَمُ الْأَسْــمَـرُ فِـي غَـابِـهِ
حَـتْـفًـا وَلَا الْأَبْـيَـضُ فِـي غِمْدِهِ
إِنَّ الَّــذِي الْــوَحْــشَـةُ فِـي دَارِهِ
تُــؤْنِـسُـهُ الـرَّحْـمَـةُ فِـي لَـحْـدِهِ
لَا أُوحِـشَـتْ دَارُكَ مِـنْ شَـمْسِهَا
وَلَا خَـــلَا غَـــابُــكَ مِــنْ أُسْــدِهِ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤