الْأَزَاهِيرُ الْمَيِّتَةُ

Wave Image
أَجِلْ فِي حَيَاتِي الطَّرْفَ تُبْصِرْ رُسُومَهَا
دَوَائِــرَ عَــفَّــتْــهَــا الــلَّــيَـالِـي الـدَّوَائِـرُ
تَـوَلَّـتْ لَـيَـالِـي الـسَّـعْـدِ وَهْـيَ حَـمِـيدَةٌ
وَجَــاءَتْ لَــيَــالٍ بِــالـنُّـحُـوسِ مَـوَاقِـرُ
وَأَصْــبَــحْــتُ وَالْآمَـالُ حَـوْلِـي ذَوَابِـلٌ
تَــــسَــــاقَــــطُ أَوْرَاقٌ لَــــهَـــا وَأَزَاهِـــرُ
يُـشَـاهِـقُـهَـا الْـبَـرْقُ الْـمُـضِـيءُ عَـشِـيَّـةً
وَتَــهْــفُــو بِــهَــا الْأَرْوَاحُ وَهْــيَ ثَـوَائِـرُ
وَعُــرِّيَــتِ الْأَفْــنَــانُ مِـنْ وَرَقِ الـصِّـبَـا
وَعَـافَـتْ ذَوَاهَـا الـصَّـادِحَـاتُ الـطَّـوَائِرُ
فَـمَـا يَـنْـتَـحِـيـهَـا غَـيْـرُ غِـرْبَـانِ شِـقْوَةٍ
لَــهُــنَّ نَــعِــيــقٌ فَــوْقَــهَــا مُــتَــطَــايِـرُ
فَأَيْـنَ زُهُـورُ الْـحُـبِّ يَا طُولَ حَسْرَتِي؟
وَأَيْــنَ أَزَاهِــيــرُ الــشَّــبَــابِ الـنَّـوَاضِـرُ
وَأَيْـــنَ أَزَاهِـــيـــرُ الـــسُّـــرُورِ كَأَنَّـــهَـــا
تُـحَـيِّـي الْـفَـتَـى وَالْـعُـمْـرُ قَـيْنَانُ نَاضِرُ
وَأَيْــنَ أَزَاهِــيــرُ الْــقَــنَــاعَـةِ وَالـرِّضَـا؟
دَهَــتْــهَـا صُـرُوفٌ بِـالـسُّـمُـومِ قَـوَاطِـرُ
وَأَيْـنَ زُهُـورُ الـصَّـبْـرِ وَالْأَمْـنِ وَالْـمُنَى؟
زَوَتْـهَـا عَـنِ الْـعَـيْـنِ الْـهُـمُـومُ الـزَّوَاخِـرُ
طَـوَاهَـا زَمَـانٌ لَـيْـسَ يَـنْـشُـرُ مَـا طَـوَى
فَـلَـنْ تَـجْـتَـلِـيـهَـا يَـا لَـهِـيـفُ الـنَّـوَاظِـرُ
وَغَــابَـتْ فَـغَـابَ الْأَمْـنُ وَالْـخَـيْـرُ كُـلُّـهُ
وَدَارَتْ عَــلَــى رَوْقِ الْــحَـيَـاةِ الـدَّوَائِـرُ
ثَــوَتْ حَـيْـثُ لَا شَـمْـسٌ تَـرُدُّ حَـيَـاتَـهَـا
إِلَــيْــهَــا وَلَا صَــوْبُ الْــغَــمَـائِـمِ نَـاصِـرُ
أَفِـــي كُـــلِّ يَـــوْمٍ زَهْــرَةٌ لِــيَ غَــضَّــةٌ
تَــمُــوتُ فَأَبْــكِــيــهَــا وَدَهْــرِيَ سَـاخِـرُ
تَــسَــاقَـطُ أَزْهَـارُ الْـحَـيَـاةِ عَـلَـى يَـدِي
وَقَـــلْــبِــيَ مَــقْــرُوحٌ وَصَــدْرِيَ وَاغِــرُ
كَأَنَّ وَبَــاءً عَــاثَ فِــيــهَــا فَــلَــمْ تَــكَـدْ
تُــنَــوِّرُ حَــتَّــى أَعْــجَــلَــتْـهَـا الْـمَـقَـادِرُ
وَلَا خَـيْـرَ فِـي عَـيْـشٍ إِذَا كَـانَ مُـجْـدِبًا
بَـــوَاطِـــنُــهُ مُــصْــفَــرَّةٌ وَالــظَّــوَاهِــرُ
إِذَا مَـــرَّ بِـــي يَــوْمٌ حَــمِــيــدٌ وَرُبَّــمَــا
تَـبَـسَّـمَ فِـي الـلَّـيْـلِ الـنُّـجُـومُ الـزَّوَاهِـرُ
تَـلَـفَّـتُّ حَـوْلِـي بَـاحِـثًـا عَـنْ شَـبِـيـبَتِي
وَأَزْهَـارُهَـا وَالـدَّمْـعُ فِـي الْـجَـفْـنِ حَائِرُ
تَــقَــطَّـعُ أَحْـشَـائِـي إِذَا مَـا افْـتَـقَـدْتُـهَـا
وَيُـضْـرِمُ أَنْـفَـاسِـي الْـحَـنِـيـنُ الْـمُخَامِرُ
وَبَـيْـضَـاءَ مِـنْ زَهْـرِ الْـعَـفَـافِ فَـقَـدْتُـهَا
وَبِــالــرَّغْــمِ مِــنِّــي أَنَّ قَــلْــبِــيَ ذَاكِــرُ
فَــغَــيَّــبَــهَــا قَــبْــرُ الْــفُــؤَادِ وَجَـادَهَـا
بِــصَــيِّـبِـهِ جَـفْـنٌ عَـلَـى الـدَّهْـرِ مَـاطِـرُ
بَــكَــيْــنَــا عَــلَــيْــهَــا حِـقْـبَـةً ثُـمَّ رَدَّنَـا
إِلَــى الــصَّــبْـرِ دَهْـرٌ بِـالْـمُـلِـمَّـاتِ زَاجِـرُ
وَمَــا عَــجَــبٌ أَنَّ الْــمَــنَــايَـا عَـلِـقْـنَـهَـا
وَكَــرَّ عَــلَــيْــهَـا الـدَّهْـرُ وَالـدَّهْـرُ جَـائِـرُ
وَكَــيْـفَ أُرَجِّـي أَنْ تَـدُومَ وَقَـدْ مَـضَـتْ
بِأَنْــدَادِهَــا عِــنْــدِي الْـمَـنَـايَـا الْـبَـوَاكِـرُ
وَإِنَّ مُــــحَــــالًا أَنْ تَـــدُومَ وَحِـــيـــدَةً
وَإِنَّ سَــفَــاهًــا مَــا تُــرِيـقُ الْـمَـحَـاجِـرُ
وَإِنَّ ضَــلَالًا نَــدْبُ مَــا لَــيْــسَ رَاجِـعًـا
وَإِنَّ عَـــنَـــاءً مَــا تَــحِــنُّ الــضَّــمَــائِــرُ
سَـيَـمْـضِـي وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِيَ الرَّدَى
وَتُــذْهِـلُـنِـي عَـمَّـا افْـتَـقَـدْتُ الْـمَـقَـابِـرُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤