دُعَابَةٌ

Wave Image
ضَـــمَّــنِــي مَــجْــلِــسُ أُنْــسٍ زَانَــهُ
صَــفْــوَةٌ مِــنْ نُــجَــبَــاءِ الْأَصْـدِقَـاءْ
مَـــنْــطِــقُ الْــهَــزْلِ بِــهِ جِــدٌّ، وَكَــمْ
نَــطَــقَ الْــجِــدُّ بِــهِ الْــقَـوْلِ الْـهُـرَاءْ
فَــتَــطَــارَحْــنَــا حَــدِيــثًــا عَــجَــبًـا
فِـــيــهِ لِــلــرُّوحِ وَلِــلْــعَــقْــلِ غِــذَاءْ
وَتَـــجَــاذَبْــنَــا فُــنُــونًــا جَــمَــعَــتْ
طُـــــرَفًـــــا مِــــمَّــــا رَوَاهُ الْأُدَبَــــاءْ
ثُــمَّ رُمْــنَــا أَنْ نُــحَــاجِــي سَــاعَــةً
لِــنُــرِيــحَ الـنَّـفْـسَ مِـنْ كَـدِّ الْـعَـنَـاءْ
قُـلْـتُ: مَـنْ يَـبْـدَأُ؟ قَـالُـوا: فَـابْـتَـدِئْ
أَنْــتَ، فَــالْــكُــلُّ لِـمَـا تُـلْـقِـي ظِـمَـاءْ
قُــلْــتُ لِـلـنَّـحْـوِيِّ: قُـلْ، قَـالَ: وَهَـلْ
تَـرَكَـتْ «حَـتَّـى» لِـنَـفْسِي مِنْ ذَمَاءْ؟
قُــلْــتُ فَــلْــيَأْتِ الْــبَــدِيــعِــيُّ بِــمَـا
شَــاءَتِ الْــفِــطْــنَـةُ مِـنْ لُـغْـزٍ وَشَـاءْ
قَـــالَ أَتْـــقَـــنْــتُ بَــدِيــعِــي كُــلَّــهُ
غَــيْــرَ نَـوْعٍ هُـوَ «حُـسْـنُ الِابْـتِـدَاءْ»
قُــلْــتُ لِـلـصَّـرْفِـيِّ فَـابْـدَأْ، قَـالَ قَـدْ
عَـاقَنِي الْإِعْلَالُ فِي «رِيحٍ» وَ«شَاءْ»
ثُــمَّ قَــالُــوا: قُــلْ وَلَا تُــكْــثِـرْ فَـمَـنْ
أَكْــثَــرَ الْــقَــوْلَ أَمَــلَّ الْــجُــلَــسَــاءْ
•••
قُــلْــتُ مَــنْ يُــعْـرَفُ عِـلْـمًـا وَحِـجًـا
وَذَكَــــاءً وَسَــــمَــــاحًـــا فِـــي رِدَاءْ
يَـــمْـــلَأُ الـــدُّنْـــيَــا حَــيَــاةً إِنْ بَــدَا
كَــوْكَــبًـا يَـسْـطَـعُ فَـيَّـاضَ الـضِّـيَـاءْ
فَأَجَـابُـوا: الـشَّـمْـسُ؟ قُـلْـتُ: انْتَبِهُوا
لَــيْــسَ لِــلــشَّــمْــسِ نَــوَالٌ وَذَكَــاءْ
ثُـــمَّ قَـــالُـــوا: زِدْ، فَــنَــادَيْــتُ وَمَــا
مَــوْرِدٌ قَـدْ رَاحَ فِـي الـنَّـاسِ وَجَـاءْ؟
مَـــوْرِدٌ يَـــمْـــشِـــي إِلَــى قُــصَّــادِهِ
فِــــيــــهِ رِيٌّ وَحَــــيَــــاةٌ وَشِـــفَـــاءْ
فَـــنَأَوْا عَـــنِّـــي وَقَـــالُــوا عَــجَــبٌ
كَـيْـفَ يَـمْـشِـي مِـثْـلَـمَـا تَـزْعُـمُ مَـاءْ
•••
قُــلْــتُ هَـلْ أَبْـصَـرْتُـمُ جِـسْـمًـا يُـرَى
لِـلْإِخَـاءِ الْـمَـحْـضِ أَوْ صِدْقِ الْوَفَاءْ؟
لِــلْــعُــلَا لِــلْــفَــضْــلِ لِــلــدِّيــنِ وَلِـلْـ
أَدَبِ الْـــجَـــمِّ جَــمِــيــعًــا وَالْإِبَــاءْ؟
فَأَجَــابُــوا: قَــدْ عَــجَــزْنَــا، قُـلْ لَـنَـا
ذَاكَ فِي الْأَرْضِ يُرَى أَمْ فِي السَّمَاءْ؟
قُــلْــتُ: فِــي الْأَرْضِ، وَلِــلْأَرْضِ بِــهِ
وَيْـــحَـــكُــمْ، أَيُّ ازْدِهَــارٍ وَازْدِهَــاءْ!
هُــوَ فِــي الــطِّـبِّ «أَبِـقْـرَاطُ» وَفِـي
حَــلْــبَــةِ الــشِّــعْــرِ إِمَــامُ الـشُّـعَـرَاءْ
وَإِذَا أَعْــــطَــــى أَبَـــيْـــتُـــمْ أَنَـــفًـــا
أَنْ تَـعُـدُّوا «حَـاتِـمًـا» فِـي الْـكُـرَمَـاءْ
فَأَجَــابُــوا: اكْــشِــفْ لَــنَـا حَـيَّـرْتَـنَـا
عَــنْ أَحَـاجِـيِّـكَ إِنْ شِـئْـتَ الْـغِـطَـاءْ
قُــلْــتُ كَــلَّا فَــانْــظُـرُوا وَانْـتَـبِـهُـوا
لَـيْـسَ فِـي الْأَمْـرِ الْـتِـبَـاسٌ أَوْ خَفَاءْ
•••
هَـــلْ رَأَيْـــتُـــمْ دَوْحَـــةً مُـــثْـــمِــرَةً
كُـــلَّ آنٍ فِـــي صَـــبَــاحٍ أَوْ مَــسَــاءْ
هِــيَ فِــي الــصَّــيْــفِ ظِـلَالٌ وَنَـدًى
وَهْــيَ دِفْءٌ وَحَــنَـانٌ فِـي الـشِّـتَـاءْ
يَــجِــدُ الْــبَــائِــسُ فِــي سَــاحَـتِـهَـا
مَـوْئِـلًا حُـلْـوَ الْـجَـنَـى رَحْـبَ الْـفِنَاءْ
سَأَلُــونِــي: مُــحْـسِـنٌ؟ قُـلْـتُ: نَـعَـمْ
مَــلْــجَأُ الْــقُــصَّــادِ كَــهْـفُ الْـفُـقَـرَاءْ
ثُــمَّ قَــالُــوا: شَــاعِــرٌ؟ قُـلْـتُ: أَجَـلْ
شِـــعْـــرُهُ الـــدُّرُّ بَـــهَـــاءً وَصَـــفَــاءْ
ثُــمَّ قَــالُــوا: زَاهِــدٌ؟ قُــلْــتُ: نَــعَــمْ
عِــنْــدَهُ الــدُّنْــيَــا وَمَـا فِـيـهَـا هَـبَـاءْ
فَأَشَـــارُوا: قِـــفْ عَــرَفْــنَــاهُ، وَهَــلْ
يُــجْـهَـلُ الْـبَـدْرُ؟ فَـمَـا هَـذَا الْـغَـبَـاءْ!
عَــجَــبًــا حِــرْنَــا وَلَــمْ نَــفْــطُـنْ لَـهُ
وَاسْــمُــهُ كَــالــصُّــبْـحِ نُـورًا وَجَـلَاءْ
لَا نُــسَــمِّــيــهِ فَــيَــكْــفِــي وَصْــفُـهُ
فَــبِــهِ عَــنْ كُــلِّ تَــعْــرِيــفٍ غَــنَــاءْ
قُــمْ وَسَــجِّــلْ فَـضْـلَـهُ وَاهْـتِـفْ بِـهِ
وَابْـتَـكِـرْ مَـا شِـئْـتَ فِـيـهِ مِـنْ ثَـنَـاءْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الرمل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤