هَرَمُ خُوفُو

Wave Image
يَــا مَــوْجَــةً لِــلــدَّهْــرِ لَــمْ تُـهْـزَمِ
تَــعْــلُــو عُــلُــوَّ الْــجَـبَـلِ الْأَعْـظَـمِ
وَمَـــا رَأَيْــنَــا قَــبْــلَــهَــا مَــوْجَــةً
تَــعْــلُــو فَــلَا تُــحْـدَرُ لِـلْـمُـحْـطِـمِ
مَــا الـنَّـاسُ وَالْآثَـارُ مِـنْ بَـعْـدِهِـمْ
إِلَّا كَــــمَــــوْجٍ إِنْ عَــــلَا يُـــهْـــزَمِ
مَــوْجٍ لِــبَــحْــرٍ مَــا لَــهُ سَــاحِــلٌ
غَـيْـرَ الـرَّدَى فِـي لَـحْـدِهِ الْـمُـظْـلِمِ
كَـمْ عِـنْـدَ شَـطِّ الْـمَـوْتِ شِلْوِ رَدًى
يَــقْــذِفُــهُ الــدَّهْــرُ إِلَــى ضَـيْـغَـمِ
هَــلْ أَنْــتَ شِــلْــوٌ لِـزَمَـانٍ قَـضَـى
رُفَـــــاتُــــهُ الْآثَــــارُ لَــــمْ تُــــرْدَمِ
لَـمْ يَـبْـقَ مِنْ عُمْرَانِ مَنْ قَدْ مَضَوْا
إِلَّا بَــقَــايَــا الْــجِــلْــدِ وَالْأَعْــظُــمِ
كَأَنَّــمَــا يُــذْخَــرُ مِــنْ مَــجْــدِهِـمْ
مَـا يَـذْخَـرُ الـنَّـمْـلُ مِـنَ الْـمَـطْـعَـمِ
كَــيْــفَ نُــرَجِّــي الــدَّهْـرَ ذَا عِـفَّـةٍ
إِنْ ذَاقَ طَــعْـمَ الـلَّـحْـمِ لَـمْ يَـقْـرَمِ
لَا يَـسْـمَـعُ الـدَّهْـرَ سِـوَى مُـنْـصِتٍ
بِــالــرُّوحِ إِنْ يُــصْــغِ لَــهُ يَــبْــكُـمِ
هَـــمْــهَــمَــةٌ يُــطْــلِــقُــهَــا عَــارِمٌ
إِنْ يَــمْــضَــعِ الْـمُـودِي بِـهِ يَـبْـغَـمِ
هَلْ خَافَ هَذَا الدَّهْرُ صَرْفَ الرَّدَى
فَــشَــادَ صَـرْحًـا مِـنْـكَ لَـمْ يُـثْـلَـمِ
لَا يَــجْــرُؤُ الْــمَــوْتُ عَـلَـى بَـيْـتِـهِ
فِـــي هَــرَمٍ كَــالْــجَــبَــلِ الْأَدْهَــمِ
أَمْ شَــادَكَ الْــعَــقْـلَ لِـكَـيْـمَـا يَـرَى
مِــنْ فَــوْقِـكَ الْأَقْـدَارَ لَـمْ تَـهْـجُـمِ
بَــعِــيــدَةٌ لَــمْ تَــبْــدُ أَشْـخَـاصُـهَـا
تَــهْــفُــو لَـنَـا فِـي يَـوْمِـهَـا الْأَيْـوَمِ
كَــيْ يُــؤْذِنَ الــنَّــاسَ بِإِقْــبَــالِـهَـا
مِــنْ قَــبْــلِ أَنْ تُــفْـجَأَ بِـالْـمَـقْـدَمِ
إِنْ أَرْزَمَ الــرَّعْــدُ عَــلَــى شَــاهِــقٍ
فَـــفَـــوْقَـــكَ الْأَيَّـــامُ كَــالْــمِــرْزَمِ
أَوْ كَـــلَّـــلَـــتْ هَـــامَــتَــهُ دِيــمَــةٌ
وَطْـفَـاءُ مِـثْـلُ الْـمِـجْـسَـدِ الْمُسْهَمِ
فَــوْقَــكَ أَرْوَاحُ عُــصُــورٍ خَــلَــتْ
كَــدِيــمَــةٍ سَــوْدَاءَ لَــمْ تُــحْــسَـمِ
هَــدَّتْ يَــدُ الـدَّهْـرِ مَـشِـيـدَ الْـبِـنَـا
وَهْـــــوَ إِذَا أَمَّـــــكَ كَــــالْأَجْــــذَمِ
كَـــمْ أَنْـــزَلَ الـــدَّهْـــرُ شَآبِــيــبَــهُ
عَــلَــى جَــبِــيـنٍ مِـنْـكَ لَـمْ يَـهْـرَمِ
كَـالْـمُـزْنِ فَـوْقَ الـزَّهْـرِ يَـحْـيَـا بِـهِ
زَهْـرُ الـرُّبَـى مِـنْ غَـيْـثِـهِ الْـمُـرْهِـمِ
كَأَنَّــــمَــــا الْأَيَّــــامُ ظِــــئْــــرٌ بِـــهِ
تَــغْــذُوهُ مِــنْــهَــا بِــسَـلِـيـلِ الـدَّمِ
كَأَنَّـــمَـــا يَــنْــمُــو عَــلَــى مَــرِّهَــا
فَــيَــرْتَــدِي تَــاجًــا مِــنَ الْأَنْــجُـمِ
قَـــدْ شَـــمَــخَ الــتُّــرْبُ بِــهِ عِــزَّةً
كَــشَــامِــخٍ بِــالْأَنْـفِ لَـمْ يُـخْـطَـمِ
أَمْ قَــلَّــصَـتْ وَجْـهَ الـثَّـرَى كَـبْـرَةٌ
فَأَنْــتَ مِــنْ تَــجْـعِـيـدِهَـا الْأَقْـدَمِ
أَمْ كَـــفَـــنِـــيـــقٍ مَـــا لَــهُ رَاكِــبٌ
يَــمْــنَــعُ ظَـهْـرَ الْـمُـكْـرَمِ الْـمُـقْـرَمِ
أَمْ ثَـــدْيُ مِـــصْـــرَ إِنَّــهَــا نَــاهِــدٌ
عَـــشِـــيـــقَـــةٌ لِـــلْـــقَــدَرِ الْأَزْلَــمِ
أَمْ أَنْــتَ نَــابُ الْأَرْضِ ذَا شَــحْـذَةٍ
خُــلِّــفَ فِــي شِــدْقِ فَـمِ الْأَهْـتَـمِ
أَخْــرَجَ صَــخْــرُ الْأَرْضِ طَــيَّــاتِـهِ
حَــتَّــى بَــدَتْ كَـالْـهَـرَمِ الْـمُـفْـعَـمِ
أَمْ كَــيْــفَ شَــادَ الْـقَـوْمُ أَحْـجَـارَهُ
حَـتَّـى بَـدَتْ فِـي عِـظَـمِ الْـمَـخْرِمِ
كَأَنَّــــمَــــا رُوحُ زَمَـــانٍ مَـــضَـــى
مُــعَــشِّــشٍ فَــوْقَــكَ كَـالْـقَـشْـعَـمِ
يَــا مَـعْـبَـدًا يُـعْـبَـدُ فِـيـهِ الْـحِـجَـا
إِلَـى الْـحِـجَـا فِـي صُـنْـعِـهِ يَنْتَمِي
أَجَــلُّ مَــا تَــعْــبُــدُ فِــيـهِ الـنُّـهَـى
سَـلِـيـلَـهَـا فِـي صُـنْـعِـهِ الْـمُـحْـكَمِ
قَـدْ حَـمَـلَـتْـكَ الْأَرْضُ فِـي بَـطْـنِهَا
كَأَنَّــهَــا الْــمِــقْــلَاتُ لَــمْ تَــعْــقُــمِ
تَـــمَـــخَّــضَــتْ عَــنْ عَــلَــمٍ أَرْوَعٍ
مُــفِــذَّةٌ فِــي الْــحَـمْـلِ لَـمْ تُـتْـئِـمِ
ثُـــمَّ تَـــرَدَّى بَـــعْـــلُـــهَـــا بَــعْــدَهُ
كَــيْــفَ نُـرَجِّـي الـنَّـسْـلَ مِـنْ أَيِّـمِ
يَــا عَــلَــمَ الـدُّنْـيَـا الَّـذِي قَـدْ غَـدَا
عَــجِــيــبَــةَ الْــغَــائِــرِ وَالْـمُـتْـهِـمِ
عَــلَـتْ بِـكَ الْأَرْضُ كَـمَـنْ قَـدْ عَـلَا
بِــرَأْسِــهِ الْــكِــبْــرُ فَــلَــمْ يُـهْـضَـمِ
رَفَــعْــتَ رَأْسًــا مِــنْــكَ مَـا طَـالَـهُ
رَأْسُ الْــبِــنَــاءِ الــشَّـامِـخِ الْأَقْـوَمِ
كَأَنَّـــمَـــا كُـــلُّ الْـــبِــنَــى سُــجَّــدٌ
مِــنْ هَــيْــبَــةٍ لِــلْــمَـلِـكِ الْأَعْـظَـمِ
يَــا مَــلِــكًــا مَـا انْـحَـلَّ سُـلْـطَـانُـهُ
قَــدْ هُــدِمَ الْــمَـاضِـي وَلَـمْ يُـهْـدَمِ
كَــمْ دَوْلَــةٍ قَـدْ ضَـاعَ سُـلْـطَـانُـهَـا
وَدَوْلَــــةُ الْأَهْــــرَامِ لَـــمْ تَـــهْـــرَمِ
كَـمْ شَـابَـكَـتْ كَـفَّـاكَ أَيْـدِي الرَّدَى
ثُــمَّ انْــثَــنَــى عَــنْـكَ وَلَـمْ تُـكْـلَـمِ
يَـــا غِـــيَـــرَ الْأَيَّـــامِ فِــي كَــرِّهَــا
مِـــنْ أَبْــيَــضٍ نَأْمَــنُ أَوْ أَسْــحَــمِ
تَـبَـاعَـدِي إِنْ شِـئْـتِ أَوْ فَـاهْـجُمِي
عَــلَــى شَــبِـيـهِ الْـبَـطَـلِ الْـمُـعْـلَـمِ
هَــيْــهَــاتَ لَــمْ يَــبْــدُ لَــهُ مَـقْـتَـلٌ
قَـدْ أَخْـطَأَ الـرَّامِـي فَأَشْوَى الرَّمِي
كَـمْ خَـالَ فِـيـكَ الـنَّـاسُ سِرًّا طَوَا
هُ الـدَّهْـرُ لَـمْ يُـكْـشَـفْ وَلَـمْ يُـعْـلَمِ
خَـالُـوا الْأُلَـى شَـادُوكَ قَـدْ أَوْدَعُوا
فِــيــكَ رُمُــوزَ الْــمَـطْـلَـبِ الْأَكْـرَمِ
مَـــا أَوْدَعُـــوا إِلَّا كُـــنُــوزًا غَــدَتْ
نُــهْــبَــةَ كَــفِّ الـصَّـائِـلِ الْـمُـجْـرِمِ
وَكُـــلُّ مَـــا لَـــمْ يَــبْــدُ كُــنْــهٌ لَــهُ
يُــخَــالُ كَــنْــزَ الْـحَـقِّ وَالْـمَـغْـنَـمِ
وَالْـمَـرْءُ يَـبْـغِـي الْـحَـقَّ فِي خِدْرِهِ
وَلَــوْ بَــدَا فِــي أَعْــيُــنِ الْأَنْــجُــمِ
وَرِمَّـــــةٌ خَـــــبَّأَهَـــــا كَـــــاهِــــنٌ
لِــــفَـــاتِـــكِ الْآرَاءِ وَالْـــمِـــخْـــذَمِ
رِمَّــــــةُ رَبٍّ رَائِــــــعٍ عَـــــزْمُـــــهُ
قَـدْ أُخْـرِجَـتْ مِـنْ بَـعْـدُ لِـلْـمُـرْجِمِ
جَـــلَالُ رُوحٍ مِـــنْـــهُ ذِي هِـــمَّـــةٍ
مُــجَـسَّـمٌ فِـي صُـنْـعِـهِ الْـمُـحْـكَـمِ
لَا تَـحْـسَـبَـنَّ الـنَّـاسَ لَـمْ يُـجْـدِهِمْ
غَــيْــرُ مَــنَــالِ الْـبُـرْدِ وَالْـمَـطْـعَـمِ
فَـالـنَّـفْـسُ تَـبْـغِـي أَنْ يُـرَى كُـنْهُهُا
مُـجَـسَّـمًـا فِـي صُـنْـعِـهَـا الْأَعْـظَمِ
لَـمْ يُـصْـلِـحِ الـنَّـاسَ لِـذِي أَمْـرِهِـمْ
غَـيْـرُ شَـفِـيـعِ الـسَّـيْـفِ وَالـدِّرْهَـمِ
أَظْـلَـمُـهُـمْ مَـنْ سَـاغَ طَـعْـمَ الْأَذَى
لَــيْــسَ الَّــذِي يَــظْــلِـمُ بِـالْأَظْـلَـمِ
كُـــلُّ ضَـــعِـــيــفٍ خَــيْــرُهُ عِــلَّــةٌ
مَــنْ ذَا الَّــذِي صَـحَّ فَـلَـمْ يَـعْـرُمِ؟

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤