دَعَوْتُكَ لِلْجَفْنِ الْقَرِيحِ الْمُسَهَّدِ

Wave Image
دَعَـوْتُـكَ لِـلْـجَـفْـنِ الْـقَـرِيـحِ الْـمُـسَـهَّـدِ
لَــدَيَّ وَلِــلــنَّــوْمِ الْــقَــلِــيــلِ الْـمُـشَـرَّدِ
وَمَــا ذَاكَ بُــخْــلًا بِــالْــحَــيَــاةِ وَإِنَّــهَـا
لَأَوَّلُ مَـــــبْــــذُولٍ لِأَوَّلِ مُــــجْــــتَــــدِ
وَمَــا زَلَّ عَـنِّـي أَنَّ شَـخْـصًـا مُـعَـرَّضًـا
لِـنَـيْـلِ الـرَّدَى إِنْ لَـمْ يُـصَـبْ فَـكَأَنْ قَدِ
وَلَــكِــنَّــنِــي أَخْــتَـارُ مَـوْتَ بَـنِـي أَبِـي
عَـلَـى سَـرَوَاتِ الْـخَـيْـلِ غَـيْـرَ مُـوَسَّـدِ
وَآبَـــى وَتَأْبَـــى أَنْ أَمُـــوتَ مُـــوَسَّــدًا
بِأَيْــدِي الـنَّـصَـارَى مَـوْتَ أَكْـمَـدَ أَكْـبَـدِ
نَـضَـوْتُ عَـلَـى الْأَيَّـامِ ثَـوْبَ جَـلَادَتِـي
وَلَــكِــنَّــنِـي لَـمْ أَنْـضُ ثَـوْبَ الـتَّـجَـلُّـدِ
وَمَــــا أَنَــــا إِلَّا بَـــيْـــنَ أَمْـــرٍ وَضِـــدِّهِ
يُــجَــدَّدُ لِــي فِــي كُــلِّ يَــوْمٍ مُــجَـدَّدِ
فَـمِـنْ حُـسْـنِ صَـبْـرٍ بِـالـسَّـلَامَـةِ وَاعِدٍ
وَمِــنْ رَيْــبِ دَهْــرٍ بِــالــرَّدَى مُـتَـوَعِّـدِ
وَمِـثْـلُـكَ مَـنْ يُـدْعَـى لِـكُـلِّ عَـظِـيـمَـةٍ
وَمِــثْــلِــيَ مَــنْ يُــفْـدَى بِـكُـلِّ مُـسَـوَّدِ
أُنَــادِيــكَ لَا أَنِّــي أَخَــافُ مِــنَ الــرَّدَى
وَلَا أَرْتَــجِــي تَأْخِــيــرَ يَــوْمٍ إِلَــى غَـدِ
وَقَـدْ حُـطِّـمَ الْـخَـطِّـيُّ وَاخْـتَرَمَ الْعِدَى
وَفُــلِّــلَ حَــدُّ الْــمَــشْــرَفِــيِّ الْـمُـهَـنَّـدِ
وَآنَــفُ مَــوْتَ الــذُّلِّ فِــي دَارِ غُــرْبَــةٍ
بِأَيْـدِي الـنَّـصَـارَى الْـغُـلْـفِ مِـيتَةَ أَكْمَدِ
فَـلَا تَـقْـعُـدَنْ عَـنِّـي وَقَـدْ سِيمَ فِدْيَتِي
فَـلَـسْـتَ عَـنِ الْـفِـعْـلِ الْـكَـرِيـمِ بِـمُقْعَدِ
فَــكَــمْ لَــكَ عِــنْــدِي مِـنْ أَيَـادٍ وَأَنْـعُـمٍ
رَفَـعْـتَ بِـهَـا قَـدْرِي وَأَكْـثَـرْتَ حُـسَّدِي
تَــشَــبَّـثْ بِـهَـا أُكْـرُومَـةً قَـبْـلَ فَـوْتِـهَـا
وَقُمْ فِي خَلَاصِي صَادِقَ الْوَعْدِ وَاقْعُدِ
فَإِنْ مُـتُّ بَـعْـدَ الْـيَـوْمِ عَـابَـكَ مَـهْـلَكِي
مَــعَــابَ الــزُّرَارِيِّــيــنَ مَـهْـلَـكَ مَـعْـبَـدِ
هُـمُ عَـضَـلُـوا عَـنْـهُ الْـفِـدَاءَ وَأَصْـبَحُوا
يَـهُـدُّونَ أَطْـرَافَ الْـقَـرِيـضِ الْـمُـقَـصَّدِ
وَلَــمْ يَــكُ بِــدْعًــا هُـلْـكُـهُ غَـيْـرَ أَنَّـهُـمْ
يُــعَـابُـونَ إِذْ سِـيـمَ الْـفِـدَاءُ وَمَـا فُـدِي
فَــلَا كَــانَ كَــلْـبُ الـرُّومِ أَرْأَفَ مِـنْـكُـمُ
وَأَرْغَـبَ فِـي كَـسْـبِ الـثَّـنَـاءِ الْـمُـخَـلَّدِ
وَلَا بَــلَــغَ الْأَعْــدَاءُ أَنْ يَــتَــنَــاهَــضُـوا
وَتَــقْــعُــدَ عَـنْ هَـذَا الْـعَـلَاءِ الْـمُـشَـيَّـدِ
أَأَضْــحَــوْا عَــلَـى أَسْـرَاهُـمُ بِـيَ عُـوَّدًا
وَأَنْــتُــمْ عَــلَــى أَسْــرَاكُــمُ غَـيْـرَ عُـوَّدِ
مَـتَـى تُـخْـلِـفُ الْأَيَّـامُ مِـثْلِي لَكُمْ فَتًى
شَــدِيــدًا عَـلَـى الْـبَأْسَـاءِ غَـيْـرَ مُـلَـهَّـدِ
مَـتَـى تُـخْـلِـفُ الْأَيَّـامُ مِـثْلِي لَكُمْ فَتًى
طَـوِيـلَ نِـجَـادِ الـسَّـيْـفِ رَحْـبَ الْمُقَلَّدِ
فَإِنْ تَـفْـتَـدُونِـي تَـفْـتَـدُوا شَـرَفَ الْعُلَا
وَأَسْــــرَعَ عَـــوَّادٍ إِلَـــيْـــهَـــا مُـــعَـــوَّدِ
فَإِنْ تَــفْــتَــدُونِــي تَــفْـتَـدُوا لِـعُـلَاكُـمُ
فَـتًـى غَـيْـرَ مَـرْدُودِ الـلِّـسَـانِ وَلَا الْـيَدِ
يُــطَــاعِــنُ عَـنْ أَحْـسَـابِـكُـمْ بِـلِـسَـانِـهِ
وَيَـضْـرِبُ عَـنْـكُـمْ بِـالْـحُـسَـامِ الْـمُـهَنَّدِ
أَقِــلْــنِــي أَقِــلْــنِـي عَـثْـرَةَ الـدَّهْـرِ إِنَّـهُ
رَمَـانِـي بِـنَـصْـلٍ صَـائِـبِ النَّحْرِ مُقْصِدِ
وَلَــوْ لَـمْ تَـنَـلْ نَـفْـسِـي وَلَاءَكَ لَـمْ أَكُـنْ
لِأُورِدَهَـــا فِـــي نَـــصْـــرِهِ كُــلَّ مَــوْرِدِ
وَلَا كُـنْـتُ أَلْـقَـى الْأَلْـفَ زُرْقًـا عُـيُـونُـهَا
بِــسَــبْــعِــيــنَ فِـيـهَـا كُـلُّ أَشْأَمَ أَنْـكَـدِ
فَــلَا وَأَبِــي مَــا سَــاعِــدَانِ كَــسَــاعِـدٍ
وَلَا وَأَبِـــي مَـــا سَـــيِّـــدَانِ كَـــسَــيِّــدِ
وَلَا وَأَبِــي مَــا يَــفْـتُـقُ الـدَّهْـرُ جَـانِـبًـا
فَــــيَــــرْتُــــقُــــهُ إِلَّا بِأَمْـــرٍ مُـــسَـــدَّدِ
وَإِنَّــكَ لَــلْــمَــوْلَــى الَّـذِي بِـكَ أَقْـتَـدِي
وَإِنَّــكَ لَــلــنَّــجْــمُ الَّــذِي بِـكَ أَهْـتَـدِي
وَأَنْــتَ الَّــذِي عَـرَّفْـتَـنِـي طُـرُقَ الْـعُـلَا
وَأَنْـتَ الَّـذِي أَهْـدَيْـتَـنِـي كُـلَّ مَـقْـصِـدِ
وَأَنْــتَ الَّــذِي بَــلَّــغْــتَــنِــي كُـلَّ رُتْـبَـةٍ
مَـشَـيْـتُ إِلَـيْـهَـا فَـوْقَ أَعْـنَـاقِ حُسَّدِي
فَـيَـا مُـلْـبِسِي النُّعْمَى الَّتِي جَلَّ قَدْرُهَا
لَــقَـدْ أَخْـلَـقَـتْ تِـلْـكَ الـثِّـيَـابُ فَـجَـدِّدِ
أَلَـمْ تَـرَ أَنِّـي فِـيـكَ صَـافَـحْـتُ حَـدَّهَـا
وَفِـيـكَ شَـرِبْـتُ الْـمَـوْتَ غَـيْـرَ مُـصَـرَّدِ
يَـقُـولُـونَ «جَـنِّـبْ» عَـادَةٌ مَـا عَـرَفْـتُهَا
شَــدِيـدٌ عَـلَـى الْإِنْـسَـانِ مَـا لَـمْ يُـعَـوَّدِ
فَــقُــلْــتُ أَمَــا وَالــلــهِ لَا قَــالَ قَــائِـلٌ
شَـهِـدْتُ لَـهُ فِـي الْـخَـيْـلِ أَلْأَمَ مَـشْـهَدِ
وَلَـــكِـــنْ سَأَلْـــقَـــاهَــا فَإِمَّــا مَــنِــيَّــةٌ
هِــيَ الــطَّـعْـنُ أَوْ بُـنْـيَـانُ عِـزٍّ مُـشَـيَّـدِ
وَلَــمْ أَدْرِ أَنَّ الــدَّهْــرَ مِـنْ عَـدَدِ الْـعِـدَا
وَأَنَّ الْـمَـنَـايَـا الـسُّـودَ يَـرْمِـيـنَ عَنْ يَدِ
بَـقِـيـتَ عَـلَـى الْأَيَّـامِ تُحْمَى مِنَ الرَّدَى
وَيَــفْــدِيــكَ مِــنَّــا سَــيِّـدٌ بَـعْـدَ سَـيِّـدِ
فَــلَا يَــحْــرِمَــنِّــي الــلــهُ قُــرْبَـكَ إِنَّـهُ
مُـرَادِي مِـنَ الـدُّنْـيَـا وَحَظِّي وَمَقْصِدِي

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة بهذه القصيدة أول ما أُسِر، يسأله أن يفتديه.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو فراس الحمداني: هو شاعر وقائد عسكري وأمير بالدولة الحمدانية، عاصَر «المتنبي» ونافَسه في بلاط «سيف الدولة».

وُلد «أبو فراس الحارث بن حمدون الحمداني» في منبج بسوريا عام ٣٢١ﻫ/٩٣٣م، وقيل بالموصل شماليَّ العراق، وتَيتَّم وهو في الثالثة من عمره، فنشأ في رعاية ابن عمه «سيف الدولة»، فقرَّبه إليه حين رأى منه نبوغًا في شعره وقوةً وحُسن تخطيطٍ في المعارك.

كان «أبو فراس الحمداني» أحد أهم مُجالِسي «سيف الدولة» في مجلسه الخاص الذي كان يُدعى إليه الشعراء، وكان يُجزل له العطاءَ حتى منحه ضَيْعة في منبج، بالإضافة إلى توليته عليها وهو في السادسة عشرة من عمره.

جمع نَظمُ «أبي فراس» كلَّ ألوان الشعر، فكان فيه الغزل والفخر والرثاء والوصف والحِكم، وكان أعظمها «الروميات» التي نظَمها وهو في الأَسر، فأخرج فيها عميقَ مشاعره وأصدق أقواله.

حافَظ «أبو فراس الحمداني» على ممارسة هواية الصيد وعقد مجالس الشعر والأدب، وكانت له انتصاراتٌ عديدة على جيش الروم، وأُسر عدة مرات فدَاه فيها «سيف الدولة»، كان آخرها وهو عائد من إحدى رحلات الصيد، فجُرح وأُسر، وراسَل «سيف الدولة» أكثر من مرة حتى جفاه «سيف الدولة» بسبب وشاية بعض المقرَّبين منه، فطال الأَسر لأربع سنوات، فأرسل إليه قصيدته المشهورة: «أراك عصيَّ الدمع شِيمتُك الصبر»، وكان لهذه المدة من الأَسر أثرُها الكبير في صَقل موهبة «أبي فراس» وتهذيب وِجدانه الذي أخرج لنا «الروميات» (نسبةً إلى اسم السجن).

وبعد خروجه من الأَسر تولَّى حمص حتى وفاة «سيف الدولة» عام ٣٥٦ﻫ، فأصبح حاجبُ «سيف الدولة» وصيًّا على ابنه «أبي المعالي»، فوشى الحاجب ﺑ «أبي فراس»، فسيَّر إليه «أبو المعالي» جيشًا أرداه قتيلًا وقطع رأسه عام ٣٥٧ﻫ/٩٦٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤