قَدْ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ جَهْلٍ وَإِغْوَاءِ

Wave Image
قَـدْ قَـالَ مَـنْ قَالَ مِنْ جَهْلٍ وَإِغْوَاءِ
عَـنْ حُـكْمِ تَكْلِيفِ رَبِّي عَبْدَهُ الثَّائِي
مَـا حِـيـلَـةُ الْـعَـبْـدِ وَالْأَقْـدَارُ جَارِيَةٌ
عَـلَـيْـهِ فِـي كُـلِّ حَـالٍ أَيُّـهَـا الـرَّائِي
أَلْـقَـاهُ فِـي الْـبَـحْرِ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ
إِيَّـــاكَ إِيَّــاكَ أَنْ تَــبْــتَــلَّ بِــالْــمَــاءِ
حَـتَّـى عَـلَـيْـهِ فَـتًـى مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا
قَــدْ قَــالَ فِـي رَدِّهِ نَـظْـمًـا بِإِنْـشَـاءِ
إِنْ حَـفَّهُ اللُّطْفُ لَمْ يَمْسَسْهُ مِنْ بَلَلٍ
وَمَــا عَــلَــيْــهِ بَــتَـكْـتِـيـفٍ وَإِلْـقَـاءِ
وَإِنْ يَـكُـنْ قَـدَّرَ الْـمَـوْلَـى لَـهُ غَـرَقًـا
فَـهْـوَ الْـغَـرِيـقُ وَإِنْ أُلْـقِي بِصَحْرَاءِ
يَـعْـنِـي إِذَا كَـانَ فِـي عِـلْـمِ الْإِلَـهِ لَهُ
سَـعَـادَةٌ عُـلِـمَـتْ مِـنْ غَـيْـرِ إِشْـقَـاءِ
فَـهْـوَ الـسَّـعِـيـدُ وَإِنْ كَانَتْ شَقَاوَتُهُ
فِـي الْـعِـلْـمِ فَـهْوَ شَقِيٌّ هَكَذَا جَائِي
وَالْـعِـلْـمُ يَـتْـبَـعُ لِـلْـمَـعْـلُومِ مِنْ أَزَلٍ
مَــقَــالَـةُ الْـحَـقِّ لِـلْـقَـوْمِ الْأَخِـصَّـاءِ
كَــذَا الْإِرَادَةُ وَالـتَّـقْـدِيـرُ يَـتْـبَـعُ مَـا
فِـي الْـعِـلْـمِ مِـنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَإِبْطَاءِ
فَـالـلـهُ قَـدَّرَ مَـا فِـي الْـعِـلْـمِ كَاشِفُهُ
بِــمَــا بِإِيــجَــادِهِ سُــمِّــي بِأَشْــيَـاءِ
وَإِنَّــــمَــــا هِـــيَ آثَـــارٌ مُـــلَازِمَـــةٌ
أَيْـدِي صِـفَـاتٍ مِـنَ الْمَوْلَى وَأَسْمَاءِ
إِذْ لَا مُــضِــلَّ بِــلَا إِضْــلَالِــهِ أَحَــدًا
وَلَا يُـــسَــمَّــى بِــهَــادٍ دُونَ إِهْــدَاءِ
وَلَا مُــعِــزَّ بِــلَا شَــخْــصٍ يُــعَــزِّزُهُ
وَلَا مُـــــــذِلَّ بِــــــلَا قَــــــوْمٍ أَذِلَّاءِ
وَهَـكَـذَا سَـائِـرُ الْأَسْـمَـاءِ مِـنْـهُ لَـهَـا
قَـــوَابِـــلٌ كَـــظِـــلَالَاتٍ وَأَفْـــيَـــاءِ
قَــدِيــمَــةٌ وَهْــيَ مَـعْـلُـومَـاتُـهُ أَزَلًا
مَـعْـدُومَـةُ الْـعَـيْنِ فِي مَحْقٍ وَإِفْنَاءِ
وَالـلـهُ سُـمِّـيَ عَـلَّامَ الْـغُـيُـوبِ بِـهَـا
تَــرَتَّــبَــتْ هَــكَــذَا تَــرْتِـيـبَ إِنْـهَـاءِ
وَهْـيَ الَّـتِي كُشِفَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ بِهَا
مِـنْ قَـبْـلِ إِيـجَادِهَا فَافْطَنْ لِأَنْبَائِي
حَــتَّــى أَرَادَ لَــهَــا قِـدْمًـا فَـقَـدَّرَهَـا
طِـبْـقَ الَّـذِي هِـيَ فِـيهِ ضِمْنَ أَجْزَاءِ
فَـلَـمْ يُـقَـدِّرْ سِـوَى مَـا الْـعِلْمُ حَقَّقَهُ
وَلَا أَرَادَ سِـــــوَاهُ دُونَ أَخْــــطَــــاءِ
وَقُـلْ عَـلَـى كُـلِّ شَيْءٍ حُكْمُ قُدْرَتِهِ
لَــكِــنْ بِـمَـعْـلُـومِـهِ خُـصَّـتْ بِإِبْـدَاءِ
وَلَــمْ يَــكُــنْ عَـبَـثًـا تَـكْـلِـيـفُـهُ أَبَـدًا
وَالْـكُـتْـبُ حَـقٌّ مَـعَ الـرُّسْـلِ الْأَدِلَّاءِ
وَالْأَمْـرُ وَالـنَّهْيُ مِنْ رَبِّ الْعِبَادِ عَلَى
عِــــبَــــادِهِ لَا لِــــسَــــرَّاءٍ وَضَـــرَّاءِ
وَلَا لِأَجْـلِ امْـتِـثَـالِ الْأَمْـرِ أَوْ غَرَضٍ
لَــهُ تَــعَــالَــى وَلَا مَــنْــعٍ وَإِعْــطَـاءِ
وَإِنَّـمَـا هُـوَ تَـمْـيِـيـزُ الْـخَـبِـيـثِ هُنَا
مِـنْ طَـيِّـبٍ وَمِـراضٍ مِـنْ أَصِـحَّـاءِ
وَفِـي الْـقِـيَـامَـةِ عَـدْلُ الـلـهِ يُظْهِرُهُ
وَالْــفَــضْــلُ أَيْــضًــا لِأَقْـوَامٍ أَعِـزَّاءِ
فَـلَـيْـسَ فِـي شَـرْعِـنَـا جَبْرٌ وَلَا قَدَرٌ
وَإِنَّــهُ فِــعْــلُ مُــخْــتَــارٍ بِإِمْــضَــاءِ
وَقَــوْلُ مَـنْ قَـالَ وَالْأَقْـدَارُ جَـارِيَـةٌ
مَـا حِـيـلَـةُ الْـعَـبْـدِ تَـغْـلِـيطٌ بِشَنْعَاءِ
مَـا حِـيـلَـةُ الْعَبْدِ فِي فِعْلٍ يَكُونُ لَهُ
بِــالْـقَـصْـدِ مِـنْـهُ بِـلَا جَـبْـرٍ وَإِلْـجَـاءِ
أَحَــاطَ عِــلْــمًــا بِــهِ رَبِّــي فَـقَـدَّرَهُ
قِـدْمًـا عَـلَـيْـهِ بِـعَـدْلٍ بَـعْـدَ إِحْـصَاءِ
مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَحَاشَا اللهِ يَظْلِمُ مَنْ
عَــلَـيْـهِ يَـحْـكُـمُ عَـنْ عِـلْـمٍ بِإِجْـلَاءِ
أَلْـقَـاهُ فِـي الْـبَـحْرِ مَكْتُوفًا، مُغَالَطَةٌ
وَكَـيْـفَ يَـكْـتِـفُـهُ مَـعْ قَـصْـدِ إِجْرَاءِ
وَالْـكُـلُّ مَـا هُوَ بِالْمَجْعُولِ فِي عَدَمٍ
بَـلْ إِنَّـهُ مُـقْـتَـضَـى الْأَسْـمَا الْأَجِلَّاءِ
وَالْـجَـهْـلُ تَـعْرِيفُهُ الْإِنْشَاءُ مِنْ عَدَمٍ
وَلَـيْـسَ يُـوصَـفُ مَـعْـدُومٌ بِإِنْـشَـاءِ
فَـافْـهَـمْ وَحَقِّقْ لِنَفْسِ الْأَمْرِ مُعْتَبِرًا
حُــكْــمَ الْإِلَــهِ بِــعِــلْــمٍ لَا بِـجَـهْـلَاءِ
هَـذَا الَّـذِي قَـدْ أَخَذْنَا عَنْ مَشَايِخِنَا
أُولِــي الْـهِـدَايَـةِ وَالـتَّـقْـوَى الْأَلِـبَّـاءِ
عِـنَـايَـةُ الـلـهِ أَعْـلَـى الـلـهُ طَـائِـفَـةً
بِـهَـا عَـلَـى غَـيْرِهِمْ مِنْ مُفْتَرٍ سَائِي
عَــبْـدُ الْـغَـنِـيِّ لَـهُ الـرَّحْـمَـنُ وَفَّـقَـهُ
فَــبَــثَّــهَــا لِــلــتَّــلَامِــيــذِ الْأَخِـلَّاءِ
لَــعَـلَّ تَأْتِـيـهِ مِـنْـهُـمْ دَعْـوَةٌ فَـيَـرَى
قُـرْبًـا بِـهَا مِنْ عَظِيمِ الْفَضْلِ مِعْطَاءِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: العثماني

عن الشاعر

عبد الغني النابلسي الدمشقي: شاعر، وفقيه، ورحَّالة، ومتصوِّف سوري، يرجع نسَبُه إلى «عمر بن الخطاب».

وُلد «عبد الغني النابلسي» في دمشق عام ١٦٤١م في بيتِ عِلم؛ فقد كان جدُّه مدرِّسًا لجامع «درويش باشا» وناظرًا لوَقْفه، وقد تَولى أبوه المهامَّ نفسَها بعد وفاة جدِّه. كان أبوه أولَ معلِّم له؛ فقد حفظ على يدَيه القرآنَ الكريم في سِن الخامسة، وحين بلَغ العاشرة حفظ كثيرًا من المقدِّمات والمنظومات مثل: «ألفية ابن مالك في النحو»، و«الشاطبية في القراءات»، و«الرحبانية في الفرائض»، و«الجَزرية في التجويد»، كما تابَع دروس «نجم الدين الغزي» في الحديث في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في الحديث.

عمل «النابلسي» مدرسًا في الجامع الأموي وهو في سِن العشرين من عمره، وحين بلغ الخامسةَ والعشرين ارتحل إلى أدرنة بالدولة العثمانية ثم زار إسطنبول، وبعد عودته عُيِّن قاضيًا في حي الميدان جنوب دمشق، لكنه استقال من منصبه ليتفرَّغ للتدريس والتأليف.

تَجاوَزت مُؤلَّفاته ثلاثمائة عمل مُوزَّعة بين الشِّعر وأدب الرحلات والفقه والتصوُّف والحديث والتفسير؛ ومن أبرزها: «إيضاح المقصود من وَحْدة الوجود»، و«الوجود الحق والخطاب الصدق»، و«التعبير في تفسير الأحلام»، و«ديوان الدواوين» وهو مجموعُ شِعره، و«أسرار الشريعة»، و«الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية»، و«ذخائر المواريث في الدلالة على مَواضع الحديث»، وغير ذلك من المصنَّفات الغنية التي تُعَد مصادرَ مهمة في مجالاتها.

اشتهر بالتصوُّف ومُجاهَدة النفس حتى وصل إلى مرتبة العارفين، وكان يَتبنى أفكارَ «محيي الدين بن عربي» ويُدافِع عنه ضدَّ مُنتقِديه، ودخَل في معركة حامية مع علماء وفقهاء عصره حول أفكاره الصوفية والقول بوَحْدة الوجود، وتَعرَّض على إثرها لأزمةٍ نفسية حادة في سن الأربعين، اضطرَّ على إثرها إلى الاعتزال في بيته لمدة سبع سنوات، قضاها في التأليف والتدريس، وأسدَل شَعره في أثنائها، وأرخى لحيتَه، وطلَّق زوجته، لكنه خرج بعدها إلى الناس الذين ازداد احترامُهم له بعدَ أن كانوا قد رمَوه بالحجارة قبل خلوته.

تُوفِّي «النابلسي» عام ١٧٣١م في دمشق، ودُفِن بالقبة التي بناها في بيته، والتي أُقيم عليها جامعٌ بعد ذلك.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤