بَعْدَ الدُّسْتُورِ

Wave Image
سَـقَـتْـنَـا الْـمَـعَـالِـي مِـنْ سُـلَافَـتِـهَـا صِـرْفَا
وَغَــنَّــتْ لَــنَــا الــدُّنْــيَــا تُــهَـنِّـئُـنَـا عَـزْفَـا
وَزَفَّــتْ لَــنَــا الـدُّسْـتُـورَ أَحْـرَارُ جَـيْـشِـنَـا
فَأَهْــلًا بِــمَــا زَفَّــتْ وَشُــكْــرًا لِــمَــنْ زَفَّـا
فَأَصْـبَـحَ هَـذَا الـشَّـعْـبُ لِـلـسَّـيْـفِ شَـاكِـرًا
وَقَـدْ كَـانَ قَـبْـلَ الْـيَـوْمِ لَا يَـشْـكُـرُ الـسَّيْفَا
وَرُحْــنَــا نَـشَـاوَى الْـعِـزِّ يَـهْـتِـفُ بَـعْـضُـنَـا
بِـبَـعْـضٍ هُـتَـافًـا يُـصْـعِـقُ الـظُّـلْمَ وَالْحَيْفَا
وَلَاحَــتْ لَــنَــا حُــرِّيَــةُ الْـعَـيْـشِ عِـنْـدَمَـا
أَمَـاطَـتْ لَـنَـا الْأَحْـرَارُ عَـنْ وَجْـهِهَا السَّجْفَا
أَتَـتْ عَـاطِـلًا لَا يَـعْـرِفُ الْـحَـلْـيَ جِـيـدُهَـا
وَلَا كَــحَــلَــتْ عَــيْــنًـا وَلَا خَـضَـبَـتْ كَـفَّـا
فَـجَـاءَتْ بِـمَـطْـبُـوعٍ مِنَ الْحُسْنِ قَدْ قَضَى
عَـلَـى الـشِّـعْـرِ أَنْ لَا يَـسْـتَـطِـيـعَ لَـهُ وَصْفَا
فَــلَـمْ نَـرْضَ غَـيْـرَ الْـعِـلْـمِ تَـاجًـا لِـرَأْسِـهَـا
وَلَا غَـيْـرَ شَـنْـفِ الْـعَـدْلِ فِـي أُذْنِـهَـا شَـنْفَا
وَلَــمْ نَــكْــسُــهَــا إِلَّا مِــنَ الْــعُــرْفِ حُــلَّـةً
وَهَـلْ يَـكْـتَسِي الدِّيبَاجَ مَنْ يَكْتَسِي الْعُرْفَا
نَــشَــرْنَــا لَــهَــا مِــنَّـا لَـفِـيـفَ اشْـتِـيَـاقِـنَـا
وَنَــحْــنُ أُنَــاسٌ نُـحْـسِـنُ الـنَّـشْـرَ وَالـلَّـفَّـا
حَــلَــلْــنَــا الْــحُــبَــا لَــمَّــا أَتَــتْـنَـا كَـرَامَـةً
وَقُــمْــنَــا عَـلَـى الْأَقْـدَامِ صَـفًّـا لَـهَـا صَـفَّـا
عَــقَــدْنَــا لَــهَــا عَــقْــدَ الــلِّــوَاءِ تَـعَـشُّـقًـا
فَــكُــنَّــا لَــهَــا إِلْــفًــا وَكَــانَــتْ لَــنَــا إِلْـفَـا
رَفَــعْــنَــا لِــوَاءَ الــنَّــصْـرِ يَـهْـفُـو أَمَـامَـهَـا
وَرُحْـنَـا عَـلَـى صَـرْفِ الـزَّمَـانِ لَـهَـا حِـلْـفَـا
فَــلَــمْ تَــرَ غَــيْــرَ الــرِّفْـقِ فِـيـنَـا سَـجِـيَّـةً
وَإِنْ كَـانَ بَـعْـضُ الْـقَـوْمِ أَبْـدَى لَـهَـا عُـنْـفَـا
•••
تَـــحَـــمَّـــلَ أَعْـــبَـــاءَ الــصَّــدَارَةِ كَــامِــلٌ
فَـــنَــاءَ بِــهِ مَــا لَــمْ يَــخِــفَّ وَمَــا خَــفَّــا
طَـوَى كَـشْـحَـهُ مِـنْـهَـا عَـلَـى غَـيْـرِ لُـطْـفِهَا
وَأَظْـهَـرَ مِـنْ وَجْـهِ الْـخِـدَاعِ بِـهَـا الـلُّـطْـفَـا
نَــحَــا أَنْ يَــتِــمَّ الـدَّسْـتُ فِـيـهَـا لِـحِـزْبِـهِ
عَـلَـيْـنَـا وَظَـنَّ الْأَمْـرَ فِـيـمَـا نَـحَـا يَـخْـفَـى
وَقَـــدْ فَـــاتَـــهُ أَنَّـــا أُولُـــو أَلْـــمَـــعِـــيَّـــةٍ
بِـهَـا نَـخْـطَـفُ الْأَسْـرَارَ مِـنْ قَـلْـبِـهِ خَـطْـفَا
وَأَنَّــــا نَــــرَى مَــــنْ قَــــدْ تَأَبَّــــطَ شَـــرَّهُ
بِــعَــيْــنٍ تَــقُـدُّ الْإِبْـطَ أَوْ تَـخْـلَـعُ الْـكِـتْـفَـا
لَــنَــا فِــطْــنَــةٌ نَــرْمِــي الـزَّمَـانَ بِـنُـورِهَـا
فَـيَـبْـدُو حِـجَـابُ الْـغَـيْـبِ مِـنْـهُ وَقَـدْ شَفَّا
رَمَــانَــا بِــشَــزْرِ الــلَّــحْــظِ مُـزْوَرُّ طَـرْفِـهِ
فَـصِـحْـنَـا بِـهِ أَنْ غُـضَّ يَـا كَـامِـلُ الـطَّـرْفَا
فَـمَـا نَـحْـنُ بَـعْـدَ الْـيَـوْمِ مَـهْـمَـا تَـنَـوَّعَـتْ
عَــنَــاصِــرُنَـا مِـنْ أُمَّـةٍ تَـحْـمِـلُ الْـخَـسْـفَـا
مَـــدَدْنَـــا إِلَـــى كَـــفِّ الْإِخَـــاءِ أَكُـــفَّـــنَــا
نُــصَــافِــحُــهُ شَــوْقًــا فَــمَــدَّ لَـنَـا الْـكَـفَّـا
فَــطَــابَ لَــنَــا مِــنْــهُ الْــعِــنَــاقَ وَضَـمَّـنَـا
إِلَــيْــهِ فَــقَــبَّــلْــنَــاهُ مِــنْ عَــيْــنِــهِ أَلْــفَـا
أَذُلًّا وَهَــــذَا الْــــعِـــزُّ صَـــرَّحَ سَـــابِـــغًـــا
عَــلَــيْــنَـا إِذَنْ فَـالْـعِـزُّ أَنْ نُـدْرِكَ الْـحَـتْـفَـا
إِذَا نَــحْــنُ قُــمْــنَــا مُــحْــنَـقِـيـنَ رَأَيْـتَـنَـا
نَــدُكُّ جِــبَــالَ الــظُّـلْـمِ نَـنْـسِـفُـهَـا نَـسْـفَـا
وَنَــحْــنُ إِذَا مَـا الْـحَـرْبُ أَفْـنَـتْ جِـيَـادَنَـا
قِـتَـالًا رَكِـبْـنَـا الْـمَـوْتَ فِـي حَـرْبِـنَـا طِـرْفَـا
تَـــرَبَّـــعَ فِـــي صَـــدْرِ الْـــوِزَارَةِ كَـــامِـــلٌ
فَـخَـطَّ مِـنَ الـنُّـقْـصَـانِ فِـي وَجْـهِـهَا حَرْفَا
وَأَنْــحَــى عَــلَــيْــهَــا بِـالْـجَـفَـاءِ مُـشَـتِّـتًـا
نَــجَـاحًـا بِـرُكْـنَـيْـهَـا الـرَّكِـيـنَـيْـنِ مُـلْـتَـفَّـا
لَــقَــدْ أَغْــضَــبَ الــدُّسْـتُـورَ فِـعْـلًا وَنِـيَّـةً
وَمَـنْ أَعْـلَـنُوا الدُّسْتُورَ وَالشَّعْبَ وَالصُّحْفَا
قَــدِ اسْـتَـوْضَـحُـوهُ الْأَمْـرَ وَالْأَمْـرُ وَاضِـحٌ
فَأَعْـيَـاهُ إِيـضَـاحُ الْـحَـقِـيـقَـةِ فَـاسْـتَـعْـفَى
وَلَــــمْ يَــــطْــــلُـــبِ الْإِمْـــهَـــالَ إِلَّا لِأَنَّـــهُ
رَأَى عُــذْرَهُ إِنْ لَــمْ يُــطِــلْ سَــبْـكَـهُ زَيْـفَـا
كَـــذَلِــكَ مَــنْ صَــاغَ الْــكَــلَامَ مُــلَــفَّــقًــا
تَــمَــهَّـلَ حِـيـنًـا يُـكْـثِـرُ الْـخَـطَّ وَالْـحَـذْفَـا
وَمَــنْ قَــالَ حَــقًّــا قَــالَــهُ عَــنْ بَــدِيــهَـةٍ
وَيَـحْـتَـاجُ لِـلـتَّـفْـكِـيـرِ مَـنْ مَـوَّهَ الْـخُـلْـفَـا
فَـيَـا أَيُّـهَـا «الـصَّـدْرُ» الْـجَـدِيـدُ اتَّـعِـظْ بِـهِ
فَإِيَّــاكَ أَنْ تَــطْـغَـى وَأَنْ تَـثْـنِـيَ الْـعِـطْـفَـا
وَيَــا مَــجْــلِـسَ الـنُّـوَابِ سِـرْ غَـيْـرَ عَـاثِـرٍ
إِلَــى الْـمَـجْـدِ لَا تَـلْـقَـى كَـلَالًا وَلَا ضَـعْـفَـا
وَدَعْ عَــنْــكَ مَــذْمُـومَ الـتَّـجَـافِـي فَإِنَّـمَـا
لِـغَيْرِ التَّجَافِي اخْتَارَكَ الشَّعْبُ وَاسْتَصْفَى
أَلَـــمْ تَـــرَ أَرْجَـــاءَ الْـــبِـــلَادِ مَـــحُـــولَـــةً
مِـنَ الْـعِـلْـمِ فَـاسْـتَـمْـطِـرْ لَهَا الدِّيَمَ الْوُطْفَا
بِــلَادٌ جَــفَــاهَــا الْأَمْــنُ فَــهْــيَ مَـرِيـضَـةٌ
فَـحَـقِّـقْ لَـهَـا مِـنْ طِـبِّ رَأْيِـكَ أَنْ تُـشْـفَـى
فَإِنَّ لِأَهْــــلِـــيـــهَـــا عَـــلَـــيْـــكَ لَـــذِمَّـــةً
وَمِــثْـلُـكَ مَـنْ رَاعَـى الـذِّمَـامَ وَمَـنْ وَفَّـى
وَمَــــا أَنْـــتَ إِلَّا أُمَّـــةٌ قَـــدْ تَـــقَـــدَّمَـــتْ
أَمَــامًــا وَقَــدْ خَــلَّــتْ تَـقَـهْـقُـرَهَـا خَـلْـفَـا
وَلَا تَـــنْـــسَ مُـــغْــبَــرَّ الْــعِــرَاقِ وَأَهْــلَــهُ
فَإِنَّ الْــبَــلَاءَ الْــجَــمَّ مِـنْ حَـوْلِـهِ احْـتَـفَّـا
فَـدِجْـلَـةُ أَمْـسَـتْ كَـالـدُّجَـيْـلِ شَـحِـيـحَـةً
فَــلَا أَنْــبَــتَـتْ زَرْعًـا وَلَا أَشْـبَـعَـتْ ظِـلْـفَـا
وَإِنَّ «الْــفُــرَاتَ» الْـعَـذْبَ أَمْـسَـى مُـرَنَّـقًـا
بِــهِ الْـمَـاءُ يَـجْـفُـو أَوْ بِـهِ الْـمَـاءُ قَـدْ جَـفَّـا
سَــلِ «الْــحِــلَّــةَ» الْـفَـيْـحَـاءَ عَـنْـهُ فَإِنَّـهَـا
حَـكَـتْ شُـهَـدَاءَ «الـطَّـفِّ» إِذْ نَـزَلُـوا الـطَّفَّا
فَـيَـا وَيْـلَ قَـوْمٍ فِـي الْـعِـرَاقِ قَـدِ انْـطَـوَوْا
عَــلَــى الـذُّلِّ إِذْ أَمْـسَـتْ قُـلُـوبُـهُـمُ غُـلْـفَـا
وَلَــمْ يَــذْكُــرُوا مَـجْـدًا لَـهُـمْ كَـانَ ضَـارِبًـا
رِوَاقًــا عَــلَــى هَـامِ الْـكَـوَاكِـبِ قَـدْ أَوْفَـى
وَكَــانُــوا بِــهِ شُــمَّ الْـعَـرَانِـيـنِ فَـاغْـتَـدَوْا
يُــقَــاسُــونَ أَهْــوَالًا بِــهِ تَــجْــدَعُ الْأَنْــفَـا
يُــرَجُّــونَ مِــنْ أَهْــلِ الْــقُــبُـورِ رَجَـاءَهُـمْ
وَمَـنْ يَـحْـمِـلُ الـدَّبُّـوسَ أَوْ يَـضْـرِبُ الـدُّفَّا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤