الْفُنُونُ الْجَمِيلَةُ

Wave Image
إِنْ رُمْــتَ عَــيْـشًـا نَـاعِـمًـا وَرَفِـيـقَـا
فَـاسْـلُـكْ إِلَـيْـهِ مِـنَ الْـفُـنُـونِ طَرِيقَا
وَاجْـعَـلْ حَـيَاتَكَ غَضَّةً بِالشِّعْرِ وَالتَّـ
ـمْـثِـيـلِ وَالـتَّـصْـوِيـرِ وَالْـمُـوسِـيقَى
تِـلْـكَ الْـفُـنُـونُ الْـمُـشْـتَهَاةُ هِيَ الَّتِي
غُـصْـنُ الْـحَـيَـاةِ بِـهَـا يَـكُـونُ وَرِيـقَا
وَهِـيَ الَّـتِـي تَـجْلُو النُّفُوسَ فَتَمْتَلِي
مِــنْــهَــا الْــوُجُــوهُ تَـلَأْلُـؤًا وَبَـرِيـقَـا
وَهِــيَ الَّـتِـي بِـمَـذَاقِـهَـا وَمَـشَـاقِـهَـا
يُـمْـسِـي الْـغَـلِـيظُ مِنَ الطِّبَاعِ رَقِيقَا
تَـمْـضِـي الْـحَـيَـاةُ طَـرِيَّـةً فِـي ظِلِّهَا
وَالْـعَـيْـشُ أَخْـضَـرَ وَالـزَّمَـانُ أَنِـيـقَـا
إِنَّ الَّــذِي جَــعَــلَ الْــحَـيَـاةَ رَوَاعِـدًا
جَـعَـلَ الْـفُـنُـونَ مِـنَ الْـحَـيَـاةِ بُرُوقَا
وَأَدَرَّهَــا غَــيْــثَ الــلَّــذَاذَةِ مُــنْـبِـتًـا
زَهْــرَ الْـمَـسَـرَّةِ سَـوْسَـنًـا وَشَـقِـيـقَـا
وَأَقَــامَ مِــنْــهَـا لِـلـنُّـفُـوسِ حَـوَافِـزًا
تَـدَعُ الْأَسِـيـرَ مِـنَ الْـقُـلُـوبِ طَـلِـيقَا
فَــتَــحُـلُّ عُـقْـدَةَ مَـنْ تَـرَاهُ مُـعَـقَّـدًا
وَتَــفُــكُّ رِبْــقَــةَ مَــنْ تَــرَاهُ رَبِــيـقَـا
تِـلْـكَ الْـفُـنُـونُ، فَـطِـرْ إِلَـى سَـعَةٍ بِهَا
إِنْ كُـنْـتَ تَـشْـكُو فِي الْحَيَاةِ الضِّيقَا
وَإِذَا أَرَدْتَ مِــنَ الـزَّمَـانِ مُـضَـاحِـكًـا
فَــتَـحَـسَّ مِـنْـهَـا قَـرْقَـفًـا وَرَحِـيـقَـا
مَـا فَـازَ قَـطُّ بِـوَصْـلِـهَـا مِـنْ عَـاشِـقٍ
إِلَّا وَكَــانَ لِــعَــارِفِــيــهِ عَــشِــيــقَــا
فَـهِـيَ ابْـتِـسَـامَـاتُ الـدُّنَـى وَبِغَيْرِهَا
مَـا كَـانَ وَجْـهُ الْـحَـادِثَـاتِ طَـلِـيـقَـا
•••
رَطِّــبْ حَــيَــاتَـكَ بِـالْـغِـنَـاءِ إِذَا عَـرَا
هَـمٌّ يُـجَـفِّـفُ فِـي الْـحُـلُـوقِ الـرِّيـقَا
إِنَّ الْــغِــنَــاءَ لَــمُـحْـدِثٌ لَـكَ نَـشْـوَةً
فِي النَّفْسِ تُطْفِئُ فِي حَشَاكَ حَرِيقَا
وَاتْــرُكْ مُــجَـادَلَـةَ الَّـذِيـنَ تَـوَهَّـمُـوا
هَــزَجَ الْــغِــنَــاءِ خَـلَاعَـةً وَفُـسُـوقَـا
أَفَأَنْـتَ أَغْـلَـظُ مُـهْـجَـةً مِـنْ نُـوقِـهِمْ
فَـقَـدِ اسْـتَـحَـثُّـوا بِـالْـحُـدَاءِ الـنُّـوقَا
أَرْقَـى الـشُّـعُـوبِ تَـمَـدُّنًـا وَحَـضَـارَةً
مَـنْ كَـانَ مِـنْـهُـمْ فِـي الْـفُنُونِ عَرِيقَا
وَأَحَـطُّـهُـمْ مَـنْ إِنْ سَـمِـعْتَ غِنَاءَهُمْ
فَـمِـنَ الـضَّـفَـادِعِ قَـدْ سَـمِـعْتَ نَقِيقَا
فَـالْـفَـنُّ مِـقْـيَـاسُ الْحَضَارَةِ عِنْدَ مَنْ
حَـازُوا الـرُّقِـيَّ، وَنَـاطَـحُـوا الْـعَيُّوقَا
•••
الـــشِّـــعْــرُ فَــنٌّ لَا تَــزَالُ ضُــرُوبُــهُ
تَـتْـلُـو الـشُّـعُـورَ بِأَلْـسُـنِ الْـمُوسِيقَى
وَيُـجِـيـدُ تَـقْـطِـيـرَ الْـعَوَاطِفِ لِلْوَرَى
فَــتَــخَــالُــهُ لِــقُــلُــوبِــهِــمْ أَنْـبِـيـقَـا
•••
وَمَـسَـارِحُ الـتَّـمْـثِـيـلِ أَصْـغَرُ فَضْلِهَا
جَـعْـلُ الْـكَـلِـيـلِ مِـنَ الـشُّـعُورِ ذَلِيقَا
وَإِذَا رَأَى فِــيــهَــا الْــوَقَــائِـعَ غَـافِـلٌ
مِــنْ نَـوْمِ غَـفْـلَـتِـهِ يَـكُـونُ مُـفِـيـقَـا
تَـنْـمِي الْحَمِيدَ مِنَ الْخِصَالِ وَتَنْتَقِي
مَــا كَــانَ مِـنْـهَـا بِـالْـفَـخَـارِ خَـلِـيـقَـا
وَتَـجِـيءُ مِـنْ عِـبَـرِ الـزَّمَـانِ بِـمَشْهَدٍ
يُـلْـقِـي خُـشُوعًا فِي النُّفُوسِ عَمِيقَا
وَيَـكُـونُ مَـنْـظَـرُهُ الـرَّهِـيـبُ مُـمَهِّدًا
لِـمُـشَـاهِـدِيـهِ إِلَـى الـصَّـلَاحِ طَـرِيـقَا
•••
أَمَّــا الْــمُــصَــوِّرُ فَــهْــوَ فَـنَّـانٌ يَـرَى
مَـا كَـانَ مِـنْ صُـوَرِ الْـحَـيَـاةِ دَقِـيـقَا
يَأْتِــيــكَ رِيــشَـتُـهُ بِـشِـعْـرٍ صَـامِـتٍ
وَلَـقَـدْ يَـفُـوقُ الـشَّـاعِـرَ الْـمِـنْـطِـيـقَا
وَبَـدَائِـعُ الـتَّـصْـوِيـرِ مِـنْ حَـسَـنَـاتِهَا
أَنْ يَـسْـتَـفِـيـدَ بِـهَـا الـشُّـعُورُ سُمُوقَا
فَـهِـيَ الْـجَـدِيـرَةُ أَنْ تَـكُـونَ ثَـمِـيـنَةً
وَتَـكُـونَ أَنْـفَـقَ مِـنْ سِـوَاهَـا سُـوقَـا
إِنَّ الْـحَـيَـاةَ عَـلَـى الْـكُدُورَةِ لَمْ تَجِدْ
مِــثْــلَ الْــفُـنُـونِ لِـنَـفْـسِـهَـا رَاوُوقَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤