الفصل الثالث

(يكشف الستار عن غرفة فسيحة في قصر الهودج، وهي منقسمة قسمين: القسم الأعلى منها رواق يفصِله عن الأدنى — الردهة (أي مقدم المرسح) جدار عليه أعمدة متواصلة بعقود من البناء العربي، في وسطها باب عليه ستار عظيم، وفي وسطي الجدارين الأيمن والأيسر من الردهة عقدان من البناء، بعد كلٍّ منها قبة تحتها باب، وهذان مدخلان لغرف بعيدة من القصر، والمكان مفروش بالبسط، وعلى جانبي العقدين أبواب غرف، ويُرى في الردهة مقعد ثمين، أمامه من اليسار طراحات، وفيه أدوات زينة عربية، وغير ذلك.)

(يدخل الخليفة من باب الوسط، وهو في حالة تهيُّج، ويذهب إلى باب مسكن البدوية، أي العقد الأيسر، ونسميه بالثاني فيما يلي من الكلام، وهو مُرْتد ملابس حمراء عليها دراعة بيضاء، وينادي.)

الخليفة : ريطة! (يعود نحو المقعد يمينًا) لعمري قد نفد صبري، إن هذه البدوية القذرة لا تهابني، أأنا صعلوك عربي حتى لا تسمع أمري ولا تطيع، ويل لها الليلة مني إذا أنا لم أبلغ مرامي منها، مضى دهر طويل وأنا صابر عليها صبر المحب لدلال المحبوب، عسى أن ترشد وتعلم أني أنا الخليفة الذي لا مرد لقضائه، ولا دافع لقدرته، وهي لا تزداد إلا نفورًا مني، تؤثر علي عبدًا من أرخص عبيد بلادي، عربيًّا قذرًا يرضع النوق، ويأكل الشعير، ويشرب آسن الماء، تؤثر عشرته في ظل خيش مصفق على مجاورة أمير المؤمنين في هذا القصر الموطد المنيف! يالله من عنت النساء (يجلس على المقعد، وتدخل ريطة فتسلم سلام الجواري) ما وراءك يا ريطة؟ لعمري لقد كان يوم الشؤم يوم جئتني فيه بخبر هذه البدوية.
ريطة : عفوك يا مولاي، ما كنت أحسبها خرقاء كما رأيت.
الخليفة : إذا كانت خرقاء فإن في القاهرة بيمارستانًا لأمثالها! أين هي الآن؟
ريطة : في مخدعها يا مولاي.
الخليفة : علي بها.
ريطة : سمعًا يا مولاي (تهم بالذهاب).
الخليفة : قفي! (تقف) ألم تخبريها أني لم أعد أحتمل منها هذا الإباء …
ريطة : لقد والله نصحتها، وأبنت لها أنها عمياء عن الخير الذي بين يديها، فلم تنتصح، فذكرت لها أنك أهدرت دمها إذا هي لم تذعن لمشيئتك.
الخليفة : فماذا أجابت؟
ريطة : أجابت أنها ترحب بالموت الذي يحفظ عليها عفتها.
الخليفة : إني لا أريد أن أغلبها على عفتها … أريدها لي زوجة!
ريطة : إنها ترى أن أباها قد عقد لها على ابن عمها، فإذا تزوجت منك كانت فاسقة.
الخليفة : ولكن ابن عمها قد مات.
ريطة : لم تعد تصدق هذا الخبر يا مولاي.
الخليفة : كيف؟
ريطة : لا أدري، ولكنها تقول أنها رأته في المنام يحدثها بأنه حي لم يمت، وأنه لا بد آتٍ إليها، وأوصاها بالصبر حتى يعود، وهي الآن في انتظاره.
الخليفة : إذن فلن تكون لي زوجة، ستكون جارية (ينهض) بل دُوَيْن الجارية، إذا أبت أن تكون عروس الشرع والسنة، فلأحي بها سنة الأقدمين، ولأجعلنها في الغد عروسًا للنيل، علي بها.
ريطة : هذا خير ما تفعل يا مولاي، لعمري لئن لم تأخذها بالشدة لظنَّتكَ اليوم دون ما كنت بالأمس فاسترسلت في إبائها واستحال عليك نيل المراد، هأنذا ذاهبة فأرني كيف تصنع (تخرج يسارًا).
الخليفة (يروح ويجيء في الردهة) : ليس هذا تدللًا بل مقتًا واحتقارًا وازدراء بتاجي وباسمي، صدقت تلك النِّوَرية لم تزدني هوادتي إلا ضعفًا ولم تزدها إلا تشددًا، سأريها اليوم مري كما أريتها حلوي، ووالله لتكونن …
ريطة (تدخل) : هذي هي يا مولاي.

(تدخل البدوية، وفي مشيتها خطوة الكبر وقلة الاكتراث، ثم تقف بالقرب من باب العقد الثاني.)

الخليفة (يجلس) : إلي أيتها الفاجرة.
البدوية (تذعر) : فاجرة!
الخليفة : تقدمي (تتقدم) الليلة فصل الخطاب بيني وبينك، لقد أمهلتك إلي دهرًا طويلًا لكي لا يكون علي حرج أن تكوني لي زوجة، فما زدت إلا نفورًا مني وتعلقًا بخيال صعلوك، حتى حسبتِني دون هذا الصعلوك مقامًا.
ريطة : حاسِنيه وإلا قُتلت، قبل أن يأتيك ابن عمك (تخرج).
الخليفة : أجيبي، أأنت ترين هذا الصعلوك خيرًا مني؟
البدوية : لن يكون الصعلوك إلا صعلوقًا، ولا الخليفة إلا سيدًا.
الخليفة : فلماذا آثرت هذا الصعلوك علي؟
البدوية : لم أؤثره عليك يا مولاي، وإنما آثرت نفسي؛ فطرة الله التي خلق الناس عليها، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
الخليفة : لم يستبن لي مرادك.
البدوية : أنت تعلم يا مولاي أن الإنسان يستمد سعادته في هذه الدنيا مما اعتاد، كالطفل يعتاد الثدي الذي يرضعه، فلا يؤثر عليه شيئًا من طيبات الدنيا؛ ولذلك تراه إذا فُطم يحزن لذلك ويأسى، ويملأ الدنيا صياحًا ويأسًا. للإنسان من أهله وصحبه ووطنه ودأبه وعرفه وأدبه عهدٌ متصل بدمه، عالق بنفسه ساكن في قلبه. قصة عزيزة عليه، هي قصة طفولته، ولذة صباه، وعزاه في كهولته، بل هي حياته كلها. فإذا أنت أرغمته على ترك هذا ونسيان ذاك، وقطعت ما بين ماضيه وحاضره، فقد مات يا مولاي موتة قلب وروح وفؤاد.
الخليفة : لم يفتني ذلك يوم غلب علي هواك فأخذتك إلى قصري، ولكني اعتمدت على الزمن في تسكين ثائرة نفسك، وتركتك اليوم عامًا أو يزيد؛ لتستعيضي عهدًا بعهد، وأرضًا بأرض، وقومًا بقوم.
البدوية : ولكن أي عهد هذا الذي اعتضته؟ عهد أقضيه في حسرة، ولوعة، وبكاء! وأي قوم رأيت لا أم لي فيهم، ولا أب، ولا أخت، ولا صديقة؟! لم يكن لي فيه يا مولاي إلا الذكرى والحنين والحسرة؛ لأن انقطاع تلك المعاهد عني قطع عني صلة نفسي بالماضي، تلك الصلة التي يحسبها الإنسان ضمينة خلوده في الدنيا، أفتنكر علي أن أظل في شقاء كل يوم، وأرجو لو أنني عشت في خيشي بين الكاسر والضاري، وخشنة عيش أؤثره على ما تجده أنت يا مولاي في هذا القصر من نعيم؟ فأنت ترى يا مولاي أنني لم أؤثر عليك صعلوكًا أو ملكًا، بل آثرت نفسي بالرغم مني، وتلك فطرة الله.
الخليفة : أنكره؛ إن فطرة الله هذي في نفسي أيضًا، كما في نفسك.
البدوية : إذن فأنت لا تحبني يا مولاي.
الخليفة : بل أحبك حبًّا أليمًا مبرحًا.
البدوية : لن يرضى المحب شقاء المحبوب، إنه ليفديه بما يحب مما يكره، ويؤثر نعماه على نعماه.
الخليفة : أفإن كان الحبيب مخطئًا وجب على المحب أن يرضى له الإغراق في خطأه.
البدوية : كيف؟
الخليفة : إنك ترجين أن تعودي إلى الصحراء، تؤثرين شظف العيش على الرخاء، والمحب الذي يرعى للحبيب نعماه، لا يطاوعه قلبه فيرضى له هذا. ألا ترين أن الأب قد يمنع ابنه شيئًا يشتهيه ويلح في طلبه، رعيًا لخالص مصلحته، لا بخلًا منه ولا كراهة؟!
البدوية : بلى يا مولاي، ولكني لست طفلة، وقد كان فيما ذكرت بيان. بيد أن خطأي يا مولاي في دمي، ولن يستطيع الدهر محوه حتى يمحوني.
الخليفة : إليَّ أيتها البدوية، تعالي أصارحك، أريك حقيقة هذه الدنيا ما دمت قد صارحتني، ولم تؤخذي بعُرف ولا بهيبة المُلك الذي أنا فيه، ولم يَرُعْك ما في نبرة صوتي من قوة القضاء، تعالي ولا تفزعي.
البدوية : سألتك بالله إلا ما أقلتني سماع ما تريد.
الخليفة : أوَتعرفين ما أريد؟
البدوية : كأني لا أجهله يا مولاي؟!
الخليفة : إذن فقد كان احتجاجك غشًّا لي وخداعًا.
البدوية : معاذ الله أن أخادع يا مولاي! إنما قلت ما أعتقد وما أشتهي أن تكون عليه الدنيا، ولكنك تريد الآن أن تخبرني بحقيقة أخرى، وما أمرَّها حقيقةً!
الخليفة : أتعرفين أن المحب الذي يذوب غرامًا بمن يحب إنما يحب نفسه؟ يرى منه مشتهاه فيلح في طلبه؟
البدوية : أجل يا مولاي.
الخليفة : وتعرفين أن إيثارة المحبوب على نفسه أو صبره لدلاله وهجره وبكائه لذله، إنما هو خطة احتيال يلجأ إليها يستعطفه بها حتى يحنو عليه فينال المحب قصده بذلك؟
البدوية : أرى ذلك اليوم حقًّا.
الخليفة : وتعلمين أن افتداءه بروحه إنما هو افتداء لقصده منه من حيث لا يدري؟
البدوية : الظاهر كذلك يا مولاي.
الخليفة : وتعلمين أن الناس تسعى في هذه الدنيا وتتجادل، وتتقاتل من أجل ما ترى فيه القصد، وإنهم يحتالون لذلك من كل طريق على اختلاف درجات اقتناعهم بصواب الخطط الموضوعة والمشروعة؛ لكي يفوزوا بالمأرب الأخير من هذه الدنيا؟
البدوية : أرى كل ذلك يا مولاي.
الخليفة : وتعرفين أيضًا أننا نحن الملوك نقيد الناس بالشرائع لكي يكف الناس عن الأذى والازدحام في طريقنا، ثم نكون فوق هذه الشرائع؟!
البدوية : هذا هو المشاهد يا مولاي.
الخليفة : وترين أنني أنا الآمر بأحكام الله في هذه الدنيا، وأريدك لنفسي إرادة العطش المستعر إلى الماء، ثم تؤملين الفكاك مني؟!
البدوية : حتى وإن كنت خليفة الرسول، وابن فاطمة البتول؟
الخليفة : حتى إن كنت كذلك.
البدوية : تريد أن تغلبني على نفسي بالرغم مني يا مولاي؟
الخليفة : هو كذلك، ولا مرد لما أريد.
البدوية : أنت وما ترى يا مولاي.
الخليفة : إذن فاسمعي، ستكونين الليلة أنيسة خلوتي، أعدي فؤادك لقبول هذا الإثم إن رأيتِه إثمًا.
البدوية : سيكون لك ما تشتهي يا مولاي! تغلبني على جسماني هذا (تشير إلى صدرها وثدييها وعطفيها)، أما فؤادي (هنا يعلو صوت الممثلة شيئًا فشيئًا لآخر الجملة)، وروحي. أما نفسي يا أمير المؤمنين فلن تغلبها على أمرها، ستفر منك يا مولاي إلى مولاك، تفر من الذلة والصغار، تبتغي دارها بين البررة الأطهار؛ فإذا دنوت مني تحسب أنك تجد تلك الفتاة البدوية الحرة، لم تجد إلا جثةً هامدةً، وترائب باردةً، سلام عليك (تخرج من الباب الأيسر الأدنى، وتظهر ريطة تحت العقد الثاني الأيسر).
الخليفة : ما أشد غضبي وألمي! لعمري لقد أوشكت النفس أن تخلع مناها، وتهم بالانتقام.
ريطة (تتقدم) : هوِّن عليك يا مولاي!
الخليفة (يلتفت) : أسمعت مقال تلك الفاجرة؟
ريطة : لم يفتني أن أقف على دخيلة نفسها في كل حين يا مولاي.
الخليفة : وما رأيك في عنادها؟
ريطة : لا يهمك هذا يا مولاي، كل العذارى هكذا، تظل إحداهن على عهد من تحب حتى تتزوج آخر، فإن لم تنسَ الأول فإنها لا تأبى الثاني.
الخليفة : وأنت ترين أن أدخل الليلة بها؟
ريطة : ولا تردد.
الخليفة : ولكن الرجل لا يحب من شريكته إلا أن تكون كما يكون، فإذا أنا أقدمت الليلة على ذلك لم يكن لي منه إلا الألم.
ريطة : سينسيك اغتباطك بها بعض هذا الألم فلا تتردد، إنه دواء لك ولها.
الخليفة : إذن فأعدي الليلة شرابًا وطعامًا، واجعلي القصر زينةً للدنيا، ومجلى للحبور، حتى أعود من القصرين.
ريطة : لم يفتني ذلك يا مولاي، فلقد أرسلت إلى مدينة الفسطاط في طلب المغنيات والراقصات من فوري اغتباطًا بهذه الليلة، سترى يا مولاي أني ما خبرتك إلا الحق، لقد رأيتها يا مولاي كما ولدتها أمها، فوالله ما وقعت عيني على أجمل منها.
الخليفة (ينهض) : سنرى، سنرى، ونرى في جزائك في الصباح يا ريطة (يتمشى صوب الباب الكبير الأوسط) إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر (يتمشى ويصل إلى الباب).
ريطة : خيرًا إن شاء الله (يخرج الخليفة، وتظل ريطة تنظر إلى حيث خرج، وهي مأخوذة حنقة) ستزف الليلة إلى العروس، ثم توارى في الغد جوف الرموس (هنا يدخل أبو علي مترددًا من بين أعمدة العقد الأول الأيمن كأنه كان يسترق السمع) من هذا؟! (بدهشة) أبو علي!
أبو علي (يؤخذ كأنما أصابه خوف) : ريطة! أنت هنا؟! وافرحتاه!
ريطة : مرحبًا بأبي علي.
أبو علي : أين مولانا أمير المؤمنين؟
ريطة : ذهب توًّا إلى القصرين، ألم تصادفه في الطريق؟
أبو علي : جئت من باب السر الذي تعلمين، ومن العجب أنني لم أصادف في طريقي حيًّا؟
ريطة : كان بتلك الناحية جاريتان، ولكني أسكنتهما الطريق الأسفل، وكلفتهما بأمر الطعام، ولكن لماذا جئت من ذلك الباب؟
أبو علي : لقد كنت عزمت على أن أفاجئه الساعة، وجئت أتحقق أمر وجوده بنفسي، ثم أردت أن أعرف أبالقصرين جند أم لا؛ حتى يكون مسعاي إذ ذاك مضمون النجاح.
ريطة : هب أنه كان بالدار أحد، فما كان جوابك؟
أبو علي : ليس لأحد من الجند أن يسألني في ذلك، وأنا من الخليفة مَن أنا.
ريطة : هب أنه لاقاك وجهًا لوجه، فما كنت تصنع؟
أبو علي : أتراه كان يستريبني؟
ريطة : إنك تعلم أنه يستريبك، وإلا فما جئت من باب السر الخفي.
أبو علي : لقد حسبت أنه لا يكون إلا مع البدوية.
ريطة : أنتم أيها الناس إذا عجزتم عن تدبير أمر كبير عليكم، أخذتم في سبيله تأتون أعمالًا مدهشة، وتدبرون تدابير خفية عنكم وعن الناس، تزعمونها رشادًا، حتى إذا اعترضتم فيها بأمر هين تورطتم، وانقلب عليكم سوء ما دبرتم. إني أحمد الله على أنك لم ترَ سبيلًا إلى بلوغ قصدك، وإلا لتورطت وعرضت مشروعنا للحبوط، دعنا من ذلك بالله، لقد كنت تتلف علي تدبيري كله، اسمع لقد أشرت عليه الليلة بدخوله بالبدوية قسرًا.
أبو علي : ويحك ريطة! كيف تغرينه بذلك وابن عمها في الأحياء؟!
ريطة : لم أجد لي من حيلة إلى دفع سوء ظنه بي وبصلاحيتي لمعاشرة البدوية، إلا أن أزين له ما كان ينوي.
أبو علي : والفتى؟
ريطة : لا يهمنى هذا الفتى، كيف أستطيع أن أظفر بفريستي إذا أنا لم أحصرها في مكان ضيق تصل إليها فيه يدي؟ ألم تتفق معي على ذلك؟
أبو علي : بلى، ولكني وعدت الفتى أن أصون له البدوية حتى ترد إليه.
ريطة : سيكون ذلك إن شاء الله.
أبو علي : أخبرك متى يعود من مجلس الليل؟
ريطة : لعله لا يغيب طويلًا.
أبو علي : إذن فقد صح تدبيري، ولكن الذي يهمني الآن يا ريطة أن لا يسمع بقصتنا بعد انتهائها أحد، إني لا أريد أن أجعل منها حجة علينا لأنصاره.
ريطة : لم يفتني ذلك، إني سألقيه إليكم لتضعوه يومئذ حيث تضعون، وليتقول الناس في شأنه ما يشاءون.
أبو علي : هذا غاية المنى، والآن أسر إليك يا ريطة نبأ يطفر له قلبك فرحًا.
ريطة : عن ولدي؟
أبو علي : عن ولدك.
ريطة : أجاء ولدي؟
أبو علي : أجل.
ريطة : كيف؟
أبو علي : ذهبت إلى منزلي فوجدته في فراشي!
ريطة : رباه ما لي بشكرك طاقة، أتراني أستطيع أن أراه؟!
أبو علي : آه! أخذ الدليل يضل … فارقك الصواب يا أمامة.
ريطة : صدقت صدقت، سأراه عما قريب، عجِّل الآن، هاتِ فتيانك، أخبرتهم؟
أبو علي : كيف لا؟! أحدهم ابن مياح نفسه.
ريطة : والباقي؟
أبو علي : من رجال ولدك.
ريطة : أسامة فيهم؟
أبو علي : أسامة، لعنة الله عليه! تخليت عنه، وأوصيت ابنك أن يستبقيه بجواره حتى نعود إليه.
ريطة : ولم هذا؟
أبو علي : لقد عاودته جنته الليلة وألح في أن يكون معنا، فوعدته فاستحلفني فأقسمت، ولكني احتلت حتى خرجت بالرجال دون أن يراني، من ذا الذي يستصحب مجنونًا في عمل كهذا؟!
ريطة : أنصفت، ولكن الخليفة قد ذهب إلى القصرين، وأشفق أن يعود، ومعه فريق من رجال القصرين، فهل أخذت لذلك العدة؟
أبو علي : لم يفتني ذلك، فإن جنود ولدك تحت المظلة التي تشرف على النيل، فإذا بدا من رجاله عزم لإنقاذه انقض هؤلاء عليهم فعاقوا النجدة، وقضى رجالنا هنا مهمتهم.
ريطة : إذن فاذهب، وهاتِ لي ابن مياح وآخر معه.
أبو علي : على الفور، سلام عليك (يخرج، ثم تدخل البدوية في حالة ذهول، وريطة تراقبها).
ريطة : مرحبًا يا بنتي مرحبًا، لماذا جئت؟
البدوية (في حالة حزن شديد) : جئت أعد نفسي لحفلة عرسي كما أمر الخليفة بذلك.
ريطة : أي عرس هذا يا ابنتي؟
البدوية : خير ما تمنت النفس يا ريطة.
ريطة : ما تمنيت إلا ابن عمك يا أميمة.
البدوية : وهو الذي من أجله أعدُّ نفسي، هلم هاتِ الشموع، ثم هاتي ملابس أبي هاتي لباس البدوية، وخذي عني هذه الحرائر.
ريطة : ما هذا يا ابنتي؟
البدوية : ويحك! لماذا لا تطيعين؟
ريطة : وي … ماذا أصابك؟
البدوية : ما أصابني شيء أيتها الخائنة، إني بخير والحمد لله.
ريطة : ويحي! لقد أسلمت الفتاة زمام أمري إذ أفضيت إليها بسري، ما الحيلة؟ ما العمل؟ عرس ابن عمها، وأين ابن عمك الآن، ولن يأتي لك إلا الخليفة؟
البدوية : لن يدخل الخليفة إلا على ميت لا حس فيه ولا حراك، أجل إني سأزف إليه يملأ عينه من حسني، ثم إذا دنا مني لم يدنُ إلا من طيف خيال، ووهم مجسم قد استحال، هلم هاتي ملابسي التي خرجت بها من ديار أبي، ملابسي التي عانقني فيها ابن عمي حتى أسبقه فيها إلى جنة رضوان.
ريطة : ولكن يا ابنتي …
البدوية : ماذا؟
ريطة : لن يكون ذلك، إني أحاذر غضب الخليفة، لقد أمرني أن أجلوك أبهى مجلى، فإذا أنا قصرت في ذلك استرابني، ولم أستطع يومئذ أن أكون في جوارك أعمل على البر بقسمي.
البدوية : أي قسم هذا؟ ما أسرع الناس إلى القسم! لقد أقسمت أن تنقذيني من الرجل، وأقسمتِ أن تجمعي بيني وبين ابن عمي في ليلتين، ولا صدق هذا ولا ذاك.
ريطة : الأمور رهينة بأوقاتها يا أميمة.
البدوية : وما ينفعني الانتظار؟ وهذا سيدك قد أوشك أن يبغي علي.
ريطة : لن يبغي عليك يا أميمة، اطمئني.
البدوية : كيف أطمئن وأنا الليلة من القبر قيد ذراع؟
ريطة : بل أنت من السعد والحياة قيد شعرة.
البدوية : أحق ما تقولين؟ أم أنه وعدٌ لا يكلفك إلا الكذب.
ريطة : بل هو الصدق الذي ليس وراءه صدق، وأقسم على ذلك.
البدوية : ولماذا لم تخبريني به من قبل؟
ريطة : ما زعمت أنه محقق إلا الساعة، جاءني أبو علي بعد أن ذهب ظالمك، وتم الاتفاق على الأمر، ولو لم تتعجلي لبلغتك البشرى، ولكنك لم تدعي لي إلى الكلام سبيلًا.
البدوية : معذرةً يا ريطة معذرةً (تسعى إليها وتبكي على كتفها) معذرةً، قد يخرج اليأس بصاحبه إلى الجنون، فاعذريني اغفري لفتاة تنكر لها الرجاء، حُرِمت أباها وزوجها، وترى الشقاء بعينها، اغفري لي يا ريطة، وتحنني علي.
ريطة : لقد والله عفا عنك قلبي يا أميمة، أنا أعرف ما أنت فيه، ولكن يجب عليك أن تلبسي الآن أفخر ما أعددت لك من ملبوسي حتى لا يستريبني الخليفة.
البدوية : أيجيء ابن عمي الليلة؟
ريطة : أجل.
البدوية : أتريدين أن يراني في ملابس خلعها علي الخليفة؟
ريطة : كلا، ولكن ما الحيلة فيما نحتال إليه؟
البدوية : لقد عشقني الخليفة في ملابس البدو، ولن يراك إن زففتني إليه فيها إلا محسِنة.
ريطة : قد يكون ذلك، ولكنه أمرني بما ذكرتُ، فلا تتشبثي بأمر لا ضرر فيه.
البدوية (تفكر قليلًا وتسكت كمن جاءته فكرة خاطرة) : لا بأس لا بأس، هلم، ولكن خبريني كيف يأتي إلي ابن عمي (تجلس).
ريطة : لا يعنيك هذا، هذا تدبير بيني وبين أبي علي، حسبك أن يأتي ابن مياح إليك يحملك بين ذراعيه إلى خيمة أبيك في الصعيد.
البدوية : خيمة أبي! خيمة أبي! واحسرة النفس عليك يا أبي! واحسرتاه!
ريطة : لا داعي اليوم للحسرة يا أميمة، إن أباك حي لم يمت.
البدوية : حي لم يمت! (تنهض) لم يُقتل!
ريطة : بل إنه اليوم في القاهرة.
البدوية : في القاهرة؟!
ريطة : وفي بيت الأمير أبي علي نفسه.
البدوية : وافرحتاه! من لي برؤية أبي يا ريطة؟!
ريطة : سترينه الليلة يا أميمة، سترينه فلا تتعجلي.
البدوية : أقبلك يا ريطة، أقبلك (تقبلها) متى عرفت ذلك؟
ريطة : الليلة من أبي علي، وقد كان يريد أن يحضر مع الحاضرين، فأقاله أبو علي اكتفاء بجنود ولدي.
البدوية : جنود ولدك؟ (تجلس).
ريطة : أجل، ألم يجئ ولدي؟
البدوية : جاء الأمير حسن؟
ريطة : أجل، ليلبس التاج في الغد.
البدوية : هنيئًا لك يا ريطة، اللهم أفرح قلبها بما أفرحتني!
ريطة : شكرًا لك يا أميمة شكرًا، هلم بنا نعد ظاهر أمرنا، وثقي بالله وبي.
البدوية (تنهض) : أزِل اللهم سحابة همي وآمن خوفي، اللهم إني أسلمت إليك أمري، أنت نعم المولى ونعم النصير.
ريطة : آمين! هلم (تتقدمها).
البدوية :
إني شربت كؤوس الصبر أجمعها
وذقت مر هموم العيش ألوانًا
لم يبقَ في القلب ركن لم يلمَّ به
ريب الزمان فأخشى هذه الآنا

(تخرج هي وريطة ويدخل أبو علي يتبعه ابن مياح، وقد أزاح اللثام عن وجهه.)

أبو علي : إن هذا المكان رهيب يا ابن مياح، أخشى أن تأخذك هيبة الخلابة فتنكص على أعقابك.
مياح : لن يكون هذا المكان أرهب من ساحة الشيخ، ولا وجه الخاسر أهيب من وجه الأفعوان الذي أدخلوني عليه في السرداب، فقتلته بهذا السيف الذي باركه الشيخ المبارك.
أبو علي : صدقت، ولكني لا أكاد أرى وجه عذرك إن لا نعززك بجنيب.
مياح : لن يكون الرجل أجلد مني قلبًا، ولا أقوى نفسًا، جئت أنشد عرضي، وأطلب ثأري، وأنشد من أحب، أنقذها من براثن فاسق كفور. بيد أني أقسمت للشيخ الذي أمدني بروحه، وباركني ببركته، أن أكون وحدي، وما يحنث العربي بيمين.
أبو علي : أنت وشأنك، ولكن اعلم أنني سأعد خمسًا من رجالي عند الباب، فإذا لم تظفر بغريمك فإني على مسمع الهمس منك (يذهب إلى باب غرفة ريطة) ريطة.
ريطة (من الداخل) : لبيك.
أبو علي : هلم (إلى ابن مياح) ستأخذك الآن ريطة إلى مستقرك حتى تدعوك، فإذا ظفرت بفريستك وألقيت الصيد إلينا تفتحت لك أبواب القصر، وإلا فهو موصد دونك حتى القبر.
مياح : على الله الاتكال.
ريطة (تدخل) : سلام يا ابن مياح.
مياح : وعلى أم الأمير السلام.
أبو علي : أقسم ابن مياح لشيخنا المبارك أن يكون وحده في هذه المهمة، وما نطيق أن يحنث بيمينه، وسيتولى الأمر بنفسه، ولكنا لدى الباب، فخذيه إلى حيث يرتقب.
ريطة : لا بأس بذلك، هلم يا ابن مياح.
مياح : أأستطيع أن أرى ابنة عمي؟
ريطة : لا تراها حتى تغمض عين الخاسر، إن المحب إذا التقى بمن يحب نسي الدنيا ومن فيها.
مياح : لكن بي ظمأ إليها يا خالة.
ريطة : أروه منها يوم أروي أنا ظمأي، هلم (تدخل به من باب الغرفة اليسرى).
أبو علي : لقد آن أن أنتقم منك يا قاتل أبي، وأنقع غلتي من دمك، ولكن لا بد لي من أن أتفقد ذلك الجناح لتطمئن النفس، من يدري ريطة؟ لعل به جندًا وحراسًا، وهي لا تدري (يخرج من الباب الأوسط، ثم يدخل أسامة كما رأيناه في الفصل الثاني من تحت العقد الأيمن).
أسامة : ما هذا المكان يا ترى (يلتفت، ويذهب هنا وهناك، ويتسمع) ما للقصر خالٍ من الناس؟! أيكونون نيامًا؟ كيف ذلك ونحن بعد العشاء بقليل؟! بيد أني لا أسمع تهويمًا ولا زفيرًا، أم إنه لم يجعل في خدمة ابنتي أحدًا من القصرين كما خبروني؟ ولكن أين ابنتي، وأين الخاسر؟ أتكون في هذا المكان (يتقدم نحو اليسار، ويستمع) أأدخل أم أني مجازف! لا تجمل المجازفة الآن؛ إني من المقصود قاب قوسين أو أدنى، خطواتي اليوم ثمينة، فإذا أسرفت فيها أسرفت في حياة ابنتي، ويل لأبي علي لقد وعد أن يجعلني في زمرة ابن نزار، ثم هرب مني قبل صلاة العشاء، ولكني عرفت السبيل، عرفت السلم الخفية التي كان يصف مكانها لابن نزار، هداني الله إليها، ثم فتح لي بابها ليهون علي أمري، ولكن ماذا أفعل؟ لن أخرج من هذا القصر إلا قاتلًا أو قتيلًا، أريد أن أنتقم، أريد ابنتي (يذهب صوت الأبواب) أتكون هنا (يتسمع) إني لا أسمع في المكان صوتًا (يصغي بإمعان)، بل أسمع همسًا، وجلبةً بعيدةً، ويل لأبي علي؛ هو الذي ألجأني إلى السير على غير هدى، ولكن خاب فألُه سيكون المجنون أول ضارب، سأكون أول منتقم آخذ ثأري أولًا، ثم ليأخذوا الثأر بعدي (يسمع صوت عود بعيد جدًّا) هذا صوت عود يدنو (يلتفت صوت الباب)، واحسرتاه! هنا عزف وددن، وفي البادية نحيب وحزن، هنا بلبل يشدو، وهناك بوم ينعب، يا الله إنهم يدنون، أين أختبئ حتى أرى وأتبين؟ أين أختبئ عن العيون؟ (يقرب الموكب بالعود والرق) أذهب هنا؟ (يسير إلى اليسار، ثم يعود) هنا (يدنو من الباب الأدنى الأيمن، ويفتح الباب قليلًا، ويتسمع) لا أحد (يدنو العزف، والدق … إلخ) لقد دنوا فلأدخل والله الحارس.

(يلتفت وراءه، ثم يدخل، ويدخل الموكب وفيه البدوية في الوسط، وقد تردت بملابس زاهية، ووراءها المغنيات، والعوادات، والرقاقات، وتتقدمها الرقاصات صفين: صف يسير إلى اليمين، وصف إلى اليسار، واحدةً بعد أخرى، وتسير البدوية، ومعها ريطة حتى تصل إلى المقعد، فتقف ريطة إلى يمينها، ثم يأخذ صف الرقاصات الأيسر في الرقص بلا انتظار، وكلما خرجت منه واحدة خرجت أمامها واحدة من الصف الأيمن، ويجلس المغنيات والعوادات في المنتصف، ودارت الراقصات حولهن، والبدوية في أثناء ذلك تنظر غائبة الفكر، وقد تمسح عينها مرة أو مرتين أثناء الرقص، وتتأوه مرة أو اثنتين، وهي في أثناء ذلك كله حزينة بادية الحزن بلطف، فإذا انتهى دور الرقص دخل الخليفة فنهضت المغنيات، وركعن تحية، ونهضت البدوية، أما أدوار الغناء فهي كالآتي):

يا غصين البان
شف قده العالي
ميلك في البستان
ما عاد يحلالي

•••

محبوبي نشوان
من مدام ثغره
وقميصه ولهان
بنهوده وخصره

•••

يا فؤادي حاسب
على روحك، واحذر
م العين والحاجب
والخد الأحمر

•••

إن تكن مفتون
ومرادك تشفى
كل شيء يهون
لما العين تغفى١
الخليفة : عِمي مساء يا أميمة.
البدوية (تنكس رأسها) : عِمْ مساء يا مولاي.
الخليفة : ألا تزالين على عهدك يا أميمة؟
البدوية : لم يزل بي ما تركتني عليه.
الخليفة : ولكنك قد وعدت أن تجيبيني إلى طلبتي.
البدوية : لقد أمرت يا مولاي، وما علي إلا الطاعة، أما الرضا فليس في المقدور.
الخليفة : لماذا بطل الغناء يا ريطة؟!
ريطة : إلى الرقص يا فتيات.

(تعود المغنيات إلى الغناء، والراقصات إلى الرقص، والخليفة جالس يحادث أميمة، وكأنه قد زاد به اللجاج، فنهض وأخذ يهدر، فلا ينقطع الغناء ولا الرقص، حتى يخاطب الخليفة المغنيات في ساعة غضبه.)

الخليفة : أبطلن هذا، وانصرفن انصرفن، لا أريد رقصًا ولا غناء (تنصرف المغنيات، والراقصات جميعهن، ولا يبقى مع الخليفة والبدوية إلا ريطة) أيتها الفاجرة! لم يبقَ في قوس الصبر منزع … ريطة!
ريطة : مولاي!
الخليفة : خذيها إلى مخدعها، عجلي (يسير في المكان ذهابًا وإيابًا).
ريطة : انهضي يا أميمة ما لك حمقاء؟! أما ترين السيف معلقًا في الهواء؟! أنت الآن على أبواب السعد يا سيدتي، فلماذا توصدينها بيديك؟! انهضي، أفرحي، واطمئني، وثقي بالله وبي.
البدوية (تنهض وهي في حالة ذهول) : هلم هلم، إلى مخدعي! إلى مخدعي! لقد فرج الله عني، تفتحت لي أبواب الرجاء، وأرى الملائكة تدعوني إلى السماء، هذا خيال ابن مياح يرقبني (تنظر إلى ابن مياح، وقد بدا تحت العقد الأيسر)، وهأنذا في السبيل إليه (تمد ذراعيها، وتسير كأنها مجنونة صوب العقد الأيسر) حسين! حسين!
مياح (يظهر لها) : أجل، أجل، في السبيل إلي (يتقدم منها ويأخذها).
البدوية : آه! (تسقط مغشيًّا عليها، فيجلسها على المقعد ويتركها، ويذهب إلى الخليفة مسرعًا).
الخليفة : ما هذا؟! من هذا يا ريطة؟!
مياح : انظر وتذكر! انظر حسين بن مياح (يرفع اللثام عن وجهه).
الخليفة : النجدة! النجدة!
مياح : لن ينقذك اليوم منقذ (يهجم عليه ويقبض على رقبته ويجالده حتى يسقط الخليفة).
الخليفة : آه، آه، النجدة (يخرج أسامة من غرفته، ويأخذ يتلفت، وإذ يرى الخليفة ساقطًا وفوقه رجلًا مجهولًا، يهجم عليه بالسيف).
أسامة : من ذا يغلبني على فريستي … إليك (يدفع ابن مياح بيديه).
مياح (يقبض على رقبة الخليفة، وهو ملقًى، ينظر إلى القادم، وإذ يرى عمه يصيح) : عماه! عماه!
أسامة : حسين! أنت! انتقم يا بني!
الخليفة : الرحمة! الرحمة!
مياح : هذا جزاء الظالمين.
أسامة (يقتلانه معًا) : ثأري، ثأري (ثم يعانق ابن مياح، ويتقدم ابن مياح إلى البدوية وأسامة ينظر إليهما).
مياح : أميم! أميم! انهضي آن أن أضمك إلى صدري.

(ينهضان)

البدوية : حسين! حسين!
مياح : لبيك، هأنذا.
البدوية (تفتح عينها فترى شبحه فتبتعد عنه قليلًا، وتمسك بكتفه بذراعين ممدودتين، وإذ تتأكد أنه هو تلقي بنفسها عليه) : حسين! حسين! (يكون أسامة في أثناء ذلك واقفًا يتردد، يريد القرب من ابنته، ثم لما يراها بين ذراعي زوجها يحجم، ولكنها في أثناء العناق ترى أباها فتبتعد عن حسين، وتذهب إليه) أبي! أبي!
أسامة (بصوت مختنق بالعبرات) : ابنتي! (يتقدم منها ويحتضنها) أميم! أميم! لقد ظفرت بمناي وثأرت لنفسي.

(هنا يدخل أبو علي وبعض الجند، وتدخل ريطة من حيث خرجت.)

ريطة (من جانب) : مرحى! مرحى!
أبو على (من جانب) : مرحى! مرحى!
البدوية : إليك عني يا ملابس الخنا، إليك، هأنذا كما أتيت (تخلع لباس العرس، وتظهر بملابسها العربية التي رأيناها أول فصل، فإذا رآها أبوها وابن مياح ناديا).
أسامة : إلى الصحراء! إلى الصحراء!
مياح : إلى الصحراء! إلى الصحراء!
الجميع : إلى الصحراء! إلى الصحراء!

(يأخذ أسامة بيد البدوية اليسرى، ويأخذ ابن مياح بيدها اليمنى، ويستعرضان المرسح، والسيف في أيديهما، ثم يتقهقرون ويخرجون.)

يسدل الستار
١  تولى تلحين هذه الأغاني والتي سبقتها، الأستاذ الموسيقار الكبير الشيخ سيد درويش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤