رب أعتقني

بين العبد الهرم وربه

١

رب جلل الشيب رأسي، وقيَّد الكبر خطوي، وفل الضعف يدي، وحنت السنون متني.

رب قد حملت الأمانة جهدي، وأديتها على قدر طاقتي، وقد أنى لي أن أستريح فأعتقني.

رب قد زرعت وحصدت، وغرست وجنيت، وعمرت الأرض، ومهدت السُّبل، وقد أنى لي أن أستريح، فأعتقني.

رب وقد بررت بالفقير، ورحمت الضعيف، وآويت اليتيم، وأصلحت بين المتخاصمين، وألفت بين المتباغضين، ولم آلُ في جمع عبادك على المودة والرحمة، أنى لي أن أستريح، فأعتقني.

رب وقد ربيت الأولاد والإخوة والأحفاد، ولم آلُ في التأديب والتهذيب، فأعتقني، قد أنى أن أستريح.

رب والحيوان أطعمته ورحمته، والطير في جو السماء غذوته وسقيته وآويته، مما زرعت من الحب، وحفرت من الآبار، وشققت من الأنهار، وغرست من الأشجار. أعتقني، فقد أنى لي أن أستريح.

إلهي حملت العبء غير متبرم، وأديت الأمانة غير متتعتع، وقلت الحق غير متلعثم، سلكت سبيلك صابرًا، وأوفيت على الغاية مجاهدًا، ووجهي ويداي ناطقات بما فعلت، شاهدات بما صنعت؛ فارحمني، فقد أنى لي أن أستريح، وأعتقني، وأعطني براءة عتقي، كما يكرم السيد عبده الذي هرم في طاعته، أو كما يسيَّب الحيوان بعد أن أضناه المسير والحمل.

٢

عرفت ما صنعت، ورضيت ما فعلت، وشكرت ما قدمت، وعفوت عما هفوت، وادخرت لك أكثر مما رجوت، ولكني لا أقيلك من تكليفي، ولا أسترد منك أمانتي، ولا أعفيك من عبوديتي.

– رب لا أستقيل من عبوديتك، ولكن يدي لا تقوى على العمل، ورجلي كلت عن السعي، بل كلَّ لساني وفكري، فكيف أحمل الأمانة، وأؤدي الواجب؟

– أحب أن أرى يديك ترتعدان في العمل لي، ورجليك تدبان في سبيلي، ولسانك وقلبك يخفقان بذكري. لا أكلفك ما لا تطيق، بل أرضى بالقليل وأكثِّره، وأقبل الصغير وأعظِّمه. أحب أن أراك عاملًا ما عشت لي؛ إن في العمل حياتك ورحمتي.

– رب أستغفرك ولا أستقيلك، ولا أبغي عتقًا من عبوديتك. سأعمل ما خفق قلبي، وتردد نفسي إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤