لغة شعر البطولة

هناك قسمٌ قديم من اللهجات الإغريقية، سخر منه كثيرًا، تحدَّث عن اللهجات الأيونية والأيولية والدورية والبطولية، وتدل اللهجات الثلاث الأولى، أو تقصد أن تدل، على اختلافاتٍ وطنيةٍ حقيقية. والأخيرة منها اسم صناعي، ولكن الشيء الذي تدل عليه صناعي أيضًا — هو لغةٌ لم يتكلَّمها أيُّ شخصٍ أيوني أو أيولي أو دورياني. إنه لغةٌ ضخمةٌ ذات إيقاعٍ وعاطفيةٍ تُشبه آلة معقَّدة للتعبير عن القصص البطولية التاريخية، كما سبق أن أوضحنا، إنها لهجةٌ معدلة عند كل مقطع بالوزن البطولي، تجري ألقابها الثابتة وتراكيب عباراتها وحلقات اتصالها، إلى الوزن السداسي من تلقاء نفسها. ولما كانت صناعية، بأحد المعاني، فإنها تُعطي طابع الطبيعة نفسها تتكلَّم. نجد بها العبارات العادية، والعبارات التي تخرج كيفما اتفق، مثل: «يأتي السيل الوابل نازلًا على رءوسهم من الجبال» و«تصبح الريح الغربية العالية، فوق بحرٍ ذي وجه شبيه بالخمر» و«الجزيرة الشرقية حيث يقيم إيوس EOS، الفجر الطفل، وسط أماكنها وأراضيها الراقصة، وأماكن الشمس المرتفعة.» تبدو هذه الألفاظُ في اللغة الإغريقية لشعر البطولة حيةً. إنها تنادي، ليس تمامًا بالمنظر أو الصوت، ولكن بالطابع العاطفي المضبوط للصباح وللريح وللبحر. أما التعبير عن المشاعر البشرية فغالبًا ما تكون سحرية: «غضب ماذا، ولو أن يدَيه تكونان كالنار، وروحه كالحديد المحمي.» وهكذا لا يوجد عدم تنسيقٍ في اللهجة البطولية في القول بأنها كما هي؛ فهي ليسَت لغةً وإنما هي خليطٌ من أشعارٍ غير منسجمةٍ لغويًّا، متأخِّرة ومبكِّرة ووُسْطى.
هناك أولًا الصور الأتيكية مثل EWS وVLKWVTES التي لم يمكن أن تأتيَ إلى القصائد إلا فوق أرض أتيكية. ثم هناك الصور الزائفة بالمئات — وقد جرت محاولاتٌ من جانب المنشد أو الكاتب الأثيني للتوفيق بين صورةٍ أيونيةٍ غريبةٍ وصورته الأتيكية الطبيعية عندما لا تلائم الأخيرة الوزن. فالأيونية ترى OPEOVTES بينما ترى الأتيكية OPWVTES المقاطع بدلًا من أربعة. وتعطي نصوصًا OPOWVTES الزائفة، أي أنها حورت الصورة الأتيكية إلى أربعة مقاطع بالتشديد على اﻟ W، ولكن لكي نتخلَّص من الصور الأتيكية لا بد لنا من أن نذهب شوطًا بعيدًا. وهناك تحريفٌ غير أيوني في اللغة الهوميرية ظل معروفًا باستمرار، ولكنه قدِّر بطرقٍ شتَّى منذ العصور القديمة وما بعدها، ويبدو أنه خاصٌّ بمجموعة اللهجات التي يتكلَّمون بها في تساليا Thessaly ولسبوس Lesbos والشاطئ الأيولي لآسيا بما فيه طروادة Troad. فالصور، أمثال الصورة الأيولية Kev بدلًا من A U وpisures بدلًا من tessares وهذا يعني أن بعضًا من الأشعار الهوميرية قد كُتب في عصرٍ متأخر عن العصر الذي كُتبت فيه بعض الأشعار الأخرى.
وهناك صور أيولية زائفة أخرى (استعملت عندما كانت الأيولية هي اللغة) مثل Keklegwtes. ليست هذه صورة، وصورتها الأيونية هي Keklegetes، وصورتها الأيولية هي Keklegoutes. أما النص الهوميري ففيه الصورة Keklegwtes. ونعتقد أن هذه الصورة الأخيرة قد أدخلها شخصٌ ما لأجل الوزن. وهذه صورة أيولية زائفة. وبالمثل نرى في بعض السطور بعض كلماتٍ تفتقر إلى F حتى يمكننا إدراك معنى السطر. وفي بعض السطور كتبت بعض الكلمات بدون F وidein كُتبت في بعض اللهجات Fidein. وسُمِّي في العصور القديمة بالحرف الأيولي. ويوجد في القصائد ٣٣٥٤ موضعًا تصرُّ على إعادة هذا الحرف F، أو uau، كما قد ننطقه. أي إن السطور لا يمكن فهمها فهمًا صحيحًا إلا إذا وُجد فيها الحرف F. وهذا يدل على أن هذه إلى ٣٣٥٤ موضعًا التي كتبت سطورها أصلًا بالحرف F، كانت نفس ألفاظها مناسبةً للوزن بغير الحرف F. أي إن هذه الحروف كتبت حيث اختفى الحرف F، وهذا يعني أن بعض الحروف كُتبت في زمنٍ مبكِّرٍ قبل سطورٍ أخرى، كُتبت بعض السطور بالأيولية وبعض آخر فيما بعد (وهو الغالبية العظمى) بالأيونية، وبعض ثالث به الأتيكية. أي إن الأشعار الهوميرية جرت بثلاثة عصور مختلفة. ومن ناحيةٍ أخرى، هناك ٦١٧ موضعًا كان يجب أن تكون بالأيولية القديمة، ولكن الوزن لم يسمح بذلك. أي إنه طوال الكمية الضخمة لهذه الأشعار تحتفظ الألفاظ بعادة وتقاليد النطق الأيولي. وفي جزءٍ صغيرٍ تظهر الأيونية نفسها (مثال ذلك: On eidon-onfidon).
وهذا يعني أن السطر الذي كان مكتوبًا في عصرٍ كان الحرف F مستعملًا فيه. وبمعنًى آخر، كان بعض الأجزاء مكتوبًا بالأيولية (وهذا أقدم من العنصر الأيوني والأتيكي)، وبعض في تاريخ لاحق أيوني، وبعض أتيكي (متأخر عن الآخرين).
لم يتفق على نَظْم السطور، ولا على النص، ليس هذا فحسب، بل وهناك سطورٌ كثيرةٌ كُتبت في تواريخ متعددة. وهذا يدل على أنه ناشئٌ عن اعتبار الموضوع. فدليل اللغة غير كاملٍ بدون اعتبار ما لموضوع القصيدتين. فمثلًا، ما هي المواطن التي يمكن أن تهتم، أكثر من غيرها، بالإلياذة؟ والمنظر في طروادة على أرض أيولية والبطل أخيل من تساليا الأيولية، والملك الرئيسي وهو أجاممنون سليل ملوك كومي Kymé الأيولية. أما الأبطال الآخرون فقد أتوا من شمال بلاد الإغريق ووسطها، ومن كريت Crete، ومن لوريك Lyric. ولا يمثل الأيونيين غير نستور فقط، وهو بطلٌ من الدرجة الثانية، وليس وجوده ضروريًّا للخطة.
يحط هذا الدليل من قَدْر الأصل الأيوني للخيط الرئيسي للإلياذة، ولكنه لا يفعل نفس الشيء بالجدل. وإذا استمرت مناقشته دل على شيء أكثر غرابة. أي يدل على الأصل البيلوبونيزي Peloponnesian. وأجاممون ملك أرجوس وموكيناي Mycenae، ومينيلاوس Menelaus ملك أسبرطة Sparta، وديوميديس، مع قليلٍ من الشك، ملك أرجوس أيضًا. ونستور ملك «بولوس» Pylos في مسينيا Myssenia. تلقي الإجابة على هذه الصعوبات ضوءًا بالغ القوة على تاريخ القصيدتين، جيء بكل أولئك الأبطال إلى البيلوبونيز من أوطانهم في شمال بلاد الإغريق. وأولًا، ليس لديوميديس مكانٌ في أرجوس. هذا بغضِّ النظر عن الصعوبة الخاصة بأجاممنون، فهو ليس في العموميات، وعليه أن يرث عن طريق أمه. وتدل دراسة بسيطة للعادات المحلية على أنه كريتي Cretolian أُضيفَت عليه المثالية. فهو مؤسِّس مدن في إيطاليا، والرفيق الدائم لأوديسيوس الذي يمثِّل الجزر الشمالية الغربية. وهو ابن توديوس Tydeus الذي أكل رأس عدوِّه، وقريب أجريوس Agrios (المتوحش) وأبناء أجريوس، والأسد الوحيد، وبطل القبائل المتوحِّشة للشمال الغربي.
  • (١)
    يأتي أجاممنون نفسه من سهول تساليا وهو ملك أرجوس. وفي قليل من الفقرات فحسب ملك موكيناي. وقد أشار أريستاخورس منذ زمنٍ بعيد إلى أن أرجوس البيلاسجيه Pelasgian، في هوميروس، تعني سهل تساليا. ولكن أرجوس الشهيرة بتربية الخيول لا بد أن كانت نفس الشيء؛ لأن أرجوس البيلوبونيزية كانت بدون فرسان، حتى في الصور التاريخية. وإذا درسنا بعنايةٍ كلمة «أرجوس»، دلَّت على توسُّعها التدريجي في الأشعار، ومن سهل تساليا إلى بلاد الإغريق عمومًا. ومن ثم موضعها الثاني في البيلوبونيز.
    أجاممنون هو الملك الغني لسهل تساليا، وهذا هو سبب اتصاله منذ البداية بأخيل، الرئيس الفقير والشجاع الآتي من الجبال القائمة في ناحية البحر. وهذا هو سبب اختياره أوليس Aulis لتكون مكان احتشاد أسطوله. وإلى هنا نأخذ فكرةً عن مرحلةٍ أصيلةٍ للقصة التي كان فيها كل الرؤساء من شمال بلاد الإغريق. ويتغيَّر موضوع القصيدة في أرجوس هذه نفسها، التي نعرفها بالإغريقية. إنها مدينةٌ على شاطئ البيبلوبونيز، ويتغيَّر معنى أرجوس في القصيدتين. ويقال إن أجاممنون أتى من أرجوس وموكيناي، ولكن توجد دلالاتٌ على أن هناك أرجوس أخرى جاء منها أجاممنون، ليسَت في البيلوبونيز. وأما السلوك العام للقصائد الهوميرية فهو تربية الخيول. أي أن أرجوس اشتهرت في زمن سباق الخيول، كما اشتهرت تساليا بالخيول. وقيل إن أرجوس كانت في وسط جبلٍ بعيد. هذا يدل على أن أرجوس كانت في تساليا. وهناك إشارة أخرى في هذه الناحية، وهي أن الأسطول الإغريقي لم يحتشد في البيلوبونيز في المكان الذي يعيش فيه القائد (أجاممنون)، وهناك اقتراح عن تغيير معنى أرجوس. أي أرجوس الواقعة في تساليا. وأرجوس الواقعة على ساحل البيلوبونيز.
  • (٢)
    كان اللفظ هيلاس Hellas اسم منطقةٍ صغيرةٍ في تساليا جاء منها أخيل. وفي الإلياذة Achaeoi = Grecks. وفي الأوديسة، Hellenes = Greeks أيضًا. فيدل هذا التغيير في المعنى على تغييرٍ في التواريخ. أي أن هيلاس كانت لا تزال منطقةً صغيرةً في الأوديسة، ولكن اتسع معناها في بعض مواضع القصيدة، فتطلق على جميع الأغارقة.
  • (٣)

    بوسعنا أن نرى دلالاتٍ أخرى في القصائد الهوميرية. صنعت الأسلحة البرنزية في زمنٍ مبكر، قبل الأسلحة الحديدية. والكلمة الدالَّة على السيف هي تلميحات؛ فقد كتبت في أجزاءٍ شتَّى من القصيدة حيث صُنعت من الحديد أسلحة وفي أجزاء أخرى يذكر صنع الأسلحة من البرنز. وممَّا لا يقبل الجدل أن هذه الأشعار التي ذكرت فيها الأسلحة البرونزية لا بد أن كُتبت قبل الأشعار التي ذُكر فيها الحديد. غير أننا نجد التلميح إلى كلَيْهما في الأشعار الهوميرية.

  • (٤)

    هناك عادتان متبعتان في تقاليد الزواج؛ إحداهما يدفع فيها الرجل صداقًا للمرأة، وفي الأخرى يدفع والد العروس بائنة للرجل. وكما نرى، فإن هاتين العادتين متناقضتان ولا يمكن أن تحدثا في نفس الزمن ولا في نفس المكان. كذلك يدلُّ هذا على أن بعض الأشعار الهوميرية كُتبت في أزمانٍ مبكرة عن بعضها الآخر.

  • (٥)
    تمثَّل الآلهة أحيانًا على أنها مقدَّسة حقيقية، أو على مستوًى فوق مستوى البشر. وفي أحيانٍ أخرى الآلهة ممثَّلة بشخصيات أخرى في القصيدة. ففي إحدى الحالات تُجرح فينوس Venus بيد مخلوقٍ بشري، هو الرجل الذي كتب أن تلك الربة لا تختلف كثيرًا عن شخصيةٍ بشرية، جاء ذكر الشخصية البشرية في القصيدة في زمنٍ متأخرٍ جدًّا. كما يدل هذا على أن بعض أجزاء القصيدة نُظم في وقتٍ مبكرٍ قبل غيره.

هل هذا يعني أن تلك القصائد نُظمت في تاريخٍ سابقٍ للتاريخ الذي نظم فيه غيرها؟ وهل يعني هذا أن الذي كتب هذه القصائد شعراء عديدون؟ هذه فكرة وولف؛ لأنه يؤكِّد وجود عدم انسجامٍ بين موضعٍ وآخر. ويقول: إن بعض هذه الأشعار كُتب قبل البعض الآخر، بعضها كُتب حيث كانت العادة أن يدفع الرجل الصداق للعروس، بينما كُتب بعضها الآخر حيث كان والد العروس هو الذي يدفع البائنة، حسب العادة المتبعة.

والإجابة على السؤال السابق هي أنه يتجلَّى في معظم الأشعار، تباينٌ لغوي، إن لم يكن في الأشعار كلها. ليس هذا في شعر البطولة فحسب، بل ونرى اختلافًا في اللغة في جميع الشِّعْر المبكِّر. فمثلًا: يوجد سطر تحدث فيه كلمة devenant قافية بمحض الصدفة مع كلمة chance (لأن ضغط النطق في كلمة devenant، في الفرنسية القديمة هو devenants“a”) فتنطق مثل Ce لتتفق مع آخر كلمة chance. وهذا يدل على أن استخدام اللغة الفرنسية كان قائمًا في اللغة الإنجليزية.
figure
كذلك نجد اختلافًا في مادَّة الموضوع. فنرى الشاعر يذكر أحداثًا وقعَت في تواريخ مختلفة. وهذا هو ما حدث فعلًا مع هوميروس العظيم، لا بد أن أحدثت الحرب الطروادية انطباعًا لدى جميع الأغارقة فكُتبت أشعار كثيرة باللهجة الأيولية تتناول الحرب الطروادية. ثم صارت من التقاليد المحضة؛ لذا نجد هوميروس، عندما كتب عن هذه الحرب، لم يستطع أن يتغاضى عما كتب غيره قبله. كان للشعر المبكر مشاعرُ دينيةٌ وتاريخيةٌ أكثر مما كان في عصره الذي يختلف عن العصور المبكرة لأنه ابتكر أصلًا. وكما سبق أن قلنا، كان شعر هوميروس إنجيلًا في عصور الأغارقة. وبنفس الطريقة، عندما كان هوميروس على وشك أن يكتب الإلياذة والأوديسة، لم يسعه، بحال ما، إلا أن يتعاون مع التقاليد الدينية التي كُتبت قبله. فأخذ هوميروس هذه الأشعار السابقة كمادة موضوعة، بالضبط مثلما أخذ شكسبير أقوال بلوطارخ Plutarch وأقوال المؤرِّخين وما دوَّنته المصادر الأخرى، ولكن ليس أي واحدٍ من هذَين الاثنَين مقلدًا ولا سارقًا شعريًّا. وقد نظم شكسبير بعبقريته ما درسه عن غيره، ولكنَّه نمَّقه بطريقته الخاصة، وكذلك فعل هوميروس. فأخذ هذه الأشعار المبكرة كمادة موضوع لأشعاره، ولكن للأسف، لم يحاول هوميروس أن يصنِّف أشعاره. لم يحاول أن يخبرنا أين توجد أرجوس. هل هي في تساليا، أم في البيلوبونيز؟ وهذا ما يحيِّر أفكارنا. لم يكن هوميروس خبيرًا بعلم الآثار ولا عالمًا لغويًّا ولكنَّه كان فنانًا، وعندما نتناول الفن، فأي شيء يرضينا إذا كان ذا متعةٍ فنية، ولا يهمنا ما إذا كان تاريخيًّا أو علميًّا.

ورغم هذا، فإن هذه التناقضات التي يشير إليها وولف لا تثبت أن القصيدتَين قد كتبهما عدة شعراء. وموضوع الجدل هو أن القصيدة تحتوي على شيء قيِّمٍ لا يمكن شرحُه شرحًا وافيًا. بها شيء نسمِّيه الوحدة. كل شيء خططه فنان بارع ليكون وحدة كاملة.

أما وجود هوميروس فلم يتنازع عليه سوى أدعياء العلم الذين لا يتناولون القضايا من ناحية علم الآثار.

كل هذه التناقضات لا تعني أن القصيدتَين من تأليف عدَّة أشخاص. والبرهان الوحيد على أن الذي كتبهما شخصٌ واحد (هوميروس) هو أن المعنى كتابة فنية. فعندما تقرأ القصيدة وأنت تنظر إليها من وجهة نظرٍ فنية، تبدو القصيدة كلها قصَّة متحدة متصلة الحلقات. وبهذا البرهان نقرر أن الذي كتب الإلياذة شخصٌ واحد، وكذلك الحال في الأوديسة. كان تاريخ هوميروس هو عام ٨٥٠ق.م.؛ إذ قال هيرودوت، أبو التاريخ: «عاش هوميروس وهسيود قبلي بأربعمائة سنة.» كان هوميروس في القرن التاسع ق.م.، ونظم قصيدتَيْن بعد ذلك، عرفهما الشعراء المنشدون الذين جعلوهما شعبيَّتَينِ، والذين نظموا بعض سطورٍ معيَّنة، وربما سببوا فيها بعض الأخطاء.

وإبان هجرة المسابقات، نظمت شتَّى القصائد عن الحروب الطروادية. فاستعمل هوميروس هذه القصائد مادَّةً لموضوعه. فانتشرت القصيدتان اللتان كتبهما هوميروس، نقول انتشرتا في الخارج بواسطة الشعراء المنشدين أو الحفَّاظ المحترفين. فأطال هؤلاء في الأحداث بسبب نَشْرهم إياها شفويًّا. وفي عصر بيزيستراتوس، حدث التباسٌ ما، جعل من الضروري العمل على استقرار النص الحقيقي. عمل هذا التنقيح من أجل أثينا وحدها. أما المدن الأخرى فكانت لها قصائدها الخاصَّة. وحتى بعض الأفراد كانت لهم نصوصهم الخاصة التي تختلف عن النصوص الأصلية الحقيقية. ولا بد أنهم ابتكروا بعض الأحداث ودسوها بين السطور. وقد أنهى أريستاخوس ذلك العصر، وثبت النص كما هو عندنا الآن؛ فقد جمع كل ما أمكنه أن يجمعه من الأشعار، ونخلها جميعها إلى أقصى ما يُستطاع، وما اعتقد أنه مناسبٌ وصحيح.

هل كتب الإلياذة والأوديسة رجلٌ واحد؟ هذا سؤال أثاره الأغارقة أنفسهم في سنة ١٠٠ق.م. وقد قرر اثنان من علماء الإسكندرية هما كسينوفون كسينون، وهيلانيكوس Hellanicus، أن القصيدتَين مختلفتان تمامًا، من حيث النغمة. وأنهما من نظم عدة أشخاص.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤