الفصل الخامس عشر

الغضب ينتاب كلود فرولو

احتاج كلود فرولو إلى بعض الوقت للتفكير، فخلع ملابسه الرسمية، وطلب من مراكبي أن يعبر به النهر.

لماذا هاجم القائد فيبس؟ ماذا فعلت الفتاة الغجرية له؟ ومع ابتعاده أكثر عن منتصف باريس ملأت أفكار أكثر قسوة ذهنه. لقد عاد القائد! ماذا سيحدث الآن؟ توجد إزميرالدا الآن في كاتدرائية نوتردام حيث أرادها بالضبط دائمًا.

•••

هناك الكثير من الأماكن في باريس يمكن لأي مجرم الذهاب إليها لتجنب القبض عليه. تُعرَف هذه الأماكن بالمحاريب. فلا يُسمح لحراس الملك بدخولها، لذلك فهي مكان مثالي للاختباء. لكن المشكلة الوحيدة المتعلقة بالمحراب هي أن المجرم لا يمكنه مغادرته.

كانت هناك غرفة في كاتدرائية نوتردام تُستخدَم لهذا الغرض، وهي الغرفة التي أخذ كوازيمودو الفتاة الغجرية إليها بعد أن حملها أعلى الكنيسة.

وعندما أفاقت إزميرالدا نظرت حولها. وتدافعت الأفكار بكافة صورها في عقلها في الحال. كانت تعلم أنها في كاتدرائية نوتردام، وأن كوازيمودو قد ساعدها.

سألت إزميرالدا كوازيمودو: «لماذا أنقذتني؟» فنظر كوازيمودو إليها بحنو، وغادر في هدوء.

لم تعلم إزميرالدا ما يتوجب عليها فعله، فقد عرفت أنه حي؛ لقد رأته، لكنه بالتأكيد لم يعد يحبها، وإلا لما تركها لتلقى العقاب على هذا النحو.

طرق كوازيمودو الباب، ففتحته إزميرالدا، لكنها لم تستطع أن تقول أي شيء.

أعطاها كوازيمودو سلة من الطعام، وقال: «الأمور على ما يرام؛ أنت في أمان هنا. يلزم عليكِ البقاء في هذه الغرفة أثناء النهار، أما في الليل فباستطاعتك السير بأرجاء الكنيسة. لن يعلم أحد بالأمر.»

وقبل أن تتمكن من أن تقول أي شيء غادر كوازيمودو فجأة. شعرت بعد ذلك بشيء دافئ يتحسس ساقها؛ إنها دجالي! أنقذها كوازيمودو هي الأخرى. فبكت إزميرالدا، وعانقت نعجتها الصغيرة الجميلة. وعندما غربت الشمس تركت غرفتها الصغيرة الآمنة.

•••

استيقظت إزميرالدا في الصباح التالي لتجد كوازيمودو ينظر إليها من النافذة.

قالت ملوحةً له: «ادخل، أرجوك!»

لكن كوازيمودو، لأنه لم يستطع سماعها، ظن أنها تريده أن يبتعد.

فلوحت بيدها ثانيةً، وقالت له: «لا، لا! ادخل، ادخل!»، فدخل كوازيمودو غرفتها، ووقف كلٌّ منهما ينظر للآخر. رأت عن قرب عينه الواحدة، وحدبته، وساقيه المتقوستين.

قال كوازيمودو أخيرًا: «أنا أصم.»

فأومأت إزميرالدا برأسها.

قال كوازيمودو: «يمكنك التحدث معي بالإشارات، ويمكنني أيضًا قراءة شفتيك.»

سألته: «حسنًا، لماذا أنقذتني؟»

نظر كوازيمودو إلى وجهها الجميل بإمعان، وقال: «حاولت اختطافك تلك الليلة، لكنك قدمت لي يد العون في اليوم التالي، وأعطيتني الماء. إنك حنونة للغاية.» وقف بعد ذلك ليغادر المكان، فأشارت إليه بالبقاء.

قال: «يجدر بي ألا أفعل، فيجب أن أعمل»، وأعطاها صفارة فضية وهو يقول: «يمكنك استدعائي بهذه؛ فأنا أستطيع سماعها.» وهكذا ترك إزميرالدا وحدها.

•••

مر الوقت، وبدأت إزميرالدا تشعر أنها في منزلها بوجودها في تلك الغرفة الآمنة. أخذت ذكريات الماضي السيئة في التلاشي، وبدأت إزميرالدا تحب المناظر والأصوات في كاتدرائية نوتردام. وشأنها شأن كوازيمودو، صارت الكنيسة عالمها الخاص بكل ما فيها من قساوسة ومصلين وجدران، وبخاصة الأجراس، فقد كانت الأجراس هي الشيء المفضل لديها. صار كوازيمودو صديقًا وفيًّا لها؛ فكانا يقضيان وقتًا طويلًا معًا. لكن ذكرى واحدة رفضت أن تفارقها؛ فيبس، فصار اهتمامها به أكبر من أي وقت مضى.

في صباح أحد الأيام كانت إزميرالدا تنظر من نافذتها، وكوازيمودو يقف على السطح الموجود بجانبها. كان الاثنان يشاهدان الميدان.

صاحت إزميرالدا فجأة: «فيبس! فيبس!»

رأى كوازيمودو أنها كانت تشير إلى ضابط شاب وسيم يمتطي حصانًا بالأسفل. أخذت تصيح ثانيةً: «فيبس! فيبس! إنه يدخل ذلك المنزل، ولا يسمعني! فيبس!»

سألها كوازيمودو: «هل أذهب وأحضره لك؟»

أومأت برأسها ولوحت بذراعيها، وقالت: «نعم، أرجوك. اذهب سريعًا.»

وعندما وصل كوازيمودو إلى الميدان كان الجندي قد رحل. فلوح كوازيمودو لإزميرالدا بأعلى، وأشار إلى أنه سينتظر حتى يخرج فيبس من المنزل. مر الكثير من الناس جيئة وذهابًا؛ كانوا يستعدون لاحتفال ما. مر اليوم بأكمله على هذا الحال: كوازيمودو ينتظر، إزميرالدا تنظر من النافذة، وفيبس لا يمكن العثور عليه في أي مكان.

حل الليل، وأُضيئت الشموع في نوافذ المنزل. وتمكن كوازيمودو من رؤية الناس يرقصون بالداخل. ولولا صممه لتمكن من سماع الموسيقى أيضًا.

تأخر الوقت كثيرًا، لكن كوازيمودو ظل منتظرًا. غشت السماء المظلمة سحب ضخمة أخفت النجوم. وظهر بعد ذلك شخصان في الشرفة الموجودة فوقه. كانا فيبس وفلور دي ليس. أحاط القائد الفتاة بذراعه. أحزنت كوازيمودو رؤية اثنين يتمتعان بالجمال والسعادة؛ فلن يحظى بمثل هذه الحياة أبدًا. وتمنى ألا تراهما إزميرالدا؛ كان يعلم أنها ستنزعج إن فعلت.

بعد ذلك بفترة قصيرة رأى كوازيمودو القائد يغادر المنزل، ويمتطي حصانه. أسرع من أمام كوازيمودو، لكن الأحدب ركض خلفه ونادى عليه: «أيها القائد!»

توقف فيبس، واستدار وسأل: «ماذا تريد مني؟»

أمسك كوازيمودو بالحصان على نحو جريء، وقال: «اتبعني، هناك من يرغب في التحدث معك.»

قال فيبس: «انتظر! ما الذي تفعله؟ أعرف من أنت … ارفع يديك عن حصاني!»

لم يسمعه كوازيمودو، فاستمر في سحب لجام الحصان نحو كاتدرائية نوتردام. وقال بصوته الأجش: «هناك امرأة تحبك في انتظارك.»

قفز القائد من فوق الحصان، ووقف أمام كوازيمودو ثم قال: «أعلم أنك أصم، أيها الأحمق. فلتقرأ شفتي: سوف أتزوج، لتخبر إزميرالدا بذلك؛ أنت تتحدث عنها على ما أعتقد. أنت الأحدب الذي أنقذها، أليس كذلك؟ لا أرغب في أن تكون لي أية علاقة بها.»

ثم هز فيبس رأسه، وقفز صاعدًا حصانه ثانيةً، جذب لجام الحصان بقوة، فسقط كوازيمودو على الأرض. وانطلق القائد بحصانه سريعًا وسط ظلام الليل.

وقف الأحدب، ونفض التراب عن نفسه. لم يلحق بالقائد، بل عاد إلى الكنيسة.

سألت إزميرالدا: «هل عثرت عليه؟»

أجاب كوازيمودو: «لم أفعل.»

صاحت إزميرالدا: «كان يجب أن تنتظر طوال الليل! ارحل الآن! هيا اذهب!»

شعرت إزميرالدا باستياء شديد من كوازيمودو. ولم يرد هو أن يزيد غضبها، فابتعد عن طريقها. عندما تستيقظ كل يوم تجد إفطارها جاهزًا أمامها. افتقدت إزميرالدا كوازيمودو، لكن من كانت ترغب في التحدث إليه هو فيبس. قضت ساعات في نافذتها الصغيرة تراقب المنزل الموجود بالجانب الآخر من الشارع.

في تلك الأثناء كان كلود فرولو قد أغلق بابه أمام الجميع. حبس نفسه في غرفته مع كتبه وجرعاته الدوائية. وما كان ليفتح الباب لأحد، ولو كان أخاه. كان يفكر في إزميرالدا ليل نهار. وصل غضبه منها في إحدى الليالي ما جعله يرتدي عباءته ويعلق مفاتيحه بجانبه ويترك معتزله السري.

حدث كلود فرولو نفسه: «لقد دمرت حياتي.»

كانت إزميرالدا نائمة في غرفتها، وأيقظها صوت فتح الباب، فأحكمت إغماض عينيها، وهي تفكر: «لا بد أنه القِس، فما كان كوازيمودو ليدخل غرفتي أبدًا دون أن يطرق الباب.»

صاحت إزميرالدا: «اخرج من هنا! ابتعد عنيّ!»

أمسك كلود فرولو بذراعيها، وقال: «حان الوقت لتأتي معي، سألقنك درسًا. لقد سحرتني أيتها الساحرة.»

صاحت: «لا! لا!»

ثغت دجالي، ودفعت إزميرالدا كلود فرولو بعيدًا، ونفخت بقوة في الصفارة الفضية التي أعطاها إياها كوازيمودو. فجأة، شعر كلود فرولو بيد شديدة البأس تسحبه بعيدًا عن الفتاة الغجرية. كان ذلك كوازيمودو! بدأ الاثنان يتعاركان، ولم يدرك كوازيمودو أن من يتعارك معه هو كلود فرولو إلى أن انعكس ضوء القمر على وجهه.

توقف كوازيمودو عن القتال في الحال، وقال: «كلود فرولو، أنا آسف للغاية.» ركله القِس مرة أخرى، لكنهما كانا قد وصلا في ذلك الوقت إلى الرواق، وإزميرالدا أغلقت باب غرفتها. نزل كلود فرولو مترنحًا على درجات السلم، وأخذ يفكر: «لم ينته الأمر بعد، سأنتقم منها جزاء ما فعلته بي.»

شعر كوازيمودو بألم في بطنه حيث ركله كلود فرولو. نهض، وأمسك بها بقوة. كانت الصفارة على الأرض خارج غرفة إزميرالدا. فالتقطها، وطرق الباب طرقًا خفيفًا، وقال: «هذا أنا، كوازيمودو.» فتحت إزميرالدا الباب وأخذت تبكي.

قالت وهي تأخذ منه الصفارة: «شكرًا لك.» ثم ألقت بنفسها على السرير، وأخذت تبكي بحرقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤