المنظر الثاني

(بهو في منزل الوزير … في صدره باب يؤدي إلى الحديقة … وفي جانبه باب مفتوح يؤدي إلى حجرة مكتب … وقد جلسَت في البهو كريمة الوزير وهي تحتضن كلبًا صغيرًا … وبقربها جلس الخطيب … يحادثها وعينه لا تفارق حجرة المكتب.)

الخطيبة : لماذا تنظر هكذا دائمًا إلى حجرة المكتب؟
الخطيب : معاليه … والساعي.
الخطيبة : إنه لن يبطئ علينا … بعد لحظة يفرغ من هذا الساعي وأوراقه … ويأتي إلينا.
الخطيب (يمد عنقه نحو حجرة المكتب) : الخطابات؟
الخطيبة : أي خطابات؟
الخطيب (يرسل نظراته إلى حجرة المكتب) : في يده … إنها في يده … أسيفتحها الآن؟!
الخطيبة : لا أظن … ولا ينبغي لنا أن ندعه مشغولًا عنا طويلًا.
الخطيب : نعم … أرجوك … امنعيه من أن يقرأ الآن.
الخطيبة : لا تخف … إنه سيأتي إلينا حالًا … وسيشترك في الحديث … لماذا كل هذه السرعة منك في إعداد برنامج القِران؟
الخطيب (وهو ينظر) : أسرعي … امنعي … إنه يقلِّب بين يديه الخطابات!
الخطيبة (مبتسمة) : كن صبورًا … تعلَّم الصبر … على ذِكر الخطابات لماذا لم تكتب إلينا حتى الآن؟ … كنا ننتظر منك على الأقل خطابًا … تحدِّد فيه الموعد … وتقترح الترتيبات.
الخطيب (وهو ينظر إلى حجرة المكتب) : كتبت … أقصد … أقصد فكَّرت … ولكني فضَّلت الحضور بنفسي … حتى يتم القِران يوم الخميس القادم إن شاء الله!
الخطيبة : الموعد قريب جدًّا.
الخطيب (وهو ينظر) : أسرعي … إنه يريد أن يفتح خطابًا.
الخطيبة (تلتفت إلى حجرة المكتب وتنادي) : بابا … بابا … نحن في انتظارك.
الوزير (من الداخل صائحًا) : لا تؤاخذني.

(ثم يظهر مشيرًا إلى الساعي بالانصراف … ويتقدَّم نحوهما … حاملًا الخطابات في يده … ويجلس على مقعد أمامه منضدة صغيرة … بينما الخطيب ينهض لمجيئه ويجلس بجلوسه.)

الوزير (لابنته) : ألم تطلبي قهوةً لخطيبك؟
الخطيبة : طبعًا يا بابا!
الوزير (يضع الخطابات فوق المنضدة التي أمامه) : قبل أن أنقطع لكما ويجرفنا الحديث … اسمحا لي بلحظة أتصفَّح هذه الخطابات (ويُخرج نظارته من جيبه).
الخطيب (بسرعة ورجفة) : لا يا معالي الباشا … لا … موضوعنا في غاية الأهمية … ويستحق من معاليك أن تنقطع الآن إلينا … التفِت إلينا.
الخطيبة : الحقُّ معه يا بابا … يحسُن أن تترك القراءة الآن … وتشاركنا في الحديث.
الوزير (وهو يُعيد نظارته إلى جيبه) : تركتُ القراءة … أخبراني بما انتهى إليه الرأي بينكما.
الخطيبة (لخطيبها المحملق في الخطابات) : قل رأيك.
الخطيب (يرفع عينيه عن الخطابات مرتبكًا) : أنا!
الخطيبة (لخطيبها) : ما لك؟ … لماذا تنظر هكذا إلى هذه الخطابات؟
الخطيب : أنا؟! … أنا نظرت إليها؟
الخطيبة : أتخشى أن يعود إلى القراءة ويُشغل عن موضوعنا؟
الخطيب (بسرعة) : نعم … هو ذاك (يمد يده نحو الخطابات) اسمح لي يا باشا … أضعها فوق ذلك المكتب … سأذهب بها بعيدًا … هناك … هاتها … هاتها.
الوزير (يضع يده فوق الخطابات) : لا … دعها واطمئن … إني معكما الآن بكل فكري وقلبي … وهل عندي موضوع أهم من موضوعكما … تكلَّما … إني مصغٍ!
الخطيب : لن أطمئن حتى آخذ هذه الخطابات … بعيدًا … بعيدًا عن أنظارك يا باشا (يمد يده محاوِلًا أخذ الخطابات).
الوزير (يسبقه إلى الخطابات) : انتظر سأُريحك … سأضعها في جيبي … لأقرأها فيما بعد … عندما آوي إلى حجرة نومي (يدس الخطابات في جيب جاكتته) هدأ بالك الآن؟ … هيا تكلَّم … وقل رأيك.
الخطيب (ناظرًا في يأسٍ إلى جيب الوزير) : رأيي؟
الخطيبة : نعم … رأيك الذي أبديتَه لي منذ قليل.
الخطيب (وهو يختلس النظر يائسًا إلى جيب جاكتة الوزير التي فيها الخطابات) : رأيي أن كل شيء انتهى!
الوزير : انتهى؟
الخطيب (مستدركًا) : على خير بركة الله!
الوزير : والموعد؟
الخطيب : يوم الخميس القادم إن شاء الله.
الوزير : سوف يكون يومًا مشهودًا … أرى فيه وجوهًا تنكَّرت لي بسرعة البرق … إن هذه الساعات الأربع والعشرين التي مرَّت ما بين استقالتي وعودتي للحكم قد أرتني عجائب وغرائب من طباع الناس … حتى مدير مكتبي … مدير مكتبي الذي شرعت في ترقيته ترقيةً استثنائية قد رفض توديعي ودخول منزلي … ووصف عهدي، كما بلغني، بالعهد البغيض!
الخطيب : قِصَر نظر يا معالي الباشا … قِصَر نظر!
الخطيبة : وماذا تنوي يا بابا أن تفعل بمثل هذا الموظف؟
الوزير : مدير مكتبي؟! … سوف تسمعون بما أنا صانع به وبأمثاله من الزائفين الذين يرتدون ثياب المخلصين!
الخطيب (وهو ينظر إلى جيب جاكتة الوزير) : لعنة الله على الذبذبة والمذَبذَبين!

(يدخل الخادم يحمل صينية القهوة ويتقدَّم نحو الخطيب.)

الخطيبة (وهي تدلِّل كلبها الصغير) : بوبي هذا الصغير لم يتغيَّر وفاؤه في الأيام السود ولا الأيام البيض!
الخطيب (للخادم المقبل عليه بالقهوة) : معالي الباشا أولًا!
الوزير : لا … الضيف أولًا!
الخطيب (يتناول فنجانًا وينهض به إلى الوزير) : لا يمكن … مستحيل أتناول القهوة قبل معاليك.
الوزير : أستغفر الله!

(الخطيب يتعمَّد إسقاط الفنجان على جاكتة الوزير.)

الخطيب (متظاهرًا بالألم) : يا للكارثة! … يا لخيبتي وسوء فعلتي! … كيف أعبِّر عن أسفي يا معالي الوزير؟
الوزير : لا تنزعج … هذا شيء بسيط!
الخطيب : اخلع «الجاكتة» يا باشا … وأنا أتولَّى تنظيفها بنفسي.
الخطيبة (تُطلق كلبها في الخارج وتصيح) : وأنا … ما وظيفتي؟
الخطيب (وهو يحاول أن يخلع الجاكتة عن الوزير) : أقسم ما من أحد يمس هذه «الجاكتة» غيري! أنا الذي أُصلح ما أفسدت … دعوها لي … دعوها لي.
الوزير (يُبعد عنه يد الخطيب برفق) : مهلًا … مهلًا … لا أنت ولا خطيبتك … (يشير إلى الخادم) خذ «الجاكتة» إلى محل التنظيف والمكوى … وأحضر لي «الروب» من حجرتي! … (يخلع الجاكتة ويسلِّمها إلى الخادم) هل هناك أبسط من هذا الحل؟

(الخادم يمشي بالجاكتة … وأنظار الخطيب تمشي خلفها … ثم يتحرَّك خلف الجاكتة بدون وعي.)

الخطيبة (لخطيبها) : إلى أين؟ … إلى أين؟
الخطيب (يقف مرتبكًا) : الجيب … ما في الجيب … الجيوب!
الوزير : صدقت … هات «الجاكتة» يا …

(الخادم يعود بالجاكتة إلى الوزير فيُخرج ما في جيوبها ثم يشير إليه بالذهاب بها.)

الخطيب (يمد يده إلى محتويات الجيوب في يد الباشا) : ناولني هذه الأشياء يا معالي الباشا … حتى لا تتعب يديك!
الوزير : ولماذا أُتعب بها يديك أنت … (يلتفت إلى ابنته) خذيها أنت وضعيها في «درج» المكتب … وأغلقي عليها … هاكِ المفتاح (يُخرج من جيب «بنطلونه» سلسلةً بها بضعة مفاتيح صغيرة).
الخطيبة (تتناول من أبيها المُحتويات وبينها الخطابات وسلسلة المفاتيح وتتجه إلى حجرة المكتب وهي تنادي كلبها) : بوبي … بوبي!

(الخطيب يتبع بنظراته الحائرة الخطابات في يد الخطيبة المتجهة إلى حجرة المكتب … ويمشي خلفها بلا وعي.)

الوزير (للخطيب) : إلى أين؟ … إلى أين؟
الخطيب : إنها تناديني.
الوزير : إنها تنادي «بوبي».
الخطيب : ربما كنتُ أنا «بوبي».
الوزير (ضاحكًا) : لا تعالَ … تعالَ اجلس … إنها لا تقصدك أنت … سوف تُطلق عليك اسمًا من أسماء التدليل … فيما بعد … ولكنه لن يكون «بوبي» على كل حال.
الخطيب (وهو يجلس يائسًا في مقعده) : هذا من سوء حظي!
الخطيبة (من الداخل) : ما الذي أضحكك يا بابا؟
الوزير : خطيبك يقول لك … (يعطس).
الخطيبة (تظهر وهي تلعب بسلسلة المفاتيح) : أنت يا بابا الذي عطست؟
الوزير : نعم.
الخطية : سيُصيبك برد من تخفيف ثيابك.
الوزير (ينهض) : حقًّا يحسُن أن ألبس ثيابًا كاملة … انتظروني … سأعود بعد لحظة! (يخرج مسرعًا).
الخطيبة (لخطيبها) : ماذا كنتما تقولان في غيبتي؟
الخطيب (ناظرًا إلى سلسلة المفاتيح في يدها) : هذه السلسلة من الفضة؟
الخطيبة : لا … إنها عادية … من المعدن.
الخطيب (يمد يده إليها) : أريني … أريني.
الخطيبة : ماذا ترى فيها يثير الاهتمام؟
الخطيب : شكلها … شكل المفاتيح.
الخطيبة : مفاتيح عادية جدًّا.
الخطيب : إنها متشابهة فيما بينها … أهي كلها ﻟ «أدراج» المكتب؟
الخطيبة : نعم … كل «درج» له مفتاحه.
الخطيب : وكيف تستطيعين التمييز بين المفاتيح؟
الخطيبة : أهو أمر صعب إلى هذه الدرجة؟
الخطيب : يبدو لي أن من الصعب استخراج مفتاح كل «درج» بمجرد النظر.
الخطيبة : هذا شيء سهل … يكفي أن تنظر إلى سن كل مفتاح … إن الأسنان فيما بينها تختلف.
الخطيب : حقيقة … ولكن كيف تعرفين أن هذا الدرج بالذات له مفتاحه بهذه الأسنان بالذات؟
الخطيبة : مدهش!
الخطيب : ما هو المدهش؟
الخطيبة : هذا الموضوع الذي نتحدَّث فيه … إنه في غاية الشاعرية! … ألَا تلاحظ؟ … منذ وُجد الزواج … وكل خطيب وخطيبة، إذا اجتمعا في خلوة، تحدَّثا في القمر وفي النسيم وفي الفراق وفي اللقاء … ولكن … قلَّما خطر لواحد منهما أن يتحدَّث في الأدراج والمفاتيح.
الخطيب (يُفيق) : آه … لا مؤاخذة!
الخطيبة : لعل هذا الموضوع له عندك أصل أو مناسبة.
الخطيب : لا … لا … أبدًا … لا يوجد أصل ولا مناسبة … المسألة مجرد.
الخطيبة : مجرد ماذا؟
الخطيب : مجرد … إعجاب بذكائك.
الخطيبة : ذكائي؟
الخطيب : نعم … لقد لفت نظري الآن منك أنك لم تستغرقي وقتًا طويلًا وأنت تضعين الخطابات … أقصد محتويات جاكتة الباشا … في درج المكتب … وفتحتِ الدرج وأغلقتِه بالمفتاح … مع أن المفاتيح في السلسلة متشابهة … هذا طبعًا يدل على الذكاء.
الخطية : متشكرة.
الخطيب : العفو … أنا مثلًا لو كنت في موضعك لكنت حِرت وتُهت بين الأدراج والمفاتيح … وإذا لم تصدِّقي فلنجرِّب … هلمي امتحني درجة ذكائي.
الخطيبة : إني واثقة أنك ستنجح.
الخطيب : من يدري؟ … عند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان.
الخطيبة : كيف تريد مني أن أمتحنك؟
الخطيب : المسألة بسيطة … أريني بسرعة مفتاح الدرج الذي وضعتِ فيه الخطابات … أقصد المحتويات … وقولي لي: اذهب وافتحه بمفردك.
الخطيبة : إنك ستفتحه طبعًا.
الخطيب : أبدًا.
الخطيبة : فلنجرِّب.
الخطيب : نعم … فلنجرِّب.
الخطيبة (بسرعة) : هذا هو المفتاح.
الخطيب : ليس بهذه السرعة … إني لم أرَ شيئًا … مرةً أخرى من فضلك.
الخطيبة (ضاحكة وهي تشير إلى مفتاح من بين مفاتيح السلسلة) : التفت جيدًا هذه المرة … هذا هو المفتاح.
الخطيب (يُسرع ويقبض عليه) : هاتي.
الخطيبة (تتركه له) : خذ واذهب وافتح في طرفة عين مثلما فعلت أنا!
الخطيب (ينهض بالمفتاح مسرعًا وقد جاءه الفرج) : بقي أن أعرف الدُّرج!
الخطيبة : سأعد من واحد إلى عشرة.
الخطيب : إلى عشرين من فضلك.
الخطيبة (في تسامح) : إلى عشرين.
الخطيب (وهو متجه بالمفتاح إلى حجرة المكتب) : يا بركة الله!
الخطيبة : وعند العشرين أُهرَع أنا إلى المكتب لأرى النتيجة … (تعد بصوت مرتفع) واحد … اثنين … ثلاثة.
الخطيب (على عتبة حجرة المكتب) : انتظري … وحياة عينيك … «غششيني» قليلًا وإلا سقطت سقوطًا شنيعًا … قولي لي أين الدرج؟
الخطيبة (ضاحكة) : وماذا بقيَ إذن من مواد الامتحان؟
الخطيب (متوسلًا) : قولي لي … الله لا يفضحك!
الخطيبة (ضاحكة متسامحة) : الدرج الذي في الصدر! … سأستأنف العد … أربعة … خمسة.
الخطيب : لا … لا … أرجوك … عدي من الأول (ثم يختفي سريعًا في حجرة المكتب).
الخطيبة : أمرك و… احد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة.
الخطيب (صائحًا من الداخل) : اسكت يا بوبي … ابعد يا بوبي!

(يُسمع نباح الكلب من الداخل.)

الخطيبة (ضاحكة ومستمرة في العد) : ثمانية … تسعة … عشرة.
الخطيب (صائحًا) : حوشي بوبي … يا للكارثة! … الكلب خطف السلسلة. خطف المفاتيح.
الخطيبة (ناهضة بسرعة) : بوبي!
الخطيب (يظهر مهرولًا) : قفز بالمفاتيح من النافذة إلى الحديقة.
الخطيبة : وأنت … إلى أين تجري؟
الخطيب : خلفه … أُمسك به … أُحضر المفاتيح … لم أفتح بعد … يا للحظ العاثر! يا لليوم الشؤم (يهرول من الباب المؤدي إلى الحديقة).
الخطيبة (تتبعه بأنظارها عند الباب ضاحكة) : لن تلحق به … ارجع … خيرًا لك.
الخطيب (في الحديقة يُمصمص بفمه للكلب) : بوبي … تعالَ … تعالَ يا حبيبي … أرجوك … أنا في جاهك … كن لطيفًا … أرجع المفاتيح (يخفت صوته كمن ابتعد خلف الكلب).

(الخطيبة بالباب تضحك … وعندئذٍ يُسمع في الخارج قرب الباب جلبة وهمهمة أصوات مقتربة … ثم صوت مدير المكتب يهتف.)

مدير المكتب (في الخارج) : فليحيَ وزيرنا المحبوب!
أصوات (في الخارج تُردِّد هاتفة) : فليحيَ وزيرنا المحبوب!
مدير المكتب (في الخارج لمَن معه) : لا تدخلوا … لا تُزعجوا الباشا … انتظروا أنتم حتى يخرج لكم … (يظهر بالباب وتحت إبطه مظروف) معالي الوزير في حجرة المكتب؟
الخطيبة : إنه يلبس … لحظة واحدة (تخرج مسرعةً من أحد الأبواب الجانبية).

(مدير المكتب يتقدَّم في البهو … ويضع مظروفه على المنضدة ويهم بالجلوس … وعندئذٍ يظهر «الخطيب» داخلًا من الحديقة يمسح عرقه بمنديله.)

الخطيب : أف! اختفى الكلب!
مدير المكتب (يلتفت نحوه) : الكلب؟
الخطيب (يرى مدير المكتب) : أنت؟ … وتعني «هباب» … (يهمس في أذنه) كلام في سرك … الخطاب الملعون في هذا المكتب … في درج الصدر … ومكثت ساعةً أُحاول الحصول عليه بكافة الوسائل … وأخيرًا نجحت في أخذ المفتاح … وما كدت أدنو به من الدرج … حتى خطفه ذلك الكلب الأزعر … إني في أحْرج مركز … إني منكوب. لن أعرف طعم الراحة ما دام الخطاب هناك … لم أحصل عليه قبل أن يقرأه.
مدير المكتب : هدِّئ بالك … اعتمد عليَّ.
الخطيب : أعتمد عليك أنت … الآن؟! … أنت أيضًا وقْعتك ثقيلة … سبحان المنجي!
مدير المكتب (يلتفت إلى الباب الجانبي) : صه! معالي الوزير.
الوزير (يظهر ويقول بنبرة تهكُّم) : أهلًا بمدير مكتبنا المخلص!
مدير المكتب : دائمًا يا معالي الوزير.
الوزير : طبعًا … دائمًا وفي كل وقت … حتى بعد الاستقالة.
مدير المكتب : هل عند معاليك شك في إخلاصي؟
الوزير (متهكمًا) : أبدًا … حاشا لله! … وهل هناك إخلاص أشد من أن تدخل بيتي بعد استقالتي … وتودِّعني ذلك الوداع المؤثر … دون أن تتنصَّل أو تخاف أو تهرب؟
مدير المكتب : أودِّع معاليك؟ … لماذا؟ … لا يا معالي الوزير … إني لم أُرِد أن أجيئك مودِّعًا … لأني كنت عميق الإيمان بك وبعودتك في الوزارة الجديدة … يودِّعك اليائس … أمَّا أنا فلم أيئس … كنت على يقين أن كفاءتك العظيمة ومواهبك النادرة لا يمكن أن توضع على الرف … .
الوزير : أهذا حقًّا كان تفكيرك؟
مدير المكتب : تفكيري وإيماني وعقيدتي يا معالي الوزير … وإنه من بواعث فخري أن إيماني بك لم يتزعزع في يوم من الأيام.
الوزير : وعهدي ألم يكن بغيضًا؟
مدير المكتب : طبعًا … كان بغيضًا … عند خصومك وحُسَّادك … وأولئك الجاحدين الذين لم يرَوا أعمالك ومشروعاتك وإصلاحاتك!
الوزير : كانوا هم إذن الذين يقولون ذلك!
مدير المكتب : بالتأكيد … كل الأفذاذ والمصلحين يسمعون أحيانًا ما يكرهون ويبلُغهم من تقوُّلات الناس ما لا يحبون … ويشهد الله كم كان يؤذي سمعي أن أسمع فيك بعض هذا الجحود … ولكني كنت أعزِّي نفسي دائمًا بقولي: معاليه من العباقرة العظماء … وتلك ضريبة العبقرية والعظمة.
الوزير : إني على كل حال لم أصنع لك إلا كل خير.
مدير المكتب : وهل من المعقول أن أنسى … كل ترقية لي كانت على يدَي معاليك! … إن أقل الواجب وأضعف الإيمان أن أكون على الأقل من أشد المتحمِّسين لك وأخلَص المُتصلين بك!
الوزير : يجب أن يكون الأمر كذلك.
مدير المكتب : أُقسِم لمعاليك أن هذا هو الواقع … وإن كره الواشون والحُساد والنمَّامون … إن إخلاصي لمعاليك شيء في دمي، وإيماني بشخصيتك الممتازة وعقليتك الجبارة دين راسخ في قلبي.
الوزير : أرجو أن تكون دائمًا مدير مكتبي الذي أضع فيه كامل ثقتي!
مدير المكتب : ثقة معاليك الغالية كل زادي … وكل ثروتي … والله يشهد في سمائه أني بهذه الثقة جدير.
الوزير : عندي مجلس وزراء بعد نصف ساعة.
مدير المكتب (يتناول المظروف) : جهَّزت لمعاليك كل الأوراق اللازمة.
الخطيبة (تدخل حاملةً بوبي والمفاتيح) : ها هو بوبي جاءني بنفسه يحمل سلسلة المفاتيح.
الخطيب (بدون وعي) : هاتي … أرجوك.
الوزير (لابنته) : أعطي المفاتيح لمدير مكتبي ليعرض عليَّ ما فيه من بريد وأوراق … كالعادة.
مدير المكتب (وهو يتسلَّم المفاتيح) : شكرًا … تسمح معاليك لحظة.
الوزير : ماذا؟
مدير المكتب (يقترب من الباب ويهتف) : فليحيَ وزيرنا المحبوب!
الأصوات (في الخارج) : فليحيَ وزيرنا المحبوب!
الوزير : ما هذا؟
مدير المكتب : موظفو مكتبي جاءوا معي يُظهرون ابتهاجهم بعودة معاليك للوزارة.
الوزير (باسمًا) : أنت الذي نظَّمت هذه المظاهرة (يتجه الوزير نحو الباب وخلفه ابنته).
مدير المكتب : هذا شعور طبيعي قد تفجَّر … ومن ذا الذي ينسى إحسان معاليك لموظفي مكتبك؟
الوزير : لا تنسَ أن تُذكِّرني بقرار ترقيتك الاستثنائية!

(يخرج إلى عتبة الباب ويحيِّي الهاتفين بيديه … وخلفه ابنته تشاهد هي وكلبها بوبي … بينما يمسك الخطيب بذراع مدير المكتب ويحاول جذبه إلى ناحية حجرة المكتب.)

الخطيب (هامسًا لمدير المكتب) : المفتاح في يدك … أنا في جاهك … أنقِذني!
مدير المكتب (هامسًا) : هدِّئ بالك! … قلت لك اعتمد عليَّ … ولكنك لم تصدق.
الخطيب : صدَّقت … وآمنت … كنت مغفلًا ولم أفهم.
مدير المكتب : تفهم ماذا؟
الخطيب : أن صاحب السلطة بسهولة يصدق المَلَق … وبسرعة ينسى النفاق!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤