وتوتى توتى … وما خلصت الحدوتى

وميت عفارم على السوداني الطيب ابن الناس الطيبين، يجلس معك فيسألك كل لحظة عن الصحة والأحوال، ويسهر معك فيضحك لكل كلمة، ويفرح لكل إشارة، ويعامل كل واحد في الجلسة على أنه ظريف ولا حضرتنا خفيف ولا أبو لمعة.

وفي أيام الصفاء يبيع السوداني الطيِّب ابن الناس الطيبين متاعه من أجلك. وفي أيام الحرب يخلع السوداني الطيب ابن الناس الطيبين جلبابه ويسبقك للجبهة … ولكن السوداني الظريف الطيب ابن الناس الطيبين حساس للغاية، وقد يغضب لأقل إساءة تُوجَّه إليه، ولذلك أنصحك يا عبد الله أن تكون حريصًا غاية الحرص وأنت تتعامل مع السوداني وأنت فاهم لهذه الحقيقة؛ لأن أي غلطة أو أي هفوة قد تؤدي إلى ما لا يُحمَد عقباه! أنا مثلًا أعتقد أن مواعيدي مثل نشرات مصلحة الأرصاد، قد أصدق فيها وقد لا أصدق. وما دمت مثل مصلحة الأرصاد فأنا لا أخاف؛ لأن أحدًا لن يحاسبني، وأنا أطلب من الآخرين عدم الخوف؛ لأني لن أحاسب أحدًا. والسوداني أيضًا مثلي ومثل مصلحة الأرصاد، ولكن يا للعجب لا يخاف إذا ضرب لك موعدًا وتأخر، ويخيفك إذا ضرب لك موعدًا وتأخرت … لذلك يجب عليك الذهاب في المكان والزمان المحدد؛ لأن السوداني الطيب قد يحضر وأيضًا قد لا يحضر … فإذا حضر وحضرت فيا أهلًا وسهلًا، وإذا حضرت ولم يحضر فلا بأس وكل شيء يذهب له تعويض، وإذا حضر ولم تحضر فيا واقعة سودة، سيغضب السوداني ولن تستطيع أن تتصالح معه! أنا كان معي موعد مع سيدةٍ فاضلة من طليعة الحركة النسائية في السودان اسمها خ. ص … موعد العشاء … في منزلها العامر … العامر دائمًا … بالضيوف والموائد والخيرات. وفي ذات اليوم كانت السودان كلها تغلي، مظاهرات في الشوارع، مظاهرات في الضواحي، مظاهرات في الإذاعة، والسودان كله يجلس على بركان. وبالطبع انتظرْت وبالطبع لم تحضر. والتقينا بعد ذلك وحددنا موعدًا آخر، وكان الموعد في الثامنة، وانتظرْت حتى الثامنة والنصف ولم تحضر. والتقيت فجأةً بالملحق الصحفي حسني عبد الوهاب فدعاني على العشاء. وذهبت معه إلى قريةٍ ما أحلاها … قرية الكدرو التي التماسيح فيها تلعب في الموية كما البط في ترعة بلدنا. وسهرْنا وانبسطْنا وانشكعْنا، وكانت سهرة ولا كل السهرات. ثم التقيت بالسيدة خديجة بعد ذلك في القاهرة فإذا بها زعلانة! … ليه؟ لأنني لم أنتظرها في الموعد! أنا الذي انصرفت في الثامنة والنصف والموعد كان في الثامنة، وهي حضرت في التاسعة، ولكن الواجب كان يقتضيني أن أنتظر ولا أبرح مكاني حتى تُشرق الشمس، ومن يومها وهي زعلانة … مع أنني لست زعلان!

ومرة ولد صاحبي اسمه إدوارد في مطار الخرطوم عزمني على خروف مشوي … ومن يومها وأنا ضعيف وأصفر ومعلول وحالي عدم؛ لأن الخروف تكررت عزمته أكثر من مرة، وانتظاري طال له في شرفة الجراند أوتيل!

ولكن هل السوداني بخيل؟ أعوذ بالله! السوداني هو أكرم عربي. فكيف يكون حاله إذا علمْت أن العربي هو أكرم الناس! أنا أستطيع أن أعيش عمري كله في السودان بلا شُغلة ولا مشغلة وأنا ضامن أكلي وشربي ولبسي وسهري وكل شيء، وما دام الناس أحبوك فلك «روحي ونفسي وماليا»، على رأي عمنا الشاعر المتنبي طيب الله ثراه، أنا كنت في لندن والبنت هالة في المستشفى يخلع الطبيب لها عظام الحوض. وتلقَّت هالة عشرين هدية، أكثرها من ناس من السودان كانوا أيضًا في لندن. ناس لا أعرفهم ولا يعرفون العبد لله. مجرد صلة، صلة بين قارئ وكاتب، وصلة على البعد ولكنها عند السوداني الطيب أعمق من كل شيء وأبقى من كل شيء. واحتجْت في لندن إلى فلوس وكدْت أرفع يافطة وأقف في ميدان البيكاديلي وأزعق بالصوت الحياني عشا الصحافة عليك يا كريم، إلهي يحنن عليك يا جورج يا ابن جونيا وآشلي ياللي تقول خد شلن لله. وفجأةً وأنا في عز الأزمة ضرب تليفون في الحجرة وقال المتحدث: محمود السعدني؟ قلت: آه … قال بدون كلام ولا سلام: يلعن … وأدركْت من خلال الكلام المهذَّب الرقيق أنه صديق، وأنه صديقٌ عزيز، ولكن لم أتبين على وجه التحديد، فقلت مبتهجًا يا أهلًا وسهلًا، قال: أنت فين يا … قلت: أنا تحت أمرك موجود الآن وكل آن، خدَّام رجليك، تحضر إلينا أو أحضر إليك. قال أين العنوان؟ قلت: شارع كيت … ورقم كيت … وجاء الضيف الكريم واكتشفْت أنه محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان. وبما أن محجوب طويل كما شجرة الأبنوس، رقيق كما العاج، رشيق كما لاعب الباسكت بول. وبما أن العبد لله قصير كما شجرة موز، نحيف كما سيجارة هوليوود … فقد تشعبطْت على رقبته وهات يا بوس وهات يا أحضان وهات يا سلامات ويا أهلًا وسهلًا. ولم يكن محجوب وقتئذٍ رئيسًا للوزراء ولم يكن وزيرًا. كان يشتغل بالمحاماة، وكان في لندن هو الآخر للعلاج، وقبل أن يجلس محجوب أو يلتقط أنفاسه قال: اسمع، أنا حضرت للعلاج لمدة شهر ومعي ما يكفيني من النقود، وأنا أستطيع أن أقضي هنا أسبوعين بدلًا من شهر، ثلاثة أسابيع كفاية وأكثر من كفاية، وأستطيع أيضًا أن أقطع رحلتي الآن وأعود إلى السودان. قلت: ولكن ليه؟ قال: أنا علمت أن بنتك هالة في المستشفى وأنك تعاني من الفلَس العظيم وأنك في حاجة إلى نقود، فخُذ النقود التي معي وأنا سأتصرف، وبكيت يومها كما لم أبك من قبل. وقلت لمحجوب: لو حضرت قبل الآن بيومٍ واحد لأخذْت كل ما معك. ولكن الله كريم ويحب كل كريم، فك الأزمة وانتهى الموضوع. ولم يتركني محجوب حتى رأى كل الفلوس التي معي. وقضى معنا في لندن أيامًا هي أحلى أيام العمر! أنا مثلًا كنت واقفًا في ردهة فندق السودان أتحدث مع أحمد حمروش عن الدوسنطاريا اللعينة التي هاجمَتني فجأةً وأنشبت أظافرها في مصارين العبد لله. مجرد شكوى أنا أرددها دومًا كلما أحسسْت بمصاريني تكركب وبطني تلعب والعياذ بالله. وبعد عشر دقائق كان أخ سوداني ظريف يتقدم نحوي ومعه ربطة من جميع الأدوية التي خُلقَت للدوسنطاريا، من أول الأنتوسيد إلى الترامايسين، ولم يكن بيننا سابق معرفة ولم تكن هناك علاقة. هو سمعني فقط أشكو فَطار إلى الأجزخانة وكان ما كان. واكتشفْت أن اسمه عبد الحميد عبد الرحمن، وأنه صاحب أجزخانة، وأنه مُدمن على قراءة صباح الخير، وأن كل المحاولات التي بُذِلتْ معه قد فشلت، ولذلك قرر أن يسافر إلى بلاد برة لعله يجد مصحَّة تشفيه من صباح الخير … وأنا مرة طلبت ذيل تمساح كان الممثل الضخم محمد رضا، الضخم حجمًا ومقامًا، قد طلبه مني، وفي الصباح كان أخ سوداني طيب يحمل على ظهره تمساح كامل يتلعبط وتركه في غرفتي باللوكاندة. أنا أقول هذا الكلام ليه؟ لأُثبت لكم أن السوداني أكرم عربي، والعرب أكرم الناس. ولكن الولد إدوار خيبه الله يضرب مواعيد وينساها، ليس من باب البخل ولكن من باب الهزار! وعندما نزلْت الخرطوم هذه المرة كان إدوار هو أول من التقيت به في المطار، فهتف شديد الفرحة: سعْدَني … قلت: أهلًا إدوار. قال: أنا عازمك، فقلت على الفور: على خروف مشوي بالزبيب. قال: خيبك الله، قلت: ولكن هذه الأسطوانة أنا حفظتها، والخرفان المشوية المزعومة أجهدتْ معدتي، أرجوك يا عم إدوار تعزمني على شيء آخر مختلف. قال: وهو كذلك، فلتكن العزومة على خروف مشوي بدون زبيب! وإدوار سوداني من أصلٍ مصري جده ذهب إلى السودان منذ مائة عام، وما أكثر السودانيين الذين من أصلٍ مصري هناك. وأنا أقطع أن في السودان سرًّا يشدك إلى جوِّها ويقيدك فلا تستطيع الفكاك. أنا عرفت واحد اسمه عم أحمد تاجر ونُزهي. أي أنه فاتح تجارة في الخرطوم، ولكنه لا يعمل بالتجارة، ولكنه يعمل بالنزاهة. فهو يعمل بحكمة فهد بلان «حنا للخيل والليل»، وهو كلام هايف، وإن كان صوت الواد فهد كما صوت الفهد الحقيقي في الغابة خلال الليل. عمنا أحمد المصري له في السودان ربع قرن. وهو كان موظفًا في الري، ثم استقال وتزوج من السودان وعاش في الخرطوم يشتغل تاجر ونُزهي. وفي كل عام هو مسافر إلى القاهرة ليستقر هناك، ربع قرن الآن وهو مسافر كل عام، ولكن لم يسافر قط، وأراهن أنه لن يسافر على الإطلاق، عم أحمد الذي اقترب الآن من الستِّين، والذي يتمتع بحيوية شاب في الخامسة والثلاثين، والذي كل أصحابه من شباب السودان، والذي حنا للخيل والليل يا ويل يا ويل يا ويل، أقصد يا ويل الذين يسهرون معه؛ لأنه مثل عمنا كامل الشناوي رحمه الله، لا يعتقد أن الصباح قد جاء إلا إذا توسطَت الشمسُ كبد السماء، على رأي الشيخ طاهر رحمه الله! ولقد سهرْت معه مرتين ثم اعتزلت. لم تستطع صحة حضرتنا مواصلة السهر الطويل الذي تعود عليه أحمد منذ عشرات السنين. ولقد حكى الرجل قصته في السهرة الأخيرة، وكيف أنه عاش في سيدنا الحسين، ولا يزال يذكر كل شيء هناك؛ المالكي بتاع اللبن، وابو حجر بتاع الفول، والفيشاوي بتاع القهوة، وحتى عم علي المجذوب الذي يصرخ في الليل كأنه عرسة هاجمها كلب صايع مسعور. وعندما جاء إلى السودان أول مرة كان شديد البؤس كأنه ذاهب إلى الليمان. وفي القطار إلى الشلال وفي المركب إلى الشجرة في الخرطوم فكَّر ألف مرة في أن يهرب بجلده ولكنه لم يفعل. وعامٌ كامل في الخرطوم وموقفه لم يتغير، كل صباح ينزع ورقة من النتيجة ليعرف كم يومًا مضى على وجوده في السودان؟ وكم يومًا سيبقى فيه؟ وفي كل لحظةٍ ينظر في ساعته ليرى كم لحظة مضَت وكم لحظة بقيَت له هناك.

وخلال ذلك العام الذي قضاه هناك راحت قدمُه تغوص شيئًا فشيئًا في قلب السودان. أصبح له أصدقاء وأصبح له معارف وأصبحت له قعدات! وكما يحدث في المسرح لم يكن عم أحمد يعلم أن قدمه تغوص، وأنه غاص أكثر من اللازم، وأنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من السودان، فقد أصبحت له زوجة تعيش في الخرطوم وأصلها من عطبرة. وانتهى العام … وحزم عم أحمد أمتعته واستعد للرحيل، وفي طريقه إلى مكتب القطارات والمراكب والسيارات زينة، ويخلق ما لا تعلمون. صادف في طريقه فيلَّا معروضة للإيجار في شارع عريض وجميل فدخل على الفور ودفع الفلوس وأصبحت الفيلَّا من نصيبه. وعاد إلى مصر ولكن في إجازة، ولم يمض شهر حتى شد الرحال من جديد إلى السودان، وفي كل عام كان ينوي الهجرة، وفي كل عام كان يقضي أجازة في القاهرة ثم يعود إلى السودان.

ومضت عليه سنوات طويلة، وترك وظيفته في الري، وافتتح محلًّا للتجارة، ولا يزال يعيش في الخرطوم، وأغلب الظن أنه سيُدفَن في الخرطوم بعد عمرٍ طويل.

وفي آخر ليلةٍ سهرْت مع عم أحمد في منزل صديق، همس في أذني وأنا أصافحه ونسمات الفجر الطرية تهب علينا وقال: سألقاك في مصر قريبًا، حاوِل أن تستأجر لي شقةً خالية لأُقيم فيها، فقد قررْت الهجرة نهائيًّا إلى القاهرة. وبالطبع لم أستأجر له شقة ولم أُكلِّف نفسي حتى عناء البحث عن هذه الشقة! لأنني أعلم أنه سيكون واجبًا عليَّ بعد عمرٍ طويل، لو سافرْت إلى الخرطوم، سيكون من واجبي أن أبحث عن القبر الذي يضُمُّ رفات عم أحمد لأضع عليه وردة بلدي حمراء. فما أكثر شغفه بهذا النوع من الورود.

رجلٌ آخر التقيت به مصادفة، في رحلةٍ خاطفة قمْت بها إلى جبل الأولياء. رجل من سلالة المصريين الذين دخلوا السودان منذ زمنٍ بعيد، وهو لم ير القاهرة أبدًا، ولم يغادر جبل الأولياء إلا إلى الخرطوم، ومع ذلك جلس معي ساعةً على شاطئ النيل الأبيض يتحدث عن قرية جده … الشهداء منوفية، وعن عائلته التي تعيش على حرف الترعة. ولكن الغريب في الأمر أنه لم يقطع الصلة أبدًا بمسقط رأسه، جده وأبوه وهو نفسه تزوج من بنت فلَّاحة من الشهداء!

أريد أن أحذركم أيها الخلَّان من السودان … إنها تسحبك دون أن تدري، وقد تلعنها باللسان ولكن قلبك يظل يحبها حتى يتوقف عن الخفقان.

إني أعرف ولدًا اسمه علي عزت … طويل كما دولاب، عريض الأكتاف كما بطل أجسام، وهو في الأصل رياضي، يقفز فوق، ويجلس تحت ويفرد ذراعيه، ويشفط أنفاسًا عميقة عمق البِحار. الولد علي عزت كان مُدرس رياضة، وكانت له في السودان علاقاتٌ واسعة، وكان في الخرطوم أشهرَ من كوبري الجلاء في القاهرة … وأنا نفسي تنفتح لأي مصري في الخارج يجري بين الناس، ونفسي تنفتح لأي مصري م الخارج يرفع شعار العلاقات الطيبة مع الناس أبقى … نعم أبقى من تدريس النحو وتلقين العيال ألفية ابن مالك، وأنا أعرف مدرسين في الخارج من ماركة ساندويتش الجرجير، يفر من الناس كأنهم وحوش، ويفر منه الناس كأنه مُصاب بالجزام. ومن المدرسة إلى العشة، ومن العشة إلى المدرسة، ويحسب أن هذا غاية المرام من رب العباد. وأنا أعرف مدرسين في الخارج جلبوا لنا المصائب والكوارث؛ لأنهم خرجوا من هنا بعقلية شلشلمون مركز منوف. والقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، ودبق يا عبد الله ومعاك الله! والهدف في النهاية قيراطين على ترعة جنزور. وفي سبيل هذين القيراطين يضرب بتاع القوطة بالراس من أجل نص فرنك، وينام على الأسفلت في قسم البوليس من أجل خلاف على إيجار العشة، حتى رجال السلك السياسي المصري في الخارج لا يعرفون بالضبط ماذا يفعلون! في بلد مثل لندن مثلًا أنا محتاج لسفيرٍ محنَّك في السياسة خبير في الإتيكيت، ولكن في بلد مثل الخرطوم مثلًا أنا محتاج لولد فهلوي ابن بلد يعرف كيف يكسب قلوب الناس، ولكن للأسف الشديد … حتى الولد الفهلوي ابن البلد عندما يرتدي بدلة السلك السياسي يصبح من السلك، والكلام يصبح من طرطوفة اللسان، والحديث من القفا، والنظرات ولا نظرات ممثل في أفلام الشجعان … في بلد كالسودان مثلًا نماذج حلوة في السلك السياسي المصري، نموذج واحد وربما اثنين، والباقون جميعًا سهراتهم مع بعض، جلساتهم مع بعض، اجتماعاتهم مع بعض، ونادرًا ما نجد سوداني بين هؤلاء المصريين. وهو عتاب ردَّده عم شلبي نقيب المحامين. وردَّده آخرون ولهم حق. ويا سيدي في السودان نحب الراجل المفتوح … هذا رأيهم، وأنا معهم. المهم علي عزت ليس من هذا الطراز، الولد الرياضي الطويل الممشوق القوام، وكل الخرطوم تعرفه، وله عربية مرسيدس كانت في الأصل قارب صيد على شواطئ منوف. فجأةً نقلوه من السودان بعد سبعة أعوام، والولد زعلان وأهل الخرطوم في غاية الزعل ما فيش كلام، وأنا أيضًا زعلان من أجل علي عزت، ومن أجل الناس في الخرطوم.

رجلٌ آخر شيخ مسجد الشجرة، لا تجلس في مكان إلا ويسألك الناس عن هذا الشيخ … ويا ميت خسارة! لأني نسيت اسمه، ولكن الرجل كان محبوبًا وله في السودان أتباع ومريدون، وهو رجلٌ شيخ وظريف ويعرف كلام الله ويعرف كلام الناس، وعاش في السودان زمنًا طويلًا حتى صار واحدًا منهم، ثم فجأةً نقلوه، وبعثوا بشيخٍ آخر يفهم في كيفية الوضوء، وفرائض الصلاة، والصوم، والحج لمن استطاع إليه سبيلًا، ولكن الرجل الشيخ الطيب الذي يفهم كل شيء في الدين لم يكن يفهم كل شيء في الدنيا، فأغلق باب الجامع على نفسه واستقر في أمان الله، والناس في الخرطوم لا تزال تذكر الشيخ الطيب الذي ذهب، وتصرخ عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤