الأدب الأمريكي في القرن التاسع عشر

(١) رالف وولد إمرسن Ralph Waldo Emerson (١٨٠٣–١٨٨٢م)

ولد في «بوسْتُن» وفي عامه الرابع عشر دخل جامعة «هارفرد»، لكنه فقير لا يملك ما يُعينه على سد نفقات عيشه ودرسه، فكان لا يترفع عن العمل كائنًا ما كان ليكسب ما يريد من دريهمات، مثال ذلك أنه كان أحيانًا يعمل مناولًا (جرسونًا) في ساعات فراغه، فلما بلغ الخامسة والعشرين نُصِّب قسيسًا، لكنه لم يلبث في منصبه ذاك سوى ثلاثة أعوام ثم استقال لأنه أحسَّ في ضميره لذعة؛ إذ كان قسيسًا لفرع من فروع العقيدة المسيحية، لا تتفق تمام الاتفاق مع عقيدته، وعندئذٍ سافر إلى إنجلترا حيث قابل من الأدباء «كولردج» و«وردزورث» و«كارلايل». من ذلك الحين أخذت مجموعات مقالاته الأدبية تصدر واحدةً في إثر واحدة، ومن أهمها كتابه عن «الخلق الإنجليزي»،١ على أنه إلى جانب جولاته الموفقة في أدب المقالة، كان شاعرًا مُجيدًا، أحب من الشعراء «شيكسبير» و«دانتي» و«كولردج»، ولم يبهره شيء في سفر «شلي» وقليلًا جدًّا ما كان يقرأ القصص، فكلما حاول أن يقرأ «سيرفانتيز» أو«سكُتْ» أو «جين أوستن» أو «دكنز» — وهم من أعلام الأعلام في الأدب القصصي في العالم أجمع — أخذه الملل ولم يستطع أن يمضي في قراءته.

كان «إمرسن» — كما أسلفنا لك القول — من المتزمتين في الدين والأخلاق، وبهذه الروح كتب ما كتب، وإن القارئ الحديث ليقرؤه اليوم، فيظن أنه كاتب سبح في الهواء ليخاطب ناسًا فوق السحاب ولم يقصد بأدبه إلى هؤلاء البشر فوق هذه الأرض، شبَّهه «ماثيو آرنلد» الناقد الإنجليزي بالإمبراطور الفيلسوف «مرقص أورليوس» وحسبك هذا لتعلم كثيرًا عن «إمرسن» ورأيه في الفضيلة والحياة الفاضلة، فما الفضيلة عنده بالأمر الهين، وما الحياة الفاضلة في رأيه إلا طريقٌ ضيقٌ وعر يتطلب من السائر فيه مجهودًا، ولأنه يتطلب هذا المجهود كانت له قيمته.

كان «إمرسن» لا يمجد شيئًا تمجيده لروح الإنسانية، وهو حين كتب في تمجيدها لم يكن معبرًا في حقيقة الأمر عن مذهبٍ ديني بعينه أو عقيدة بذاتها، إنما كان بمثابة الصوت الذي لا يكاد ينتسب إلى فردٍ معين أو يصدر عن جسدٍ معلوم؛ هو في كتابته بمثابة من يعلن لا بمثابة من يؤيد أقواله بالحجة والدليل، ومع تمجيده هذا لروح الإنسان، لم يقل ما هي تلك الروح، ولعله أدرك وآمن أنها «من أمر ربي»:

«إن من نسميه عادة بالإنسان؛ الإنسان الذي يأكل ويشرب ويزرع ويحسب، ليس بمثل هذه الجوانب من حياته يمثل نفسه، بل إنه — على نقيض ذلك — يُبدي ما لا يمثل نفسه. إننا لا نحترم الإنسان بسبب هذه الأشياء، أما الروح التي إن هو إلا أداة لها، فنحن نجثو لها احترامًا إذا ما أبداها الإنسان في فعله. إن الروح إذا ما تنفست خلال عقله فهي العبقرية، وإذا ما تنفست خلال فعله فهي الفضيلة، وإذا ما فاضت في ثنايا عاطفته فهي الحب … والغاية من كل إصلاح — في هذا الجانب من الحياة أو ذاك — إنما هي أن تأذن للروح أن تلتمس طريقها إلى الظهور خلالنا، أو بعبارةٍ أخرى الغاية من الإصلاح هي أن نتعلم كيف نطيع الروح.»

الروح عند «إمرسن» خير منبر نرتقيه لنُعبِّر عن سر وجودنا ومعناه، هي الحلقة الحقيقية التي تصلنا بالله؛ فلن تبدو الروح في فكر أو عمل إلا كان الإنسان المفكر أو العامل متصلًا بالله صلةً قويةً مكينة «إن أكثر الناس سذاجة، إذا ما عبد الله بما يبديه في شخصه من تماسك خلقي، إنما يصبح جزءًا من الله … إن فكرة الإله إذا ما أشرقت على الإنسان كانت محبَّبةً إليه، مريحةً لنفسه؛ تعمر له المكان الخلاء، وتمحو من حياته وصمات أخطائه وخيبة رجائه … إن الإنسان إذا ما مجد الروح وأدرك أنها — كما يقول القدماء — ذات بهاء لا ينفد … فلن تعود حياته بعدئذٍ كالثوب المرقَّع المهلهل، بل سيحيا حياةً تمسك أطرافها وحدةٌ إلهية.»

بمثل هذه النغمة الدينية الخلقية التصوفية كان يكتب «إمرسن» لا يحد من أفقه شعائر مذهب معين ولا عقيدة بذاتها.

(٢) ناثانيل هوثورن Nathaniel Hawthorne (١٨٠٤–١٨٦٤م)

وهذا كاتبٌ آخر، صدر فيما كتب عن روحٍ دينيةٍ أخلاقية، كما صنع «إمرسن». كتب لأمه ولم يزل صبيًّا يانعًا في المدرسة «لست أريد أن أكون طبيبًا لأعيش على أمراض الآخرين، ولا قسيسًا لأعيش على خطايا الآخرين، ولا محاميًا لأعيش على اختصام الآخرين؛ لذلك لست أرى لي طريقًا سوى أن أكون كاتبًا.» لكن الكتابة — للأسف — سرعان ما بينت للشاب «هوثورن» حين بدأ يكتب أنها لا تصلح موردًا للرزق، إلا إذا كان الكاتب معروفًا مشهورًا؛ فاشتغل في مناصبَ سياسية حينًا، حتى ظفر بالشهرة المطلوبة للأديب إذا أراد أن يكسب قوته عن طريق أدبه، وإنما ظفر بتلك الشهرة حين أخرج كتابه المشهور «الحرف القرمزي»٢ الذي جعل فيه بطل القصة وبطلتها يسلكان سلوكًا فيه خرقٌ قليل لقواعد الأخلاق كما يفهمها المتدين المتزمت، فينصب عليهما العقاب جزاءً وفاقًا بما فعلا؟ وله كذلك «البيت ذو الأسقف السبعة»٣ وهي قصة عبر فيها الكاتب عن عقيدته بأن جناية الآباء تنحدر إلى الأبناء، ثم له أيضًا قصة «تمثال من المرمر»٤ التي كتبها بعد جولة في ربوع أوروبا، وحاول فيها أن يجد ما يرضي نفسه من تحديد الفضيلة والرذيلة، وهو الموضوع الذي شغل ذهنه زمنًا طويلًا بحكم نزعته الدينية والأخلاقية، ولكنه فيما يظهر ترك المشكلة بغير تحديد.

ولكننا إذا ما وصفنا «هوثورن» بأنه متزمت في الدين، فينبغي أن نضيف إلى هذا الوصف أنه أخذ من ذلك التزمُّت الديني رصانته دون تخريفه، وكان من مذهبه أن الضمير الإنساني خير هادٍ في الحياة الخلقية، فقد آمن بصدق ضميره إيمانًا لم يُرضِ شعوره الديني والأخلاق فحسب، بل وجد فيه كذلك ما يقنع عقله.

(٣) هنري وادزورت لونجفلو Henry Wadsworth Longfellow (١٨٠٧–١٨٨٢م)

وهذا شاعر، كان كزميلَيه الناثرَين «إمرسن» و«هوثورن» ينشئ أدبه مدفوعًا بالنزعة الدينية، فمن مذهبه أن الفن لا يخلق للفن كما يقولون، إنما الفن وسيلة لغاية، والغاية التي من أجلها كان «لونجفلو» يقرض الشعر هي بثُّ الأخلاق الفاضلة في نفوس قارئيه، الأخلاق الفاضلة كما يفهمها معتنق مذهبه الديني الذي ينزع إلى التقشف وعدم الاسترسال في الشهوة.

كان «لونجفلو» زميل «هوثورن» في الجامعة، إلا أنه لم يكد يفرغ من دراسته الجامعية حتى سافر إلى أوروبا حيث أقام ثلاثة أعوام، يدرس في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وعاد إلى وطنه أمريكا ثم إلى أوروبا في رحلةٍ ثانية ثم إلى وطنه مرةً أخرى، وهنا عُين أستاذًا في جامعة «هارفرد» حيث ظل في كرسي الأستاذية ثمانية عشر عامًا.

كان شاعرنا طيب القلب بحيث تبدو طيبة قلبه في صورة السذاجة التي لا تعرف تعقيد الحياة والالتواء في التفكير وفي معاملة الناس؛ ولذلك مضت أعوام حياته مطردةً متشابهة ليس فيها حوادثُ ضخام ولا انقلاباتٌ مفاجئة، وربما كانت أبرز حادثة في حياته كلها موت زوجته الثانية محروقة بعد أن ماتت زوجته الأولى إبان رحلته الثانية في أوروبا. كان يقرض الشعر ليُعلِّم قارئه قبل أن يمتعه، فإذا ما قرأت شعره راعتك فيه قوة الإيمان:

ليس هناك موت! وما يبدو موتًا إن هو إلا انتقال،
هذه الحياة المعدودة الأنفاس
إن هي إلا ضاحية من حياة الخلود
التي أطلقنا على مدخلها اسم «الموت».

ولهذه البساطة في خلقه وهذا الإيمان القوي في نفسه، ظفر شعره بإعجاب الكثرة الغالبة ممن يضعون قوة الإيمان فوق كل اعتبارٍ آخر. ومن أشعاره ما له ذيوع بين الناس لا يكاد يدانيه في ذلك شاعرٌ آخر، ومن أشهر شعره دورانًا على الألسنة هذه الأبيات:

حيوات عظماء الرجال تذكير لنا
إنا نستطيع السمو بحياتنا فوق القنن،
حتى إذا ما رحلنا تركنا خلفنا
آثار أقدام على رمال الزمن؛

•••

آثار أقدام ربما رآها بعدنا آخَرُ
أخٌ لنا، تحطمت به السفين وهو وحيد
إذ هو بحرَ الحياة يمخر،
فبعد يأس يعود إليه الرجاء وهو بعيد؛

•••

فلننهض إذن ولنكن عاملين
بعزم لا ينثني أمام القدر،
فما ننفك منتجين وما ننفك مجاهدين،
وليكن جهادنا جهاد الذي صَبَر.

(٤) إدجر ألن بو Edgar allan Poe (١٨٠٩–١٨٤٩م)

ولد «بو» في مدينة «بوستن» لأبوَين يشتغلان بالتمثيل، حدث لهما أن افترقا، فأوصت الأم بأبنائها الثلاثة من تولى تنشيئهم. وكان أن اختار أديبنا «بو» وهو لم يزل من عمره في عامه الثاني تاجرٌ غني تعهد برعايته، وجاء به مُتَبنِّيه إلى إنجلترا مدى خمسة أعوام — بين سنته السادسة وسنته الحادية عشرة — فتلقَّى تعليمه الأول في إنجلترا، ثم دخل جامعة «فرجينيا» وعمره سبعة عشر عامًا، حيث تعلم شيئين أثَّرا في حياته المقبلة كلها، تعلم الآداب القديمة من أساتذته، وتعلم المقامرة من بعض زملائه. وتراكم عليه الدين نتيجة لهذه المقامرة، ورفض مُتبنِّيه ذات مرة أن يدفع عنه هذا الدين؛ فتركه «بو» وذهب إلى مسقط رأسه «بوستن»، لكنه لم يلبث أن استأنف صلة الود مع مُتبنِّيه، والتحق بالمدرسة الحربية، مع أنه كان أبعد إنسان عن النظام الحربي، فلم يطقْ قط ما فُرض عليه من نظام هناك، ولم يسعه سوى أن يهمل واجباته إهمالًا اضطر أولي الأمر إلى طرده، فجاء هذا عاملًا جديدًا من عوامل الشقاق بينه وبين مُتبنِّيه، ثم جاء آخر العوامل في ذلك الشقاق حين تزوج التاجر من سيدةٍ أخرى بعد موت زوجته الأولى، فلم توافق هذه الزوجة الجديدة على أن يقيم «بو» معهما في المنزل، لأنه — في رأيها — مصدر شغب لم ينقطع.

يحتل «بو» في الأدب مكانًا فريدًا، لتفرده في خصائصه، فهو منشئ «القصة البوليسية» وهو — فوق ذلك — مَن جعل من الحوادث المفزعة موضوعًا للفن الأدبي على نحو لا يُجاريه فيه أديبٌ آخر. وهو في رواية القصة يتبع أسلوبَين مختلفَين أتم الاختلاف، أما أحدهما فهو أن يخلق جوًّا من الفزع الذي ترتعد له فرائص القارئ، بحيث يحسُّ هذا القارئ وكأنه في كابوسٍ مخيف، وللكاتب في ذلك فنٌّ عجيب، إذ تراه يثير فيك الخوف شيئًا فشيئًا، كأنما هو يحرك فيك عصبًا بعد عصب، حتى إذا ما أحاط بك الوهم من كل جانب فاجأك مثلًا بأن الشخص الذي حكى لك عنه أنه قتل أو أُحرق، لا يزال حيًّا، هو الذي تسمع خطواته سائرًا أمام باب غرفتك! ومن خير ما تقرؤه له نموذجًا لهذا الضرب من أدبه قصة «انهيار بيت أشر».٥
وأما ثاني الأسلوبَين فهو أن يلتزم الكاتب الصدق والواقع؛ وخصوصًا فيما كتب من «قصص بوليسية» حيث أبدى براعة ليس بعدها مزيدٌ لمستزيد في حبكة العقدة، فترى الحوادث متساوقةً مترابطة تأخذ عليك انتباهك، فتظل تقرأ وتقرأ ولم يعد لديك وعي بالزمن ومروره حتى تفرغ من تلاوة القصة؛ ومن أمثلة هذا النوع قصة «الجرائم في شارع مورج»٦ التي جعل فيها القاتل قردًا، وقصة «الخطاب المسروق»٧ التي دارت حوادثها على أن خطابًا سُرق مع أن الخطاب موضوع في مكانٍ ظاهر من المكان الخاص بالخطابات. وغيرها.

و«إدجر ألن بو» شاعر فوق أنه قصاص؛ تراه في شعره — كما هو في قصته — يحلم ويتيه في خيالٍ عجيب، خذ مثلًا من شعره قصيدة «أرض الأحلام»:

في طريقٍ مظلمٍ موحش
لا يسكنه إلا الشياطين،
وبينها شيطان يسمي «الليل»
على عرش أسود جلس وتربع؛
وصلتُ هذه الأرض منذ قريب؛

•••

وِدْيان بغير قاع وغمر من الماء ليس له حدود،
وشقوق في الصخر وكهوف وغابات
يستحيل على عين أن تتبيَّن شكلها؛
لما تساقط منها من قطرات الندى،
والجبال سامقة شامخًا وراء شامخ،
موغلة في بحار ليس لها شطآن،
بحارٍ تعلو بصدرها في قلق،
جياشة بموجها في سماء من لهب،
وبحيرات ساح ماؤها إلى غير نهاية،
مياهها موحشة — موحشة وميتة —
مياهها ساكنة؛ ساكنة وباردة
بما تدلَّى فوقها من سوسن كأنه رقائق الثلج،
إزاء البحيرات التي هكذا امتدت
بمياهها الموحشة، الموحشة الميتة،
بمياهها الكئيبة، الكئيبة الباردة،
بما تدلَّى فوقها من سوسن كأنه رقائق الثلج،
إزاء الجبال، وقرب النهر
الذي غمغم في صوتٍ خفيض، غمغم منذ الأزل،
إزاء الغابات الشهباء، وجوار المستنقع
الذي سكنه الضفدع والورل،
جوار البرك الآسنة
حيث تسكن الغيلان،
في بقاع هي من بقاع الأرض أبشعها،
وفي مغاور هي من كهوف الأرض أتعسها،
هنالك بُهت الرحالة إذ هو في الطريق،
وعاودته ذكريات عهد غبر،
ذكريات لفَّت كل واحدة منها نفسها في ثوب،
ومضت كأنها الأشباح متنهدةً فازعة،
مضت إلى جوار الرحالة واحدةً بعد أخرى،
هي أشباح أصدقاء أسلمناهم منذ عهدٍ بعيد،
أسلمناهم في أسًى للأرض، وللسماء.

ومات «بو» ميتةً يحوطها الغموض؛ فإنه يروى أن حادثة وقعت له أثناء السفر، فبقي في مدينة «بلتيمور» أيامًا بسببها. وحدث أنه شرب ذات مساء حتى غاب عنه صوابه، ثم تصادف أنها كانت ليلة انتخاب، فتفكَّه به رجال الأحزاب المختلفة إذ وجدوه هائمًا على وجهه في الطرقات لا يعي، وأخذوه إلى أحد عشر مركزًا انتخابيًّا في المدينة ليدلي بصوته فيها جميعًا، ثم خلفوه ملقًى على مقعد في الطريق حتى صادفه من كان يعرفه، ونقله إلى المستشفى. وقد اعترف الطبيب الذي عالجه، اعترف بعد خمس وعشرين سنة! بأنه حين تلقَّى «بو» مريضًا لم يجد فيه أثرًا من آثار الخمر؛ وإذن فماذا كانت علته، وكيف مات؟ أراد القدر لهذا الرجل الذي عاش حياة يكتنفها الغموض أن يموت كذلك في جو من الغموض.

(٥) وولت ويتمان Walt Whitman (١٨١٩–١٨٩٢م)

أبوه فلاح ونجار، وأجداده خليط من إنجليز وهولنديين، بعضهم كان يشتغل بالفلاحة وبعضهم بالملاحة، فورث عنهم الشاعر حب الماء وحب الهواء، فليس أحب لديه من البحر ومن مكانٍ هواؤه طليق. لم يكد يشب حتى أخذ يكسب قوته بعمله، فكان أول أمره حاجبًا يرسله مخدومُه لقضاء التوافه من الأمور، ثم اشتغل بعد ذلك طابعًا، فمعلمًا، فصحفيًّا، وأخيرًا شغل نفسه بتجارة العقار إلى جانب اشتغاله بالصحافة. ولما أن بلغ عامه السادس والثلاثين نشر ديوانه الذي أطلق عليه «حشائش»٨ والذي قال عنه «إمرسن» حين صدوره «إنه أروع ما أنتجته أمريكا حتى اليوم في فطنته وحكمته.» ثم نشبت الحرب الأهلية في أمريكا، واشتغل «ويتمان» بالتمريض في أحد المستشفيات، وأصدر خلال ذلك ديوانًا آخر عن تجاربه في تلك الأعوام، أسماه «دقات الطبل»؛٩ فلما وضعت الحرب الأهلية أوزارها، استقر في واشنطن عاملًا في إحدى وظائف الدولة، حتى أصابه الشلل وهو في الرابعة والخمسين، ومات بعد ذلك بنحو عشرين عامًا.

«ويتمان» من الشعراء الذين قضوا حياتهم كلها لا يغني في شعره إلا بخواطر نفسه، ففي كل سطر خطه قلمه يعبر الشاعر عن نفسه ويكشف عما يجيش فيها، فهو يقول عن شعره إذ يقدمه لقرائه: «ليس هذا كتابًا؛ إذا ما لمس هذه الصحائفَ لامس فإنه إنما يلمس رجلًا.»

وقد عاش «ويتمان» عيش الشاعر الحر الطليق من قيود الدنيا، فهو لا يعبأ من شئون الدنيا بما يعبأ به غيره فيخضع نفسه لأصفادها، وهو لا يستعبد نفسه للتقاليد التي تستعبد سواه عن ضيق في النظر أو ضعف في الرجولة وهزال في الشخصية، وهو لا يحب نفسه الحب الذي يُنسيه كل شيء عداها والذي يجعله يتكالب على هذه وتلك من سفاسف الأشياء، وهو على الجملة مغتبط بالحياة لذاتها، راضٍ بما تتضمنه الحياة من متعة يحسها كل ذي حسٍّ مرهف. إن «ويتمان» إذ أحب نفسه فإنما أحبها لأنه أحب الحياة، والحياة التي أحبها لم تكن الحياة المرهفة الناعمة التي يدميها لمس الحرير، لكنها الحياة الخشنة المجاهدة العاملة التي تسيل بالعرق، حياة العضلات المفتولة والجسم الصليب، وإنه إذا ما أحب نفسه لحبه للحياة، فكذلك أحب بالتبع سواه من أفراد الإنسان لأنهم كذلك أحياء. لقد أحب «ويتمان» إخوانه في الإنسانية حبًّا لا يكاد ينافسه فيه شاعرٌ آخر، لا بل إنه أحب كل حي على وجه الأرض إنسانًا كان أو حيوانًا أو نباتًا، حسبه أن الشيء حي ليقدسه لأن الحياة التي تسري فيه شيءٌ مقدس؛ فهو بمثابة الرجل صاح بشعره في وجه العالم قائلًا: إنه لا أمل للدنيا بغير الحب. وليس حبه للحياة وللإنسان قاصرًا على ما يتمثل في الحياة والإنسان من عقل وروح، بل إنه ليحب كذلك هذا الجسد الحي نفسه لأنه جسد، لأنه غاية في ذاته لا لأنه أداة تخدم الروح التي تحل فيه، وهو في مجموعة من أشعاره أطلق عليها «أبناء آدم»١٠ تراه يمجد لذائذ الجسم في صراحة قد يدهش لها الأخلاقي الذي لا يفهم وجهة نظر الشاعر. فشاعرنا ليس يدعو إلى مجون وانغماس في الشهوة حين يدعو إلى لذة الجسد، بل هو يمجد الحياة الشعرية الطبيعية التي لا شذوذ فيها، فلو أمعنت في شهوة الجسد فأنت شاذ، ولو أمعنت في حرمان الجسد فأنت شاذ كذلك، ولم يخلق جسدك لهذا أو ذاك، إنما خلق لحياةٍ معتدلة، وفي هذا الاعتدال جمال وجلال.

ومن شعره:

إليكِ أيها الديمقراطية
تعالي، فسأجعل البلاد وحدة لا تنفصم عراها،
سأجعل أشرف من سطعت عليه الشمس من أمم البشر،
سأجعل البلاد إلهيةً في بهائها فاتنةً بسحرها،
سأصنع كل هذا بحب الإنسان للإنسان،
بحبٍّ يدوم مدى الحياة بين الإنسان والإنسان،

•••

سأبث الإخاء على شطآن الأنهار في أمريكا كأنه الشجر الكثيف،
وعلى شطآن البحيرات العظمى، وفي أرجاء السهول،
وسأجعل من المدائن وحدة، إذ تعانق كل مدينة أختها بالذراعين،
سأصنع كل هذا بحب الإنسان للإنسان،
بحب فيه معاني الرجولة بين الإنسان والإنسان.
هذه هباتٌ مني إليك أيتها الديمقراطية، لأكون مُعينك يا معشوقتي،
في سبيلك، في سبيلكِ أنتِ أُغنِّي ما أغني من أناشيدي

ومن قصيدة له في رثاء الرئيس «لنكولن»:

أقبِلْ أيها الموت الجميل المريح،
دُرْ بموجك حول الأرض، ثم أقبل، أقبل رصينًا،
أقبل في النهار، أقبل في المساء، أقبل على الجميع، على كل فرد من الجميع،
أقبل عاجلًا أو آجلًا أيها الموت الرقيق،

•••

لك هذا الكون الذي ليس لخضمِّه قاع!
لك هذا الكون لما فيه من حياة ومن غبطة، وما فيه من كائنات ومن علم،
ثم لله هذا الكون لما فيه من حب، حب جميل؛ لكن الثناء على الكون؛
الثناء، الثناء!
لما فيه من «موت» إذ يُطوِّقنا بذراعَيه، ويلفُّنا ببرده!

•••

يا أُمَّنا السوداء التي ما تنفك على مقربة منا سائرة في غير صوت، على قدمَين طريتَين؛
ألم يُغنِّ لك شاعر أغنية الترحيب الذي لا يشوبه اكتئاب؟
إذن فلْأغنِّها لك، إني لأُمجِّدك بما لست أُمجِّد به شيئًا آخر،
سأغني لك أغنية حتى إذا ما جئتِني — وإنك لآتية — جئتِني في غير ارتياب.

•••

لك يا موت الليل الصامت تحت منثور النجوم
وشط المحيط، والموجة التي أعرفها بهمسها الأبحِّ،
والروح إذ تعود إليك، يا أيهذا «الموت» الفسيح الذي قنَّع وجهه فأحكم القناع،
ثم لك الجسد إذ يثوي في حضنك معترفًا لك بالجميل.

•••

سأُغنِّيك يا موت أغنيةً أرسلها من أعالي الشجر،
سأرسلها فوق الموج الصاعد الهابط، فوق متلاحق الحقول وفسيح السهول؛
فوق المدائن المزدحمة بآهليها، والطرق التي تموج بالسائرين،
سأرسل إليك أغنيتي، في نشوة، في نشوة، أيهذا «الموت».

(٦) هاريت بيتشر ستو Harriet Beecher stowe (١٨١١–١٨٩٦م)

هذه سيدة نبغت في القصة، وكان موضع نبوغها قصة «مقصورة العم تُمْ»١١ التي يكاد يستحيل أن تجد من لم يقرأها بين من يقرءون القصة، والتي كادت تُترجَم إلى لغات الأرض جميعًا، والتي قرأَتْها عند صدورها القصصية الفرنسية «جورج سان» فامتدحتْها وعرفتْ لها قدرها العظيم.

ولدت «هاريِتْ» لأبٍ قسيس، وبدرت فيها بوادر النبوغ وهي لم تزل في سنٍّ مبكرة؛ فهي في عامها الحادي عشر كتبت مقالًا تجيب به عن هذا السؤال: هل يمكن أن نهتدي بظواهر الطبيعة في البرهنة على خلود الروح؟ ثم عقبت على هذه المقالة بمأساةٍ منظومة. ولما كانت الفتاة في سن الحادية والعشرين، انتقل أبوها مصطحبًا معه أسرته إلى بلدٍ يُدعى «سنسناتي» على الحدود بين الشمال والجنوب من الولايات المتحدة، فكانت هذه فرصةً للأديبة أن ترى بعينَي رأسها حالة العبيد في القسم الجنوبي، ولو أنها لم ترَ من ذلك إلا مثلًا لا يوضح حالة العبيد في أبشع صورها، لكنها تحركت لما رأت. وتزوجت «هاريت» وهي في الخامسة والعشرين، وبعد زواجها بخمسة عشر عامًا كتبت قصتها العظيمة الخالدة «مقصورة العم تُمْ». وما يجدر ذكره لطرافته، أن الكاتبة بدأت قصتها بفصل عن موت «العم تُمْ»، وقبل أن تمضي في إنشاء قصتها قرأت ذلك الفصل على أطفالها، فبكى الأطفال بكاءً مرًّا لما سمعوا! مضت الأم تكتب قصة «العم تُمْ» فصلًا فصلًا، وكلما فرغت من فصل نشرته؛ فلم تلفت قصتها الأنظار إبان نشرها على حلقات، لكنها لم تكد تُجمع في كتاب حتى طار ذكرها في الآفاق، وعُدَّت من فورها بين أعظم من أنشأ القصة من أدباء العالمين. وكتبت «هاريت» غير هذه القصة قصصًا أخرى، لكنها لا تُذكَر إلا بها، ولم تخلد إلا بها، ولعلها لم تنبغ إلا بها. وماذا أنت قائل في قصة تكون بين العوامل التي حركت الناس إلى حربٍ أهلية محورها حالة العبيد في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة؟ ماذا أنت قائل في قصة تصادف أشد إعجاب لدى كاتبةٍ مثل «جورج سان»، وتقبل على قراءتها في شغفٍ الملكةُ فيكتوريا؟ لا نريد أن الأدب تقاس عظمته بمن يقرءونه من ملوك الأرض وملكاته، ولكنا نريد أن الأثر الأدبي إذا ارتجَّ بصداه العالم حتى بلغ الصدى آذان الرءوس المتوَّجة، فلا بد أن يكون أثرًا أدبيًّا له مكانته.

(٧) هنري ديفد ثورو Henry David Thoreau (١٨١٧–١٨٦٢م)

«ثورو» كاتبٌ مزج نفسه بالحيوان مزجًا، وكتب عن الحيوان كتابة الصديق عن أصدقائه. لقد عاش في الريف، وقضى شطرًا عظيمًا من حياته في غابةٍ مجاورة لقريته، ثم كتب عن الريف وعن الغابة، فجاءت كتابته شاهدًا على ملاحظةٍ دقيقة وحسٍّ مرهف وقلبٍ نابض بالإنسانية الحية الرفيعة. ثم هو فوق ذلك رجلٌ له فلسفته في الحياة ورأيه في الإنسان، وبهذه الفلسفة وهذا الرأي استحق «ثورو» أن يخلد بين قادة الفكر. إن كل كائنٍ حي له عنده احترام، بل له توقير وتقديس، فالكائنات الحية كلها أفراد أسرةٍ واحدة، هم زملاء في هذه الحياة، هم شركاء في الروح. وليس عجيبًا — إذن — ما يروى عن «ثورو» أنه كان يذهب إلى الغابة فيطمئن له الحيوان ولا يبدي علامات الذعر التي يبديها عادة في حضرة الإنسان. إنه إذا حط على كتفه عصفور سمعته يقول: إن هذا العصفور على كتفي لأشرفُ لي من وسامٍ ذهبي أُزخرف به سترتي!

وينطوي «ثورو» على نفسه ليدرسها، فيجد في ذلك أيضًا متعة لا تنقضي، لا بل يراه واجبًا مفروضًا على الإنسان أن يدرس روح الإنسان متمثلة في روحه هو، وعقل الإنسان مصوَّرًا في عقله هو. إن أفراد الإنسان جميعًا نسخٌ من أصلٍ واحد فأعجب العجب أن يكون عندك كتاب لم تقرأه، ثم تذهب إلى جارك لتستعير منه نسخةً من الكتاب نفسه! كثير من الناس يدرسون الإنسان فيمن حولهم من الناس، تاركين نفوسهم، وفي نفوسهم الكفاية لو استطاعوا أن يبلغوا أغوارها. فأديبنا «ثورو» حين أراد أن يدرس الإنسان وعقله وروحه، أراد أن يدرس «هنري ديفد ثورو»؛ أراد أن يدرس نفسه.

أقام «ثورو» عامَين في غابة «وولْدِنْ»١٢ وسجَّل ملاحظاته عن الحيوان في كتاب هو الذي يُعرف به في دولة الأدب، وأطلق على الكتاب اسم الغابة، وهو كتاب يُعدُّ بين أمهات الكتب في العالم.

(٨) وشنطن إيرفنج Washington Irving (١٧٨٣–١٨٥٩م)

لئن قيل لك إن الأدب الأمريكي يتميز من سائر الآداب بخصيصة في فكاهته، فاعلم أن مبدع هذه الروح فيه هو «وشنطن إيرفنج» الذي يعرف بقصةٍ قصيرة له تسمى «رِبْ فان وِنْكِلْ»١٣ أظهر فيها كل نبوغه الأدبي، وقد تبعه كثيرون من أدباء أمريكا في فكاهته وفنه، لكنهم كانوا يجولون بتلك الفكاهة في محيط بلدهم بحيث تصادف الإعجاب عند مواطنيهم ولا تهزُّ بالابتسام قارئًا خارج أرضهم، أما «إيرفنج» فلمْسته إنسانيةٌ عالمية يحسها قلب الإنسان أنى كان، ولقد قيل إن «سير وولتر سكُتْ» قرأ قصة «إيرفنج» «رِبْ فان ونكل» فأغرق في الضحك حتى كاد ينشقَّ من الضحك جنباه.

وخلاصة هذه القصة القصيرة المشهورة أن «رِبْ» ذهب إلى الجبل ذات يوم فالتقى في أحد الكهوف بجماعة من الشياطين تلعب وتشرب، وأذاقوه من خمرهم فنام عشرين سنة، حتى إذا ما عاد وجد وجه البلد قد تغير وأنكره الناس إلا رجلًا واحدًا. هذا هو الإطار الذي قص فيه الكاتب قصته، فصوَّر وتفكَّه، وكان بديعًا في تصويره، رائعًا في فكاهته.

وقد بلغ «إيرفنج» قمة نجاحه الأدبي وهو في السادسة والعشرين من عمره، ثم أنفق بعد ذلك عشر سنوات في التجارة، انتهت بإفلاسه، فعاد إلى حظيرة الأدب معتزمًا ألا يهجرها إلى سواها، وأخرج «كتاب الصور»،١٤ أخرجه منجَّمًا على أقسام، خلال عامَين؛ وسرعان ما ذاع ذكره أيضًا في أوروبا. وكأنما وضع «إيرفنج» بما أنشأه نموذجًا لمن جاء بعده من الأدباء في أمريكا يحتذونه، فقد كانت الصورة الأدبية دائمًا واحدة عند الجميع: يصور الأديب شخصًا له علاماته المميزة وقسماته الفريدة، ثم يُنطقه بما يريد له أن ينطق في نقد هذا الجانب أو ذاك من جوانب الحياة، في نوع من الفكاهة خاص لا تكاد تخطئه لما فيه من تهكم لا يتوخى رقة اللمس ولا يبالي إن جاءت ضربته قاسية غليظة.

(٩) مارك توين Mark Twain (١٨٣٥–١٩١٠م)

هو أعظم الأدباء الناثرين في أمريكا في القرن التاسع عشر، تجمعت فيه كل خصائص النثر الأمريكي التي ظهرت في أسلافه من الأدباء، خصوصًا روح الفكاهة، اسمه الحقيقي هو «صموئيل لانجهورن كلمنز Samuel Langhorne Clemens» لكنه حين كان في عامه السابع عشر اشتغل ربانًا لسفينةٍ تجارية في نهر المسسبي، ومن عادة الربان أن يقيس عمق الماء بين آونة وأخرى، ويصيح لأحد البحارة قائلًا — مثلًا — «علم على واحد» «علم على اثنين» «علم على ثلاثة» وهكذا، ومن هذه الصيحات اشتق اسمه الذي اشتهر به، ﻓ «مارك توين» معناها الحرفي «علم على اثنين».
نقول إن «مارك توين» أبرز في أدبه صفة التفكُّه التي عُرف بها الأدباء الأمريكيون؛ التفكه الجاف يقوله رجل خبر الدنيا ولم ينعزل عن الحياة في برج من العاج، رجل خبر الحياة كما يحياها الناس فيلمح فيها ما يُثير الابتسام، فلا يمتنع عن الضحك من غفلة الناس وغفلته معهم، وقد استعاد بذاكرته كل تجاربه في صدر حياته، فاستمدها كثيرًا من مادة أدبه، وأضاف إليها ما خلقه خياله. ومن أول إنتاجه «أمريكي في بلاط الملك أرثر»١٥ والملك أرثر — كما علمت في الجزء الأول من هذا الكتاب — ملكٌ أسطوري في العصور الوسطى، كانت تنسج حول شخصيته القصص عن فرسان تلك العصور وشهامتهم في القتال دفاعًا عن الضعفاء ومن إليهم ممن يحتاج إلى معونتهم، فتخيل «مارك توين» أن أمريكيًّا حديثًا، بعقلية الأمريكي ونظراته وآرائه، قد عاش في بلاط الملك أرثر وفرسانه، ثم اتخذها الكاتب فرصةً ليزيل عن ذلك العهد ما نُسج حوله من أوهام جعلته يبدو عهدًا لامعًا براقًا، وهو في حقيقته عصر تعس وشقاء.
على أن شهرته ترتكز على كتابَين غير هذا، هما «الضفدعة الوثابة»١٦ و«السذج في الخارج»١٧ وهما كذلك مزيج من حقائق الحياة وخيال الكاتب. على أن الحقائق نفسها كانت تمطُّ بخياله حتى تبدو على صورةٍ مثيرة للضحك، خذ مثالًا لذلك أنه حين كان في مدينة دلهي بالهند دخل غرفته قردان، هذه حقيقة، فلما سجلها في أدبه، سجلها على هذه الصورة: «ولما استيقظت من نومي وجدت أحد القردين أمام المرآة يسوي شعره بالفرجون، ووجدت الآخر قد أمسك بكراسة مذكراتي يقرأ فيها صفحةً فكاهية، لكنه يبكي لقراءتها؛ فلم يعنني القرد الذي يسوِّي شعره بالفرجون، لكن سلوك القرد الثاني أساء إلى نفسي أيما إساءة، ولا أزال حتى اليوم أشعر بأثر تلك الإساءة.»

وللكاتب كذلك «تُمْ سُويَرْ» و«هَكِلْبري فِنْ» وفي كلٍّ منها يصوِّر صبيًّا له مميزاته الخاصة التي تجعله فردًا له سماته وقسماته. وهاتان الصورتان من أهم ما يذكر في آداب العالم إذا ما ذكرت صور الغلمان التي خلقها خيال الأدباء، وقد استمدَّ الكاتب شخصية «هكلبري» من غلام في الواقع كان يتيمًا وتشرد في الطرق والغابات. وقد حكى «مارك توين» كثيرًا جدًّا من تجاربه الشخصية وهو في غلومته إذ قصَّ لنا عن حياة «هكلبري»، وأما الصبي الآخر الذي صوَّره نعني «تُمْ سُوير» فقد جاء في الحقيقة مؤلَّفًا من ثلاثة جوانب استمدها الأديب من ثلاثة غلمان، وجمعها هو بخياله في شخصيةٍ واحدة، وهنا كذلك سجل «مارك توين» كثيرًا من تجاربه وتجارب زملائه في المدرسة في مثل هذه السنِّ.

١  English Traits.
٢  The Scarlet Letter.
٣  The House of the Seven Gablse.
٤  The Marble Faun.
٥  The Fall of the House of Usher.
٦  The Murders in the Rue Morgue.
٧  The Purloined Letter.
٨  Leaves of Grass.
٩  Drum Taps.
١٠  Children of Adam.
١١  Uncle Tom’s Cabin.
١٢  Walden.
١٣  Rip Van Winkle.
١٤  The Sketch Book.
١٥  A Yankee at the Court of king Arthur.
١٦  The Jumping Frog.
١٧  The Innocents Abroad.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤