حادث أول النهار!

أخذ «محب» يُطالب «نوسة» بالإسراع في ارتداء ملابسها، كانا على موعد مع عمهما المهندس «إسماعيل» للذهاب إلى القاهرة … ثم إلى المطار لانتظار ابن عمهما «أحمد» الذي كان في زيارةٍ طويلةٍ لأمريكا … كان موعدُ الطائرة العاشرةَ، ويجب أن يتحرَّكوا من المعادي في الثامنة؛ فالمسافة تستغرق نحو ساعة ونصف بالسيارة.

وبعد دقائق، تناولا إفطارهما على عجلٍ، وشَرِبا اللبن، ثم خرجا بالدراجتَين متَّجهين إلى منزل العم «إسماعيل»، ولكن عندما أشرَفا على المنزل، كان المشهد غير عاديٍّ … فلم تكن سيارة العم «البويك» واقفةً أمام الباب كما كان متوقعًا … أكثر من هذا كان الشاويش «علي» الشهير ﺑ «فرقع» يقف هناك، وقد بدا غاضبًا ومتوترًا.

وأحسَّ «محب» بقلبه ينقبض … فمن الواضح أنَّ ثمة أحداثًا غير عاديةٍ تجري أمام «الفيلا» … هل حدثت سرقة؟

هكذا حدَّث نفسه … وكذلك فعلت «نوسة» التي قالت: تُرى ماذا حدث؟

محب: ربنا يستر … ولكن ثَمَّة شيء غير سارٍّ في انتظارنا.

وقف «محب» و«نوسة» أمام الشاويش.

وقال محب: صباح الخير يا حضرة الشاويش … ماذا حدث؟

صاح الشاويش غاضبًا: ما لكَ وما حدث؟ من أين أتيت؟ ولماذا أتيت؟

محب: سببٌ بسيطٌ جدًّا يا شاويش … هذه «الفيلا» مِلكٌ لعمِّي المهندس «إسماعيل» … وكنت قادمًا لزيارته.

الشاويش: زيارة في السادسة والنصف صباحًا؟

محب: نعم … كنَّا ذاهبين إلى المطار معه!

الشاويش: إنني …

وقبل أن يُكمل الشاويش عبارته، ظهر المهندس «إسماعيل» وخلفه زوجته … وقال: صباح الخير يا «محب» … صباح الخير يا «نوسة» … قال «محب» و«نوسة» في نَفَسٍ واحد: صباح الخير … ماذا حدث؟ ابتسم المهندس «إسماعيل» وقال: خيرٌ إنْ شاء الله … لقد سرَق أحد اللصوص سيارتي!

ذُهل «محب» لحظات وقال: سرقها؟! كيف؟

إسماعيل: لا أدري … خرجتُ في السادسة تقريبًا؛ لتجهيزها للرحلة ففوجئت أنها ليست موجودةً في «الجراج».

محب: والبواب … أين البواب؟

إسماعيل: لسوء الحظ … سافر أمس إلى بلدته لزيارة أمه المريضة، ولم يَعُد حتى الآن …

محب: وهل كان باب …

قاطعه عمُّه قائلًا: لا وقت للأسئلة الآن … فالوقت ضيقٌ، ويجب أن أذهب؛ لألحق بالطائرة … سأمرُّ على والدك لآخذ سيارته …

محب: إذن سأبقى هنا؛ لأُتابع التحقيق مع الشاويش.

وتبادَلا التحية مع عمهما وزوجته … ودخلا إلى «الجراج» حيث كان الشاويش مُنهمكًا في البحث …

سأله «محب»: عن أيِّ شيءٍ تبحث يا شاويش؟

الشاويش: أبحث … إنني أبحث عن آثار اللص.

محب: داخل «الجراج» … هل تتصوَّر أنه نسي حذاءه أو منديله … زمجر الشاويش غاضبًا وقال: لا تتدخل في عملي … إنها ليست أول سيارة تُسْرَق؛ فعندنا كشفٌ بخمس سيارات أخرى.

محب: إذن هذه ظاهرةٌ وليسَت حالة فردية.

الشاويش: نعم … ومجموعة مكافحة سرقة السيارات تقوم بتحريات واسعة حول هذه الظاهرة … وبالطبع سوف أُبلغهم بهذه السرقة!

أخذ «محب» يتأمَّل باب «الجراج» … كان قِفله مكسورًا، وواضح أن اللصَّ قد استخدم «أجنة» حديدية في عملية الكسر … وقال لنوسة: هل لاحظتِ أن القفل مكسور؟

نوسة: نعم … وقد كُسِرَ بقطعةٍ من الحديد!

محب: نعم … ويُسمُّونها «أجنة»، وهذا يعني أنه لصٌّ عنيف!

دَوَّنَ الشاويش بعض الملاحظات في «أجندته» … ثم انصرف، في حين دخل «محب» إلى «فيلا» خاله، واتَّصل ﺑ «تختخ» و«لوزة» و«عاطف»، وطلب منهم الحضور إلى «الفيلا» … ولم تمضِ ربع ساعة حتى كان المُغامرون الخمسة يَدرسون السرقة من كل جوانبها …

كان «الجراج» مكونًا من غرفة واحدة مُستطيلة في الجانب الأيمن من «الفيلا»، وبجواره غرفة البواب … وهناك باب يُفتح بين غرفة البواب و«الجراج» … وكان الممر أمام «الجراج» مُغطًّى بالبلاط حتى نهاية الممر الذي يَنتهي بباب على الشارع … وكان من الصعب البحث عن آثار أقدامٍ على البلاط … فقد كانت هناك عشرات الأقدام مختلطة ومُتشابكة … كما أن البلاط كان من النوع المنقوش، وبه تعاريج بارزة إلى الخارج …

كان واضحًا أنَّ السيارة سُرقت ليلًا … وأنَّ اللص من مُحترفي السرقة؛ لأنه استخدم «أجنة» في كسر القفل الضخم الذي يوضع على باب «الجراج» … ولأنه استطاع إدارة السيارة وهي من طراز «بويك»، وهي سيارة لا تَسهُل سرقتها.

لم يكن أمام المغامرين الخمسة شيءٌ يفعلونه … فركبوا دراجاتهم وذهبوا إلى حديقة منزل «عاطف» حيث بدءوا مناقشة واسعة، استهدفت معرفة ماذا سيفعل اللص بالسيارة.

قال «تختخ»: هناك أنواع من لصوص السيارات … بعضهم يأخذ السيارة لتغيير معالِمها … فهو يُغيِّر لون السيارة، وأرقامها، ويُزوِّر رخصة قيادة، ثم يبيعها على أنها مِلكُه، وهؤلاء عادة من العصابات التي تخصَّصت في سرقة السيارات. وهناك لصوصٌ محترفون يسرقون السيارات ليجرِّدوها من الأجهزة، وقطع الغيار الغالية بها … مثل جهاز الراديو والتسجيل … والإطارات، وبعض أجزاء المحرِّك السهلة الفك والخلع، وهم يتركون السيارة بعد ذلك في بعض المناطق البعيدة، وهؤلاء أقل خطورةً من النوع الأول … وهناك لصوصٌ يسرقون السيارة لمجرَّد ركوبها … والتنزُّه بها هنا وهناك ثم إعادتها إلى أقرب مكان، أو تركها بعد أن يَنفد منها الوقود … وللأسف الشديد أنه لوحظ أن بعض الطلبة يقومُون بهذا النوع من السرقات.

لوزة: وماذا يحدث إذا قُبض عليهم؟

تختخ: يُحاكَمون طبعًا أمام محكمة للأحداث، وعادةً ما يودعون إصلاحيات الأحداث … وينتهي مستقبلهم … ومنهم من ينقلبُ إلى لصٍّ خطيرٍ!

لوزة: ولكن لماذا يفعلون هذا؟

تختخ: إنهم من مرضى النفس، وهم يُحبُّون التفاخُر والتباهي بأنهم يَملكون سيارات، أو مغامرون لا يهابون القانون، وهذا خطأٌ قاتلٌ؛ لأنهم يقضون على أنفسهم وعلى مستقبلهم … ولو انتظروا حتى يكبروا ثم يعملون بجدٍّ فسوف يستطيعون شراء السيارة من مالهم الخاص!

نوسة: ومَنْ تظن مِن هذه الفئات الثلاث الذي سرق سيارة عمي؟

تختخ: من الصعب الآن الحكم … ولكنني أُرجح أنهم من العصابات المتخصِّصة في سرقة السيارات … إنَّ اللصوص الصغار يسرقون السيارات السهلة السرقة، ومن النوع الذي يسهل إدارته … ومن أمام دور السينما أو الشوارع … ولكن هذه السرقة تمَّت في «فيلا»، وتمَّت ليلًا، وفي الأغلب في ساعةٍ متأخِّرةٍ من الليل؛ لأن عمَّك كما أعلم يسهَر كثيرًا في عمله … ثم إن السيارة من طراز «بويك» وهي سيارةٌ أمريكية قوية، ومن الصعب فَتحها وإدارتها، مما يؤكِّد أنَّ اللص أو اللصوص من مُحترفي سرقة السيارات.

لوزة: وماذا تتصوَّر دورنا في هذه العملية؟

تختخ: سنقوم بجولاتٍ حول المعادي، وفي الأماكن المتطرِّفة، لعلَّنا نجد السيارة، وفي نفس الوقت نُريد أكبر كمية من المعلومات من الشاويش «علي».

محب: من الواضِح أنه لا يُريد أن يتعاون معنا.

تختخ: إنَّ عمك، باعتباره صاحب المصلحة يُمكنه أن يحصل على ما يُريد من المعلومات منه … وهناك نقطتان هامتان في هذه السرقة …

والتفت المُغامرون إلى «تختخ» مُستفسِرين فاستكمل حديثه قائلًا:

أولًا: حكاية غياب البواب في تلك الليلة … هل كان عذرُه في السفر إلى بلدته حقيقيًّا أو مُفتعلًا … بمعنى آخر هل اتَّفق مع العصابة على هذا الغياب؛ ليُخلي لهم الطريق أو أنه سافر بسبب مرض والدته كما قال … إذا عرفنا الحقيقة فإنها قد تُقرِّبنا من معرفة معلوماتٍ جديدة هامة … النقطة الثانية هي ما قاله الشاويش «علي» ﻟ «محب» … لقد قال له إنَّ هناك خمس سيارات أخرى مسروقة … وهذا يعني أننا أمام ظاهرةٍ، وليس أمام حالة فردية … وكما تَعرفون أن الظاهرة تعني تكرار وقوع حدثٍ مُعيَّنٍ بشكلٍ مُستمرٍّ …

لوزة: أريد أن أفهم أكثر!

تختخ: مثلًا إذا مرض شخصٌ بالحُمى في المعادي، فهذا حدثٌ فردي … ولكن إذا مرض عشرة أشخاص أو أكثر بنفس المرض، فهذه ظاهرة مرضية.

لوزة: الآن فهمت!

تختخ: ومعنى هذا أننا سنُقسِّم أنفسنا إلى مجموعات، كل مجموعةٍ تتجه إلى منطقةٍ معينةٍ للبحث عن السيارة …

وقبل أن يُكمل «تختخ» جملته ظهر الشاويش «علي» على باب الحديقة، كان واضحًا أنه مُرهَقٌ … وأنه عصبيٌّ … وعلى استعداد للدخول في معركة كلامية مع المغامرين … والتفت المغامرون إليه، وهو يتَّجه إليهم، وهو يعبث بشاربه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤